بسم الله الرحمن الرحيم
تحية إليك أخي العزيز وإلى قلمك الراقي المميز ..
لا أريد الخوض في التفاصيل النقدية ولست بناقد محترف البتة ولكن لي تأملات اكتستبها من لقاءات أدبية بعدد كبير من الشعراء والأدباء .
جقيقة هناك في اللغة ما يسمى بالتشكيل اللغوي وهذا التشكيل يقصد به الكيفية التي يتم من خلالها استخدام اللغة في قوالب غير تقريرية .
أي أن اللغة تستخدم ولها دلالات غكسية أو فلسفية أو تصويرية ....إلخ وكل ذلك له دور كبير في إظهار جماليات النص الأدبي وإدراك الفلسفة المستترة وراء هذا الإبداع .
بالنسبة لنصك فهو رمزي نوعًا ما لكنه يقع في المنطقة الرمادية حيث ليس بالفلسفي المحض ولا المباشر الخطابي وهذا أمر جميل للغاية .
عودة إلى مفهوم التشكيل اللغوي ، فإن عنصر الدهشة لا يفارق القارئ عندما يقرأ تعبير الآلام السائلة حيث أنه يجعل للألم وهو شيء محسوس غير ملموس دلالة مادية أي أن الألم صار كأنه شيء مرئي عيانًا . والتصور الذهني لمعنى الكلمة كان جيدًا ومثريًا للتفكير حيث إنه يعطي انطباعًا أن هناك آلامًا صلبة وأخرى غازية .
وللقارئ أن يجتهد في تفسير هذه الدلالة . السيولة هنا تأتي بمعنى يحتمل أن يكون بمعنى الانتشار والتمدد مما يجعل لهذا الألم دلالة أبعد من مجرد الألم العادي إنه ألم نفسي ينتشر في كامل النفس .
كان تعبير تنزوي الآهات والشكوى جيدًا للغاية في تعبيره عن حالة الانكماش وهنا الانكماش بمعنى الخوف والهروب .
لو لاحظنا حركة السائل مقابل انزواء الشكوى لوجدنا أننا بإزاء ألم على انتشاره إلا أن أكثر ما يؤلم فيه هو أنه مكبوت ، وهذا يجعل للتعبيرات المتراصة خلف بعضها البعض تكاملاً رائعًا في انسياب الأفكار .
ويعجبني للغاية أن النص به اتكاءً جيدًا على عنصر الحركة والخصائص المادية لعله إفادة إلى أننا صرنا كائنات جامدة لا حراك لها .وكلها عمليات استبطانية لمشاعر كامنة في النفس لا يحب الفرد تحريكها أو الاقتراب منها . لهذا تأتي لهذه الجملة دلالة عظيمة تراتبية :
تتصلب هيئة التمرد الكسلان
أي أنها أشياء مترتبة على بعضها . فالتمرد كائن كسول لم يكتف بالكسل بل تصلب فأصبح العبء متراكمًا بعضه على بعض .ليأتي الهروب إلى الداخل مع انزواء الشكوى في نفس الاتجاه (عكس الثورة).
وإلى ذلك فالنص يحتاج إلى قراة أكثر تعمقًا ووقوفًا على جوانبه .. إنه نص يعالج مشكلة ربما أجد تفسيرًا لها في (الاحتباس الثقافي )أو الذات المقموعة الهاربة من مواجهة الحقيقة (ويحتمل النص حينئذ إسقاطات كثيرة اجتماعية وسياسية).
فيتخذ قارئ الطالع دلالة لشخص -بحكم الظروف السيئة لمن حوله-صار شخصية محورية .....زعيم ...قائد .... زيغ الفكرة ..سطوة الهو على الأنا الأعلى ....إلخ .
وهذا ما تبلور بحنكة وتمكن شديدين عند المفارقة في هذه الجزئية :
يقيس مسافات الخطأ
بين الخطوط وبين نقاط الوقوف
ويصرخ وجدتها
هذه المفارقة بين العبقرية التاريخية اليونانية والمنهج العلمي لأرشميدس و(العبقرية) الذاتية لهذا القارئ للطالع القائل وجدتها !
وتكون للمسافات الخاطئة ونقاط الوقوف دلالات منعكسة على الواقع النفسي والاجتماعي والسياسي تعمق من تأثير هذه الجملة لا سيما وأن السخرية المضحكة فيها مبكية للغاية .
والمحصلة كانت مركّزة بشدة من خلال هذه النهاية التي أكدت السيولة وكان التصور لعنصر الحركة فيها مميزًا من خلال المقطع الأخير :
عند ذلك تنبعج الآلام
وتتدفق من أي نقطة رخوة
وسيكون الفم أكثرها رخاوة
إنه الفم سيقول كل الخرافات ، ولن يقول الحقائق.. لأنها مجروحة ومشوهة . ولعل للفم خصيصة يعرف بها عند الألم . عمومًا يكون الفم واجهة للجسم ويظهر شكل الألم فيه أكثر فظاعة ..
أحسنت .. ودائمًا أنت مبدع وفقك الله .ولأفكارك القيمة ورؤاك الثاقبة كل التقدير والتحية.