أهكذا تودعني الحياة وتستقبلني الأبدية ؟.. وأنا عطشان، ولم أقل بعد كلمتي الأخيرة ؟
أنا ميت طاو عاصب البطن فهل لي من خل حميم يعتقني من سلاسلي المظلمة ويمنحني لقمة ضوء.
أين أنتم يا رفاقي ؟
إقتربوا مني وصافحوني تصافحكم الأبدية.
أتهابون الموت أن يلقي عليكم وشاحه ويغمركم بضبابه ؟
أحتقركم يا رفاقي لأنكم تحتقرون موتي، ومن يحتقر موتي لا يحتقر إلا نفسه.
لهفي على دموعي المرصعة طريق رمسي، أراها تتسابق نحوي لترويني قطرة قطرة.
أنا ميت أرى الفؤوس والمعاول تهش وتلمع في وجهي.. لا تحترم رقدتي، لا تخشع أمام يقين غيبتي.
أنا ميت مطروح على جماجم الموتى ورفات الغابرين، فهل لي من يكفنني ؟ هل لي من صديق يقرأ علي سورة الرحمة ؟
أنا ميت فهل لي من شفيق يواريني بين طيات التراب ؟
وهل من حبيب يحرق بين أضلعي بخور الطيب، ويهرق علي قطرات العطور ؟
أنا ميت وتحسبونني حيا، لأنكم تنظرون إلي ببصركم ومن ينظر بالبصر فقط فعلي أن أعزيه ببصيرته.
أنا ميت وفي الموت سحر وأحلام، رهبة وسكينة، فكلما ذهبت في الشارع رأيت أجساما محنطة، تسوقها رنات متقطعة، وموسيقى مزعجة، ومرارة قاسية من حولها تحوم أسراب البوم والغربان.
أنا ميت، وكلما مر إنسان بقبر سكينتي وأحلامي، بذكرى رحيلي إلى الأبدية، أمزق كفني، وأنقض لحدي، وبصوت متكسر أناديه:
"لماذا أزعجتني من سكينتي، وجردتني من ثيابي"..
أنا وأنتم ميتون، فلماذا الصخب والضوضاء ؟ ولماذا التباكي والنحيب ؟ ولماذا التحسر والتأوه ؟ لماذا اثنتان وسبعون رسالة ؟ لماذا لماذا ولماذا ؟
كلنا ميتون إلا أن حفار القبور تذكروني فقط بينما أهملوا معكم واجبهم فراحوا مشيدين على رؤوسكم إلى حين، أعجاز نخل... خاوية.