المحاضرة السادسة
التدريب على الولاء
يتطرق الكاتب لاعتراضين كان قد تلقاهما بعد محاضرته السابقة، وهما يخصان إصرار الكاتب على استخدام مصطلح (الولاء)، بشكل ممل، في حين كان بالإمكان استخدام مصطلحات مثل: التفاني وتكريس الذات والوفاء والإخلاص الخ.
فيجيب: في حالة التفاني وتكريس الذات، فقد يكرس الفرد حياته لتحقيق السعادة لنفسه ويتفانى في ذلك، ولكن ذلك ليس ولاءً. والوفاء والإخلاص هو لمحة من لمحات الولاء ولكنه ليس هو، فقد يكون الصديق وفيا لصديقه ومخلصا له، كذلك يفعل الكلب مع صاحبه لكن ذلك لن يُعد ولاءً.
فالولاء بنظري (والحديث للمؤلف) هو التفاني الإرادي والعملي الكامل من ذات معينة لخدمة قضية ما. والقضية في حالة الولاء توحد حياة مجموعة من الأفراد المختلفين في حياة واحدة.
(1)
كيف يتم تدريب الأفراد على الولاء؟ قسم الحديث في هذا الأمر الى قسمين تدريب الصغار وتدريب الكبار على الولاء.
يقول المؤلف أن تدريب الصغار يُعد أصعب بكثير من تدريب الكبار، وأن إتقانه عند الصغار سيؤثر على قوة ولائهم عندما يكبرون. ويشترط أن تكون هناك صناعة تمهيدية لأسس الولاء، منها: القدرة على التصور والإدراك لأي قضية اجتماعية يُراد التفاف الجيل الجديد حولها، وأن يُدرب الفرد على الحسم واتخاذ القرار والالتزام والوفاء بالسير فيه، وهنا تُصنع الإرادة المتطورة للفرد، وأن تكون المناهج التربوية تتصف بالصبر لتنتقل بالفرد الى حالة التهيؤ للولاء في سن المراهقة.
لذا ينصح المؤلف التربويين بأن يبتعدوا عن العجلة في جعل التلاميذ الصغار يرددون عبارات لا يفهمونها بشكل جيد، فإن كان ذلك فقد ينقلب الى ردة بعد حدوث الوعي عند أولئك الأطفال. ويقرر هنا أنه لا يمكن خلق حالة الولاء إلا بعد سن المراهقة. وهنا يذكر أن تدريب الأطفال على تمثيل دور البطولة لأبطال تاريخيين، لا يجب أن يُنظر إليه نظرة نهائية، ولكنه يمهد نوعا ما في خلق الاستعداد للولاء، وذلك بأن يؤشر على شخوص قد يصلحوا أن يكونوا مثلا أعلى للأطفال بعد نضجهم.
وعلى المربين في المدارس، أن يحترموا وفاء الأطفال لبعضهم البعض، ولا يضغطوا عليهم ليصبحوا جواسيس على الآخرين، فهذا يدمر قاعدة تأسيس الولاء المستقبلي لدى الطفل.
(2)
في مرحلة المراهقة، تتسارع الخطى لتكوين الولاء الأولي، فتتكون الفرق الرياضية بالأحياء، وجماعات الأخوة (الشلل). وهنا يبرز دور الموجهين التربويين في تطوير تلك التمارين من الولاء نحو الولاء العام لأهداف فاضلة. فتعاون أولياء الأمور ومربي الصفوف، يحد من أن تتحول تلك الشلل لنشاط فاسد قد يضر بالمجتمع، فبدلا من أن يكتسب الفتى عادات تتعلق بتعاطي المخدرات والجنوح، فإنه بالإمكان جعل تلك الفرق تنخرط في أندية رياضية تجعل الفرد فيها يلتزم بقوانين اللعب وأخلاقياته، أو مراكز شباب تنمي المهارات الثقافية والكشفية وغيرها.
(3)
كيف يتم التدريب الفردي على الولاء؟
يُشترط أن يكون هناك ثلاثة عوامل لاكتمال موضوع الولاء في سن الرشد:
1ـ التأثير الشخصي لقادة المجموعات. فإن كان القائد يتمتع بمواصفات تعج بالفضيلة، فإنه سيصبح مثلا أعلى للأفراد الذين هم تحت قيادته. والعكس صحيح.
2ـ وجود قضية ذات قيمة عليا، وأطلق عليها المؤلف: (تعقيل القضية) أي جعل تلك القضايا التي يلتف حولها الأفراد مهضومة من عقولهم، وتتناسب مع القاعدة الخلقية المتبعة في المجتمع الأكبر. وقد تكون القضية التي تستدعي الولاء عادية في ظاهرها، كالاندفاع من أجل فوز فريق رياضي مثلا.
3ـ التدريب العملي الشاق والمتواصل، وعدم الاكتفاء بالرغبة في تحقيق مثل تلك الأهداف، فلذلك تكون الجيوش بتدريب جنودها المستمر في حالة أفضل من تلك الجيوش التي تكتفي بحب الوطن. وهذا ينسحب على فرق كرة القدم التي لا يتغيب لاعبوها عن التدريب. وهذا ينطبق على جمعيات الحفاظ على البيئة أو رعاية الأيتام الخ، حيث يتطلب الأمر منهم النشاط المستمر.
(4)
هناك قضايا يلتف حولها أناس، سماها المؤلف بالقضايا (الميئوس منها)، ورغم معرفة أصحابها أن تحقيقها شبه مستحيل، فإن تلك القضايا تبقى عائشة في نفوس المؤمنين بها مدى الحياة ويتم تناقلها من جيل لآخر، كقضايا استقلال قوميات أو طوائف تعيش في محيط أقوى وأوسع منها، (استقلال ايرلندا الشمالية عن المملكة المتحدة) (نمور التاميل في سيرلانكا) ( المسلمين في جنوب الفلبين) ( قضايا الأكراد في الدول التي يعيشون فيها) (استرجاع لواء الإسكندرونة السوري من تركيا) ( استقلال الأحواز ـ إيران) الخ.
لقد اختار المؤلف جزءا من قصيدة تمد أصحاب مثل تلك القضايا بالصمود:
إن كان الماضي قد رحل حزيناً
فهناك مستقبل لم يأتِ بعد
عليك أن تستعد له
(5)
يعود الكاتب للإشارة لبعض ما جاء في محاضرته، بالقول كيف نتعرف على القادة الذين يشدون غيرهم نحو الولاء. فيضع بعض صفاتهم، وكأنه يخاطب هنا من يريد أن يصبح قائداً لمجموعة موالية، أن يحترم ولاء خصومه لولائهم، ويدرب من يتبعونه على ذلك. أن لا يتعرض بسوء للموالين لقضايا إشاعة السلام والأمن بين الناس، بل يناصرهم ويمدهم بالعون، وأن لا يتعرض للغرباء الذين يعلنون ولائهم للمناطق التي أتوا منها، هكذا يكون القائد قائدا لمسألة الولاء الكلي المليء بالفضيلة.
__________________
ابن حوران
|