يتبع
كان الشيخ ذا شأن في أسرته، ومكانة عالية لدى ملوكها، فهو ابن عم الملك عبدالعزيز - يلتقي وإياه في جدهما القريب فيصل - وفي ذات الوقت كان متزوجا بشقيقته الأميرة الصالحة منيرة بنت عبدالرحمن، والملك عبدالعزيز - كما يذكر المؤلف مسندا - يوصي أبناءه بصلة أرحامهم عامة، وبصلة الشيخ وزوجه منيرة خاصة ويقول: ((إنهما خيرة آل سعود))، وغير ذلك من الصفات التي جعلت الشيخ في الرعيل الأول من أمراء البيت السعودي الحاكم، ومع هذه المكانة يصف الشيخ عبدالله بن جبرين تواضعه وهو العارف به فيقول: كان في طلبه للعلم يجلس على التراب والحصباء، ولم تكن المساجد إذ ذاك قد فرشت بالزل والفرش الناعمة، وإنما فرشها الحصر المنسوجة من الأعواد ونحوها، فهو يجلس عليها رغم خشونتها دون أن يستصحب معه سجادة أو فرشا خاصا، وفي منزله غالبا يجلس على الفرش المعتادة دون السرر والكراسي الرفيعة، وفي حجه ينزل في خيمة متواضعة يفتح أبوابها للطارقين والزوار، وغالب حجه عن طريق البر مع توفر المراكب الجوية له، وهو متقشف في لباسه لا يرتدي إلا المشالح العادية التي يلبسها آحاد الناس، ولا يأكل إلا على الأرض وبالجملة - ولا يزال الحديث لابن جبرين - فهو مثال للتواضع والتذلل في كل أحواله وقد أعرض عن زينة الحياة الدنيا وزخرفها، ورضي بمخالطة العوام والجلوس معهم، ولم يتخذ بوابين وحراسا وحجابا يمنعون من الدخول عليه... وغير ذلك كثير من صفاته التي كتبها الشيخ ابن جبرين في عشر صفحات تحدثت عن أدب لسانه ومجالسه وطلبه للعلم وتعبده قياما وصياما وحرصه على الطاعات والأعمال الصالحة.
حتى لا أحيل القارئ إلى مفقود فالصورة المذكورة ليست مرفقة بأصل الكتاب، ولأمر ما - لعله المصادفة المحضة - أرفقت بغلاف النسخة المهداة إلي.
بقي أن أذكر أن الكتاب من تأليف الشيخ خالد بن عيسى المغيدي العسيري، ومراجعة الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الخضير، ومن تقديم كل من: سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، ورئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح بن محمد اللحيدان، وفي المقدمة الأولى يقول سماحة المفتي: عرفنا سموه وهو من العباد المشهورين، حريصا على الصلوات، ملازما للجماعة، وعلى الاعتكاف في شهر رمضان، وعلى العمرة والحج، زاهدا في دنياه، ملازما للعلم، ملازما لحلقة شيخنا العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ، إضافة إلى ما عمر به مجلسه من القراءة في كتب أهل العلم والاستفادة منها... وبنحو هذا ذكره الشيخ اللحيدان في مقدمته، وبعد المقدمتين يطالعنا المؤلف بقصيدة له من ثمانية أبيات، وهي ضعيفة فنيا لمباشرتها، إلا أنها تثبت مشاعره الودية نحو الشيخ، وعنوان القصيدة ((أمير الزهد)) وهو عنوان صادم لإيغاله في المبالغة، ولو طالعه المترجم له لما أقر المؤلف عليه، ولو سمعه يلهج به لنهاه عنه، وأحسبه سيقول له: زادك الله حرصا ولا تعد.. لا لشيء إلا لأن من يزهد لله لا يتطلع لثناء الخلق وهو يرجو ثناء الخالق، ومن يفر من الدنيا ونعيمها لا يعجبه زخرفها، ومن الوفاء للشيخ بعد مماته أن يذكر بما يحب في حياته.
قوة شخصية الشيخ - أو مفتاح شخصيته كما يعبر العقاد في دراسة عبقرياته - تكمن في الزهد لا في الاستزادة، وفي التواضع لا الترافع، وفي التماهي لا التباهي، وعنوان القصيدة يحيل إلى حكم مطلق يتنافى مع الموضوعية التي ينبغي للبحث الجاد أن يتسم بها، كما أن الشيخ غير محتاج لأن يوصف بهذه المبالغة، وله رصيد ضخم من المواقف والأخبار التي أثرت سيرته ومن شأنها أن تغني الكتابة عنه بغير هذه المبالغة.
بعد هذه القصيدة يطالعنا المؤلف بتمهيد لكتابه، يذكر فيه باعثه على تأليفه، مؤكدا أن ثناء العلماء على الشيخ وذكره الحسن هو ما حداه إلى الكتابة عنه، ثم يشير إلى ملمح جميل يكمن في أن ذكر الصالحين من المعاصرين أشد تأثيرا في نفوس معاصريهم من ذكر المتقدمين؛ لأن النفس الأمارة بالسوء ترد صاحبها عن الاقتداء بمن سبق لأعذار واهية، كاختلاف الحال، وتغير الزمان، فإذا ذكرت سير المعاصرين ذهبت الوساوس وانقطع دابرها.
وبعد التمهيد يعنون المؤلف لأهمية الترجمة لأهل الفضل من العلماء والصالحين، ويورد ما يناسب ذلك من الآيات والأحاديث، ثم يورد الترجمة وفيها معلومات تاريخية عن الشيخ وأسلافه قد لا تجدها في غير هذا الكتاب، ثم يتحدث عن مولده ونشأته وأخذه للعلم عن الشيخ سعد بن عتيق، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وهو أشهر مشايخه، وكان الشيخ كما يذكر المؤلف مجدا في طلب العلم، فحفظ القرآن صغيرا، ثم حفظ بعض المتون في العقيدة والفقه والفرائض... وغير ذلك كثير، وهكذا يمضي المؤلف من عنوان إلى عنوان ومن فصل إلى فصل حتى يضع القلم عند وفاته وثناء العلماء عليه.
http://www.al-jazirah.com/84158/wo1d.htm