تحيا الجماهيريات العربية وجامعتها!
عزت القمحاوي
yesterday's story
عندما يُكتب تاريخ هذه الحقبة الفكاهية من تاريخ أمتنا، سيبرز اسم الأخ العقيد، باعتباره الرجل الصريح الذي يسمي الأشياء باسمائها، قائد الثورة، لم يدع إنه رئيس دولة، أو إنه مع الديمقراطية، التي اتضح بالأكيد من سلوك رؤساء من أمثال بوش أنها تدجيل.
هو مع اختراع اسمه الجماهيرية، حيث كل واحد يصوت عن نفسه ويشارك في الحكم، وليس هناك ما يميز العقيد عن سواه ولا يعطي لنفسه الحق في تغليب قرار علي قرار، اللهم إلا في ملف الوحدة، فهو تواق للاتحاد مع أي أحد، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، ولا أفضلية لعرب علي عجم، ولا لبيض علي سود إلا بالاستجابة للاتحاد، صحيح أن مبادرات الاتحاد تنتهي دائماً بالوحدة، لكن الوحدة ليست التوحد، فالحيوية التي يثيرها الأخ العقيد ضد هذا المرض العضال الذي يصيب عدداً نادراً من البشر، فيمنعهم من التواصل مع الآخرين، ويوقف نموهم النفسي.
الحيوية المطلقة التي يتمتع بها الأخ العقيد، جعلته يكتشف أن اللجان الجماهيرية التي تعني أن يحكم الشعب نفسه بنفسه جماعات جماعات قد أثبتت فشلها بعد كل هذه السنوات، ولما كان الانسان يبعث وحيداً، فلم لا يجرب أن يعيش وحيداً؟!
هكذا جاءت المبادرة الشجاعة بتوزيع الثروة، لكي يتدبر كل مواطن أمر نفسه، فكل منا يعرف من أين تطلع شمس داره، بعض المواطنين يفضل أن ينفق علي التعليم أو علي الصحة، والبعض يجد نفسه في أكل اللحمة أو شرب الشاي، أو في شراء ونفخ البالونات وطرقعتها، والبعض ممن لديه قرش محيره يشتري به حماماً ويطيره .
هذه هي الحرية في معناها المطلق؛ فالغاية هي الإنسان، حتي لو اعترض بعض المعترضين واعتبر أن توزيع الثروة معناه تفكيك الدولة، في ستين داهية الدولة، فالدول لم تخلق لتعبد ولكن لتيسير وتسيير حياة الناس، ومادامت اللجان الثورية عقَّدت حياة الناس، فلماذا لا يتقدم الناس ويفكوا عقدهم بأنفسهم؟!
ثم إن خصخصة الثروة فيها إيثار ومحبة للناس، وأفضل بألف مرة من خصخصة الأعباء، كما يجري في جماهيرية عربية أخري!
البارجة الأمريكية قتلت صياداً داخل الجماهيرية الثانية، وحسب شهود العيان فإن النار انطلقت من السفينة باتجاه قارب الصيد من دون تحذير. نواب الشعب الذين لا يعرفون الفرق بين الجمهورية والجماهيرية طالبوا بقرار من مجلسهم يتحفظ علي السفينة، وتشكيل لجنة تحقيق وتقصي حقائق، لكن رئيس المجلس الذي يعرف الفرق، قال إن هذا الطلب غير دستوري ويسيء إلي البرلمان، فليس من وظيفة المجلس إصدار قرار كهذا، ولكن يمكنه أن يقترح علي الحكومة ما يجب أن تفعله!
والحكومة، التي تعرف أكثر من رئيس المجلس، اقترحت علي أهل الميت ما يجب أن يفعلوه، فالميت ميتهم والكرامة كرامتهم، والجماهيريات ليست أوطاناً لكي تعادي أوطاناً أخري، الجماهيريات جماهيريات، ويلزمها جماهيرية لكي تدخل معها في صراع، ثم إن التعويض سيعود علي أهل القتيل، فلماذا لايتولون هم أمر أنفسهم مع البارجة التي ودعناها وعملنا لها باي باي في الميناء؟!
