بسم الله الرحمن الرحيم
هناك في فقه اللغة -أي لغة كانت- خصائص تدل على ارتباط اللغة الوثيق بالاجتماع واللاشعور الجمعي . وهذا يجعل استخدام الألفاظ له غايات مختلفة عن الغايات التقليدية .
فهناك مصطلحات تستخدم للتعمية وأخرى للمداراة وأخرى للتفاؤل.
وهذا كله له علاقة قوية ببعض الوظائف والمهن .
فعلى سبيل المثال للتعمية يطلق بعض المراقبين للأغذية قليلو الضمير على مدينة السادس من أكتوبر في مصر لفظة الكويت لأنها ليست مدينة ثرية وإنما يمكن الإثراء فيها من خلال الرشاوى التي تدفعها شركات الأغذية لتمرير أنواع محظورة من الأغذية.
كذلك للمداراة أي أن بعض الأشخاص يشعرون بخجل وحياء من نظرة المجتمع للكلمة ودلالتها ، فمثلاً بعض أصحاب المقاهي يكتبون (كوفي شوب) أو كافيتريا بينما أن المكان لا تجد فيه غير الشيشة والشيشة ثم الشيشة!!
وفي حالات التفاؤل عُرِفَ عن العرب أنهم كانوا يسمون المريض" معافى"نظرًا لأن كلمة مريض تكون مرهِقة لهم ومخيفة .وعندنا في القرى يقولون عن شخص (بعافية شوية) أي مريض طريح الفراش. وهذا ينعكس على المِهَن والوظائف ، فيقول البعض : رجال حراسة أو طاقم حراسة ،بينما المهنة التي يقومون بها هي قريبة -عذرًا- من مهنة البواب .رغم أنها تعطي الانطباع باستخدام أسلحة كالرشاشات أو أنها تعطي الانطباع بأننا أمام رجال مدربين من قوات الكوماندوز ..إلخ وهذا نجده كثيرًا عندما يطلق على المعيد في الجامعة (دكتور)تفاؤلاً بحصوله على هذه المرتبة وكما يطلق بعض الناس نفس اللفظ على طالب كلية الطب .
وأذكر ما حكيَ لي من أن أحدًا سئل ماذا تعمل ؟فقال باحثًا . فسئل فيم بحثك ؟ قال عن عمل.
كل ذلك دليل على الأثر الذي تحدثه الكلمة في أذهان المستمعين فتُحدِثَ لديهم استعدادًا مبدئيًا للقبول
أو الرفض .ويمكن اعتبارها آليات دفاع في مواجهة سطوة الحكم الذي يصدره المجتمع على بعض هذه المهن والوظائف والمسميات .