العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: الموضة الممرضة والقاتلة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: لعنة مومياء الثلج أوتزي الرجل الغامض (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة بمقال التحكم بالعقل أكثر مشاريع المخابرات الأمريكية سرية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث أشباح بلا أرواح (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد كتاب عظيم الأجر في قراءة القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في مقال الطاقة الروحية براهين من العالم الآخر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد بحث لغز مركبات الفيمانا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى كتاب حكم تنفيذ القصاص والإعدام بالوسائل الحديث في الفقه الإسلامي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: The international justice court (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)      

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 03-09-2008, 02:30 PM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي مؤازرة

مؤازرة

كانت أرضية مكان الاجتماع مرشوشة بالماء، والسرادق منصوبة بشكل حرف u والكراسي مرقمة بأرقام وضعها متعهد المناسبات ووضع على ظهر كل كرسي اسمه ورقم تلفونه ، ووضعت في الوسط عدة مناضد لتحمل أواني حفظ الماء البارد، وسخانات القهوة المعدة سلفا، وعدد من علب المناديل الورقية، وثبتت في الواجهة الداخلية لصدر السرادق الأوسط قطعة قماش كتب عليها بخط واضح آية قرآنية (واعتصموا بحبل الله جميعا) وبجانبها وضعت صورة رأس الدولة وقطع قماش كتب عليها عبارات التأييد والولاء له وللدولة.

كان صاحب الدعوة (أبو يوسف) قد تعهد منذ مدة بإقامة مثل تلك الولائم لتقريب وجهات نظر المدعوين، في اختيار مرشح البرلمان من بين عدة عشائر تتحالف فقط في أيام الانتخابات سواء الانتخابات البرلمانية أو البلدية أو غرفة التجارة، وكون أبناء تلك العشائر يعرفون أنه ليس بالإمكان أن ينجح أحدهم دون تأييد باقي تلك العشائر، فقد اكتشف صاحب الدعوة أهمية مثل تلك المبادرات التي يقوم بها لتقريب وجهات نظرهم، دون أن يتدخل في شيء، لا في مزاحمتهم على ترشيح نفسه أو أحد أقربائه (القليلين). فكان يكتفي بتقديم المكان والطعام، ويأخذ مجده من تلك الناحية فقط، حيث يبقى الناس يربطون ما تم في هذه الدعوة باسم صاحبها.

كان هناك من يقول: أن تلك الدعوات يتم الإعداد لها بالخفاء من قبل أشخاص يتخفون وراء اسم صاحب الدعوة حتى لا يُكتشف أمرهم، وأن المدعوين يتم انتقائهم بعناية، في حين كان هناك من يقول أن تلك الدعوات كانت عامة وليس هناك بطاقات دعوة مخصصة بالأسماء.

(1)


كان لافي أول الحاضرين، لم تستطع سترته ذات اللون الأخضر الداكن أن تخفي بروز كرشه، رغم أنه كان يعتقد إذا أدخل الأزرار بالعروات سيخفي ذلك البروز.. لم يستفد لافي من التمارين التي قام بها أمام المرآة حيث كان يقف مرة بمواجهة المرآة ومرة يجعل جنبه الأيمن أمامها ومرة الأيسر، يبتسم ويعبس، ويراقب بروز الجزء الخلفي من رقبته التي كانت تبدو كرقبة (رباع بلغاري) من الوزن الثقيل.. حاول أن يغطي رأسه بكوفية لتتدلى فوق رقبته..

رآه أبو يوسف من وراء زجاج شرفة منزله في الطابق الثالث، فلم يأمر أحدا من أولاده الستة الذين كلفهم بخدمة الضيوف أن ينزل ويجامل ضيفه الأول، فأبو يوسف يعلم أن لافي لم يكن من المدعوين، كما يعلم ذلك لافي نفسه.. فالدعوات يقوم بتبليغ أصحابها أشخاص آخرون يعلم أسماءهم مجموعة ممن يعدون لتلك الاجتماعات، كما يعلمهم أبو يوسف نفسه.

حاول لافي إشغال نفسه في عد الكراسي ريثما يأتي بعض المدعوين، وكان بين حين وآخر يشفط بروز كرشه للداخل، لكنه يفشل في إبقاءه على وضعه، فيحاول تعديل جلسته، يشد أكتافه للخلف ويدفع بعجزه الى الأمام، كي يقلل من ظهور المنحنى المتشكل من جلسته، يفك أزرار سترته ويعود لتثبيتها من جديد..

(2)

حضر المدعوون تباعا، ولم يكن أحد منهم يحفل أو ينتبه لوجود لافي، رغم ضخامة جسمه، فقد تعودوا على رؤيته في مثل تلك المناسبات فأصبح كأنه جزء من ديكور السرادق.

وقف أبو يوسف بعد اكتمال حضور المدعوين، واكتفى بقول ( أهلا وسهلا) رغم أنه ذبح ما يقرب من خمسين خروفا، ولم تكن تلك المرة الأولى بل سبقها سبع مرات شبيهة بتلك الدعوة.

لم يسأل أحد عن سبب الدعوة، فهم يعرفون السبب جيدا. ولم يبادر أحد لاقتراح جدول للأعمال أو انتخاب أو اختيار رئيس للاجتماع، فمثل هذا النوع من الاقتراحات سيعجل ظهور الخلافات بين المجتمعين وقد تكلفهم انفضاض الاجتماع قبل تناول الطعام.

(3)

وقف (واثق) يصطنع ابتسامة ويتجول بعينيه دون أن يحرك رقبته، عله يعثر على بؤرة تخطط لتخريب الاجتماع كما يحلو له دائما أن يطلق على معارضيه إذا ما أبدوا معارضتهم لخططه، ثم التفت الى يمينه ليقول لا شيء لمن كان يقف جنبه، ثم يلملم ابتساماته ليعيد سحنته الى شكل صارم يتناسب مع وضع القائد المفروض على الآخرين ..

أنتم تعلمون أن الانتخابات البرلمانية على الأبواب، وأن غيرنا من التكتلات العشائرية قد أكمل صفوفه، وليس أمامنا إلا عدة أسابيع عن موعد الانتخابات، وإن صدقنا نوايانا فإن النجاح حليفنا بإذن الله وإن استمعنا الى المغرضين فإننا سنكون على خصومة مع النجاح.

إن (واثق) يعلم ما يقول، فالمعركة الانتخابية اشتقت اسمها من المعارك القتالية، لا بد من خطاب إثارة همم يسبق التعبئة العامة والنفير ولا بد أن يكون هناك خصم أو عدو أو هدف في كل معركة. فما هو الهدف ومن هو العدو وكيف سيتم الارتفاع بهمم الحاضرين لجعلهم مقاتلين أشداء في معركتهم؟
ليس هذا التجمع العشائري حزبا سياسيا له أهدافه وبرامجه أو نقابات تابعة له ومريدين يحترفون العمل السياسي احترافا. إنهم مواطنون عاديون جدا، ليس لهم علاقة بالعمل العام إلا في مناسبات متباعدة، فلذلك لا بد أن يكون العمل على كسبهم يخاطب واقعهم دون المس بمقام الدولة، ودون الاستخفاف بأي من الحضور كي لا تتسرب أصواتهم خارجا.

(4)

كان دكتور الجامعة عبد القادر يجلس في المقاعد الخلفية وبجانبه زميل له، فتمتم له قائلا: (هذه الأفلام مرت علينا كثيرا).. الى متى سيبقى مجتمعنا بتلك السذاجة؟ ما فائدة تلك الاجتماعات؟

أجابه زميله(حسن) متسائلا: والمطلوب؟ هل تعتقد أن مجتمعنا جاهز لتجارب أفضل من هذه التي نعيشها؟ وهل تعتقد أن التجارب التي تخوضها الشعوب الأكثر تقدما تختلف كثيرا عن تجربتنا هذه؟ إنها شبيهة كثيرا بتجربتنا، وبالعكس، فإن كانت تجمعاتهم هي تجمعات اصطناعية، فتجمعاتنا طبيعية، والهدف عند الطرفين هو نفس الهدف: هو المزاحمة على تبوء مراكز سلطوية عليا. ماذا يعني؟ إنه حق مشروع وفق رؤية إنسانية قديمة جدا تتجدد وفق أنظمة تخترعها المجتمعات لتقاسم مواقع النفوذ فيما بينها.

قال الدكتور عبد القادر: إن تحالف العشائر كان قبل الإسلام، وكان له ضرورة ووظيفة بنفس الوقت، فلغياب الدولة كانت العشيرة تحمي نفسها بإعداد مقاتلين يذودون عن حياضها ويصدون المعتدين، فإن استطاعت العشيرة أن تقوم بذلك وحدها وكان لديها ما يزيد عن أربعمائة مقاتل كان تستحق اسم (جمرة)، وإن لم تستطع، اضطرت للتحالف مع غيرها لتكوين حلفا يحمل (طوطما) يسمي التحالف باسمه، فإن كان الطوطم بشكل ( ثور أو أسد أو جحش) أصبحت العشائر المتحالفة تحمل اسم (بني ثور، بني أسد، بني جحش).

التفت الدكتور حسن بعينيه فقط، دون تحريك رأسه وابتسم قبل أن ينهي صمته المفتعل ليقول: نعم، إنها كذلك، فطالما يوجد هناك دولة ونظام يقوم بتأمين الحماية للمواطنين، فإن العشائر تتحالف من أجل الانتخابات فقط (المعارك الانتخابية).

(5)

قام الجميع لتناول الطعام، وكان يجري حديث جانبي بين أكثر المدعوين أهمية، وبعد تناول الطعام والشراب الذي يتبعه، أعلن أحدهم عن وجوب تسجيل ممثلين عن العشائر والأفخاذ لكي يحصر الاجتماع بهم مستقبلا، فكان العدد حوالي خمسين رجلا، ثم بادر بعضهم بتسمية لجنة من عشرة أشخاص، لم يعترض أحد على تلك الأسماء، وقد كان وراء عدم اعتراض أحدهم، هو الطقس الذي يتبع تناول الطعام وانخفاض جهوزية التفكير.

عاد الرجال الى بيوتهم، وكل واحد منهم سيتكلم عن الاجتماع بطريقته الخاصة، فقد يختزل ما قاله الكثير من الرجال، أو حتى لا يذكرهم أنهم كانوا في الاجتماع أصلا، وسيضيف على مساهمته المتواضعة عدة إضافات فيقول ما قاله داخل الاجتماع وما كان يود أن يقوله، وقد يضيف ما كان يقصد كل واحد من المتكلمين وفق نهج تحليلي يتناسب مع الشخصية التي أراد أن يطبعها في أذهان الذين يستمعون له.
__________________
ابن حوران

آخر تعديل بواسطة السيد عبد الرازق ، 04-09-2008 الساعة 12:19 AM.
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .