العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى كتاب حكم تنفيذ القصاص والإعدام بالوسائل الحديث في الفقه الإسلامي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: The international justice court (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: نقد تنبيه الأنام على مسألة القيام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الزراعة المثالية ولعنــة الأدويــة الكيماويــة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: New death (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: قراءة في مقال البروباغاندا الهدوءُ والفتك (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى كتاب إرشاد الأخيار إلى منهجية تلقي الأخبار (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الميسر والقمار فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال لغز زانا الأم الوحشية لأبخازيا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: Can queen of England? (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 02-04-2009, 09:00 AM   #1
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

الحلم الأكبر



كان الحلم الأكبر لدى جنرالات الحرب منذ قديم الأزل .. هو بناء جندى مقاتل لا يشق له غبار .. جندى على أعلى درجة من الكفاءة والقوة والمهارة .. وعلى أعلى درجة من الإنضباط .. والأهم من كل هؤلاء .. الولاء اللامحدود ..

وتدافعت المدارس العسكرية والأكاديميات إلى صناعة هذا الجندى الفريد ..

كثيرون حاولوا وكانت النتيجة هى الفشل .. حين تطغى القوة فدائما تصحبها نزعة من الشر والتمرد .. وفى عملية البناء هذه تنكسر الكثير من الأشياء فى روح هذا الطفل الصغير الذى يتم إعداده ليكون جندى الغد .. تنكسر مشاعر مثل الرحمة والعطف والحب .. فيصبح أشبه بآلة للقتل منه إلى جندى متفوق يحمل صفات الفارس النبيل .. وحتى حين نجح البعض كان نجاحهم هذا محدودا .. وظل هذا الحلم يراود العسكريين إلى يومنا هذا ..

وتحقق الحلم مرة واحدة .. حين افاق العالم مذهولا على خطر لم تشهد البشرية له مثيلا من قبل .. وكان الإمتحان الصعب والمثالى .. وكان لهذا الحلم أن يتحقق رأى عين فى هذه اللحظة أو أن يتلاشى إلى الأبد .. أمام قوة لم تقهر من قبل .. أمام طاقات لا محدودة .. وأمام أرقام هائلة تزحف كالجراد .. وتمتلك مع هذا كله براعة تخطيطية ومهارة قتالية ..

هل سيغدو الحلم واقعا لا خيالا ..

