عندئذ نفطن الي اقتدار هذا الصوت الشعري الجديد, المالك لإرادة الإبداع وقوة تحريك عناصر الطبيعة محوا وإثباتا, المتلاعب برموز الشعر وكلمات اللغة بمهارة وإتقان, مما يشهد له بأنه من خير من يتذكر عروبته وهو ينساها, وأنه يكاد ينسي ثملا في غمرة بلاغته منطقه الوجداني السابق حين يقول: ـ
أغفو علي صرخة الصمت الرهيب/علي
هدير خوفي/علي حلم من اللهب
وحين أصحو ثقيلا/كارها نزقي
مبعثرا/ثملا باليأس والتعب
أجثو أمامي وأرجوني/أعاهدني
اليوم أنسي تماما أنني عربي
صيغة لغوية بسيطة, تشف عن نجاح الشاعر في تجاوز تناقضه الداخلي المحتدم, تتمثل فيما قد يكرهه بعض أصحاب اللغة ويرحب به النقاد ويطربون لتكراره في عبارات أجثو أمامي وأرجوني/أعاهدني حيث يتوحد الفاعل والمفعول به, ويلتئم ما انشطر قلقا وتوترا في نفس الشاعر, فهو يريد ويصر علي أن ينسي عروبته, في الوقت الذي يمعن في تأكيدها بهذا التصرف الابداعي في بنية اللغة والاضافة لأدواتها الشعرية في التعبير عن صراعات الذات المعاصرة.
يصنع أسلوبه
وبالرغم من أن هذه الصيغة المازجة بين الفاعل والمفعول عبر الضمائر ليست من ابتكار شاعرنا فهي صناعة صوفية معروفة, فقد عثر فيها علي خاصيته المائزة, وأمعن في استثمارها الي درجة مثيرة للاعجاب والغيظ حيث يعود اليها في مقطوعة غزلية حادة, يقول فيها: ـ
يظنني أظلمه/ما باله يظلمني
أنا الذي أحبه/كأنني أحبني
أنا الذي جعلت قلبه الحزين موطني
وسرت في دروبه/بشعري المسوسن
أزرع كل خطوة/عمرا بعمر الزمن.
ولست أعرف إن كان هناك نقاد مستبصرون في جماعات الإنترنت الأدبية, كي ينبهوا نزار الي أن كلمة المسوسن لا تليق بقدراته الشعرية, فقد أضطر منعا للالتباس الي تشكيل كلمة شعري بكسر الشين حتي لا يظن القارئ أنه يتباهي بشعره المسبسب, وأحسب أن ما ورطه في هذا الضعف إنما هو الحرص علي القافية النونية, مع أن له مندوحة عنها في شعر التفعيلة التي يكتب موهما بها قصائده العمودية, كما أن عليه أن يبرأ من هذا الولع بالموسيقي ويوظف درجات الإيقاع المتفاوتة طبقا لتماوج الدلالة مثلما يفعل كبار المبدعين, فهو لا يضيف كثيرا في الغزل عندما يقول في ختام مقطوعته: ـ
أنا الذي لو بللته قطرة/تغرقني
أو انحنت شوكة ورد عنده/تذبحني
أنا الذي لو شاء أن يقتلني/يقتلني
ثم أقر في الحساب أنني/قتلتني
انتهت الخاصية الأسلوبية الي مجرد لعبة شيقة, لكنها مفرغة من زخم الشعر الحقيقي بمواجد العشق وتصاريف الحب في زمن الانترنت, وهذا ما ننتظر من نزار وأمثاله أن يدلونا عليه بابتكار فكر ابداعي شعري معبر عن تحولات الحياة المعاصرة.
(نقلاً عن الأهرام 02 يوليو 2007)
http://www.arabicnadwah.com/bookrevi...alah_fadhl.htm