العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السيـاسية

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: فرسة و خيّال (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: الصرف في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الرد على مقولات الباحث عن الحقيقة المنسية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الفروج في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الكرم في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: أشراط الساعة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الشلل في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الخشوع في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: بيان أخطاء مقال خيانة الوعي: حين تحوّل «ٱلنَّبِىّ» إلى «النبي» (آخر رد :رضا البطاوى)       :: موت الموت الرباني (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)      

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 25-10-2007, 01:22 AM   #1
صتيمه
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 561
إفتراضي الأمير محمد بن عبدالعزيز بن سعود.. المتبتل في محراب الزهد

الأمير محمد بن عبدالعزيز بن سعود.. المتبتل في محراب الزهد (1313 - 1404)

بقلم - عبدالله بن أحمد آل ملحم


الحديث عن الأمير العالم الزاهد محمد بن عبدالعزيز بن سعود يغري بالحديث عن ظاهرة التسمي في مجتمعنا العربي، من حيث هي ظاهرة موروثة تجيء بوصفها سلوكا قيميا نبيلا، ومن حيث هي جزء من ثقافتنا العربية الأصيلة، وأؤكد على أرومتها العربية لنزوعها المعرق إلى عصر صدر الإسلام وما قبله، ومن ثم حضورها المتصل في أدبيات ثقافتنا المحلية حتى عصرنا الحاضر.

في الماضي ترى هذه الظاهرة في أكثر من مصدر من تراثنا، كما في خبر الأنصاري الذي جاء عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - فقال له: يا بن عم رسول الله إنه ولد لي مولود وقد سميته باسمك، فهنأه ابن عباس وأمر له بجارية تحضنه، ومائتي دينار لينفقها على تربيته... وفي الحاضر ترى في مجتمعاتنا العربية وفي جزيرتنا العربية خاصة، وباعثها إعجاب المسمي بالمسمى به، أو وفاؤه له، أو بهما معا، ومن ثم يجيء نسق أسري يقتفي أسماء من سلف من آبائه برجاء اقتداء الأبناء بالآباء، والمسمون بالمسمين، ومع تعاقب الأجيال تكثر الأسماء، والكثرة تحيل إلى تشابه، والتشابه يحيل إلى صعوبة، ومن ثم يصبح من الصعوبة بمكان تحديد إحدى شخصيات الأسر الكبيرة في المجتمع السعودي لتشابه أسماء رجالاتها الكثيرة المتشابهة.

وفي الأسرة السعودية المالكة - كما في أسر أخرى حاكمة وغير حاكمة - يحدث ذات التشابه لتطابق أسماء رموزها ورجالاتها، لاسيما حين يجتمع في سلسلة العلم الواحد أسماء متكررة للأئمة: محمد، عبدالعزيز، سعود، فيصل، تركي... وغيرهم من رموز الدولة السعودية في أدوارها الثلاثة، ولتفادي تبعات هذا التشابه وما قد يتمخض عنه من لبس تبرز الألقاب والكنى كدلالة فارقة بين السمي وسميه، وكحل يزيل اللبس عن كل منهما، وفي هذا الصدد نجد أن الملك عبدالعزيز قد عمد إلى تلقيب ابن عمه الأمير سعود بن عبدالعزيز بن سعود بن فيصل بلقب (الكبير) تفريقا له عن ابنه الأمير سعود - الملك فيما بعد - لكونهما مقربان منه، وكلاهما كان يحضر مجلسه، وكلاهما يدعى: سعود بن عبدالعزيز، فلقب الأسن منهما ب(الكبير) تفريقا له عن سميه.

ولذات السبب أيضا جاء العنوان المفرط الطول للكتاب الصادر باسم: ((الأمير الزاهد محمد بن عبدالعزيز بن سعود بن فيصل آل سعود...))، وهي إطالة لجأ إليها المؤلف تلافيا لتشابه موضوع دراسته مع شخصيات أخرى من الأسرة المالكة تحمل ذات الاسمين الأولين، ولو اقتصر على اسم الأمير محمد بن عبدالعزيز دون إضافة اسم الجد الأول لأشكل عنوانه، لوجود خمسة عشر أميرا من الأسرة السعودية المالكة يحملون ذات الاسمين الأولين، أما شخصية المترجم له باسمه الثلاثي الذي عنونت به مقالي هذا فهي واحدة لا ثاني لها، بحسب (الجداول الأسرية لسلالات العائلة المالكة السعودية) لمؤلفها الأستاذ المؤرخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد، قد يكون تشابه الأسماء من مبررات المؤلف لتطويل عنوان كتابه، ولكن لو اكتفى بالاسم الثلاثي للمترجم مشفوعا بذكر سنتي ولادته ووفاته لدل وأغنى.

هذا ما يتعلق بعنوان الكتاب.. أما شكله اللافت وسيمياؤه الجاذبة فلها شأن آخر، حيث جاءت في حجم متوسط بحسب تصنيف الطباعة العربية مقاس17\ 24 وقد طبع على ورق شاموه فرنسي ثمين، حليت حوافه بطلاء ذهبي لامع، وقد جعل غلافه من الجلد السميك المقوى، كما أودعت بطانته حشوة إسفنجية ناعمة، زادته فخامة، ومن ثم لف غلافه بورق صقيل من السلافان اللامع، وأخيرا أودع الكتاب داخل صندوق جلدي فاره، عكس حجم العناية بالكتاب.

محتوى الكتاب يتحدث عن زهد أمير وسيرته، وشكل المحتوى يتحدث عن أبهة طباعة وبذخ مطبوع، فكيف يجتمع الزهد والبذخ معا؟! هذا ما قد يقوله القارئ ابتداء، أما حين يوغل في القراءة فسيعلم أن مظهر الكتاب لا علاقة له بجوهره، وسيعلم - أيضا - أن الكتاب لم ير النور إلا بعد وفاة صاحبه بنحو ربع قرن تقريبا (صدر في عام 1426هج)، وأحسب أن المترجم له لو كان حيا وشهد تأليف هذا الكتاب عنه لما ارتضى كتابته؛ لأن مثل هذا الكتاب يخالف قناعة أمثاله، ولأن من يزهد في الدنيا لا يطمع في تسميعها، ولا يرجو حديث أهلها عنه.

في حياتنا المعاصرة وفي خطابنا الوعظي خاصة يكثر الكلام عن القدوات والاقتداء، ونسمع الكثير عن الزهد والزهاد، ولكننا لا نرى إلا القليل من ذلك، والدعاة والخطباء والوعاظ يحدثوننا كثيرا عن زهد رسول - صلى الله عليه وسلم - وعن زهد الصحابة - رضوان الله عليهم - ومن تبعهم بإحسان، ولكنهم لا يعيشون ما يحدثوننا به إلا قليلا وقليلا جدا، حتى بات الزهد الحقيقي عملة نادرة نسمع عنها وقلما نراها!

والأمير الزاهد محمد بن عبدالعزيز بن سعود - يرحمه الله - كان واحدا من القلائل الذين عاشوا الزهد مع الوجد لا بسبب الفقد، وعاشه مع القدرة لا لحرمان، فكان زهده حقيقيا صادقا لا تنظيريا خادعا، وفي مقاربة تاريخية صادقة يذكر المؤلف خبر مالك بن دينار الذي وصف بالزهد يوما فقال: يقولون: إني زاهد! إنما الزاهد عمر بن عبدالعزيز الذي أتته الدنيا فتركها.

لا أريد أن أكرر ما ذكره المؤلف في كتابه وحسبي أن أتلبث قليلا لدى واحدة من صور الأمير القليلة جدا، بل النادرة الملتقطة له اختلاسا عن غير رضا منه، أو مصادفة وهو لا يلقي لها بالا، هذه الصورة تحدث عن الكثير من تواضعه وزهده وبساطته، وهي وثيقة معبرة عنه بصدق، ناطقة بالكثير من المعاني النفسية التي حاولت أن أقرأ الكتاب من خلالها، وأن أنفذ إلى أسرار شخصيته منها، وإذا كان للعيون لغة كما يقال فللصور لغتها أيضا، وقد نظرت إليها وتأملتها مليا فما رأيت؟

رأيت صورة قديمة باهتة الملامح، ألوانها الأسود والأبيض، يتوسطها شيخ هرم، أحسبه كان في عشر الثمانين من عمره، أول ما صافح عيني من مظهره بساطة هندامه وتواضع ملبسه، ولما دققت النظر إليه لم أبصر خلف أعطافه هيئة أمير تنطق أبهته بسموق مكانته، وإنما هيئة مواطن من أواسط الناس، آثر التقشف واستكان إلى الزهد، بعد أن شارك في البناء وأحسن البلاء، وهو وإن لم يعرفه البعض لتواريه عن الأضواء فقد عرفه أبناء عمومته الأدنون، بدءا من الملك المؤسس وحتى آخر ملك عاصره قبيل وفاته عام 1404هج، وعرفه أيضا العلماء والصالحون والمساكين.

أعاود النظر إلى صورته فأرى شيخا ذا لحية معفاة يقف متكئا على عصاه، ينظر إلى الأمام، يحدق إلى غير مصوره ذاك الكامن بوميض آلة متلصصة خلف زهده وورعه، وعلى عيني الشيخ نظارة طبية بيضاء، بإطار معدني أبيض كبياض لحيته، وعلى رأسه شماغ أحمر لم يكترث لكيه كثيرا، وثوب قصير لم يتجاوز عقبيه، أما فتحة ثوبه من الأعلى فهي بلا نطاق عنق، وهي أشبه بفتحة الثياب العمانية التي كان الشيخ عبدالعزيز بن باز أشهر من رأيناه يلبسها، وبمعاودة النظر إلى أسفل الصورة لا أجدها تظهر للشيخ إلا طرف رجله اليمنى، وطرف حذاء كان ينتعله لحظة التقاط الصورة، وهذا يعني أنها التقطت له وهو يخطو ماشيا غير مكترث لها، فلم تظهر رجله اليسرى لذات السبب، وعليه فلم يكن لحظة التقاطها منتصبا لها ككثير من المولعين بالظهور الذين أعشت عيونهم الأضواء والشهرة.

تذكرت وأنا أنظر إلى الشيخ وتواضعه خبر الأعرابي الذي دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه جلوس حوله، فسأل أيكم محمد؟ وهو سؤال منطق أملته طبيعة موقف، إذ لم يكن ثم مظهر من مظاهر الأبهة يميز محمدا عن أصحابه، وسؤال الأعرابي ليس بدعا أو استثناء لا يعتد به، بل هو ذات التساؤل الذي عرض للأنصار وهم ينظرون إلى النبي وأبي بكر حين قدما المدينة مهاجرين، وهم يتساءلون: أيهما محمد؟

هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، وكذلك كان الشيخ في اقتدائه برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا جاءت عظمة شخصيته، كان متواضعا وفي تواضعه قوة شخصيته، وكان زاهدا ومن زهده انبثقت رفعته.

خرج الملك عبدالعزيز - كما يذكر المؤلف - مسافرا إلى مكة، فخرج لوداعه كبار آل سعود، إلا الشيخ تخلف عن الخروج على غير عادة! فافتقده الملك عبدالعزيز، وسأل عنه؟!

فقيل له: هو معتكف لا يخرج من المسجد.

فقال الملك: إذن نذهب إليه نودعه، فجاءه في معتكفه فوجده نائما، فلم يرد إزعاجه، فهوى إليه يقبله، فما شعر الشيخ إلا والملك يقبل ما بين عينيه، وقد كان الشيخ أصغر من الملك عبدالعزيز سنا، ولكن من تواضع لله رفعه!
__________________
ان لم تكن معي والزمان شرم برم...لاخير فيك والزمان ترللي
صتيمه غير متصل   الرد مع إقتباس
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .