"ولا تدرى نفس بأى أرض تموت ولا تدرى نفس ماذا تكسب غدا"
وقد أعلنها الله على لسان رسوله(ص) أنه لا يعرف ما يقعل به فقال:
"وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم"
فكيف يعلمه بزمن موته ؟
ثم عاد للكلام عن التسبيح والاستغفار والحمد فقال :
"واعلم أن التسبيح والتحميد فيه إثبات صفات الكمال، ونفي النقائص والعيوب
والاستغفار يتضمن وقاية شر الذنوب
فذاك حق الله، وهذا حق عبده، ولهذا في خطبة الحاجة: «الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره»
وكان رجل في زمن الحسن البصري معتزل الناس فسأله الحسن عن حاله؟ فقال إني أصبح بين نعمة وذنب فأحدث للنعمة حمدا، وللذنب استغفارا، فأنا مشغول بذلك فقال الحسن: الزم ما أنت عليه، فأنت عندي أفقه من الحسن
والاستغفار: هو خاتمة الأعمال الصالحة فلهذا أمر النبي(ص)أن يجعله خاتمة عمره
كما يشرع لمصلي المكتوبة أن يستغفر عقبها ثلاثا ، وكما يشرع للمجتهد من الليل أن يستغفر بالأسحار قال تعالى: "وبالأسحار هم يستغفرون "[الذاريات: 18]، وقال "والمستغفرين بالأسحار "[آل عمران: 17] وكما يشرع الاستغفار عقيب الحج قال تعالى: "ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم "[البقرة: 199]
وكما يشرع ختم المجالس بالتسبيح والتحميد والاستغفار وهو كفارة المجلس ، وروي أنه يختم به الوضوء أيضا
وسبب هذا أن العباد مقصرون عن القيام بحقوق الله كما ينبغي، وأدائها على الوجه اللائق بجلاله وعظمته، وإنما يؤدونها على قدر ما يطيقونه، فالعارف يعرف أن قدر الحق أعلى وأجل من ذلك، فهو يستحي من علمه ويستغفر من تقصيره فيه كما يستغفر غيره من ذنوبه وغفلاته، وكلما كان الشخص بالله أعرف كان له أخوف، وبرؤية تقصيره أبصر، ولهذا كان خاتم المرسلين وأعرفهم برب العالمين "يجتهد في الثناء على ربه، ثم يقول في آخر ثنائه: «لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت علي نفسك»
ومن هذا قول مالك بن دينار: لقد هممت أن أوصي إذا مت أن أقيد ثم ينطلق بي كما ينطلق بالعبد الآبق إلى سيده، فإذا سألني؟ قلت يا رب لم أرض لك نفسي طرفة عين، وكان كهمس يصلي كل يوم ألف ركعة، فإذا صلى أخذ بلحيته، ثم يقول لنفسه: قومي يا ماوى كل سوء، فوالله ما رضيتك لله طرفة عين "
وكل هذا الكلام ليس تفسيرا وإنما نقل لكلام لا داعى له يزيد من الأمور تعقيدا لأنه كلام بشر ولا يتعلق بتفسير السورة
وعاد لاثارة مشاكل لا داعى لها فقال عن الاستغفار:
"فائدة
الاستغفار: يرد مجردا ويرد مقرونا بالتوبة، فإن ورد مجردا دخل فيه طلب وقاية شر الذنب الماضي بالدعاء، والندم عليه وشر وقاية الذنب المتوقع بالعزم على الإقلاع عنه
وهذا الاستغفار الذي يمنع الإصرار بقوله: «ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة» وبقوله: «لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار» خرجهما ابن أبي الدنيا
وكذا في قوله تعالى: "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم "[آل عمران: 135]، وفي الصحيح: «أذنب عبد ذنبا » الحديث
وهو المانع من العقوبة في قوله: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "[الأنفال: 33]، وإن ورد مقرونا بالتوبة اختص بالنوع الأول، فإن لم يصحبه الندم على الذنب الماضي، بل كان سؤالا مجردا فهو دعاء محض، وإن صحبه ندم فهو توبة
والعزم على الإقلاع من تمام التوبة والتوبة إذا قبلت فهل تقبل جزما أم ظاهرا فيه خلاف معروف
فيقال: الاستغفار المجرد هو التوبة، مع طلب المغفرة بالدعاء والمقرون بالتوبة: هو طلب المغفرة بالدعاء فقط
وكذلك التوبة إن أطلقت دخل فيها الانتهاء عن المحظور، وفعل المأمور ولهذا علق الفلاح عليها، وجعل من لم يتب ظالما فالتوبة حينئذ تشمل فعل كل مأمور، وترك كل محظور ولهذا كانت بداية العبد ونهايته هي حقيقة دين الإسلام
وتارة يقرن بالتقوى، أو بالعمل فتختص حينئذ بترك المحظور والله أعلم
وفي فضائل الاستغفار أحاديث كثيرة منها:
حديث «جلاء القلوب تلاوة القرآن والاستغفار»
وحديث: «فإن تاب واستغفر ونزع صقل قلبه»
وحديث: «ابن آدم إنك لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني على ما كان منك، غفرت لك ولا أبالي وحديث ابن عمر: كنا نعد لرسول الله(ص)في المجلس الواحد: «رب اغفر لي، وتب علي، إنك أنت التواب الغفور مائة مرة» وحديث أبي هريرة مرفوعا: «إني لأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة، وأتوب إليه» خرجه البخاري
ومن حديثه مرفوعا «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم» خرجه مسلم
وفي «المسند» من حديث عطية عن أبي سعيد عن النبي(ص): «من قال حين يأوي إلى فراشه، أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر الله له ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر، وإن كانت مثل رمل عالج، وإن كانت عدد ورق الشجر»
وحديث: «من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا» خرجه أحمد من حديث ابن عباس ويعضده قوله تعالى: "استغفروا ربكم إنه كان غفارا "[نوح: 10]، وقوله "وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا "[هود: 3]
قال رباح القيسي: "لي نيف وأربعون ذنبا، قد استغفرت لكل ذنب مائة ألف مرة"
وقال الحسن: "لا تملوا من الاستغفار"
وقال بكر المزني: " إن أعمال بني آدم ترفع فإذا رفعت صحيفة فيها استغفار رفعت بيضاء، وإذا رفعت ليس فيها استغفار رفعت سوداء"
وعن الحسن قال: "أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وفي أسواقكم، فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة "
وقال لقمان: لابنه: "أي بني عود لسانك: اللهم اغفر لي، فإن لله ساعات لا يرد فيهن سائلا "
ورئي عمر بن عبد العزيز في النوم فقيل له: ما وجدت أفضل؟ قال:"الاستغفار""
وهذه الكلام وهذه الأحاديث لا علاقة لها بتفسير السورة فقوله واستغفره ليس له دلالة سوى أن النبى(ص) ارتكب ذنوبا وعليه أن يتوب منها كما قال له فى سورة أخرى:
" واستغفر لذنبك"
وأما أحكام الاستغفار ككل كطرقه ووقته وما شابه فهذا موضوع أخر ليس من ضمن تفسير سورة وإنما يكون كتاب مستقل بالتفسير ولو فعل كل واحد ما كان يفعله المفسرون القدامى فهذا معناه زيادة حجم الكتاب وعدد صفحاته دون فائدة فالاقتصار واجب على معنى الآية وأما موضوع كل لفظ فشىء أخر يكون فى كتب تتناول كل شىء عنه
|