لهذا الحلم إسم وهو .. المماليك .. وقصة هذه الدولة أشبه بقصص الخيال التى تجسدها شاشات السينما .. المغول .. أمة تجبرت فى الأرض وبلغت من الطغيان منتهاه .. تصدت لها دولة عرفت بالخوارزميين وكانت الحرب بينهم سجالا .. وفى إحدى المعارك يقع إبن جنكيز خان أسيرا ويقتله جلال الدين ملك الخوارزميين .. فيقسم جنكيز خان أن ينال من كل العائلة الملكية لدولة خوارزم شاه .. وينجح فى قسمه هذا .. من هذه العائلة الملكية ومن بين هذه المأساة يهرب طفل صغير هو آخر الناجين من المذبحة الملكية .. ويشب هذا الصغير ليكون سيف الخلاص من هذه القوة الغاشمة .. ولكن لم تنتهى القصة بعد .. فمفاجآت أخرى فى الإنتظار .. لم يكن هذا الأمير الصغير هو الناجى الوحيد فقد نجت فى الوقت ذاته إبنة الملك .. وهى أيضا فتاة أحلام هذا الامير الصغير وحبه الأول والأخير .. إنهما يفترقان ويمضى كل منهما فى حياة طويلة تحفها المغامرات وهما أخيرا يلتقيان ليتحقق حلما طال إنتظاره .. ولم تطل سعادتهما طويلا .. فقد كان كلاهما على موعد مع وعد قطعاه منذ أمد بعيد .. كلاهما يحيا لهذا الوعد وهذه الأمنية .. وكأن يد القدر ترتب وتعد فى الخفاء كل الأوراق فيصبح هذا الأمير ملكا ، حين كان يجب أن يكون .. وها هو القدر المحتوم يسعى بهذه القوة الغاشمة تحت قدميه لتلقى مصرعها على يديه جثة هامدة .. تحقق الوعد .. وباتت حياة الملك الشاب بعدها لا معنى لها .. فى أتون المعركة الخالدة يتعرض هذا الملك لموقف خطير يكاد يودى بحياته .. وإذا بفارس ملثم يمنحه حياته فى لحظة حاسمة .. لم يكن هذا الفارس الملثم سوى زوجته التى لم يغب وجه حبيبها عن عينيها لحظة واحدة وها هى تمنحه حياة جديدة لقاء حياتها هى .. ولكن أى حياة هذه فى كون لا تشرق فيه عيناها .. كان الصديق الأول لهذا الملك وذراعه اليمنى مقاتل بارع وصديق وفىّ لكنه اتصف بالتسرع دوما .. تشتبك خيوط كثيرة أمام هذا الصديق ليتأكد من حدسه أن الملك ينوى قتله ولا شك فيبادر هو متسرعا إلى قتله .. وفى اللحظات الأخيرة لهذا الملك يوصى بالملك من بعده لهذا الصديق الذى ما زال خنجره يرقد بين اضلاعه .. بقى أن نقول أن حقيقة هذا الملك بقيت غامضة لا يعرفها أحد من حوله سوى شيخه وأستاذه .. فارس كفرسان الاساطير لا يسعى لمجد أو ملك فها هو ذا يخفى حقيقة اصوله الملكية عن الشعب وعن صديقه وحتى عن عيون التاريخ .. ولكن التاريخ يأبى إلا أن يضعه حيث يستحق .. ذات يوم .. يعبث الصديق بأوراق الملك القديمة فيجد رسالة من شيخه يعرف منها حقيقة هذا الملك البسيط .. تدمع عيونه إشتياقا لصديقه وتوأم روحه ..

تكاد تكون هذه القصة اشبه بأسطورة منها إلى واقع ملموس ..

لم تكن دولة المماليك بالدولة العابرة فى فى ساحة التاريخ .. أو ومضة من نور فى صباح جديد .. بل كانت دولة عريقة الأركان صنعت لها مجدا فريدا وأطاحت بأكبر خطرين عرفهما المشرق الإسلامى فى وقت واحد .. المغول والصليبيين .. وظلت مزهرة قرابة أكثر من قرنين ونصف .. لا أحد يعرف تحديدا ما كان سيكون من أحداث التاريخ إذا سقطت هذه القوة الأخيرة .. لا نبالغ إن قلنا أن المماليك كان الأمل الأخير لهذا العالم فى التصدى لهذا الخطر المدمر ..

يقولون أن أفضل الطرق لتتعرف على قوة ما تكون بالنظر إلى خصم هذه القوة .. ولكى نتعرف على المماليك كان لزاما علينا أن نتعرف المغول أولا .. من يكون هؤلاء .. ماذا يريدون .. لماذا إجتاحت جحافلهم نصف العالم الشرقى بسرعة مذهلة .. ومن هذه القوة العجيبة التى تصدت لها وكسرت شوكتها .. وهل شخص واحد باستطاعته أن يغير مجرى التاريخ ..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-04-2009, 06:43 AM   #2
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

رعبٌ وأهوالٌ



يُطلق اسم التتار ـ وكذلك المغول ـ على الأقوام الذين نشئوا في شمال الصين في صحراء "جوبي"، وإن كان التتار هم أصل القبائل بهذه المنطقة.. ومن التتار جاءت قبائل أخرى مثل قبيلة "المغول"، وقبائل "الترك" و"السلاجقة" وغيرها، وعندما سيطر "المغول" - الذين منهم جنكيزخان - على هذه المنطقة أطلق اسم "المغول" على هذه القبائل كلها .


جنكيز خان

والتتار شعب همجىّ وكانوا يرددون مقولتهم الشهيرة :"لقد خلقنا الله من غضبه" لذا فهم فى معتقدهم الوثنى قوة الله الغاضبة ويده التى يبطش بها وهم لا يرحمون طفلا أو شيخا أو إمرأة ويتحركون بمبدأ الإبادة الجماعية وكأن قصدهم إفناء النوع، وإبادة العالم . لم يكن جلّ أطماعهم فى الثروة أو الأرض بل للحق لم تكن لهم اطماع أبدا سوى فى إهلاك الحرث والنسل وإعلاء الدمار ولهم حقد رهيب إزاء كل ما يمت للحضارة بصلة .

ولكن ما الذى أطلق الوحش من مكمنه ؟

ذهبت مجموعة من تجار المغول إلى مدينة "أوترار" الإسلامية في مملكة خوارزم شاه.. ولما رآهم حاكم المدينة المسلم، أمسك بهم وقتلهم ووسط مطالب جنكيز خان بتسليم قتلة التجار، أبى الحاكم المسلم العام "خوارزم شاه" بالطبع باعتباره تدخل خارجى غير مقبول ولم يكتف بالرفض بل قام بقتل المبعوثين الدبلوماسيين الذين ارسلهم جنكيز خان ..

لكننا لا نعلم على اليقين إن كانت حادثة قتل التجار أمرا مدبرا ام حادثا عرضيا .. فربما كانت متعمدة بقصد التضييق والحصار الإقتصادى خاصة أن قوة المغول وقتها كانت آخذة فى النمو .. وأيضا لن تكون حادثة التجار وحدها هى السبب الرئيسى لهذا الغزو المدمر بل يبدو أن هذه الأطماع كانت تراود خيال جنكيزخان وكانت حادثة التجار هى القشة التى قصمت ظهر البعير ..

إنطلق الوحش الهائج من مكمنه وصار يهدد العالم أجمع .. لم يعرف التاريخ رعبا أكثر من هذا الخطر المغولى .. رعب لم يسبق له مثيل يسكن قلب الكبير قبل الصغير .. والشجاع قبل الضعيف .. وكان يقينا مؤكدا لدى من عاصر هذه المحنة من المسلمين أن هذه نهاية الإسلام ولا شك .. بل لقد أحجم المؤرخون المعاصرون عن الكتابة عنها من هول الرعب والدمار وفيها يقول ابن الأثير :

" "فيا ليت أمي لم تلدني، وياليتني مت قبل حدوثها وكنت نسيا منسيا" .

ويقول أيضا: " فلو قال قائل إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى أدم وإلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها"

وهي عنده أعظم من فـتنة الدجال، بل لقد اقسم أن من سيجئ بعدها سينكرها وحق له ذلك: " وتالله لا شك أن من يجئ بعدنا إذا بعد العهد ويرى هذه الحادثة مسطورة ينكرها ويستبعدها والحق بيده ..

هذا الوصف كله من ابن الأثير وهو لم يشهد فاجعتهم الكبرى بسقوط بغداد سنة (656هـ) وقتل الخليفة العباسي وسفك دماء المسلمين، وهي فاجعة تضاهي ما سبقها بل تـزيد .

كان الرعب والهلع بين الناس اعظم ما يكون .. هذا الذى يصل بالمرء إلى درجة التجمد والذهول فى مواجهة الأحداث مستسلما لها دون أدنى مقاومة ..

ويكفي شاهدا على ذلك ما سطره المؤرخون المعاصرون للحدث وغيرهم؛ فقد نقل ابن الأثير رحمه الله أن رجلا من التتـر دخل دربا فيه مائة رجل، فما زال يقتلهم واحدا واحدا حتى أفناهم ولم يمد أحد يده إليه بسوء. وأن آخر من التتـر أخذ رجلا ولم يكن مع التتري ما يقتله به فقال له: ضع رأسك على الأرض ولا تبرح، فوضع رأسه على الأرض حتى ذهب التتري وعاد بسيف وقتله به .

وقال: وحكى لي رجل قال: كنت أنا ومعي سبعة عشر رجلا في طريق، فجاءنا فارس من التتـر، وقال لنا: حتى يكتف بعضنا بعضا فشرع أصحابي يفعلون ما أمرهم فقلت لهم: هذا واحد فلم لا نقتله ونهرب ؟ فقالوا: نخاف، فقلت: هذا يريد قتلكم الساعة فنحن نقتله فلعل الله يخلصنا، فوالله ما جسر أحد أن يفعل فأخذت سكينا وقتلته وهربنا فنجونا .

