العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة بـــوح الخــاطـــر > خيمة كتاب روائـع الخـواطر

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: The world centre (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: التراب فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الغرق في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الرواسى فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الرغب في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: اسم فرعون بين القرآن والعهدين القديم والجديد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: القضاء في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الطمع في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الاستنباط في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: المواقيت فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 30-11-2009, 05:39 PM   #1
إيناس
مشرفة بوح الخاطر
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
المشاركات: 3,262
إفتراضي

شظايا ذاكرة ..
(11)



منتصف شهر تشرين الثاني نوفمبر 1970

لم يبدأ سنته الجامعية من أولها، بل أتى قبوله متأخرا في جامعة الموصل، وكان ذلك في رمضان، وكان عليه أن يذهب لتناول طعام الإفطار في مطعم (الزوراء) حيث يذهب زملاؤه من الطلبة العرب.. وقد لاحظ ازدحام الزبائن بشكل لم يلحظه من قبل .. لدرجة أن كان على بعضهم الانتظار حتى يكمل آخرون تناول طعام الإفطار ليفسحوا مجالا لغيرهم باستخدام المنضدة .. وقد يتأخر بعض الصائمين حوالي الساعة حتى يتسنى لهم تناول إفطارهم ..

كان (غانم) رئيس العمال في مطعم (الزوراء) هو من يسأل الزبائن عما يودون تناوله .. وكان مشغولا وهو يسرد ما عنده من أصناف الطعام في الانتباه للعمال الذين يحضرون الوجبات للزبائن .. فكان يخصص بعض ثواني لكل زبون ليعرف ما يريد، ويصيح بأعلى صوته عن الصنف الذي يجب على من في المطبخ أن يملأ به صينية الطلب، وبنفس الوقت ينتبه الى من يقف أمام المحاسب لدفع ثمن طعامه ويبلغ المحاسب بالمبلغ الواجب أخذه من الزبون .. كان (غانم) لا يطيل المكوث مع أي زبون يتأخر في إبلاغه عما يريد، فكان كالماسترو الذي يقود فرقة موسيقية، عليه الانتباه وتقنين الوقت بشكل جيد ..

عندما وقف (غانم) فوق رأسه يسأله عما يريد، حاول أن يتحذلق ويسأله بلهجة عراقية مكسرة وغير متقنة (شكو عدكم عيني؟) فأجاب غانم بسرعة البرق ( قزاطمة، دولمة، بتيتا جاب، كريم جاب، جلفراي، قوزي الشام، قوزي على تمن، يابسة، تبسي، قص على تمن) لم يفهم من كل تلك الأصناف أي واحد، ولكنه تذكر آخرها قص على تمن فطلبه .. فصاح غانم: وصار عندك ثلاث قص على تمن..

وفي اليوم الثاني تكررت المسألة، فسأله بنفس الطريقة السابقة فأجاب غانم بسرعة البرق كما في المرة السابقة ( قزاطمة، دولمة، بتيتا جاب، كريم جاب، جلفراي، قوزي الشام، قوزي على تمن، يابسة، تبسي، قص على تمن)، ويطلب قص على تمن ( وهو قطع من الشاورما توضع فوق طبق الرز ومعها صحن به مرق الطماطم) .. فيصيح غانم : وصار عندك أربعة قص على تمن .. حيث كان قبل آخر طلب ثلاث طلبات أخرى ..

وهكذا حدث في اليوم الثالث والرابع .. وصاحبنا كان بوده أن يتذوق الأصناف الأخرى، ولكن لضيق الوقت والخوف من أن يتجاهله غانم، كان عليه أن يسرع في الطلب ويطلب (قص على تمن) ..

لم يعد غانم يسأله في الأيام التالية عن طلبه، فعندما يلمحه قادما، ويكون لديه طلبان من (القص على تمن) فإنه يبادر لتبليغ من في المطبخ بصوت عال : وصار عندك ثلاثة قص على تمن ..

وهكذا أنهى رمضان بصنف واحد من الطعام وهو (القص على تمن) ..


__________________
ابن حوران
__________________

Just me

إيناس غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 30-11-2009, 05:41 PM   #2
إيناس
مشرفة بوح الخاطر
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
المشاركات: 3,262
إفتراضي

شظايا ذاكرة ..
(12)



لا تاريخ محدد لتلك الشظية

يستحيل على أصدقاءه أو من تعرف عليه في مناسبة ما، أن لا يسرد كل ما سأسرده عن (نعمان) بتواصل .. ويستحيل على من يريد إعادة إنتاج صورته وهيئته، أن يتذكره إلا بأنف محمر لامع، وكأن الزكام لا يفارقه نهائيا، كان اللمعان والحمرة تتفشى على جوار أنفه وأسفل خديه، وأطراف ذقنه المحلوق بنعومة مستمرة ..

