العمل الذي بين يدينا هو عمل فريد من نوعه ، ربما لطرافة العنوان وربما لانفتاح الدلالات وربما كذلك للخلفية التي يستمد منها وجوده .
قبل الخوض في الموضوع أحب الإشارة إلى أن ثمة تقاربًا يتم بين الأمم ينقل هذا التقارب العديد من أنماط الثقافة والتي يعد الكلام والتعبيرات أحد أشكالها البيّنة .
وفي المجتمع الأميريكي تنتشر بشكل كبير -لاسيما في مجال التنمية البشرية وتطوير الذات- كتب ومواضيع ذات عناوين تحمل صياغة رقمية مقاربة لهذا العنوان .
على سبيل المثال :
-العادات السبع للأشخاص الأكثر فعالية.
-عشر نصائح لإدارة المشروعات التجارية.
-كيف تصبح مليونيرًا في أسبوع واحد .
-خمس فوائد لقشرة البطيخ قبل الأكل !
وهذه العناوين في كثير من الحالات أعطت الانطباع بغباء العقلية الأميريكية منتِجة كانت أم مستهلكة إلا أن انخفاض مستوى غباء أحد الطرفين عن الآخر هو الذي يروّج لهذه المنتجات غثها وسمينها .
إن هذه العناوين تطرح بشكل كبير إشكالية تتعلق بكيفية الوصول إلى داخل المستهلك والتعرف على عناصر الجذب لديه .
وبما أننا كثيرًا نقف ضاحكين من بعض هذه الألاعيب والتي تجر جمهورًا من المشترين المغفلين في هذه الدولة ، وبما أن هذه العناوين تدل على سذاجة فكرية لدى أحد الطرفين ، العنوان أراه-على هذه الخلفية- محاكاة ساخرة لهذه الأنماط الفكرية المضحكة ، وتأتي المفارقة من خلال العنوان 7 وظائف للريح إذ أن الريح لها وظائف متعددة في إدارة السواقي وتلقيح النباتات ، وهنا يكون الملمح الجمالي الأول للنص كامنًا في حصر ما يستحيل حصر فائدته ، غير أن الريح أيضًا هي عنصر غير مادي ملموس مما يجعل كيفية حصر سبع فوائد له أمرًا مضنيًا مضحكًا .
ولنبدأ على بركة الله الدخول إلى النص ..
( 1 )
أيتـها الريــــــح ..
لقـد أخذت ِ منـي .. قبعتي ..
حــسـنــا ً ..
سـأخبر أبي .. أنك ِ لـص ..!!
السخرية في اللغة الطفولية كانت بادية وكأنها تتحدث على لسان هذا المواطن الأميريكي والذي يتسم بغباء لا آخر له من خلال كيفيات ربطه العلاقات بين الأسباب والمسببات . وكان وجود النقاط معبرًا عن حالة لاهثة تبرز هذه الطفولية وهي طفولية ربما فكرية وربما حقيقة . الملمح الجمالي في هذا العمل هو أنه يناقش كيفية خداع هذا المواطن بحيث يرى المستحيل ممكنًا وذلك في السطر الأخير سأخبر أبي .. أنك لص .ربما أوحى( الأب) الأبيض لأبناء جلدته أنه قادر على التصدي لكل الظواهر الطبيعية بما جعل المواطن مخدّرًا بهذه الأقوال فيستحيل طفلاً لا يعرف المنطق والأشياء البدهية .ولا يستبعد أن تكون الدلالة التقريرية المباشرة هي المتعمدة .
(2 )
عندمـا يغضبني أحدهم ..
أخــرج مؤصداً الباب ورائي ... بعنف ..!!
حتى النافــذة المفتوحـــة ..
تغلق الباب .. بعنف ..
إذا ً
الابــواب ... تهــدىء من غضب الريـــح .. !!
هذا المقطع يزيد النص جمالاً ، فهو يجعل المنطق المقلوب هو المسيطر على هذه النوعية من البشر ، حيث تحسب الأبواب تهدئ من غضب الريح وليس الريح هي التي تدفع الباب .
إنها قمة التخدير والتغيب عن أبجديات قانون الطبيعة . وتنفتح هنا دلالة النص ليشمل أنماطًا بشرية تتسم بهذه الدرجة من السذاجة في التعامل مع مواقف الحياة المختلفة .
قبل الخوض في باقي النقاط علينا أن نعرف شيئًا وهو أن الريح غير الرياح فالريح غالبًا تأتي للتعبير عن العواصف أما الرياح فهي الهواء العليل ، وهذا يبرِز فهمًا جيدًا لدلالات الألفاظ .
(3 )
عمال النـظافة اللذين يكنسون الشوارع في الليل ..
لصالح من .. يفعلون ذلك ..!!
بالتــأكيد ..
ليس لصـــالح الريح ..!!
هنا يبدأ النص في الانفتاح الدلالي أي تتسع دلالته لأشياء غير الريح بالمعنيين السابقين .
هنا أراك تتحدث على لسان مواطن ذكي واعٍ يتحدث بسخرية ، وبتغيره تتغير معنى ودلالة الريح وهي دلالة ساخرة أي أنهم لا يعملون (لوجه الله) وربما تأتي بمعنى آخر وهو أنهم لا يعملون من أجل الوطن بل من أجل المادة .
إن الاتكاء على لفظ الريح بوعي أو بلا وعي وبرشد أو بإسراف يدل على أن الريح محور العمل تعبر عن فكرة (الكابوسية) ذلك الشبح الذي يضايق المجتمع أو بعض أفراده مرة فتصير حكاية لا ينتهي الخوض فيها .
(4)
جــــارتي الحبشية .. تجيد الطبـــخ ..
لـقــد ... روجت لها الريــح ..!!
الاتكاء على فكرة الريح والتي تماثل معنى( الإرهاب) في نظر هذا المعجم السياسي كان عملاً فذًا ، فهو ينزع لإبراز حالة التأزم في أتفه الأشياء حتى الجارة الحبشية .وطالما أن الريح روجت للجارة فلابد أن يتم (محاصرة) هذه الجارة ومحاكمتها على إيوائها أشياء غير مشروعة .
لقد مرقت من الفكرة إلى تساؤلات مستقبلية ماكرة باهرة .
(5)
كلما وقفت أمام الـبحر ..
أشعر بتحرشه الكبير مع الريــح ؟
هل يعقل .. أن تكون الريح عاشقة للبحر ..!
ربما نعم ..
والا لمــا أغرق البحر كل الاشرعة التي رغبتت إمتطائه مرة ..!!
مرة أخرى يتغير المتكلم وتتغير (الريح) وتتخذ الفكرة الفلسفية منهجًا لك في العمل ،
وكان التعبير فيه تجسيد جميل ومعبرًا عن حالة يفلسف فيها الإنسان -ربما تحت وطأة حسيّته أو سخريته- هذه المعاني . لكن من المتحرّش بالآخر ؟ موضع خلاف .
هنا تنفتح الدلالة لتكون تعبيرًا عن واقع سياسي يتواطأ فيه طرف مع آخر (البحر والريح) الدولة والعدو ضد (الزوارق )أبناء الشعوب والذين يتقاسم كل واحد منهم حظه في الإيقاع به.
(6)
أبهجتني الريح .. ذات مرة .. حين مرت على الرصيف ثم التصقت بأجساد الفتيات المارات..
كانت .. تهبني فرصة للغواية .... كــي أرى سحــر البنفـسج ..!!
رب ضارة نافعة .. هذا هو المقصود من النص -كما فهمت- فكما يستفيد المواطن من الريح بهذه الطريقة ، فكذلك يستفيد المواطن أو أحد على شاكلته من وجود الأجانب والذي قد يثري السياحة لديه أو تأملاته (الجمالية) في وجوههم . غير أني لا أدري دلالة البنفسج (إلا لو عدت لقصيدة الشاعر المصري حسن طلب إلى البنفسج)
(7)
أيتها الريح ..
سـأكون .. ممتنا لك ..
لو توصلين قبلتي البهية .. طرية ً .. الــى كـف حبيبتي ..!!
لكن إحذري .. أن تلوثها أقنعة المارة ..!!
هنا كما بدأت الريح بمعناها التقريري المتبادر إلى الأذهان تنتهي بنفس الطريقة تقريرية ولكنها تأتي ذات طابع بهيج وهو إيصال القبلة إلى المحبوبة ، وكانت النهاية أقنعة المارة معبرة عن المجتمع لاذي يتدخل في كل خصوصيات الفرد .لكني لي مأخذ وهو أن الريح هي الأعاصير (ريح صرصر عاتية) ولكن لحظك أن بعض العلماء يجدون أن الريح قد تتغير دلالتها لتنحرف بها عن المعنى الطبيعي وهذا ساعد على وجود مبرر لاستخدامها في هذا السياق الأخير.
لقد كان الإسقاط عنصرًا فاعلاً متضافرًا مع تعدد الدلالات في الإتيان بمادة إبداعية ابتكارية حتى النخاع رغم اعتمادها على قدر كبير من الخيالات .وهذا درس مفاده أن الإبداع لا يعني إلصاق الصور على شاكلة copy&paste ولكن الفكرة والاعتماد عليها من أبرز وجوه تميّز العمل الأدبي .
لقد تدرجت وتنوعت الدلالات والحالات والتساؤلات لتبقى أعمالك جميلة بقوة هبوب الريح!
دمت مبدعًا وفقك الله .