إرتكب المغول من البشاعة والوحشية ما يعجز عنه الوصف .. فقد كانت العادة فى كل مدينة يقتحمونها هى إبادة جماعية لكل من يسكنها .. قد نشير كمثال إلى مدينة "مرو" التى قتلوا فيها قرابة 700 الف .. وهكذا كان دأبهم فى كل مدينة تطأها اقدامهم .. إبادة جماعية ، ودمار شامل .. وكانت المذبحة الكبرى فى عاصمة الخلافة العباسية حين قتلوا فى بغداد - وعلى مدار 40 يوما - "مليونا" من المسلمين .. هذا على أقل تقدير فى كل المراجع التاريخية فالعدد يصل إلى 2 مليون كما فى بعض المصادر ..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 02-01-2009, 08:48 PM   #3
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي



كان فتح مصر هام من الناحية العسكرية أولا لأن مصر هي الامتداد الطبيعي الجنوبي لفلسطين، كما أن فتح ما فُتِحَ من مدن فلسطينية قد أجهد البيزنطيين، ولابد من ضربة قاصمة لوجودهم في هذه الأماكن الجنوبية فكان ذلك.

ومن ناحية أخرى فإن "أرطبون" قائد بيت المقدس (داهية الحرب الذى وجّه الخليفة لحربه أرطبون العرب – عمرو بن أبى وقاص) قد انسحب منها بنظام إلى مصر لإعادة المقاومة، ودفع المسلمين عن الشام ثانية، ولذلك استدعى الأمر مباغتة هؤلاء والإيقاع بهم قبل تزايد خطرهم واستعمال قوتهم.

وكذلك كان من الممكن عند إغفال فتح مصر مهاجمة البيزنطيين دار الخلافة عن طريق البحر الأحمر، فتهبط قواتهم إلى ميناء جدة أو الجار، وتتم مهاجمة الحجاز.

كما أن معرفة عمرو بن العاص رضي الله عنه لمصر ودرايته بها، وهو القائد المختار لفتح البلاد، وَفَّرَ على المسلمين كثيرا من المعاناة والتكاليف. إضافة إلى أن أغلب الجند الذين اشتركوا في الفتح كانوا من العناصر اليمنية، وهؤلاء اليمانية مهروا في قتال الحصون الساحلية، واشتركوا مع عمرو في فتح الحصون ببلاد الشام، فهم أقدر الناس على فتح مصر ومعالجة شئونها العسكرية، كما كانوا على دراية ببناء المدن واختطاطها، والإلمام بالزراعة، فهم من هذه الناحية العسكرية أقدر الناس على تفهم أمور مصر ومعالجة شئونها.
أدرك المسلمون ذلك كله، وأدركوا معه غنى مصر وثراءها، وعلموا أن ضمها إلى بلدان الإسلام يضمن انتعاشا في اقتصاد المسلمين، ويوفر لهم الأموال التي تساعد على مزيد من الفتوح، إضافة إلى أن مصر كانت مركزا رئيسيا لتمويل بيزنطة بالقمح، ومع انهيار الجيش البيزنطي، وما حَلَّ بمصر من ضعف وانقسام كانت الفرصة مواتية للإقدام على فتح مصر.

بعد موافقة الخليفة عمر رضي الله عنه والمجلس العسكري على فتح مصر وخطة الفتح، تحرك الجيش الإسلامي بقيادة عمرة بن العاص رضي الله عنه وتحت قيادته دون أربعة الآلاف مقاتل معظمهم من الفرسان

ولما بلغ المقوقس مجيء جيش المسلمين إلى مصر أرسل جيشا لملاقاة عمرو، فتلاقيا على الفرما فكان أول قتال، والفرما: مدينة من أقدم الرباطات المصرية بقرب الحدود الشرقية لمصر، وكانت في زمن الفراعنة حصن مصر من جهة الشرق لأنها في طريق المغيرين على مصر واسمها القديم "برآمون" أي: بيت الإله آمون، ومنه اسمها العبري "بَرَمُون"، والقبطي "برما"، ومن هذا أتى الاسم العربي وهو الفرما .

ولابد أن عمرو قد حدد من قبل وجهته على أرض مصر أن يكون هدفه الأساسي هو مدينة الإسكندرية التي زارها من قبل في الجاهلية؛ فهي عاصمة البلاد، وتتصل بالقسطنطينية بحراً وبكافة موانئ الدولة على بحر الروم، وهى أكبر حاضرة في مصر منذ بناها الإسكندر الأكبر، ولكي يزول حكم الروم تماما عن مصر فإنه يتعين إخراجهم من كل شبر من أرضها، فكيف يكون طريقه إليها؟ لابد أنه قد حدد مساره.. هل يخترق أرض الدلتا بزروعها وأنهارها وفيض مائها، أو يدور حولها من جنوبها إلى غربها ويساير الصحراء حتى يصل إلى الإسكندرية؟
اختار عمرو الخيار الثاني، وهو الطبيعي والمنطقي، فالسير في الصحراء أفضل للعربي ودوابه من التورط بين الحقول وأوحالها .

أرسل المقوقس إلى عمرو يقول :" إنكم قوم قد ولجتم في بلادنا، وألححتم على قتالنا، وطال مقامكم في أرضنا، وإنما أنت عصبة يسيرة وقد أظلتكم الروم، وجهزوا إليكم، ومعهم العدة والسلاح، وقد أحاط بكم هذا النيل، وإنما أنتم أسرى في أيدينا فابعثوا إلينا رجالاً منكم نسمع من كلامهم فلعله أن يأتي الأمر فيما بيننا وبينكم على ما تحبون ونحب، وينقطع عنا وعنكم هذا القتال قبل أن تغشاكم جموع الروم فلا ينفعنا الكلام ولا نقدر عليه، ولعلكم أن تندموا إن كان الأمر مخالفًا لطلبكم ورجائكم فابعث إلينا رجالاً من أصحابك نعاملهم على ما نرضى نحن وهم به من شيء "

فلما رجعت رسل المقوقس إليه قال لهم: كيف رأيتموهم"

قالوا :"رأينا قومًا الموت أحب إلى أحدهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا نهمة إنما جلوسهم على التراب، وأكلهم على ركبهم، وأميرهم كواحد منهم ما يعرف رفيعُهم من وضيعهم، ولا السيد فيهم من العبد، إذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد، يغسلون أطرافهم بالماء ويخشعون في صلاتهم "

فقال المقوقس" والذى يحلف به لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها وما يقوى على قتال هؤلاء أحد، ولئن لم نغتنم صلحهم اليوم وهم محاصرون بهذا النيل لن يجيبونا بعد اليوم إذا أمكنتهم الأرض وقووا على الخروج من موضعهم.

فتح حصن بابليون

وعلى أسوار بابليون ، قال الزبير بن العوام "إنى أهب نفسي لله وأرجو أن يفتح الله بذلك على المسلمين" ووضع سلمًا من الخشب (إرتفاع السور 20 مترا) إلى جانب الحصن ، وأمر المسلمين إذا سمعوا تكبيره أن يجيبوه جميعًا. كان الزبير فدائيًا شجاعًا لا يدري ما سوف يلقى فوق السور من قوات الروم، وكان في نحو الخمسين من عمره.

ولم يخطر لهم على بال، فما شعروا إلا والزبير على رأس الحصن يكبر ومعه سيفه والمسلمون يرددون تكبيره، وقد تسلقوا على السلم حتى نهاهم عمرو خوفًا من أن ينكسر، ثم انحدر الزبير ومن معه إلى داخل الحصن، والأرجح أنهم نزلوا على سلالم البرج، وأصاب الرعب أهل الحصن فهربوا من أمامهم، وعمد الزبير إلى باب الحصن المغلق من الداخل ففتحه واقتحمه المسلمون من الخارج..