عندما ذهب لدراسة الهندسة في جامعة دمشق، رجع ببعض المشاهدات الغريبة. عندما كان يرويها بصوته الخافت والذي كانت تختلط الحروف فيه بفعل الرشح المزمن، كان الجميع يصغون لتمييز مخارج تلك الحروف، لينعموا على إثرها بحكاية لم يستطع ـ حتى من تعرف عليه بعمق ـ أن يتوقع نهايتها ..

قال: اشتكيت من ألم في بطني .. فراجعت طبيبا، فكان تشخيصه لي أنه يشك في وجود ديدان معوية تعيش في أحشائي.. يتوقف عندها .. ثم يضيف : كنت أذهب الى المطعم وأطلب طبقا من الرز والفاصوليا البيضاء، وعندما أتأكد من أن الدود قد شبع .. أطلب لنفسي طبقا من اللحم المشوي!

ويحكي قصة أخرى، يقول : كنت أذهب الى كازينو لبنان في بيروت، في نهايات الأشهر، وفي مرة من المرات كنت أجلس أتناول عشائي، فكلما رفعت رأسي لأنظر أمامي تصادف عيناي وجه رجل يبتسم لي، فأبادله الابتسامة، وأتساءل: من يكون هذا الرجل؟ قد يكون معلم في مدرستي الابتدائية ولم أتذكره. ثم أعاود إكمال تناول وجبتي وتتكرر الابتسامة من الرجل، فأقلب ذاكرتي .. من يكون؟ قد يكون رئيس بلدية قديم وقد نسيته .. وتكررت الابتسامات والتساؤلات واحتمالية من يكون .. حتى استعنت بمن كان يجلس جانبي، فسألته أتعرف ذاك الرجل؟ فأجاب على الفور: إنه فريد الأطرش!

كان المهندس(نعمان) لا يبذل جهدا هندسيا هائلا، فقد عمل بكل شيء عدا الهندسة، وكانت أرباحه من أعماله كبيرة جدا، فقد روى أنه ربح ما يقرب من العشرين ألف دولار من عمل لم يكلفه أكثر من خمسين دولارا، حيث نفذ مكانا لاستراحة من قصب البردي حرق أطرافها بخدعة (ديكورية) .. كما أنه عمل بالأطراف الصناعية وربح منها أرباحا طيبة .. كان لا يمكث بعمل بعينه طويلا، فما أن يكتشف أن هناك من أسس مصلحة عمل تشبه مصلحته حتى يترك تلك المصلحة وينتقل لعمل آخر، استطاع أن يبني (عمارة) من ستة طبقات في موقع هام، فأصبح دخله عاليا جدا، وقيمة العمارة زادت عن مليوني دولار .. ومع ذلك كان يردد لأصحابه بأنه رجل (تافه) لا أحد ينتظره حتى زوجته وأطفاله .. ويبالغ في القول : (لو أنني أتحلل وأصبح نفطا لما افتقدني أحد!)

من قصصه التي حفظها عنه أصدقائه، أنه عندما كان في قريته (قبل الكهرباء)، كان في القرية (كلب أحمر) عرفته القرية بشراسته وخاف منه الأطفال وحتى الكبار .. فيقول : بليلة خرجت من سهرة عند أصحابي، فداست قدمي بطن (الكلب الأحمر) الذي كان مستغرقا في نومه، فذعر الكلب هاربا وترك عادة إخافة الآخرين .. فلما رأيته بذعره هذه .. صحت فرحا .. أي أنا من زمان وأنا أشتهي أن أدوس بطن هذا الكلب!

وقصته الأخيرة التي حكاها لأصحابه: أن امرأته سمعت صوتا في الليل، فتأكدت أن لصا يحاول سرقة الملابس المغسولة والمنشورة على الحبل .. فأيقظت (نعمان) .. فأجابها أن تحضر بنطلونه والقميص الأبيض وربطة العنق الحمراء والجوارب الرمادية .. كانت امرأته تستغرب منه تلك الطلبات وتستنكرها عليه حاثة إياه على الإسراع بالخروج واللحاق باللص قبل أن يسرق كل شيء من على حبل الغسيل .. في حين ظل يصر هو على طلباته حتى تأكد أن اللص قد أخذ ما يريد وولى هاربا .. في صباح اليوم التالي اكتشف هو وجيرانه أن أحد جيرانه اعترض اللص في الليل، فضربه اللص بسكين كان يحملها في أسفل عنقه .. وأن جاره لا يزال في العناية الحثيثة .. يكمل حديثه بابتسامة كأنه نموذج عن (بابا نوئيل) ولكن بدون (لحية بيضاء) .. ويضيف (مو قلة عقل لو تصديت للص و شمطني سكينا من الخاصرة للخاصرة .. مشان شوية هدوم؟) ..


__________________
ابن حوران

__________________

Just me

إيناس غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 30-11-2009, 05:42 PM   #3
إيناس
مشرفة بوح الخاطر
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
المشاركات: 3,262
إفتراضي

شظايا ذاكرة ..
(13)



خريف 1972

المكان: الموصل/ حمام العليل/كلية الزراعة والغابات/مختبر الآلات الزراعية

دخل المحاضر الدكتور بولتن ومعه مساعده أرمني اسمه (كراكين) .. جلس الطلاب قباله، فيما بدأ هو يتكلم ويخط بعض الرسوم على اللوح، وكراكين يساعده في إيصال المعلومات للطلاب ..

فجأة برز أحد الطلاب ولم يكن كالطلاب أو الأساتذة فكان يفوق متوسط عمر الطلاب بعشرة أعوام على الأقل .. ولم يلتزم بالزي الموحد المكون من بنطلون رمادي وسترة زرقاء غامقة .. وعلا بصوته (سير .. سير Sir.. Sir) انتبه المحاضر الكندي على صوته وتفاجأ كما تفاجأ الطلاب به أيضا .. فهي أول مرة يجلس مع الطلاب في محاضرة ..

أجابه المحاضر بسؤال ماذا تريد؟
فأخبره الطالب بأنه (Parallel) وهذه الكلمة معناها بالعربي متوازي (الأضلاع) وهي كلمة علمية .. والعراقيون عندما يتضايق أحدهم من شيء خصوصا إذا احتاج الذهاب للحمام، فإنه يقول (متوازي) ..

لم يفهم الكندي ماذا كان يعني الطالب على وجه التحديد فسأله عن اسمه؟
أجاب الطالب : (My name is double) كان يقصد أن اسمه مثنى!

زادت حيرة الكندي فسأله: هل أنت طالب في هذه الشعبة؟
فأجاب : (Yes I am precipitate from the last year ) كان يقصد أنه راسب من السنة الفائتة .. وفعلا لقد كان مثنى من الطلاب القلة الذين استفادوا من أي قانون يبقيهم في الجامعة مدة أطول

ولما كان اللفظ precipitate يعني بالرواسب الكيميائية فقط، فإن الكندي شق عليه الفهم في الإجابات الثلاثة .. متوازي .. دبل .. مترسب .. فطلب من الطالب أن يفعل ما يشاء .. في حين غرق الصف في موجة من الضحك لم يستطع لا الكندي ولا الأرمني أن يفهم لماذا.. فالكلمات إنجليزية ولكن ماذا تعني؟؟

__________________
ابن حوران


__________________

Just me

إيناس غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 30-11-2009, 05:44 PM   #4
إيناس
مشرفة بوح الخاطر
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
المشاركات: 3,262
إفتراضي


شظايا ذاكرة ..
(14)




للتطبيع ذاكرة

صيف 1966

كان الحاج فالح يغيب عدة أسابيع خارج البلاد، ورغم تقدمه بالسن إذ كان يقارب الثمانين عاما، لكنه كان يصر على أنه قادر على القيام بعمله جيدا، ولكنه كان أحيانا يقع ضحية بعض الخدع التي يقوم بها من يتعاملون معه..

أحضر معه بعد غيابه، أربعة بغال ذات أجسام قوية وعيون لامعة، فكانت بعمر فتي، وكان الجميع يستغربون كيف لهذا الرجل المسن أن يركب واحدة من تلك البغال ويقود الأخريات لعدة أيام، ويوصلها من مسافة سير طويلة تصل عدة مئات من الكيلومترات .. لكن زوجته وبعض أولاده كانوا يعرفون جزءا من الحقيقة ..

بعد وصوله بعدة أيام، كانت البغال تغير من طباعها بشكل جذري، فإن اقترب منها أي كائن حي سواء كان من البشر أو حتى طيور الدجاج و(الحبش) فإنها تشغل قوائمها الخلفية بالرفس العنيف، فتؤذي أو تقتل من تصيبه .. وعندما تشتكي زوجته من تلك الحالة، يضحك حتى تنزل دموعه على لحيته البيضاء.. وعندما يسألونه عن سبب الضحك، يجيب بعد أن يهدئ موجة الضحك فيقول: لقد كنت ضحية لهؤلاء الملاعين الذين باعوني تلك البغال.. ويبدأ بالشرح: بأنهم قد قاموا بغلي ثمار التين المجفف (القطين) وأذابوها بكمية من الماء وقدموها لتلك البغال، فيبقى أثر تخديرها لمدة أسبوعين على الأقل!

يفتش عن ابن أخيه العنيف، ويطلب منه (تطبيع ) تلك البغال، كان (ابراهيم) يأخذ البغلة، الى مكان خارج البلدة، ويربط برقبتها حجرا طوله أكثر من طول البغلة ورقبتها .. ودون أن يضع على رقبتها ما يمنع من احتكاك حبل الليف الخشن المربوط بجهتين من طرفي البغلة، كان ثقل الحجر يقارب نصف طن، وكان يقف على بعد آمن من البغلة، فيضربها بأداة مرنة رفيعة طويلة كان اسمها (شوحط)، فتسقط ضربات تلك الأداة على أذني البغلة، فتقاوم بقائمتيها الخلفيتين، دون جدوى، فتضطر الى الخنوع و الطاعة، ولكنه لا يتركها، فعندما يتأكد أنها أصبحت ذليلة يتحرك نحو أنفها أو أذنها ويعضها بأسنانه ..

كانت البغلة الفتية، عندما ترى إبراهيم بتلك الحالة، تبول (خوفا) .. فينظر الى ابن عمه الصغير ويقول له : هيا اركبها واذهب بها الى الدار .. فيركبها بعد أن يزول خوفه منها .. فتصبح البغلة (مُطًبًعة : أي تم تطبيعها) ..

__________________
ابن حوران


__________________

Just me

إيناس غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 30-11-2009, 05:51 PM   #5
إيناس
مشرفة بوح الخاطر
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
المشاركات: 3,262
إفتراضي

الى أين ذهبت؟


لمحها تمشي مشيتها المعتادة لها وغير المعتادة لغيرها .. بجسدها النحيل الممزق والمرقع في سبع عمليات جراحية .. كان يشاهد برنامجا تلفزيونيا مع أصغر أفراد عائلته .. خرجت تحيتها على غير عادتها، خالية من تشويش البحة التي رافقتها طيلة ثلاثين عاما .. (السلام عليكم) .. رد عليها التحية .. فارتمت على الأريكة .. ونظرت الى سقف صالة الجلوس وتجمدت نظرتها .. فهُرع مع ابنته الصغرى ذات الست عشر ربيعا .. وضع يده على حافة خدها العظمي .. وسألها بقلق : (ما بك حبيبتي؟) .. لم تجبه .. أبقت عينيها مسمرتين في لا شيء .. وبدأ بريق عينيها يتلاشى بسرعة هائلة .. وأنفاسها تتباطأ .. حاولت ابنتها الصغرى الصراخ .. فطلب منها إحضار قليلا من الماء والكولونيا ..

لم تكن المرة الأولى التي تمر بها بتلك الحالة .. لكن المرات السبع الأول، كانت تمسك بيده وتوصيه ببناتها الأربع وولديها .. هذه المرة مختلفة .. قد لا يسعفها الوقت لتوصيه بشيء ..

رش بعض الماء البارد على جبينها ومسح به على وجهها .. فانتفضت بقليل من الحركة .. كانت ابنته الأخرى تدعك أنفها بقليل من الكولونيا .. وولدها يتصل بالإسعاف ليحضروا سيارة لنقلها الى المستشفى .. لم يشأ أن يبلغ ابنه بعدم الاتصال .. رغم معرفته بعدم جدوى ذلك .. لكن الوقت كان قبل العصر .. ولن يستطيع إكمال مراسم الدفن والصلاة عليها في المسجد ..

حضرت سيارة الإسعاف .. فنزل شابان منها .. وتجمع أكثر من عشرة أفراد من الأقارب .. تحسس أحد الشابين نبضها .. ولم يقل شيئا .. حملوها على نقالة وأدخلوها سيارة الإسعاف .. جلس قريبا منها .. يصلح من اهتزازات رأسها إثر سرعة السيارة ..

دخل الطبيب الأخصائي المناوب في فترة العيد .. فحصها وتطلع الى زوجها .. كان زوجها يعرف ما سيقوله الطبيب على وجه التحديد .. رغم أنه لم يكن يصدق ما كان يقوله الأطباء في السابق .. فقد أخذه قبل عشرة سنوات أكثر من طبيب وبلغه : (أن الأعمار بيد الله .. وفرصتها بالبقاء ضئيلة) .. توفي ثلاثة من أمهر أطباء القلب الذين بلغوه بذلك وبقيت هي ..

سأل الطبيب عن الإجراء الذي سيقوم به بعد ذلك .. فأجابه: بأنهم سيضعونها بالثلاجة لليوم الثاني ..

عاد للبيت بدونها .. فرأى جمعا غفيرا من النسوة اللواتي يندبن .. وكثيرا من الرجال الذين يعزونه ويباركون صبره، تلك السنين الطويلة، كانت تجبره بعض الدموع على الانسياب من عينيه، فيداري حزنه بالتحايل بالابتعاد قليلا لمسحها دون أن يلحظه أحد ..

لقد رحلت دون أن تسمع منه كلمة ضجر أو تبرم .. وكانت قد أخبرت أختها قبل يومين من العيد أنها تتمنى الموت رحمة بزوجها وأبنائها وبناتها ..

كان تعامله مع مرضها صبورا، ولم يتوان عن نقلها الى أي مكان فذهب بها الى لندن حيث أجريت لها أولى عملياتها السبع في (أولد برمتون) .. ولكن الى أين ذهبت؟

لقد انتقلت من مساحة حواسه المباشرة، فلن يعود يراها أو يسمع أنينها الذي كانت تقتصد به احتراما لمشاعره .. وحطت في حواسه غير المباشرة .. لتكون متخفية وراء ملامح وجوه بناتها الأربع وولديها ..

عادت ابنتها الكبرى مع طفليها من (قطر) في اليوم الثاني .. ليصبح هو أمام ابنته الشخص الواجب الاهتمام به ومواساته .. كان يتهرب من نظرات أبنائه وبناته المشفقة .. لكن هروبه كان إليها أو لطيفها .. ولم يعد يدري، هل هي التي ذهبت أم هو ..

ابن حوران
__________________

Just me


آخر تعديل بواسطة إيناس ، 30-11-2009 الساعة 06:32 PM.
إيناس غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 30-11-2009, 05:59 PM   #6
إيناس
مشرفة بوح الخاطر
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
المشاركات: 3,262
إفتراضي

كتكتوت هو أم إنسان؟


في مكائن التفريخ يوضع بيض كثير
ليس للبيضة اسم
بل رقم من بين أرقام

يفقس البيض عن كتاكيت
لا يحمل أي منها اسما
بل يكون واحدا من بين مجموع

هناك بيض قد تلف
وتم رميه في النفايات
لن يعود أحد يذكره

يكبر الكتكوت ويذبح
ويطهى ويؤكل
يمتدح الآكلون صاحب الطعام

أو يذمون طريقة التحضير
يُنسى الأمر بعد لحظات
وينتهي كل شيء

كان إنتاج الدولة كذا
من أنتجه؟ من أوجده؟
لا يهم

عُثر على جثث مجهولة
قد تكون لعلماء
أو لصعاليك

قليلة هي الديوك
التي يُجرى عليها تجارب
وتعمل على استنباط صنف

قليلة هي الأسماء البارزة
على صفحات الجرائد
وفي الأخبار

قليلة هي الأسماء
من كل أولئك
التي تخلد في التاريخ

يتساوى المرء مع الكتكوت
عندما لا يحظى بالخلود
ستكون الحياة والموت سيان

ابن حوران
__________________

Just me


آخر تعديل بواسطة إيناس ، 30-11-2009 الساعة 06:31 PM.
إيناس غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 30-11-2009, 06:01 PM   #7
إيناس
مشرفة بوح الخاطر
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
المشاركات: 3,262
إفتراضي

تعلم التنس دون معلم



جاء بعد أن وقع بين يديه كراس يحمل عنوان (تعلم تنس الطاولة دون معلم)، فدخل قاعة بمبنى مجمع النقابات للعب تنس الطاولة. لم يمسك في حياته مضربا للتنس، ولم يلعب تنس الطاولة، حتى أنه نادرا ما كان يتفرج على من يلعبها، عرض عليه أحد المنتظرين أن يشاركه في اللعب بعد أن فرغ اللاعبان قبلهما، فوافق. تناول صاحبه الكرة الضئيلة البيضاء ووجه عليها ثقل رميته فانطلقت نحوه، وهو لا يزال يتذكر امسك المضرب بزاوية 45، واحنِ ظهرك قليلا، اجعل عينيك مفتوحتين وخيالك متيقظا لمعرفة شكل الرمية المقبلة لخصمك. خاطبه صاحبه الذي يلعب معه دون سابق معرفة، بأن يرد الضربة، لكنه اكتشف على الفور أن صاحبه ليس له عهد باللعبة، فابتسم واعتذر عن مواصلة اللعب.

تمتلئ مكتبات العالم بأنواع كثيرة من الكتب، والكراريس، التي تجعل لكل نشاط ذهني أو عضلي أو بالواسطة، قواعد وأسس. فهذا كتاب للطبخ وذاك كتاب للخياطة وآخر لكتابة الشعر وآخر للفلسفة الخ.

لا شك أن (تقعيد : أي جعل قواعد) النشاطات البشرية يوفر للناس وقتهم وجهدهم ومالهم، فلو أراد أحدهم أن يذهب لزيارة الأهرام (مثلا) وهو منقطع عن كل أخبار العالم فقد يأخذ تأشيرة لليابان أو رومانيا أو أي دولة أخرى، حتى يأتي من يساعده ويقول له : الأهرام في مصر.

لكن، في بعض النشاطات البشرية الأخرى، قد يفقد النشاط معناه ونكهته إذا أخضع بعنف للقواعد، فلو تعثر أحد راكبي الدراجات وسقط عن دراجته، وأراد أحد الصحفيين أن يجعل من هذا الحدث شيئا ملفتا للنظر، قد يقول كانت السماء ملبدة بالغيوم، والشوارع تتساءل من الذي ستحل عليه لعنة السماء إذا ما سقطت أول الأمطار على سطحي واتحدت مع بقايا الزيوت والغبار لينزلق بقدمه ويقع مغشيا عليه. إن هذا النشاط في نهايته (هذر لا فائدة منه).

في تقعيد كتابة الخاطرة وكتابة القصيدة، يؤدي هذا التقعيد الى بروز أساتذة يعرفون جيدا ما يفعلون في رصف الكلمات جنب بعضها حتى تؤدي معناها. لكن كم نسبة هؤلاء من بين المتكلمين على سطح الأرض وعلى مر التاريخ؟ إنهم بالتأكيد نسبة ضئيلة جدا، وقد عاشت كتاباتهم منذ أيام السومريين الى اليوم، ولم تعش كتابات من لم يحسنوا الالتزام بالقواعد.

أخذنا التاريخ عن الطبري والمسعودي وابن الأثير وابن عبد ربه الأندلسي، واتخذنا مواقفنا من القضايا التي كتبوا عنها، بواسطة عيونهم وعقولهم وليس بعيوننا ولا بعقولنا، وقد يكونون صادقين، أو غير ذلك، إذ قد يكونون متأثرين بما حولهم من ناقدين حكوميين أو غير ذلك.

لا يحلم المواطن الأمي باللغة الفصحى، ولا حتى أستاذ اللغة العربية، بل يحلم كما يحلم غيره، فلن ينبري له في الحلم وهو نائم (مصحح لغوي) يقول له: إن هذا من الأسماء الخمسة أو أن المثنى يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء. ولا يتخذ رجل عجوز موقفه من خطبة حفيدته برد بليغ، فقد يرفع حاجبيه رافضا الموافقة على زواج حفيدته ممن جاء لخطبتها.

إن تواريخ الشعوب وواقعهم كتب عنها الفصحاء ومن يقعدون كتاباتهم، وإن الخواطر الجميلة يكتبها أساتذة محترفون، ولكن لا ينحصر الجمال فيما يكتب هؤلاء ولا تنحصر الحقيقة بهم.

جميل أن نلعب التنس وِفق قواعد، لكن القواعد وحدها لا تصنع لاعبين دون لعب.

ابن حوران
__________________

Just me


آخر تعديل بواسطة إيناس ، 30-11-2009 الساعة 06:31 PM.
إيناس غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 2 (0 عضو و 2 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .