مشكلة الطغاة ومن هم على شاكلاتهم أنهم لا ينظرون إلى المشاكل المحيطة بهم نظرة منطقية ، أي أنهم
يفتقدون إلى واحدة من أهم الخصائص العقلية المعرفية وهي القياس ، ولهذا فهم يصنعون منطقًا آخر متولدًا من نسج خيالاتهم مفاده أن ( كل ثورة هي حالة استثنائية لا يمكن القياس عليها ) وأن أساليب معالجاتهم ستختلف عن معالجات الآخرين . بل وقد يذهبون إلى أن أسباب نجاح الثورات العربية عائد إلى عدم انتباه الرؤساء إلى آليات معينة هي الأشد قمعًا للسيطرة على الأوضاع .
والحالة السورية بها شيء مغرٍ -كالسم- وهو أن الجيش السوري أو على الأقل من حيث القيادات لم تكن في مستوى (الكُفر) بالقيادة العليا كما هو الحال مع كل من ابن علي ومبارك ، كما أن خلو سوريا من النفط مثل ليبيا لا يجعل هناك احتمالاً للتدخل النيتوي كما هو الحال مع ليبيا . وأخيرًا : بشار الأسد ليس حاميًا للمصالح الأميريكية ولا عضوًا في نادي الحرب على الإرهاب كما هو الحال مع علي عبد الله صالح ..
وهذا وإن كان حقيقيًا إلا أن بشار الأسد لا يفهم أيضًا أن هدوء كل من حلب ودمشق ليس نتيجة تعاطف أهالي هاتين المدينتين معه ، وإنما هو ترقب للحظة التي يفعلون فيها مثل ما فعل أهل الزاوية وطرابلس عندما بدأ الزحف الثوري يصلهم .
ولذلك فالمتوقع هو أن تشتد ضربات الجيش الموالي لبشار دونما توقع لعنف ردة الفعل المترتبة على ذلك مما قد يفتح أبواب الاحتمالات المرعبة لبشار الأسد وأعوانه على مصارعها وليس مصراعيها ، ليس مستبعدًا زحف ألوف ومئات الألوف نحو القصر الرئاسي ، أو اعتقال قادة العمليات العسكرية في محافظات الثورة أو الالتحام المباشر بالجنود ...إلخ كلها سيناريوهات وإن كانت دامية إلا أنها تصب جميعًا في خانة واحدة وهي اقتراب ساعة الصفر والتي -غالبًا- لن يحددها لا الشعب ولا المعارضة وإنما تصرفات بشار واضحة الاضطراب .