بقلم: السيد حمدي يحظيه
محمد السادس وعهد والده...
انتظر المغاربة والعالم التغيير الذي روجت له المملكة المغربية لمحمد السادس وعهده منذ سنة 1999م، لكن ذلك كان مثل انتظار نزول الثلج في قلب إفريقيا. جف الماء في عيون المغاربة البسطاء من الانتظار ونزف أخر ما تبقى لهم من حلم. بعد هذه السنوات سيكرر القصر سمفونية انتظروا حتى يأتي ملك جديد لتنعموا بالتجديد. لم يحصل أي شيء، تبخرت تلك الأحلام الوردية التي رسم المغاربة للعهد الجديد إلى دخان، تكسرت الخارطة الذهبية للخيالات الجميلة التي داعبت أحلام الشباب والمثقفين وخريجي الجامعات والمواطنين والوطنيين واستيقظوا على ملك جديد في ثوب ملك قديم، وصدقوا أخيرا أن الملوك ينسخون ذواتهم ولا يغيرون ما ترك آبائهم...
ما حصل من التغيير كان فقط في القصور التي تم تغيير ديكورها وستائرها وأثاثها واستبدال صور الملك الميت بصور ملك جديد، واستبدال الحريم بحريم شاب يوافق ذوق الملك الشاب، وحتى الحريم السياسي القديم فتم استبداله بحريم سياسي جديد، أما الشارع المغربي فبقى كما كان في عهد الحسن الثاني وكذلك السجون والانتهاكات والتخويف والتجويع وكل المظاهر المخزية في الحياة.
والواقع أن محمد السادس قد يكون خدع شعبه الخدعة القاضية، فهو ربما فكر أن يُغير، لكن حين وجد نفسه غاطسا في بحر عسل نعيم الملك والمال والقصور وما ترك الوالد عاد إلى غرور الملوك وتجبرهم وسطوتهم وغطرستهم وحدت غباوتهم. ورث محمد السادس عن والده مملكة كبيرة والكثير من القصور والحريم والمال، خاصة المال الذي رفعه إلى مصاف كبار الأغنياء في العالم. ترى ماذا فعل حين وجد نفسه ملكا..؟
أخذ سيف الظلم الذي ترك والده ثم أمر الجوق الملكي إن يعزف سمفونية العهد الجديد ويصدح بشعاراته الجوفاء المبنية في جوهرها على الشائعات: " العهد الجديد، الملك الشاب الذي سيطلق العنان للحريات، ملك الفقراء، سينزع تقبيل اليد وحني الرقاب إلخ...."
الكثير من الناس قد يكون صدق، لكن لم تتحقق أي من الشائعات التي تغنى بها المغاربة في الأيام الأولى، وكل ما حدث أن الملك الشاب حرك بيادقه لتعزف جوقة التبشير بعهده والتنديد بعهد الحسن الثاني، ولتنبش قبوره الجماعية التي ترك في كل شبر من المغرب والصحراء الغربية، ولتعلق غسيله على حبال كل قصوره. فعهد الحسن الثاني أصبح يُشهر به في كل المغرب، وأصبح متهما – حتى من طرف الذين كانوا يحنون له رقاب الطاعة والولاء- أنه كان وراء كل تلك المذابح والانتهاكات الجسيمة التي لحقت بالناس في عهده، وأن تلك الفترة كانت سنوات الجمر والرصاص والقمع والدم والموت وعهد كل الأوصاف المشينة، والمشكلة أن الكثير ممن يُشهرون به الآن كانوا يدورون في فلكه، وكانوا يمدحونه وينفخون أشداقهم تغنيا بعصره . والمأساة أن محمد السادس نفسه يعرف أن هؤلاء الذين يمدحونه الآن سيصفون عصره بالدم والرصاص إذا جاء ملك أخر محله. صحيح، كان عهد الحسن الثاني دمويا عنيفا إجراميا مفرطا في الظلم، لكن المشكلة أن الملك الجديد لم يقطع معه الاتصال ولا الوصال، ولم يخلق قطيعة. ما الذي طرأ في المغرب في عهد محمد السادس.؟ لماذا يُخدع المغاربة المساكين به ويلدغون من نفس القصر( لا الجحر) الملكي مرتين.؟ كيف تصوروا أن هذا الملك الجديد سيغير من حياتهم وواقعهم الرديء. هل أعطاهم برنامجا ووعدهم بتطبيقه، أم لم يستفيدوا بعد من تجاربهم المريرة مع المملكة.؟
إن عهد محمد السادس درس وافي البلاغة للمغاربة الذين سيتعلمون منه أن لا يفرحهم وصول ملك جديد إلى القصر، فهو لن يحيد عن خطوات والده فالملوك يتناسخون جيلا بعد جيل، ومن يمنى نفسه أن أي ملك سيحسن من حياتهم فهو غارق في أوحال الوهم إلى الأذنين. إنها مأساة حقيقية عاشها المغاربة على مدى قرون من الزمن مع مملكتهم العلوية، ونظن أنهم إذا بقوا قانعين بوضعهم فعليهم السلام.
رغم مرور هذه السنوات البطيئة السيئة لازال المغرب هو المغرب الذي كان في عهد الحسن الثاني، ولا زال الفقر هو الفقر، وتعمق الخلاف مع الجيران أكثر، وزاد عدد الذين ينتحرون في البحر كل يوم، وزاد عدد الصحفيين المسجونين، وووو...