ولكي يتحقق لإيران هذا المطلب الهام بالنسبة لها .. لا بد من أن تظهر كقوة عظمى في المنطقة تُرهِب حكامها .. وتستميل قلوب الشعوب تحت شعار تخاذل هؤلاء الحكام عن استرداد فلسطين وتلبي طموحات شعوبها التي تتطلع بشغف إلى كل قوي في المنطقة يرفع عنها ما نزل بها من ذلِّ وضعف وهوان ـ من قبل حكامها والصهاينة ـ وهنا تحاول إيران أن تبرز نفسها وكأنها المنقذ لتلك الشعوب بوعود فارغة وشعارات كاذبة يروج لها مرتزقة من الشيعة والسنة وحتى من غير المسلمين لتتمكن إيران من أسر القلوب قبل الشعوب ومن فرض شروطها وإملاء طلباتها على الحكام والدول الغربية والشرقية مما يجعلها تتصرف وكأنها ند ورقم يصعب تجاوزه .. وهذا يستلزم من إيران أن تسير في طريق سباق التسلح وبطريقة جنونية وإلى درجة أنها تعمل على تصنيع قنبلة نووية .. وإن لم تكن قد أنجزتها بالفعل فهي في طريقها نحو إنجازها .
والمسألة بالنسبة لإيران قضية وقت لا أكثر ولا أقل .. وهي تستفيد من كل دقيقة لتفرق بها كلمة المجتمع الدولي والعربي نحو مشروعها النووي المريب والمثير للجدل!فسياسة النظام الإيراني تقوم على محورين أساسيين؛ كل منهما يؤدي إلى الآخر ويمده بالقوة والحياة .. غير قابلين للتفاوض والمساومة:
الأول والأهم: العمل المكثف على نشر مذهب التشيع والرفض في المنطقة بصيغته الشعوبية الصفوية التوسعية.. وحماية ودعم كل نشاط شيعي رافضي في المنطقة، وهذه مهمة غالباً ما يقوم بها أئمتهم وآياتهم وأحبارهم، مدعومين بشكل مباشروماكر من الطبقة الحاكمة المتنفذة.
والثاني: العمل الدؤوب ـ وبصورة جنونية ومريبة ـ على تطوير برنامجها التسليحي التقليدي منه وغير التقليدي .. والذي لا يتوقف إلا عند تصنيع القنابل النووية والذرية تنفيذاً لوصية إمامهم الخميني!
فإيران تُمارس دورين متناقضين: دور العميل لأمريكا وحلفائها من دول الغرب؛ وذلك عندما تكون ضحية هذه العمالة هم المسلمون السنة، كما حصل في أفغانستان والعراق؛ حيث صرح المسؤولون الإيرانيون أكثر من مرة أنهم ساعدوا أمريكا في غزوها لأفغانستان، والعراق، وأنهم لولا مساعدة إيران لما استطاعت أمريكا أن تُسقط نظام الطالبان في أفغانستان، ونظام وحكم صدام في العراق .. وهذا أمر واضح لا يحتاج لمزيد تدليل أو براهين.
ودور الندِّ الذي يسعى لمصالحه وبسط نفوذه؛ ونفوذ التشيع والرفض في المنطقة وإن أدى به هذا الطموح لنوع من المواجهة مع من تعامل معهم من أجل ضرب العالم المسلم السني .. فإيران تتعامل مع أمريكا وحلفائها من دول الغرب ككاسحات ألغام تستعين بهم وتعينهم وتتعامل معهم على ضرب المسلمين السنة واحتلال بلادهم ثم بعد ذلك يدخل الإيرانيون بسلام ـ بعد أن تكون الكاسحات الأمريكية قد مهدت لهم الطريق .. وأزالت من طريقهم الألغام والعقبات ـ ليقطفوا الثمار .. ويبسطوا نفوذهم .. وينشروا سمومهم .. سموم التشيع والرفض المجوسي.. سموم الهدم والطعن .. وسموم التخريب والقتل لكل مناوئ سني قوي .. كما حصل في أفغانستان والعراق؛ أي أن إيران حتى في الجانب الذي تظهر فيه كعميل فهي تفعل ذلك من أجل تسخير واستخدام الطرف الأمريكي والغربي لبسط نفوذها في المنطقة .. ونشر التشيع والرفض .. وثقافة ولاية الفقيه المطلقة .. بأقل خسارة ممكنة .. فمن عرف هذه الحقيقة .. أمكنه التوفيق بين المواقف المتذبذبة المتناقضة لساسة وآيات وأحبار قم وطهران .. وأدرك أن إيران تستخدم أمريكا ودول الغرب كجسور تعبر من خلالهما إلى القلاع الإسلامية السنية الصعبة الحصينة .. التي قد تكلف إيران قتال عشرات السنين .. ومئات الآلاف من شبابها .. لو أرادت أن تقتحم تلك القلاع بمفردها .. من دون استخدام تلك الجسور . والحرب الإيرانية العراقية السابقة أكبر دليل على صحة ما نقول!
دولة الصهاينة: وهي طرف أساس في هذه القضية والمعادلة .. فهي مهما قُدمت لها ـ من أمريكا ودول الغرب، وإيران ـ الضمانات على أن القوة العسكرية النووية الإيرانية لا يُمكن أن تُستخدم ضدها .. كما لا يُمكن أن تُشكل عليها خطراً .. فهي لا ترضى ولا يهدأ لها بال .. لأن طبيعتها كدولة طاغية عدوانية غريبة .. قد استمرأت العصيان على المجتمع الدولي وقراراته .. واعتادت أن تفرض شروطها وطلباتها على الآخرين ومن دون جدال .. لا تقبل وجود قوة عسكرية في المنطقة تنافسها، أو تكون لها كفأ .. مهما قيل لها عن حيادية أو عمالة هذه القوة .. فالسيد الصهيوني لا يُمانع أن يكون عميله الإيراني قوياً .. لكن أن ترقى قوته إلى درجة قد تمكنه في مرحلة من المراحل أو ظرف من الظروف على العصيان والتمرد أو الانفراد بالقرار بعيداً عن السيد ومصالحه .. فهذا لا يُمكن أن يُقبل في منطق الدول الطاغية المستعمرة المعتدية على حقوق وبلاد الآخرين .. لذا نجدها بين الفينة والأخرى تثير مخاوفها من مشروع التسلح الإيراني وبخاصة منه النووي .. وتحرض حلفاءها في أمريكا ودول الغرب على موقف أشد صرامة من إيران ومن مشروعها العسكري والنووي!
أمريكا ومعها دول الغرب: هذه الدول يهمها في المنطقة ثلاثة أشياء غير قابلة للمساومة أو التساهل:
أولها: أمن وسلامة وقوة دولة أسيادهم الصهاينة اليهود من كل وجه.
ثانياً: سلامة مصالحها الاقتصادية في المنطقة، وعلى رأسها استمرار ضخ الذهب الأسود من البلاد العربية إلى السوق الأمريكي، والأوربي.
ثالثاً: أن لا تقوم للإسلام في المنطقة على مستوى الدولة والحكم والسياسة قائمة تُذكر .. وأن يبقى محصوراً في القلب وزوايا المساجد!
وأهمية هذا المطلب بالنسبة لهم تأتي من جهة كونه سبباً في تحقيق المطلبين السابقي الذكر أعلاه .. لأنهم يرون في الإسلام السني سبباًفي تهديد أمن وسلامة دولة إسرائيل .. وتهديد مصالحهم الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة سواء .. ويأتي من جهة كونه يحقق لهم مطلباً ثقافياً طائفياً صليبياً قديماً .. يتجدد عند أدنى ظهور للإسلام السني على مستوى الحكم والسلطة والسياسة!وما سوى ذلك ـ كحقوق الإنسان ونشر الديمقراطيات في المنطقة كما يزعمون ـ فهو غير مهم .. أو لنقل هو قابل للمفاوضة والمساومة والابتزاز .. والتذبذب صعوداً وهبوطاً وبالقدر الذي يحقق لهم سلامة المطالب الثلاثة الآنفة الذكر .. وهو ـ في حقيقته ـ لا يعدو مثلاً أن يكون " كمسمار جحا " الذي يمكنهم من دخول البيت في أي وقتٍ يشاؤون، ومن دون استئذان .. والتدخل بشؤون الأوطان بحجة الحرص على حقوق الإنسان! وإلا كيف نفسر تقاربهم واتفاقهم مع أطغى طغاة المنطقة .. وإلقاء ألقاب المديح على فخاماتهم بعد أن كانوا يصنفونهم في خانة الديكتاتوريين المناهضين لحقوق الإنسان!