العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > مكتبـة الخيمة العربيـة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة في مقال أغرب حالات مرضية في عالم الطب (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال أغرب القوانين حول العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال أغرب عمليات التجميل واكثرها جنونا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال أضخم المخلوقات التي مشت على وجه الارض (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الاحتضار فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: الموضة الممرضة والقاتلة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: لعنة مومياء الثلج أوتزي الرجل الغامض (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة بمقال التحكم بالعقل أكثر مشاريع المخابرات الأمريكية سرية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث أشباح بلا أرواح (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 27-05-2011, 10:49 PM   #1
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

(61)
تراسل الحواس:
تراسل الحواس وسيلة من وسائل تشكيل الصورة الشعرية التي عنى بها الرمزيون ، وعن طريقهم انتقلت إلى الآداب العالمية ، بما فيها أدبنا العربي الاحديث . وتراسل الحواس معناه وصف مدركات حاسة من الحواس بصفات مدكرات حاسة أخرى ،فنعطي للأشياء التي تدركها بحاسة السمع صفات الأشياء التي ندركها بحاسة البصر ، ونَصِف الأشياء التي ندكرها بحاسة الذوق بصفات الأشياء التي ندركها بحاسة الشم ، وهكذا تصبح الأصوات ألوانًا والطعوم عطورًا ..إلخ

وقد مرت بنا قصيدة"رامبو" الأصوات المتحركة (57) التي حول فيها الأصوات –التي هي من مدركات حاسة السمع – إلى ألوان ، فأضفى عليها صفات مدكرات حاسة البصر ، وقبل رامبو ومحاولته المتطرفة حاول بودلير تطبيق نظرية تراسل الحواس في أكثر من قصيدة من قصائده ، وقد رأينا كيف اعتبر في قصيدة "تراسلات" أن الروائح والألوان والأصوات تتجاوب في وجدة معتمة عميقة ، رحيبة كالليل وكالضوء(58) ، ويتعجب بودلير من الذين يرون أنه من غير الممكن أن تتبادل الحواس معطياتها ، ويرى أن هذا أمر مقرر يمكن إثباته ابتداء بدون أي تحليل أو مقارنة ، وأنه لا ينبغي أن يكون مثار دهشة لأحد"لأن الذي يثير الدهشة بحق هو ألا يستطيع النغم أن يوحي بالوون ، وأن تعجز الألوان عن إعطاء فكترة لحن ما ، وأن يكون النغم واللون عاجزين عن التعبير عن الأفكار .وذلك لأن الأشياء يعبر عنها دائمًا بواسطة ما بينها من تشابه متبادل من يوم أن خلق الله العالم كلاً مركبصا غير قبل للتجزئة .(59) ويستشهد بقصيدته"تراسلات" على هذه الوحدة الكونية التي تتعانق في إطار كل الروائح والألوان والأصوات وتتجاوب.(60)
___________________
(57) انظر هذا الكتاب ص 44-45
(58)انظر هذا الكتاب ص 30
(59)Charles Baudelaire : l’art Romantique –Gamier fFlammarion – Paris 1968 p.271
(60) ibid.p.272.

__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 27-05-2011, 10:52 PM   #2
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

(62)
وقد شاعت هذه الوسيلة من وسائل التصوير الشعري في القصيدة العربية الحديثة ، وأسرف فيها بعض الشعراء وبخاصة في بداية فترة التأثير الرمزي في الشعر العربي المعاصر ، حيث وجدنا الكثير من القصائد التي تتزاحم فيها هذه الصور القائمة على تراسل الحواس . ومن النماذج الواضحة للاعتماد بشكل أساسي على هذه الوسيلة من وسائل التصوير الشعري قول الشعر محمد عبد المعطي الهمشري في قصيدته "أحلام النارنجة الذابلة"61)
هيهات .. لن أنسى بظلك مجلسي
وأنا أراعي الأفق نصف مغعمضِ
خنقت جفوني ذكريات حلوة
من عطر كالقمري والنغم الوضي
فانساب منك على كليل مشاعري
يبوع لحن في الخيال مفضضِ
ونهفت عليك الروح من وادي الأسى
لتعب من خمر الأريج الأبيضِ
فالتراسل بين معطيا تالحواس في هذه الأبيا تشديد الولضوح ، ففي البيت الثاني يصف العطر –الذي هو من مدكرات حاسة الشم- بأنه قمري – وهي صفة من صفات ما يدرك بحاسة البصر –و كذلك يصف النغم – الذي هو من مدكرات حاسة السمع – بأنه وضيء، فيضفي عليه صفة من صفات مدركات حاسة البصر .بل إنه لا يكتفي بالتراسل المتبادل بين حاستين اثنتين كالسمع والبصر ، أو الشم والبصر ، وإنما يجعل التراسل في بعض الصور ثتم بين ثلاث حواس تتبادل معطياتها ؛فالبيت الثالث تقوم شطرته الثانية على تراسل متبادل بين ثلاث حواىس هي على التوالي الذوق والسمع والبصر ، فالينبوع هو باعتابر ما من معطيات حاسة الذوق ، واللحن من معطيات حاسة السمع ، واللون المفضض من معطيات حاسة البصر ، ومن هذا القبيل أيضًا صورة "خمر الأريج الأبيض" في البيت الرابع ،التي تتراسل فيها حواس الذوق والشم والبصر ، فالخمر من دائرة حاسة الذوق ، وهو يضيفها إىل أحد مدركات حاسة الشم وهو الأريج الذي يضفه بصفة من نطاق حاسة البصر وهي البياض. ________________
(61) محمد عبد المعطي الهمشري : ديوان الهمشري.جمع وتحقيق صالح جودت.الهيئة العامة المصرية للكتاب 1974 .ص150.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 27-05-2011, 10:54 PM   #3
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

(63)
وهكذا تتعانق هذه الأشياء المتباعدة على هذا النحو الغريب ، لتوحي بهذه الأحاسيس الغريبة ، وهذه المشاعر الغامضة المركبة التي تعجز اللغة العادية عن التعبير عنها ، وعن طريق هذا التراسل تتجرد هذه المحسوسات عن حسيتها وماديتها وتتحول إلى مشاعر وأحاسيس خاصة "ذلك أن اللغة في أصلها رموز اصطلح عليها لتثير في النفس معاني وعواطف خاصة ، والألون والأصوات والعطور تنبعث من مجال وجداني واحد ، فنقل صفات بعضها إلى بعض يساعد على نقل الأثر النفسي كما هو أو قريبًا مما هو ، وبذا تكمل أداة التعبير بنفوذها إلى نقل الأحاسيس الدقيقة ، وفي هذا النقل يتجرد العالم الخارجي عن بعض خواصه المعهودة ليصير فكرة أوشعورًا، وذلك لأن العالم الحشي صورة ناقصة لعالم النفس الأغنى والأكمل".(62)
مزج المتناقضات :
لم يقف عبث الشاع الحديث بالعلاقات المألوفة بين عناصر الصور عند حدود الجمع بين الأشياء المتباعدة عن طريق تراسل احواس وغير ذلك من الوسائل الفنية ، وإنما تجاوز الأمر ذلك إلى مزج المتناقضات في كيان واحد يعانق في إطاره الشيء نقيضه ، ويمتزج به مستمدًا منه بعض خصائصه ومضفيًىا عليه بعض سماته ، تعبيرًا عن الحالات النفسية والأحاسيس الغامضة المبهمة التي تتعانق فيها المشاعر المتضادة وتتفاعل ، فحين يقول شاعر كأديب مظهر في قصيدته "نشيد السكون" التي تعد من النماذج المبكرة في شعرنا العربي الحديث التي تأثرت تأثرًا واضحًا بوسائل الإيحاء في الشعر الرمزي:
__________
(62)د.محمد غنيمي هلال :النقد الأدبي الحديث ص 425،ص426
وانظر :د.محمد فتوح أحمد : الرمز والرمزية في الشعر المعاصر .ص137،138.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 27-05-2011, 11:00 PM   #4
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

(64)



أعد على مسمعي نشيد السكون
حلوًا كمر النسيم الأسودِ
واستبدل الأنات بالأدمع
واسمع عزيف اليأس في أضلعي

واستبقني بالله يا منشدي


نجد الشاعر بالإضافة إلى اعتماده اعتمادًا أساسيًا على تراسل الحواس وغير ذلك من الوسائل الإيحائية الأخرى يعتمد على مزج النقيضين في البيت الأول وهما "النشيد" و"السكون".
.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 28-05-2011 الساعة 08:14 AM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 28-05-2011, 08:27 AM   #5
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي


(65)
حيث يجعل للسكون نشيدًا ،تعبيرًا عن إحساسه بأن للصمت صوته الخاص وللسكون نشيده الخاص الذي يسمعه الشاعر ، ويحسه ليس بسمعه فحسب وإنما بكل حواسه ، حيث يراه ببصره ، ويتذوق طعمه ، ويلمسه بحواسه ، ولا شك أن المزجبين النقيضين هنا قام بدور أساسي في تصوير تلك الحالة النفسية المبهمة الغريبة .
ومن هذا القبيل قول الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة في قصيدته :"أجلس كي أنتظرك" :
أدخل وحدي نصف القمر المظلم
تبلغني في منفاي رسالة
يبعثها الصيف القادم
يتساقط منها ثلج أسود
حيث يمزج الشاعر بين الأشيء المتناقضة ، فهو يمزج في البيت الأول الضياء (القمر) بالظلام ، حين يصف القمر بالإظلام ،ويمزج في البيت الأخير البياض (الثلج) بالسواد ، حين يصف الثلج بالسواد ،بل إن هذا المزج يصبح أكثر تركيبًتا وتعقيدًا حين نعرف أن هذا "الثلج الأسود " يتساقط من رسالة يبعثها "الصيف" القادم- بما يوحه الصيف من الدفء والحرارة – وإذن في الصورة مجموعة من المتناقضات المتعانقة التي يعتبر "الثلج " هو القاسم المشترك بينها ، حيث نجد الحرارة "الصيف" تمتزج بالبرودة "الثلج" من جهة ، كما نجد البياض "الثلج" يمتزج بالسواد من جهة ثانية ، وهذا المزج يوحي بحالة نفسية خاصة يمتج فيها الضياء بالظملة –أو بتعبير آخر يتحول في إطارها الضياء إلى ظلمة – كما يختلط الإحساس بالبرودة بالإحساس بالقتامة ؛فالقصيدة كلها تدور حول انتظار الشاعر لحبيب –أو شخص ما –يبدو أنه لن يجيء ، وانتظاره له لا يزيده إلا إحساسًا بالوحشة ، ولا يقوده إلى إلى عوالم شديدة الغرابة ، ومناف جديدة يزداد فيها وحدة وغربة ، حيث لا يصله في هذه المنافي إلا رسالة غريبة يبعثها الصيف القادم-لعلها بدورها وعد بدفء لن يجيء- هذه الرسالة لا يتساقط منها دفء الصيف وحرارته ، وإنما "يتساقط منها ثلج أسود". وهكذا يسهم المزج بين هذه المتناقضات الكثيرة بدور بارز في الإيحاء بتلك الأحاسيس والمشاعر الغريبة ، وبهذه الوحشة التي تحيط بجو م نالبرودة القاتلة القاتمة التي تتجمد في نطاقها كل لمحة دفء أو ومضة ضوء .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 28-05-2011, 11:41 AM   #6
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

(66)
الغموض
نتيجة لاستخدام الوسائل السباقة في تشكل الصورة ، بكل ما تقوم علهي من تحطيم للعلاقات المنطقية المألوفة بين الأشياء ، وابتداع علاقات جديدة غريبة بينها ، فإن الصورة الشعرية في القصيدة الحديثة تتوشح بنوع من الغموض الشفيف المشع . وهذا الغموض ليس مجرد نتيجة للعبث بالعلاقات المنطقية بين عناصر الوجود فحسب ، وإنما هو أيضًا وسيلة يستخدمها الشاعر عن وعي لتقوية الجانب الإيحائي في الصورة ، وبخاصة إذا كانت هذه الصورة توحي بتلك الأبعاد الخفية المستترة من تجربة الشاعر ، التي لا يستطيع الشاعر –حتى إذا أراد- أن يعبر عنها بشكل واضح محدد ، دون أن يغير طبيعتها ، ومثل هذه الصور لا تقدم شيئًا محددًا واضحًا ، وإنما هي تشف عن مجموعة من الدلالات والمعاني من خلال هذه الغلالة الشفيفة من الغموض وعدم التحدد ، وبواسطة هذه الظلال الموحية غير المحددة تستطيع الصورة أن تعبر عما لا يستطيع التعبير عنه الألوان المحددة الواضحة ، ويعبر عن هذا المعنى الشاعر الرمزي الفرنسي فرلين في قصيدة له بعنوان :فن الشعر Art poetique التي تحدد بعض ملامح المذهب الرمزي حيث يرى أنه لا شيء أثمن من الأغنية الرمادية التي يلتقي فيها الواضح بالمبهم ، ويشبهها بعيون جميلة من وراء نقاب ، ويبرر إيثاره لمثل هذه الأغنية الرمادية بأ،هم ينشدون الظلال لا الألوان ، الظلال و لا شيء غيرها .
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 28-05-2011, 11:45 AM   #7
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

(67)
وتوظيف الغموض المشع للإيحاء فنيًا بالجوانب الغامضة المستترة في رؤية الشاعر يرتبط من بعض الجوانب بفكرة مشاركة القارئ للشاعر في عملية الاكتشاف والإبداع ، لأن الصورة إذا ما حددت للقارئ كل شيء فإنه لن يبقى له شيء يكتشفه ويشعر بمتعة اكتشافه ، كما أن في الوضوح خطر الملل ، لأن القرائ يؤثر أن يكتشف هو أسرار الصورة بنفسه على أن تتكشف له هذه الأسرار من تلقاء نفسها ،فتضع عليه لذة الاكتشاف والمشاركة في الإبداع .(64)
وهذا الغموض الموحي سمة من سمات معظم الصور الشعرية في القصيدة العربية الحديثة ، حيث لا تنم هذه الصور في الغالب عن مضمون واضح محدد ، وإنما تشع بإيحاءات خفية غير محددة يحسها القارئ دون أن يفهمها فهمًا دقيقًا ، فحين نقرأ قول الشاعر محمد أبي سنة في قصيدته التي عرضنا لها منذ قليل :
تبلغني في منفاي رسالة
يبعثها الصيف القادم
لا نستطيع أن نقول إننا فهمنا هذه الصورة ، أو أنها قدمت لنا شيئًا محددًا ملموسًا يمكن الإمساك به و القول بأن هو "معنى الصورة"إن الصورة لا تقدم لنا أكثر من إيحاء غامض بوعد بالدفء يتلقاه الشاعر في برودة وحدته التي ينتظر فيها ذلك القادم الذي يبدو أنه لن يقدم أبدًا ، ولكن حتى هذا الوعد غير المحدد بالدفء تشوبه ملامح البرودة ، ويلفه ذلك الجو الجليدي القاتم الذي يلف رؤية الشاعر كلها ، فإذا بهذه الرسالة "يتساقط منها ثلج أسود" . وهذه الإيحاءات غير المحددة تشع من وراء ذلك النقاب الشفيف من الغموض الذي يغلف الصورة .
على أننا ينبغي أن نفرق بين هذا النوع من الغموض الشفيف الموحي ، الذي تشع من خلفه إيحاءات الصور ودلالاتها الغامضة كما تشف العيون الفاتنة من وراء نقاب –كما يقول فرلين – والذي يعتبر وسلة من وسائل الإيحاء وبين نوع آخر من الغموض الكثيف ،الذي لا يكاد يشف عن شيء ، الذي يقوم حاجزًا سميكًا بين القارئ ودلالة الصورة الشعرية ، بل بين القارئ والقصيدة الحديثة بوجه عام(65) .فهذا النو ع الأخير من الغموض لا يستطيع القارئ أن يخترقه إلى عالم الشاعر مهما بذل من الجهد الصادق قأن ينفذ منه إلى إيحاءات الصور ودلالاتها ، ومن ثم إلى الرؤية الشعرية التي يجسدها الشاعر في قصيدته.
ولا شك أن هذا الغموض الكثيف يعد واحدًا من أهم عوامل الأزمة القائمة بين القصيدة العربية الحديثة وقرائها ، حيث صار سمة من أبرز سمات النتاج الشعري الحديث وشاع شيوعًا كبيرًا في نتاج بعض شعرائنا إلى الحد الذي كاد نتاجهم يتحول معه إلى عوالم منغلقة عليهم ، ويصعب على أي قائ أن ينفذ إليهم فيها.
_______________________________
(64):النص منقول عن :النقد الأدبي الحديث ص429 و"الرمزية في الشعر المعاصر "ص194
Verlaine :Jadis et Naguere .Ed.LE liver de Poche.Paris 1968-p. 25 (65)
وانظر أيضًا : د.أنطون غطاس كرم .الرمزية والأدب العربي الحديث .دار الكشاف.بيروت 1949 ص103،104 ود.محمد غنيمي هلال :النقد الأدبي الحديث ص426،427
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .