بين الطب والسياسة
بين الطب والسياسة
إذا كان العلاج الشافي يتطلب التشخيص ومعرفة الأسباب وعزل العوامل المؤثرة في المرض والبحث عن عقار يزيل أثر تلك الأسباب أو إجراء عملية جراحية أو بتر أحد الأعضاء في بعض الحالات، فإن تلك المشاهد تتكرر في موضوع السياسة.
كان البابليون يضعون مريضهم في ساحة عامة، ليمر عليه المواطنون أو الزوار الذين سبق لأحدهم وأن تعرف على مثل حالة ذلك المريض، فيعطي النصيحة التي تشفي ذلك المريض مما هو فيه.
وكان (أسقليبيوس : في القرن السابع قبل الميلاد) قد احتكر مهنة الطب وأسرارها عند اليونانيين له ولأولاده فقط، حتى جاء (أبقراط 460ـ 365 ق م) وأذاع أسرار تلك المهنة خوفا عليها من الضياع والانقراض، لتكون متيسرة أمام من يريد امتهانها من أبناء الشعب.
وقد أجاد المصريون القدماء فنون التشريح والتحنيط قبل غيرهم من شعوب الأرض.
وفي كثير من مناطق العالم القديم، كان العرافون والسحرة يرجعون أسباب المرض الى عوامل تتعلق بأرواح شريرة، على الكاهن أو الساحر أن يخرجها من جسم المريض.
في بلادنا العربية، يتم احتكار التصرف بشؤون البلاد والعباد بمجموعة دون غيرها، تتكرر وتعيد إنتاج نفسها بين حين وآخر، ولم تحقق أي تقدم يذكر وعلى أي صعيد، بل تهوي في البلاد من سيء الى أسوأ، وتتساءل في النهاية مع المتسائلين عن سر تخلف البلاد!
والعجيب أن هناك شرائح عريضة من الشعب تستسلم لهذا القدر المحتوم وتخترع له من الأمثال والأقوال ما يضفي عليه صبغة أزلية، فهناك من يقول: (حط رأسك بين الروس وقل يا قطاع الروس)، و (امشي الحيط الحيط وقل يا الله الستيرة) و (السياسة تياسة) ويؤمِنوا في صلواتهم مع خطباء السلاطين في دوام حال الحكام وسحق أعداء الشعب!
فإذا كان اكتشاف البابليين أن العلاج قد يأتي بمشاركة المارة من أبناء الشعب، وإذا كان اكتشف اليونانيون أن احتكار المعرفة في الطب سيعرض صحة الشعب للخطر، ألم يكتشف أبناء أمتنا أن احتكار القرار السياسي هو ما أوصلهم لما هم فيه؟
__________________
ابن حوران
|