كان الحصن في قلب مصر، وكان أحصن ما بيد الروم في مواجهة جيش المسلمين، فلما سقط صار واضحًا حرج موقف الروم أمام عملية الفتح. نعم مازال أمام المسلمين أن يعبروا مجاريَ مائية خاصة نهر النيل، ولكن أيضًا صار مألوفًا لديهم أن يجدوا حلاً أمام كل عقدة. وتم الصلح بين عمرو والمقوقس .

__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 02-01-2009, 09:04 PM   #4
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي



كتب المقوقس إلى ملك الروم يعلمه بذلك. فجاءه من ملك الروم جوابه على ذلك يقبح رأيه وبعجزه ويرد عليه ما فعل ويقول "إنما أتاك من العرب اثنا عشر ألفًا (بعد إمدادات الخليفة) وبمصر من بها من كثرة عدد القبط ما لا يحصى !
قال المقوقس:والله إنهم على قلتهم وضعفهم أقوى وأشد منا على كثرتنا وقوتنا، إن الرجل الواحد منهم ليعدل مائة رجل منا، وذلك أنهم قوم الموت أحب إلى أحدهم من الحياة.
ثم أقبل المقوقس على عمرو بن العاص وقال له:إن الملك قد كره ما فعلت وعَجَّزني وكتب إليّ وإلى جماعة الروم ألا نرضى بمصالحتك وأمرهم بقتالك حتى يظفروا بك أو تظفر بهم ولم أكن لأخرج مما دخلت فيه وعاقدتك عليه وإنما سلطاني على نفسي ومن أطاعني، وقد تم صلح القبط بينك وبينهم ولم يأتِ من قِبَلِهم نقض، وأنا متم لك على نفسي، والقبط متمون لك على الصلح الذي صالحتهم عليه وعاهدتهم، وأما الروم فأنا منهم براء. وأنا أطلب إليك أن تعطيني ثلاث خصال".

قال عمرو "ما هن ؟"
قال: لا تنقض بالقبط وأدخلني معهم وألزمني ما لزمهم وقد اجتمعت كلمتي وكلمتهم على ما عاهدتك عليه فهم يتمون لك على ما تحب، وأما الثانية إن سألك الروم بعد اليوم أن تصالحهم فلا تصالحهم حتى تجعلهم فيئًا وعبيدًا فإنهم أهل ذلك لأني نصحتهم فاستغشوني ونظرت لهم فاتهموني، وأما الثالثة أطلب إليك إن أنا مت أن تأمرهم يدفنونني في أبي يُحَنَّس بالإسكندرية". فقال عمرو: هذه أهونهن علينا ".

لم يغير المسلمون النظام الإداري المعمول به في مصر قبل الفتح، سواء على المستوى المركزي لإدارة الولاية أم على المستوى المحلي لإدارة الإقليم، اللهم إلا في حدود ضيقة استدعتها الضرورة والظروف، ولم تكن تلك السياسة نابعة من جهل العرب بالنظم الإدارية، أو رغبة في استمرار تدفق الضرائب إلى خزانة الخلافة كهدف يمكن الفتح من ورائه وإنما كان إبقاؤهم على النظام الإداري، نتيجة عدم معرفتهم باللغتين اليونانية والقبطية المستعملين في دواوين مصر، ثم احترام نصوص عهود الصلح التي تم التعهد فيها بالحفاظ على الحريات، وصون الممتلكات والأموال، وعدم التدخل في شئون الأقباط..

الأوضاع الاقتصادية

ـ الزراعة

تعتمد مصر منذ القدم على حرفة الزراعة اعتمادًا أساسيًا، وقد كان المسلمون يعرفون خيرات مصر الوفيرة، فقد أُثِرَ عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قوله: "ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة".. وأثر عن ابنه عبد الله قوله: "من أراد أن يذكر الفردوس أو ينظر إلى مثله، فلينظر إلى أرض مصر حين يخضر زرعها، وتخرج ثمارها"..

