مسجد أحمد بن طولون
وأنشأ في وسط المدينة مسجده المعروف باسمه إلى اليوم؛ وهو من أكبر المساجد، وتبلغ سعته 8487 مترًا مربعًا، ولا يزال شاهدًا على ما بلغته الدولة الطولونية من رقي وازدهار في فنون العمارة، ويعد من أقدم الأبنية الإسلامية التي بقيت على ما كانت عليه، واشتهر المسجد بمئذنته الملوية التي تشبه مئذنة مسجد سامراء. وقد انتهى ابن طولون من بنائه سنة (265هـ = 879م)، وبلغ من عنايته به أن عين له طبيبًا خاصًّا، وجعل به خزانة بها بعض الأدوية والأشربة لإسعاف المصلين من رواد المساجد في الحالات الطارئة.
وأنشأ ابن طولون "بيمارستانا" سنة (259هـ = 873م) لمعالجة المرضى مجانًا دون تمييز بينهم؛ حيث يلقون عناية فائقة، وتقدَّم لهم الأدوية، ويُستبقَى منهم من يحتاج إلى رعاية ومتابعة داخل البيمارستان، ولم يكن المرضى يدخلون بثيابهم العادية، وإنما كانت تقدم لهم ثياب خاصة، كما هي الحال الآن، وكان المريض يودع ما معه من مال وحاجات عند أمين البيمارستان، ثم يلحق بالمكان المخصص له إلى أن يتم شفاؤه فيسترد ما أودعه. وكان ابن طولون يتفقد المرضى، ويتابع أعمال الأطباء.
واهتم ابن طولون بالزراعة؛ فعُني بتطهير نهر النيل، وشق الترع، وإقامة الجسور، وشجع الفلاحين على امتلاك الأراضي حتى تزداد عنايتهم بها، وخصص لذلك ديوان الأملاك، كما أصلح مقياس النيل في الروضة لمتابعة الزيادة والنقصان في منسوب مياه نهر النيل، وأمدّ الفلاحين بما يحتاجونه من البذور والآلات الزراعية، وكان من شأن هذا أن ازدادت رقعة الأراضي حتى بلغت نحو مليون فدان.
وازدهرت الصناعة في عهده، وخاصة صناعة النسيج التي كانت أهم الصناعات في عهده، وتقدمت صناعة الورق والصابون والسكر وصناعة الأسلحة، كما نشطت التجارة في مصر والشام؛ نظرًا لموقعهما المتميز في طرق التجارة العالمية.
وكان من نتيجة هذه النهضة أن عمَّ الرخاء، وازدادت مالية الدولة، وامتلأت خزانة الدولة بفائض من المال، استغله ابن طولون في تحسين أحوال الناس المعيشية، وفي بناء جيش قوي بلغ -في بعض الروايات- مائة ألف جندي، وأنشأ أسطولاً بحريًّا لحماية شواطئ الدولة، وإقامة الحصون المنيعة في يافا والإسكندرية وعكا.
وفاته
بعد عقد صلح بين ابن طولون والموفق، وحلول الصلح بينهما، زحف ابن طولون سنة ليقمع الفتنة التي شبت في طرسوس، فلما وصل إلى هناك، وكان الوقت شتاء والثلج كثيرًا، لم يعُقْه ذلك عن نصب المجانيق على سور طرسوس لإخماد الثورة، لكنه مرض ولم يستطع الاستمرار في الحصار؛ فأسرع بالعودة إلى مصر، حيث لقي ربه في (10 من ذي القعدة 270هـ = 10 من مايو 883م).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من مصادر الدراسة:
ابن الأثير: الكامل في التاريخ- دار صادر- بيروت (1399هـ = 1979م).
ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة- دار الكتب المصرية- القاهرة (1351هـ = 1932م).
ابن خلكان: وفيات الأعيان- تحقيق. إحسان عباس- دار صادر- بيروت (1398 – 1978م).
البلوي: سيرة أحمد بن طولون- تحقيق. محمد كرد علي- مكتبة الثقافة الدينية- القاهرة (بدون تاريخ).
سيدة إسماعيل الكاشف: أحمد بن طولون- سلسلة أعلام العرب- المؤسسة المصرية للتأليف- القاهرة (بدون تاريخ).
جمال الدين الشيال: تاريخ مصر الإسلامية- دار المعارف- القاهرة (1967م).