قراءة فى كتاب التحكيم بين الزوجين في الشقاق
قراءة فى كتاب التحكيم بين الزوجين في الشقاق
المؤلف عبد الله جاسم الجنابي وقد استهل الكتاب بمقدمة عن آية نشوز المرأة تحدث فيه عن أن الشقاق سببه قد يكون المرأة أو الرجل فقال:
"...فنجد الشقاق يقع أحيانا من الزوجة كما بينه الله أحسن بيان في كتابه الكريم بقوله واللائي تخافون نشوزهن , فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا " قال ابن عباس " تلك المرأة تنشز وتستخف بحق زوجها ولا تطيع أمره فأمره الله أن يعظها ويذكرها بالله ويعظم حقه عليها فان قبلت والا هجرها في المضجع ولا يكلمها من غير أن يذر نكاحها وذلك عليها تشديد فان رجعت والا ضربها ضربا غير مبرح ولا يكسر لها عظما والا يجرح بها جرحا فإذا أطاعتك فلا تجني عليها " ويقع الشقاق أحيانا من الزوج كما قال تعالى ( وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) " قال بعض أهل التفسير "النشوز التباعد والإعراض أن لا يكلمها ولا يأنس بها وظاهر الآية أنها تجوز المصالحة عند أي نشوز أو أي إعراض والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وظاهرها انه يجوز التصالح بأي نوع من أنواعه إما بإسقاط النوبة او بعضها أو بعض النفقة أو بعض المهر " وحينا تقع المشاقة والخصومة والاعراض من الطرفين جميعا وهو الذي ذكره جل وعلا بقوله ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهلها وحكما من أهله إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا ) "
واستهل الكتاب بتعريف الشقاق لغة وشرعا فقال :
"1 الشقاق تعريفه لغة وشرعا
أ لغة
قال محمد عبد الرءوف المناوي"الشقاق بالكسر الخلاف .."
وقال ابن فارس " الشين والقاف اصل واحد صحيح يدل على انصداع في الشيء ..ومن الباب الشقاق وهو الخلاف .."
المراد منه
ب – شرعا
لا يخرج معنى الشقاق الشرعي عن معناه اللغوي قال محمد بن جرير الطبري في قول الله تعالى " وان خفتم شقاق بينهما" "وان علمتم أيها الناس شقاق بينهما وذلك مشاقة كل واحد منهما صاحبه وهو اتيانه ما يشق عليه من الأمر فإما من المرأة فالنشوز تركها أداء حق الله عليها الذي ألزمها الله لزوجها وأما من الزوج فتركه إمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان" وقال أبو السعود العمادي " والشقاق المخالفة إما لان كلا منهما يريد ما يشق على الآخر وأما لأن كلا منهما في شق أي جانب غير شق الآخر "
وقال أبو جعفر الطوسي – من علماء الامامية المتوفي سنة 46ه- " والشقاق الخلف والعداوة .."
فخلاصة ما تقدم يكون الشقاق هو شدة المنازعة والخصومة بين الزوجين بحيث لا يستقيم لهما حال من غير أن يتبين المقصر منهما "
الشقاق لا يراد منه فى الآية الخلاف وإنما المراد به إرادة الانفصال وهو الطلاق نتيجة المشاكل المختلفة لأن الخلاف بين الزوجين موجود حتى مع وجود الحياة الزوجية مستقرة فقد يختلفان فيما يأملان وفيما يحبان من الوان الملابس وما يريدان من تسمية الأولاد وما شابه
إذا المراد بالشقاق الرغبة فى الطلاق من الطرفين وبعد هذا تعرض لمعنى الخوف فقال :
"فإذا علمنا الشقاق ما هو يحتاج أن نعلم ما هو الخوف الوارد في قوله تعالى "وان خفتم " وهو المسألة الآتية
2 – ذكر أهل التفسير في الخوف قولين
احدهما العلم وهو قول ابن عباس واختاره أبو سليمان الدمشقي ويرد عليه
إننا لو علمنا الشقاق لم يحتج إلى الحكمين قال أبو السعود العمادي " والجزم بوجود الشقاق لا ينافي بعث الحكمين لأنه لرجاء إزالته لا لتعرف وجوده بالفعل "
والثاني الظن أو الحذر من وجود ما لا يتقين وجوده
قال الطوسي "إن خفتم " الخوف الذي هو خلاف الأمن وهو الأصح فان أريد به الظن كان قريبا مما قلناه " "
فالخوف كما سيقول هو العلم بالرغبة فى الطلاق فى الفقرة التالية:
"وبناء على القولين يكون الخوف هو العلم أو الظن فمن هو المخاطب بالآية ؟
3 – ذهب جمهور العلماء إلى أن المخاطب بالآية هم الحكام والأمراء قال العلامة الفقيه أبو محمد بن حزم " وإذا شجر بين الرجل وامرأته بعث الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها ..وعليه أكثر المفسرين
قال الإمام البيضاوي "فابعثوا حكما " فابعثوا أيها الحكام متى اشتبه عليكم حالهما لتبين الأمر "
ويرى بعض أهل التفسير أن المأمور بذلك الرجل والمرأة وبه قال السدي
وقيل أيهما كان ناب عن الآخر وهو اختيار شيخ المفسرين الإمام أبي جعفر الطبري فانه قال " وأولى الأقوال بالصواب في قوله " فابعثوا حكما " أن الله خاطب المسلمين بذلك وأمرهم ببعثة الحكمين عند خوف الشقاق بين الزوجين للنظر في أمرهما ولم يخصص بالأمر بذلك بعضهم دون بعض وقد اجمع الجميع على أن بعثة الحكمين في ذلك ليست لغير الزوجين وغير السلطان الذي هو سائس أمر المسلمين أو من أقامه مقام نفسه ولا دلالة في الآية تدل على أن الأمر بذلك مخصوص به أحد الزوجين ولا أثر به عن رسول الله (ص) والأمة فيه مختلفة وإذا كان الأمر على ما وصفنا فأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يكون مخصوصا من الآية من أجمع الجميع على أنه مخصوص منهما وإذا كان الأمر كذلك فالواجب أن يكون الزوجان والسلطان ممن قد شمله حكم الآية"
والحق هو أن قاضى البلدة الخاص بالزواج والطلاق هو المختص بذلك فهما أو أحدهما يذهبان إليه ويعلنان الرغبة فى الطلاق ومن ثم يكون واجبه هو إرسال حكم من أهله وحكم من أهلها للتوفيق بينهما ثم قال :
4 – الحكم التكليفي لبعث الحكمين
أتفق العلماء على جواز بعث الحكمين إذا وقع التشاجر بين الزوجين وجهلت أحوالهما فلم يعلم المحق من المبطل وبعد الاتفاق على مشروعية ذلك اختلفوا في حكم البعث على قولين قال الإمام النووي في روضة الطالبين " وعليه- أي الحاكم – بعثهما وظاهره الوجوب وحجته الآية "فابعثوا " وقال الروياني يستحب قلت – القائل هو الإمام النووي – الأصح أو الصحيح الوجوب "
وقال الخطيب الشربيني "وبعث الحكمين واجب ..."
قال شيخ الإسلام ابن تيمية "ثم انه إذا وقع الشقاق بين الزوجين فقد أمر الله ببعث حكما من أهله وحكما من أهلها "ولفظ أمر من الصيغ الصريحة الدالة على الوجوب كما هو مقرر معلوم في كتب أصول الفقه
قلت والقول بالوجوب يؤيده ظاهر الآية والأصل في الأمر الوجوب إلا لقرينة صارفة ولا قرينة .."
والأمر بإرسال الحكمين لا شك فى وجوبه على قاضى البلدة حيث يطلب من أقارب الزوج وأقارب الزوجة الحضور عنده ويطلب منهم أن يختار كل أهل حكم منهم كى يصلحا بين الزوجين حيث يجلسان معا مع الزوج لمعرفة سبب الرغبة فى الطلاق ويجلسان مع الزوجة ويحاولا أن يوفقا بينهما
وتحدث الجنابى عن الحكين فقال :
"5 – الحكمان من الأهل :
وهذان الحكمان المبعوثان يكونان من أهل الرجل وأهل المرأة لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال فيطلعان على ما لا يطلع عليه غيرهم وهما أطلب للصلاح ونفوس الزوجين أسكن إليهم فيبرزان ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة ولأجل هذه المعاني المختصة بالأهل دون غيرهم ذهب بعض أهل العلم بأن الحكمين لا يكونان إلا من أهل الرجل والمرأة بل نقل العلامة الفقيه ابن رشد الإجماع على ذلك فقال " وأجمعوا على أن الحكمين لا يكونان إلا من أهل الزوجين أحدهما من قبل الزوج والآخر من قبل المرأة إلا أن لا يوجد في أهلهما من يصلح لذلك فيرسل من غيرهما
..وظاهر النص القرآني يؤيد وجوب أن يكون الحكمان من أهل الزوج وأهل الزوجة ..."
مما سبق يتبين وجوب كون الحكمين من الأهل وهم الأقارب وأما فى حالة الشذوذ وهو موت كل ألأقارب أو انعدامهم فالزوج يختار من يريد من الأصحاب أو الجيران والزوجة تختار من تريد من أزواج صاحباتها أو جيرانها وهى حالة نادرة
وتحدث عن حالة وجود حكم واحد فقال :
"6 – تحكيم واحد
وهل يصح في مثل هذا الأمر حكم واحد أم لابد من الحكمين معا ؟
ذهب المالكية إلى جواز ذلك فقد جاء في المدونة " فان اجتمعا على رجل واحد هل يكون بمنزلة الحكمين لهما جميعا ؟ قال مالك نعم .. "
وقال القرطبي " ويجزىء إرسال حكم واحد لان الله حكم في الزنى بأربعة شهود ثم قد أرسل (ص)إلى المرأة الزانية أنيسا وقال له إن اعترفت فارجمها والحديث وان كان صحيحا فان الاستدلال به غير مستقيم فان رسول الله (ص)لم يرسل أنيسا حكما وإنما أرسله منفذا لأمر رسول الله (ص)باستفهام المرأة وتقريرها هل زنت أم لا ؟ فلما أقرت بالفاحشة رجمها لا لأنه حاكم بل لأنه أمر بالرجم كما في قوله " فان اعترفت فارجمها " فغاية ما هنا أنه وكيل بتنفيذ الحد
...وذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يكتفى بحكم واحد بين الزوجين
واستدلوا بظاهر الآية " فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها " ولأن كلا من الزوجين يتهمه ولا يفشي إليه سره
قال ابن تيمية مستدلا لهذا المذهب " والله سبحانه لم يرض بحكم واحد بين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما فانه لا يعلم ايهما الظالم وليس بينهما بينة بل أمر بحكمين وألا يكونا متهمين بل حكما من أهل الرجل وحكما من أهل المرأة "
|