ويبدو أن نواب ما كان يسمي أيام زمان الشعب لا يتعلمون الدرس ولا يعرفون قيم الجماهيريات التي تختلف جملة وتفصيلاً مع قيم الجمهوريات، إذ أقدموا علي سوء الفهم في واقعة المطالبة بدم الشهيد، وهو سوء الفهم الثاني في أسبوع واحد،بعد مطالبتهم ببيان حول تصدير الغاز للعدو بنصف سعر تكلفة الاستخراج وبسبع سعر بيعه للحبيب. لكن رد الحكومة، التي تعرف الفرق بين الجمهورية والجماهيرية، جاء جامعاً مانعاً وفاحماً لكل من تسول له نفسه الخلط بين الجماهيرية، التي يتعلق فيها كل واحد من عرقوبه ويحتفظ بأسراره، وبين الجمهورية التي يدس فيها كل واحد أنفه في أحوال غيره، وتفشي فيها الأسرار وتنثر علي قارعة الطريق!
وإذا كانت قيم هذه الأخيرة البالية تفرض المساءلة عن ثروات الوطن، فإن الجماهيرية لا تشترط ذلك أبداً، بل تصون العشرة والأسرار، ولا تدخل حكوماتها ـ إن وجدت ـ في مشكلات مع الناس.
وتصدير الغاز بين الجماهيرية ودولة الأعداء تتولاه شركتان قطاع خاص إحداهما من شركات الجماهيرية والثانية من شركات الأعداء، وليس من حق الحكومة أن تفشي أسرار شركتين قطاع خاص، تنزح إحداهما الغاز وتتسلمه الثانية منها!
ثم إن الحكومة لا تعرف لماذا يحشر هؤلاء الناس أنوفهم في شأن كهذا، مع أنهم هم أنفسهم الذين يصدعونها بأن حرب أكتوبر لم تحقق نصراً، ومن يراجع تاريخ المنطقة يعرف أنه قبل تلك الحرب لم تكن هناك ولاية لجماهيريات وممالك ومشيخات النفط العربية علي نفطها، فلماذا تزعلون إذا عادت الجماهيرية الكبري إلي التراث والقيم العربية الأصيلة في عدم سؤال الشركات عما تستخلصه من باطن الأرض، علي اعتبار أن نصر أكتوبر كأن لم يكن، ألستم أنتم من يقول هذا؟!
اليست الحياة جميلة يا صاحبي في ظل هذه الحرية واحترام الخصوصيات الاقتصادية لكل بيت وكل شركة؟!
فمتي تغلقون أفواهكم عن قيادات الجماهيريات؟ومتي تعرفون أن كرسي الحكم في الجماهيريات لا يختلف عن كرسي (البلاج)، وصباح الخير يا جاري انت في حالك وأنا في حالي؟!
لقد شبت الجماهير عن الطوق، وحان الوقت لكي يستريح قادة الجماهيريات، ويقعدوا معاً يزجون أوقات الفراغ بالأحاجي والنكات في جامعتهم؛ جامعة الجماهيريات العربية التي تترك للسودانيين ابتداع حلولهم بأنفسهم أو ليشربوا من البحر الأحمر، وللعراقيين أن يتفاهموا مع المحتل، وإلا فلديهم نهران وإطلالة كافية علي الخليج. اللبنانيون عليهم أن يختاروا رئيساً بالتراضي أو ليشربوا من المتوسط، علماً بأن أحوال الناس في الجماهيرية اللبنانية أحسن من أحوال غيرهم ويستطيعون شراء المياه المعدنية من الجماهيرية الفرنسية العربية، التي يتولي الاستجمام فيها الأخ القائد ساركوزي، الذي ـ لحداثة سنه ـ لا يزال يراوح بين قيم الجمهوريات والجماهيريات والمشيخات والعِزب.
الأخ العقيد القائد ساركوزي وعد في بريطانيا بزيادة عدد قواته في أفغانستان، والنواب الفرنسيون المتمسكون بقيم الجمهورية قاموا ولم يقعدوا، احتجاجاً علي إهانة برلمانهم، فليشربوا من البحر مع الغاضبين في البرلمان المصري، أما الأخ ساركوزي فعباءته جاهزة مكوية، ومقعده محفوظ في جامعة الجماهيريات العربية، علشان نعمل وحدة أرابيا ـ علي قول أحمد فؤاد نجم ـ
علي أن يحتفظ بكارلا في مكان آمن!