(4)
لقد بدأت الفرقة بين مثل الدين و السلوك الواقعى مبكرة فى تاريخ الاسلام .. من عهد الامويين مثلا و لكنها كانت فرقة لا تخل بقواعد المجتمع الاسلامى فى مجموعه . كانت الحكومة فى العاصمة هى التى تفسد جزئيا فى سياسة الحكم و المال و لكن المجتمع فى غير العاصمة ظل الى حد كبير يمارس أصول الاسلام و قواعده و تحكم حياته المفاهيم الاسلامية فى الكليات و الجزئيات و الاهم من ذلك كله نظام المجتمع كان يقوم على الاسلام ابتداء و يستمد قوانينه كلها من شريعة الاسلام و لا يستمدها من أى مصدر سواه.
ثم اتسعت هذة الفرقة حين حكم الاتراك...
و مع ذلك فقد ظل كثير من أمور المجتمع و مفاهيمه اسلامية خالصةو كذلك سلوكه العملى و أخلاقه و معاملاته و تصوراته و أفكاره
حتى كان الغزو الصليبى الأخير فى القرنين الثامن عشر و التاسع عشر
و امتداده فى القرن العشرين.
و عند ذلك حدث اختلاف كبير فى المجتمع المسلم و اختلال كبير..
الذى أدى الى انحسار مفهوم الاسلام الضخم الشامل لكى يصبح جزئيات مبعثرة لا رابط لها و لا دلالة فيها و لكى يصبح مجرد عبادات – مخلصة أو غير مخلصة – يحسب اصحابها أنها الاسلام كله و أنهم ملاقوا ربهم بها و قد رضى عنهم و رضوا عنه ...
حتى و هو يقول لهم فى كتابه العزيز ان ذلك هو الاسلام كما اراده الله!!
فاذا عرفنا كيف نبع هذا الانحراف و امتد .. فلعلنا ان نصحو الى ما فيه من كيد و لعلنا ان نفئ الى الله و الى أنفسنا .. و نعود مسلمين ..
و لتوضيح ما سبق سوف اسوق اليكم مثلين :
فى أحدى البلاد المجاورة لبلدتنا بنى النصارى كنيسة شاهقة الابراج
و على الرغم من ان الاسلام منذ عهد عمر ابن الخطاب رضى الله عنه
قد منع بناء كنائس جديدة الى ان دعاة التعايش و متبعى سياسة الغرب
قد ضربوا بذلك عرض الحائط و كل يوم تبنى كنيسة حتى كادت تصبح فى عدد المساجد على الغم انه نسبة النصارى لاتتجاوز 8% من السكان
ما علينا .. ليست هذة نقطتنا المهم ان المسلمين فى هذة البلدة ثارت الدماء فى عروقهم و قالوا كيف للكنيسة ان ترتفع اعلى من المسجد؟
و جمعوا التبرعات و استطاعوا ان يعلوا بالمئذنة حتى صارت أعلى من ابراج الكنيسة و هنا هدأت ثورة المسلمين و فرحوا بهذا الانتصار العظيم !!
و لكن لننظر الى الجانب الآخر من الموضوع
النصارى لم يهتمون بذلك و لكن اهتموا بالنشاط الاجتماعى و الدينى و الثقافى و التربوى داخل الكنيسة
فينظمون الرحلات للكنيسة و يعقدون بجوارها الاسواق و يفتحونها ليل نهار و تقام بها الانشطة
بينما المسجد المقابل لهم و الذى ارتفعت مئذنته الى عنان السماء يقفل ابوابه و لا يفتح الا فى الصلوات و اذا نظرت الى المصلين فى صلاة الجماعة حتى لا يتعدون اصابع اليدين
و هذا ما اقصد من انحسار مفهوم الاسلام عند المسلمين
لقد صار الامر بالنسبة لهم مجرد شكليات مآذن مرتفعة و مساجد كبيرة
و لكن ماذا يدور فى هذة المساجد و كيف تخرج اجيال تعرف معنى الدين الشامل و تطبق تعاليمه كاملة فهذا ما لايهمهم !!
و مثال آخر :
كنت اجلس فى أحدى سيارات النقل العام أو ما يسمونه هنا ميكروباس
و شغل السائق الكاسيت بالقرآن الكريم و قد ارتفع صوته الى اعلى درجة
و تأذى احد الركاب ممن يجلسون بجوار السماعات و طلب من السائق ان يخفض الصوت قليلا .. فما كان من احد الركاب الا و انفجر غاضبا كيف نخفض صوت القرآن و اخذ يزبد و يسب فى صاحب الطلب بتخفيض صوت الكاسيت
طيب الى هنا قد نقول بورك ذلك الثائر من أجل القرآن
و لكن هل تعلمون
حالة هذا الرجل الآمر بأن يظل صوت القرآن مرتفعا .. كان يشرب الدخان و ما تنتهى سيجارة حتى تلحق بها أختها و ينظر للمارات من النساء من نافذته !
طيب:
يا شيخنا الا تعلم ان سماع القرآن له أدآب منها عدم التدخين الذى صدرت الفتاوى بتحريمه و السماع بخشوع و سكينة
ايضا هذا القرآن أمرنا ان نراعى حقوق الغير فلعل من يطلب تخفيض الصوت مريض او مصاب فى سمعه او ... لماذا لا نتخذ له الاعذار
و لكن كيف نتسامح و نتخذ لاخواننا الاعذار و لكنها الحرب بيننا
اترون هذا المثل الذى يجعل من الثورة للدين و البكاء عليه تأتى باسوأ النتائج و انها ثورة عمياء حمقاء تضر أكثر مما تنفع
قس على ذلك كل ثوراتنا من أجل الدين و البكاء عليه
ثورات حمقاء تضر أكثر مماتنفع
فنحن نترك تعاليم الدين ثم نريد من غيرنا ان يحترمه
اليس من الاجدر ان نحترمه نحن اولا و نوقره ؟؟!!!