يقال فلان رقيق الجود ودخيله
وزميل الكرم ونزيله
وغزة الدهر وتحجيله
مواهبه الأنواء وصدره الدهناء
عونه موقوف على اللهيف وغوثه مبذول للضعيف
يطفو جوده على موجوده وهمته على قدرته
ينابيع الجود تتفجر من أنامله
وربيع السماح يضحك عن فواضله
إن طلبت كريماً في جوده مت قبل وجوده
أو ماجداً في أخلاقه مت ولم تلاقه
باسل تعود الإقدام حيث تزل الأقدام
وشجاع يرى الإحجام عاراً لا تمحوه الأيام
له خلق لو مازح البحر لنفي ملوحته وصفى كدورته
خلق كنسيم الاشجار على صفحات الأنهار
واطيب من زمن الورد في الأيام
وأبهج من نور البدر في الظلام
خلق يجمع الأهواء المتفرقة على محبته
ويؤلف الآراء المتشتتة في مودته
هو ملح الأرض إذا فسدت وعمارة الدنيا إذا خربت
يحل دقائق الأشكال ويزيل جلائل الإشكال
البيان أصغر صفاته والبلاغة عنوان خطراته
كأنما أوحي التوفيق إلى صدره وحبس الصواب بين طبعه وفكره
فهو يبعث بالكلام ويقوده بألين زمام حتى كأن الألفاظ تتحاسد في التسابق إلى خواطره
والمعاني تتغاير في الإمتثال لأوامره
يوجز فلا يخل ويطنب فلا يمل
كلامه يشتد مرة حتى تقول الصخر أو أيبس
ويلين تارة حتى تقول الماء أو اسلس
فهو إذا أنشأ وشى
وإذا عبر حبر
وإذا أوجز اعجز
تاهت به الأيام
وباهت في يمينه الأقلام
له أدب لو تصور شخصاً لكان بالقلوب مختصاً
أخي هيثم : لقد إقتبست هذا المقطع من نشرة الرقائق والأدب، للمؤلف الأبشيهي
بعنوان ( المستطرف في كل فن مستظرف )الفقرة (1/498)
وهو من مشاهير كتب الرقائق والأدب، استظرفته العامة والخاصة، وحذا حذوه كبار الأدباء من بعده.
وهو يشتمل على كل فن ظريف، وفيه الاستدلال بآيات من القرآن وأحاديث شريفة وحكايات حسنة عن الأخيار،وفيه لطائف عديدة من منتخبات الكتب المفيدة، وأودعه من الأمثال والنوادر الهزلية والغرائب والدقائق والأشعار والرقائق، وجعله مشتملاً على أبواب عدتها أربعة وثمانون