قراءة فى كتاب أسباب الرحمة
قراءة فى كتاب أسباب الرحمة
مؤلف الكتاب عبد الله بن جار الله آل جار الله وهو يدور حول تنوع الرحمة الإلهية بالناس وغيرهم فى المجالات المتنوعة وسبب تأليف الكتاب هو تذكير الإخوان برحمات الله من خلال الأدلة وفى مقدمته قال:
"أما بعد فقد تنوعت رحمة الله بعبده في جميع المجالات من حين كونه نطفة في بطن أمه وحتى يموت بل حتى يدخل الجنة أو النار {الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم} ومن ذلك إنزال المطر وإنبات النبات وخلق الحيوانات لمنافع العباد وكل ذلك من رحمة الله بعباده ومن ذلك بل هو أهمها إنزال الكتب وإرسال الرسل والهداية للإسلام والإيمان والعمل الصالح ...ولما كانت رحمة الله تعالى بخلقه بهذه المنزلة العالية رأيت أن أجمع فيها رسالة لأذكر إخواني المسلمين برحمة الله المتنوعة ليحمدوه عليها ويشكروه فيزيدهم من فضله وكرمه وإحسانه فذكرت ما تيسر من أسباب رحمة الله المتنوعة بخلقه بأدلتها ...وهذه الرسالة مستفادة من كلام الله تعالى وكلام رسوله (ص)وكلام المحققين من أهل العلم"
وقد استهل المؤلف الكتاب بتفسير آية الرحمن الرحيم فقال ناقلا من كتب التفسير :
"تفسير قوله تعالى {الرحمن الرحيم}
قال ابن جرير المعنى الذي في تسمية الله بالرحمن دون الذي في تسميته بالرحيم: هو أنه بالتسمية بالرحمن موصوف بعموم الرحمة جميع خلقه وأنه بالتسمية بالرحيم موصوف بخصوص الرحمة بعض خلقه إما في كل الأحوال وإما في بعض الأحوال فلا شك – إذ كان ذلك كذلك – أن ذلك الخصوص الذي في وصفه بالرحيم لا يستحيل عن معناه في الدنيا كان ذلك أو في الآخرة أو فيهما جميعا
فإذا كان صحيحا ما قلنا من ذلك – وكان الله جل ثناؤه قد خص عباده المؤمنين في عاجل الدنيا بما لطف بهم من توفيقه إياهم لطاعته والإيمان به وبرسله واتباع أمره واجتناب معاصيه مما خذل عنه من أشرك به وكفر وخالف ما أمر به وركب معاصيه وكان مع ذلك قد جعل جل ثناؤه ما أعد في آجل الآخرة في جناته من النعيم المقيم والفوز المبين لمن آمن به وصدق رسله وعمل بطاعته خالصا دون من أشرك وكفر ...فربنا جل ثناؤه رحمن جميع خلقه في الدنيا والأخرة ورحيم المؤمنين خاصة في الدنيا والآخرة
فأما الذي عم جميعهم به في الدنيا من رحمته فكان رحمانا لهم به فما ذكرنا مع نظائره التي لا سبيل إلى إحصائها لأحد من خلقه كما قال جل ثناؤه: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}
وأما في الآخرة فالذي عم جميعهم به فيها من رحمته فكان لهم رحمانا في تسويته بين جميعهم جل ذكره في عدله وقضائه {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} {وتوفى كل نفس ما عملت}
فذلك معنى عمومه في الآخرة جميعهم برحمته الذي كان به رحمانا في الآخرة
وأما ما خص به المؤمنين في عاجل الدنيا من رحمته الذي كان به رحيما لهم فيها كما قال جل ذكره {وكان بالمؤمنين رحيما}
فما وصفنا من اللطف لهم في دينهم فخصهم دون من خذله من أهل الكفر به وأما ما خصهم به في الآخرة فكان به رحيما لهم دون الكافرين فما وصفنا آنفا مما أعد لهم دون غيرهم من النعيم والكرامة التي تقصر عنها الأماني "
وهذا التفسير هو التفسير المعروف لدى المفسرين وهو اختصاص الرحمن بالدنيا والرحيم بالآخرة وهو ما يخالف ما فى كتاب الله نفسه فكلمة الرحمن سأل عنها الكفار فقالوا "وما الرحمن "فأجاب الله "الرحمن خلق الإنسان علمه البيان"إذا فالرحمن هو الرب الذى علم وخلق كل شىء أى هو الذى أعطى كل شىء النفع اللازم له فهو فاتح الرحمة أى معطى النفع مصداق لقوله "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها من بعده" وأما كلمة الرحيم فتعنى النافع للناس لقوله "إن الله بالناس لرءوف رحيم "وفى سورة أخرى خص المؤمنين برحمته فقال "وكان بالمؤمنين رحيما "
ومن ثم الكلمتين لا تختص إحداهما بالدنيا والثانية بالآخرة ففى الآخرة قال فى الرحمن " يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا "
وتحدث المؤلف عن أسباب الرحمة فقال :
"أسباب الرحمة:
أما بعد: فإن الله تعالى أرحم الراحمين وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها فبرحمته خلقنا وبرحمته رزقنا وبرحمته عافانا وأطعمنا وسقانا وكسانا وآوانا وبرحمته هدانا للإسلام والإيمان والعمل الصالح وبرحمته علمنا ما لم نكن نعلم وبرحمته دفع عنا شر الأعداء {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} وبرحمته أنزل المطر وأنبت النبات وبرحمته يدخل عباده المؤمنين العاملين الصالحات الجنة وبرحمته ينجيهم من النار فالأشياء كلها برحمة الله ولرحمته بخلقه أسباب كثيرة نذكر منها:
1 - الإحسان في عبادة الله في إكمالها وإتقانها ومراقبة الله فيها بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك والإحسان إلى الناس بما تستطيع بالقول والفعل والمال والجاه قال تعالى: {إن رحمة الله قريب من المحسنين}
2 - ومن أهم أسباب الرحمة تقوى الله تعالى وطاعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه بما في ذلك إيتاء الزكاة إلى مستحقيها والإيمان بآيات الله واتباع رسوله فيما أمر به ونهى عنه قال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي}
3 - ومن أسباب رحمة الله بعبده: رحمة مخلوقاته من الآدميين والبهائم قال (ص)«الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» رواه أبو داود والترمذي ويتأكد ذلك في حق الفقراء والمساكين والمحتاجين والجزاء من جنس العمل فكما تدين تدان
4 - ومن أسباب الرحمة: الإيمان والهجرة والجهاد في سبيل الله قال تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم} فهؤلاء المؤمنون رجوا رحمة الله بعد أن عملوا موجبات الرحمة وهي الإيمان والهجرة والجهاد في سبيل الله والهجرة تشمل الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام وترك ما نهى الله عنه ورسوله كما قال عليه الصلاة والسلام: «والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» متفق عليه والجهاد يشمل جهاد النفس في طاعة الله كما قال النبي (ص)«والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله» رواه البيهقي كما يشمل جهاد الشيطان بمخالفته والعزم على عصيانه وجهاد الكفار وجهاد المنافقين والعصاة باليد ثم باللسان ثم بالقلب
5 - ومن أسباب الرحمة: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الرسول (ص)كما قال تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون} ولعل من الله نافذة المفعول
6 - ومن أسباب الرحمة: دعاء الله بحصولها باسمه الرحمن الرحيم أو غيره من أسمائه الحسنى كأن تقول: يا رحمن ارحمني اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لى وترحمني إنك أنت الغفور الرحيم {ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا} قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} فيسأل لكل مطلوب بالاسم المقتضي لذلك المطلوب المناسب لحصوله {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} {وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين} فقد أمر تعالى بالدعاء وتكفل بالإجابة وهو سبحانه لا يخلف الميعاد
7 - ومن أسباب الرحمة اتباع القرآن الكريم والعمل به قال تعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون}
8 - ومن أسباب الرحمة طاعة الله ورسوله كما تقدم قال تعالى: {وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون}
9 - ومن أسباب الرحمة الاستماع والانصات لتلاوة القرآن الكريم قال تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم
10 - ومن أسباب الرحمة الاستغفار وطلب المغفرة من الله تعالى: {لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون} "
هنا ذكر المؤلف عشرة أسباب للرحمة وهو فى ذلك لا يفرق بين أسباب الرحمة الدنيوية وأسباب الرحمة الأخروية فالرحمة الأخروية جعل الله سبب واحد ذكره الله بألفاظ مختلفة لها معنى واحد فمرة افحسان فى العبادة ومرة طاعة الله ورسوله(ص) ومرة اتباع ومرة الاستماع له ومرة دعوة الله ....ومن ثم ما ذكره وهو العشرة اه معنى واحد وليس عشرة وكلها تتعلق بسبب الرحمة فى القيامة وليس الرحمة الدنيوية
وأما الرحمة الدنيوية فسببها هو أن الله كتب على نفسه الرحمة والمراد أوجب على نفسه أن يختبر الناس بالرحمة وهى الخير كما يختبرهم بالشر فقال :
" قل لله كتب على نفسه الرحمة"
كما قال :
" ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
وتحدث عن وجوب رحمة المخلوقات فقال :
"وجوب رحمة الخلق وفضلها
تعتبر الرحمة من المبادئ الأساسية في الإسلام ومن لوازمها العطف والمواساة والمشاركة الوجدانية وميل القلب لمساعدة الآخرين كقضاء دين عن معسر أو إنظاره أو مساعدة محتاج أو معونة شيخ كبير أو إرشاد ضال أو نحو ذلك: والرحمة واجبة وضدها القسوة والغلظة ومن الرحمة الخاصة العطف على الأيتام والأرامل والمساكين والقيام عليهم وهذا بمثابة الجهاد في سبيل الله ومن الرحمة الخاصة أيضا توقير الكبير كالأب والعالم ونحوهما والعطف على الصغير وجزاء ذلك كله عند الله عظيم حيث يقول (ص)«الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي
قال القرطبي: «أتى بصيغة العموم ليشمل جميع أصناف الخلق فيرحم البر والفاجر والناطق والبهيم والوحوش والطير» انتهى وفي هذا وردت أحاديث منها ما رواه جرير بن عبد الله في صحيح مسلم: «من لا يرحم الناس لا يرحمه الله تعالى»
|