وقال النووي في شرح المهذب لم أر لأصحابنا نقلا في ذلك ، وقال ابن عبد البر : إنما يحتج بقبر رسول الله ( ص ) من أنكر فضلها ، أما من أقر به وأنه ليس أفضل بعد مكة منها فقد أنزلها منزلتها ، وقال غيره سبب تفضيل البقعة التي ضمت أعضاءه الشريفة أنه روي أن المرء يدفن في البقعة التي أخذ منها ترابه عندما يخلق ، رواه بن عبد البر في أواخر تمهيده من طريق عطاء الخراساني موقوفا . وعلى هذا فقد روى الزبير بن بكار أن جبريل أخذ التراب الذي خلق منه النبي ( ص ) من تراب الكعبة ، فعلى هذا فالبقعة التي ضمت أعضاءه من تراب الكعبة فيرجع الفضل المذكور إلى مكة إن صح ذلك والله أعلم ) . انتهى .
( وقال الشهيد الأول في القواعد والفوائد : 2 / 124 : ( وزعم بعض مغاربة العامة ( يقصد القاضي عياض في الشفا ) أن الأمة أجمعت على أن البقعة التي دفن فيها رسول الله (ص)أفضل البقاع . ونازعه بعض العلماء في تحقق الأفضلية هنا أولا ، وفي دعوى الإجماع ثانيا ) . انتهي .
فهذا ما عند السنيين في المسألة ، وخلاصة ما ذكروه :
أولا : أنهم ردوا الحديث الذي استشهد السائل بمضمونه عن الكافي
ثانيا : أن كلامهم في التفضيل وعدمه مختص بالبقعة التي حوت جثمان النبي (ص)ولا يشمل ما حولها ، فلا يشمل قبر أبي بكر وعمر . فمن صح عنده الحديث منهم فهو يفضل البقعة التي حوت أعضاء النبي (ص)ولا تشمل ما جاورها من قبره الشريف أو المسجد .
وثالثا : لا يصح الإستدلال بقول النبي (ص): ( ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ) لأن قبريهما من الجهة الثانية وليسا في الروضة التي هي بين القبر والمنبر .
ورابعا : إن المدح في قوله (ص): ( ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ) للبقعة وليس لمن يكون فيها ، ولم يرو أحد من المسلمين عن النبي (ص)أو عن الصحابة أن التفضيل يسري من هذه البقعة المباركة إلى الذين يدفن فيها أو يجلس فيها ! ولو كان فضيلة المكان تسري لصح للفاسق الفاجر أن يجلس هناك ويقول أنا أفضل الناس لأني في روضة من رياض الجنة ، وكل المسلمين أقل مني لأنهم ليسوا فيها .
والنتيجة : أنه على المذاهب السنية لا يصح الإستدلال على أفضلية أبي بكر وعمر بمكان دفنهما .
وكذلك على مذهبنا لا يصح أيضا . أما ما رواه في الكافي : 3 / 202 ، عن الإمام الباقر أو الصادق (ص)قال : ( من خلق من تربة دفن فيها ) .
وما رواه في نفس الباب عن الحارث بن المغيرة قال : سمعت أبا عبد الله (ص)يقول : ( إن النطفة إذا وقعت في الرحم بعث الله عز وجل ملكا فأخذ من التربة التي يدفن فيها فماثها في النطفة فلا يزال قلبه يحن إليها حتى يدفن فيها ) .. فليس معناه كما تخيله الكاتب حتى يدل على إثبات فضيلة لأبي بكر وعمر ، بل يقصد به أن الذرة الأصلية التي خلق منها الإنسان تؤخذ من بدنه عند موته وتدفن في مكانها الأصلي الذي أخذت منه من الأرض ، والدليل عليه : ما رواه في الكافي : 3 / 251 ، عن الإمام الصادق (ص)أنه سئل عن الميت يبلى جسده ؟ قال : نعم حتى لا يبقى له لحم ولا عظم إلا طينته التي خلق منها فإنها لا تبلى ، تبقي في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أول مرة )
فالمقصود بالتربة أو الطينة التي خلق منها الإنسان هي الذرة المستديرة التي لا تبلى ، والتي هي أصل خلقته في الذر .
( وفي الكافي : 2 / 11 ، عن الإمام الصادق (ص)قال : ( إن الله تبارك وتعالى لما أراد أن يخلق آدم خلق تلك الطينتين ، ثم فرقهما فرقتين فقال لأصحاب اليمين كونوا خلقا بإذني ، فكانوا خلقا بمنزلة الذر يسعى ، وقال لأهل الشمال : كونوا خلقا بإذني ، فكانوا خلقا بمنزلة الذر يدرج ثم رفع لهم نارا فقال أدخلوها بإذني ، فكان أول من دخلها محمد (ص)ثم اتبعه أولو العزم من الرسل وأوصياؤهم وأتباعهم ! ثم قال لأصحاب الشمال أدخلوها بإذني فقالوا : ربنا خلقتنا لتحرقنا ؟ ! فعصوا ، فقال لأصحاب اليمين أخرجوا بإذني من النار ، لم تكلم النار منهم كلما ، ولم تؤثر فيهم أثرا ، فلما رآهم أصحاب الشمال قالوا : ربنا نرى أصحابنا قد سلموا فأقلنا ومرنا بالدخول ! قال : قد أقلتكم فادخلوها ، فلما دنوا وأصابهم الوهج رجعوا فقالوا : يا ربنا لا صبر لنا على الاحتراق فعصوا ، فأمرهم بالدخول ثلاثا ، كل ذلك يعصون ويرجعون ! وأمر أولئك ثلاثا كل ذلك يطيعون ويخرجون ، فقال لهم : كونوا طينا بإذني فخلق منه آدم ، قال : فمن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء ومن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء ) ! ( وفي نهج البلاغة : 2 / 227 : عن مالك بن دحية قال : كنا عند أمير المؤمنين (ص)وقد ذكر عنده اختلاف الناس فقال : إنما فرق بينهم مبادئ طينهم ، وذلك أنهم كانوا فلقة من سبخ أرض وعذبها ، وحزن تربة وسهلها . فهم على حسب قرب أرضهم يتقاربون ، وعلى قدر اختلافها يتفاوتون . فتام الرواء ناقص العقل ، وماد القامة قصير الهمة ، وزاكي العمل قبيح المنظر ، وقريب القعر بعيد السبر ، ومعروف الضريبة منكر الجليبة ، وتائه القلب متفرق اللب ، وطليق اللسان حديد الجنان . . ) .
وبذلك يتبين : أن معنى دفن طينة كل إنسان بعد موته في التربة التي خلق منها ، أن ذرته الأصلية أو طينته ، تؤخذ من بدنه وترد إلى بقعة الأرض التي خلق منها عندما أرسل الله جبرئيل (ص)فقبض من الأرض تربة الأخيار والفجار . فالإنسان الصالح أينما دفن ترد تربته إلى موضعها الذي خلقت منه أول مرة ، وكذلك الشرير ترد تربته إلى موضعها .
وقد روت مصادر الشيعة والسنة الحديث النبوي التالي الذي يؤيد ذلك ، ففي روضة الواعظين للفتال النيسابوري ص 490 : ( قال رسول الله (ص): لما خلق الله آدم اشتكت الأرض إلى ربها لما أخذ منها فوعدها أن يرد فيها ما أخذ منها ، فما من أحد إلا يدفن في التربة التي خلق منها ) . ومثله في تفسير البغوي : 1 / 234 ."
وكل هذا الأحاديث الكاذبة عن الذر وغير هذا تناقض الواقع وهو :
أن المنى يتكون من الغذاء المأكول ويهضم فى جسم الرجل والمرأة وبعضه يكون من مكان وبعضه الأخر من مكان أخر وعندما يتلاقى المنى من الاثنين فى الرحم فهذا معناه :
أن الإنسان تكون من تراب أماكن مختلفة فكيف سيكون من مكان واحد والو فكر كل واجد سيجد مثلا الخبز من مكان والجبن من مكان أخر واللحم من مكان ثالث والقول من مكان أخر فاى وجبة يتناولها الإنسان تكون من أرضين مختلفتين على الأقل إلا أن يأكل خبز حاف أو يأكل فاكهو دون شىء معها ولا يمكن لأحد أن يقول أن المنى نشأ من هذا الطعام أو ذلك
ومن ثم الناس فى الغالب ينتجون من أطعمة جاءت من أراضى مختلفة ومن ثم لا صحة لحكاية الدفن فى المكان الذى نشأ منه المنى وهو أصل الإنسان
وانتهى الكورانى لكون السن ناقضوا أنفسهم فقال :
"وعلى هذا فدعواكم مردودة في مذهبكم ، لرد علمائكم لروايتها ، ومردوده وفي مذهبنا ، لأن معناها عندنا أن التربة التي خلق منها أبو بكر وعمر قد ردت يوم موتهما إلى موضعها الذي خلقت منه في الخلق الأول الذي يعلمه الله تعالى ، ولا علاقة لذلك بدفنهما قرب قبر النبي ( (ص)) أو في مكان آخر ! فمن منكم يعرف التربة التي خلقا منها في أول الخلق ؟ "
وحكاية الأفضلية لا تكون بسبب تربة ولا مكان ولا زمان ولا غير هذا وإنما الأفضلية بالتقوى ومن ثم لا يمكن أن يقر أحد بأفضلية على على الاثنين ولا أفضلية الاثنين على على لأن الوحيد العالم بالأتقى هو الله كما قال تعالى :
" هو أعلم بمن اتقى"
|