ومعلوم أن المسلمين مُنِعُوا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من مزاولة الأنشطة الاقتصادية عامة خاصة الزراعة حتى لا ينشغل الجند عن واجبهم الأول الجهاد في سبيل الله، وكم أن في مقابل ذلك يكفل لهم عمر رضي الله عنه معاشهم ومعاش أولادهم وذويهم إلى جانب ما يحصلون عليه من غنائم حربية، وكان لا يسمح لهم بالخروج إلى الريف ومخالطة الناس إلا في وقت الربيع يرعون خيولهم ودوابهم، ثم يعودون إلى أماكن سكناهم ثانية..

ومما يشهد بالخير للمسلمين من فاتحي مصر أنهم لم يصادروا أراضي القبط الزراعية، ولم يستولوا عليها لأنفسهم .

دخل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مصر على رأس الجيش الذي فتحها وكان على رأس الجيش كما نعلم عمرو بن العاص وابنه عبد الله والزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعقبة بن عامر الجهني، وغيرهم كثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم وحصرهم.

لما فتحت مصر أتى أهلُها إلى عمرو بن العاص حين دخل بؤونة من أشهر العجم، فقالوا له: أيها الأمير إن لنيلنا هذا سُنَّةُ لا يجري إلا بها، فقال لهم: وما ذاك ؟ قالوا: إذا دخلت ثنتا عشرة ليلة من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أباها، وحملنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في النيل، قال لهم: إن هذا لا يكون في الإسلام، إن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأقاموا بؤونة، وأبيب، ومسرى لا يجري قليلاً ولا كثيرًا حتى همَّوا بالجلاء عنها فلما رأى ذلك عمرو بن العاص كتب إلى عمر رضي الله عنه بذلك، فكتب إليه عمر: "إنك قد أصبت لأن الإسلام يهدم ما كان قبله، وكتب بطاقة داخل كتابه وكتب إلى عمرو: "إني قد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي، فألقها في النيل فلما قدم كتاب عمر إلى عمرو بن العاص أخذ البطاقة فإذا فيها: "من عبد الله أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد: فإن كنت تجري من قِبَلَََك فلا تجرِ، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك" فألقى البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج، لأنه لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل، فلما ألقى البطاقة أصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله ستة عشر ذراعًا في ليلة واحدة، فقطع الله تلك السُّنَّةَ السُّوء عن أهل مصر إلى اليوم.
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 02-01-2009, 09:07 PM   #5
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

ماذا كان يحدث لمصر لو لم يأتها الفتح الإسلامي؟



الواقع أن هذا السؤال ضروري للغاية لمن يريد أن يقيم الفتح الإسلامي لمصر تقييمًا نزيها مخلصا مبرءًا من الأغراض؛ لأن الفتح الإسلامي كان ذا أثر عظيم على مصر، وكان علامة فارقة في تاريخها-ليس هي وحسب- بل في أفريقية بأسرها، والباحث المنصف يرى أنه لو لم يأتِ الفتح الإسلامي لمصر لظلت:

1- خاضعة للدولة البيزنطية تُعاني من الاضطهاد والظلم إلى ما شاء الله، ولهجر أبناؤها أرضها فخربت، ودبت المجاعات وعصفت بأهلها، ولتداولت عليها أيدي الدول الاستعمارية الظالمة يخطفها مستعمر من مستعمر، يذيقونها العذاب ألوانًا، وينهبون خيراتها ويخربونها ليعمروا أوطانهم، ولتجرع المصريون كأس المهانة والذل، ولانتهى بهم الحال إلى بيع أبنائهم وأعراضهم ليسددوا الضرائب الجائرة، واستمر القتل والسجن والتعذيب والفتنة في عقيدتهم إكراها لهم على اتباع ديانة غيرهم (أُجبر القبط على إتباع بيزنظة فى معتقداتها والتى تخالف عقيدة أقباط مصر) ثم يكون المصير النهائي للجميع: النار...النار للمُكْرِهِ الروماني والمُكْرَهِ المصري على حدٍّ سواء؛ جزاءً على الكفر والشرك بالله ( عز وجل)، ولكن الإسلام أتاها فأضاء جنباتها بنوره، وأنقذ أبناءها من وهذه الكفر ورفعهم إلى قمة الإيمان السامقة، كما حماها من الاستعمار قرونًا عديدة نَعِمَتْ خلالها بسماحة الإسلام.

2- لو لم يأتِ الإسلام لحُرِمَ الأقباط من ممارسة شعائرهم الدينية وحقوقهم، ولظل الإسلام قابعًا في الجزيرة العربية ولم يستضيء بنوره أهل أفريقية ولا بلاد الأندلس.

3– أو لأصبحت مصر بؤرة من بؤر محاربة الإسلام، ولا كانت شعلة من مشاعل نصرة الإسلام عبر التاريخ ، ولحُرِمَ أبناؤها من ثواب الرباط إلى يوم القيامة.

وخلاصة القول: لو لم يأتِ الإسلام لظلت مصر ميتة بين الأحياء.
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 28-01-2009, 10:48 AM   #6
خالد صبر سالم
عضو نشيط
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
المشاركات: 111
إفتراضي

[quote=محمد الحبشي;616776]
ماذا كان يحدث لمصر لو لم يأتها الفتح الإسلامي؟



الاخ الحبيب محمد
لا ينكر انسان عظمة الشقيقة الكبرى مصر وتاريخها وعراقتها وحضارتها وطيبة شعبها
بل اننا يا عزيزي تفتحت عيوننا على الثقافة والادب والفن المصري
من منا لم يتأثر بطه حسين وشوقي ونجيب محفوظ وام كلثوم وعبد الوهاب وغيرهم من المبدعين الذين اثروا حياتنا
من منا لم يستجب للنداء القومي التحرري الذي أطلقه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر
ان لمصر الحبيبة علينا دين كبير
ولكن يا صديقي انا استغرب من بعض اخواننا المصريين الذين يربطون بين النظام السياسي الحاكم
وبين الوطن العظيم مصر
فنراهم يتضايقون من شخص ينتقد النظام ويتصور ذلك تهجما على مصر
لا عاش من يضمر للمحروسة أي شعور غير شعور المحبة
شكرا لك على هذا الموضوع الثري
مع وافر محبتي واحترامي
__________________
أنا يا عصفورة الشجن مثل عينيك بلا وطن
أنا لا أرضٌ ولا سكنٌ أنا عيناك هما سكني
خالد صبر سالم غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 07-02-2009, 02:28 PM   #7
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

[quote=خالد صبر سالم;623018]
إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة محمد الحبشي مشاهدة مشاركة
ماذا كان يحدث لمصر لو لم يأتها الفتح الإسلامي؟



الاخ الحبيب محمد
لا ينكر انسان عظمة الشقيقة الكبرى مصر وتاريخها وعراقتها وحضارتها وطيبة شعبها
بل اننا يا عزيزي تفتحت عيوننا على الثقافة والادب والفن المصري
من منا لم يتأثر بطه حسين وشوقي ونجيب محفوظ وام كلثوم وعبد الوهاب وغيرهم من المبدعين الذين اثروا حياتنا
من منا لم يستجب للنداء القومي التحرري الذي أطلقه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر
ان لمصر الحبيبة علينا دين كبير
ولكن يا صديقي انا استغرب من بعض اخواننا المصريين الذين يربطون بين النظام السياسي الحاكم
وبين الوطن العظيم مصر
فنراهم يتضايقون من شخص ينتقد النظام ويتصور ذلك تهجما على مصر
لا عاش من يضمر للمحروسة أي شعور غير شعور المحبة
شكرا لك على هذا الموضوع الثري
مع وافر محبتي واحترامي
على العكس أيها الحبيب .. خالد

لم يأتى هذا الموضوع من عصبية ولا قومية .. بل عنيت به كل مصرىّ قبل غيره كى يعرف تاريخه ودوره ودور مصر المنوط بها فى هذا الزمان وكل زمان ..

من يخطأ الربط بين كيان ونظام وبين وطن عمره آلاف أعوام فهو واهم مخطىء الفهم ..

وخالد صبر سالم مصرىّ من قبل أن يكون عراقيا ..

ومحمد الحبشى عراقىّ قبل أن يكون مصريا ..

لحرفك هنا باقات من الخزامى
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .