العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > مكتبـة الخيمة العربيـة > دواوين الشعر

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: نظرات فى مقال أسرار وخفايا رموز العالم القديم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال آثار غامضة ... هل هي أكاذيب أم بقايا حضارات منسية؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خرافة وهم سبق الرؤية .. ديجا فو (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال هستيريا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال فن التحقيق الجنائي في الجرائم الإلكترونية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال مونوتشوا رعب في سماء لوكناو الهندية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: A visitor from the sky (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: قراءة فى مقال مستقبل قريب (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال ماذا يوجد عند حافة الكون؟ (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 05-02-2007, 01:04 AM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

اختلاط العروق البشرية :

يصنف علماء الأنثروبولوجي الجنس البشري الى ثلاث عروق أو عناصر رئيسية، هي: القوقازي و المغولي والزنجي .. أو الأبيض والأصفر والأسود*1، وهناك من يقول من العلماء بأن العرق هو مجموعة مُعَرَفَة اجتماعيا (Socially defined) ومميزة فيزيقيا، سواء وجدت تلك الفروق الفيزيقية أم لم توجد. ولكن هذا التصنيف يتحدد بعوامل سياسية على اجتماعية على ثقافية، فالعرق الذي يسمى (الإفرو ـ أمريكي) يتوقف عن أن يكون زنجيا (Negro) حين يغادر الولايات المتحدة.. فهو في جنوب إفريقيا (Colored) وفي نيجيريا ـ رغم تقارب اللون ـ يُعتبر أوروبيا أو أجنبيا.. وفي البرازيل يُدعى (يانكي) .

ويُحدد (كروجمان) في تلك المسألة ثلاثة احتمالات للحوار وهي:

1ـ الإقرار بوجود العرق في المجتمعات البشرية ..
2ـ إنكار وجود العرق في المجتمعات البشرية ..
3ـ وجود الأعراق بين البشر .. ولكن بلا أي أهمية تصنيفية ..

ولو سلمنا بالاحتمال الثالث وأحببنا أن نلتزم بتتبع تقرير (اليونسكو) الذي صدر في شكل بيان عام 1950 سُمي (بيان باريس) .. فإن البيان قد توصل لما يلي:

1 ـ أصل الإنسان واحد وينتسب كل الناس الى مجموعة واحدة هي الإنسان العاقل أو الناطق (Homo Sapiens)، وتناسل الجميع من هذا الأصل ثم تفرقوا وانقسموا الى مجموعات أثرت عليها عوامل بيئية مختلفة، أظهرت الفروقات الفيزيقية التي تميز الناس عن بعض بسهولة.

2ـ التشابه بين أبناء الجنس البشري أكبر من نقاط الاختلاف التي يثيرها البعض لغايات أيديولوجية ..

3ـ والعرق يعني هنا (جماعة من الناس تتميز بتكتلها، وصلاتها القرابية قربى توافق فيما بينها وتجعلها تتوارث عناصر فيزيقية متشابهة، قد تختفي مع الزمن بسبب عوامل جغرافية .. أو عزلة ثقافية قد تثبت وتستمر*2

4ـ ينفي التقرير وجود عرق يتحدد بمنطقة أو دين أو لغة أو وطن أو ثقافة، فليس هناك عرقا إنجليزيا نقيا ولا عربيا نقيا ولا مسلما أو يهودي أو مسيحي أو كردي أو هندي أو حتى أولئك الذين يتواجدون في جزر يُهيئ للبعض أن من فيها يكونون عرقا نقيا .. وذلك نتيجة الهجرات والمصاهرة والحروب وغيرها.. كما أن فكرة الدم النقي غير موجودة فكل أبناء البشرية يلتقون في مجموعات الدم الأربعة المعروفة ..

لقد وجد علماء الأنثروبولوجي أن فكرة العرق لا يمكن تتبعها حتى في أضيق المناطق .. ولا يمكن تتبع نشأة العرق بناء على أي محدد، فاستبدل بعض العلماء مصطلح العرق واستعملوا بدلا منه (مجموعة إثنية Ethnic Group)
وهنا تم الدخول بتعريف للمجموعة الإثنية حيث أخضع التعريف الى أسس اجتماعية تقوم على تماثلات ثقافية بين جماعات أو أعداد من الناس، وهذا لا ينفي أن تكون أحيانا هذه المجموعة الإثنية المعينة ذات خصائص جسمية و جينية (موروثة) .. ولكن التصنيف اعتمد أصلا المسألة الثقافية المشتركة، أي العادات والتقاليد والدين واللغة وهي خصائص موضوعية ومستقلة .

الرق والأقليات :

لم يكن الرق قديما .. بل وجد بعد تطور الحياة والحضارة والزراعة، فكان الأسرى في القدم يأكلهم من يأسرهم لندرة الغذاء، وأحيانا يقتلونهم ولا يأكلوهم، ولكن بعد أن ظهرت الزراعة والقروض والحروب .. كان من يعجز عن تسديد دينه في عينة من الوقت يؤخذ هو وأسرته كرقيق للدائن، وقد نهى الإسلام عن الربا لأنه في أحد نتائجه كان يقود الى الاستعباد في النهاية .. حيث كان من يستلف طنا من القمح مثلا، عليه تسديده مضاعفا في الموسم القادم وإن لم يأت موسم قادم يصبح أربعة أطنان في الموسم الذي يليه وإن لم يأت موسم فيه غلال في المرة الثالثة يصبح ثمانية أضعاف، وبعدها كان يحق للدائن أن يستولي على الرجل وأبناءه وبناته وزوجته أو زوجاته حسب العقد الذي كُتب به العقد، ويبيعهم بأسواق العبيد .. أو يحتفظ بهم وهذا الشكل كان له تشريع واضح عند البابليين ووجدت عشرات المواد في شرائع (حمورابي ) تنظم ذلك *3

وقد انتشر الرق بأشكال مختلفة وأسماء مختلفة بعد الإسلام، فقد أحضر العباسيون من الزنج ليقوموا على سياسة الخيول وكسح السباخ من تحتها، ويقال تم إحضار ما يقارب الثلاثة ملايين من إفريقيا ووضعوا في خدمة السادة، ولكنهم كانوا أحيانا يثورون (ثورة الزنج) في عهد المعتصم .. وما بعده ..

ثم كان هناك المماليك .. الذين كانوا أحيانا يصلوا الى أعلى مصاف السادة فاختلطت الأعراق بين المواطنين في الدولة الإسلامية وانتشرت في بقاع كثيرة من بلادنا، وبقي أثرها الاجتماعي (الإثني ) الى يومنا هذا ..

وكما هي الحال عندما يتزلف ويتقرب الكثير من الرعايا الى سادة القوم في حال انتصارهم، فيفرح من يقال له (مولى ) فلان .. لأن فلان ذائع الصيت .. أو كما يحاول أحدنا أن يقدم نفسه على أنه ابن عم فلان الوزير أو الكاتب أو الحاكم، أو اللاعب أو غيره .. وهو في الحقيقة لن يكون قريبه بدرجة كافية، فقد يرتبط به بالنسب بالجد العاشر! .. فإن الاستنكاف عن معرفة المجرمين أو الخائبين يكون سمة تملص الناس عندما يواجههم الناس بقربهم من فلان سيء الصيت .. فإنه يهز رأسه أنه لا صلة له بذلك الخائب ..

وهكذا تتملص الكثير من المجموعات التي سكنت الوطن العربي وتعايشت مع العرب، بالابتعاد عن انتمائها للعرب المترعين (بخيبتهم ) هذه الأيام .. بل ويجاهر البعض بالسخرية من العرب و شتمهم ليلا ونهارا وأمام المشاهدين بالتلفزيون وعلى صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية وغيرها..


المراجع:

*1ـ مفهوم العرق في كتاب الأنثروبولوجيا : ولستون كروجمان/تحرير (رالف لنتون) / ترجمة عبد الملك الناشف/بيروت 1967/ص 79
*2ـ العنصرية والأعراق / ممدوح حقي / بيروت 1961/ ص 99.. يدرج فيها المؤلف بيان اليونسكو
*3ـ شريعة حمورابي / عباس العبودي/ جامعة الموصل/1990/ص250
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 05-02-2007, 01:03 AM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

لقد أخجلتني أخي محمد في إطرائك لي

فإن كان لدي من بعض معرفة فالفضل يعود لمنبعكم
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 10-02-2007, 10:04 AM   #3
xalid
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 208
إفتراضي

الم يخلقنا الله بشرا .. وان ادم -عليه السلام- هو اب للبشرية اذن فان كافة البشر هم اخوة لاب واحد الا اذا اراد-- اخر--ان يكون من اصل اخر -فله ان يختار-ليس لعربي على اعجمى فضل- الا بالتقوى وما يقدمه من خير واحسان لبنى جلدته من بنى البشر ..لماذا تنظر الاكثرية بفوقية الى الاقلية .. ليرفع ابن الاقلية صوته معاتبا واحيانا رافضا؟؟
ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء ..
يا اخى ما انا فحمة ولا انت فرقد
xalid غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 10-02-2007, 04:24 PM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

ألستم من اعتبرتم هذه أحسن الأقوال ؟؟

اذا رايت شيئا فلا تعجل بالحديث حتى تقرا ماوراء رؤياك
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 04-05-2007, 01:35 AM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

التراتب الاجتماعي ومسألة الأقليات

التراتب الاجتماعي Stratification Social مصطلح شائع في علم الاجتماع، ويعني فيما يعنيه موقع وعلاقة الفرد بالمجموعة أو المجموعة بالمجتمع وتسلمها مواقع سلطوية أو إدارية أو اكتسابها مكانة مرموقة في سلم الترتيب الاجتماعي ..

ويبدو أن تلك المسائل لا ثبات فيها ولا قانون دائم يحكمها في كل الظروف والأزمنة والأمكنة .. فتوزيع الأدوار في المجتمع وبروز مكانة الفرد أو المجموعة محكوم بعوامل أبرزها العاملين بشكلهما التالي :

1ـ هوية الفرد أو المجموعة وموقعها في محيطها الضيق .. فأبناء عشيرة قليلة العدد في قرية أو بادية لم تكن لهم السيادة في العهود السابقة، ولن تكون لهم في الوقت الراهن، حتى لو تم اعتماد الانتخابات كأسلوب لتناقل السلطة بين أفراد المجتمع، فمرشح الأسرة أو العائلة قليلة الأفراد، حتى لو كان مخترعا أو يحفظ كل كتب مكتبات العالم عن ظهر قلب، لن يفوز على مرشح ابن العشيرة الأكثر عددا .. وإن تساوى المرشحان في الهوية الوطنية والقومية والطائفية أو المذهبية ..

هذه الحالة، لن تكون منتشرة في أوساط المدن الواسعة، أو الدول التي تعتمد نظام التعددية الحزبية والمدعومة بالمال ضمن الضوابط الليبرالية المعروفة.

لن يثير أحد مشكلة أبناء العشائر الصغيرة، على أنهم في مظلمة لن يتمكنوا يوما من تبوء مكانة اجتماعية أو سياسية مرموقة، وهم في واقع الحال، في وضع أسوأ بكثير مما هم عليه أبناء الأقليات العرقية، الذين يحظون بمقعد أو عدة مقاعد حسب (كوتة) تحددها تطور القوانين ..

2ـ هوية الأقلية المهنية، وطمس الأهمية لمنتسبيها:

هذه المسألة لها علاقة بالجانب الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، وهي ما تساهم في تحديد مكانة الفرد، بغض النظر عن ديانته و قوميته. فقد نجد صانعا للأعواد (جمع عود .. آلة موسيقية) اكتسب مهارته من خلال طفرة أو صدفة في قرية نائية وفقيرة، ولكنه لم يستطع إثارة انتباه سكان القرية الفقراء، الذين لم يضعوا مسألة مهنته بين أولوياتهم .. ولكنه لو انتقل الى مدينة كبيرة لها نشاطها الثقافي والاقتصادي أو وجد أصلا فيها، فإن ندرة حرفته ستكسبه شهرة ومكانة مرموقة بغض النظر عن ديانته و قوميته وصغر أسرته ..

في حين لن تسعف الكثرة جمهرة العمال غير المهرة، في مجتمع صناعي أو إقطاعي، تنحصر المراتب العليا فيه بين طبقة متسلطة بعينها، ليخرج من تلك الكثرة شخصيات لها مكانتها ودورها ..

يبرز هنا مصطلحان في هذه القضية، في الوسط الاجتماعي الأوسع البعيد (مرحليا) عن السلطة والمراتب العليا وهما: التعصب وعدم التسامح العرقي..

التعصب Prejudice : وقد عرفه بعض علماء الاجتماع على أنه (( اتجاه عاطفي غير مرن، أو استعداد أو تهيؤ مسبق لاستجابة معينة بطريقة ما، تجاه من الناس))*1. وتأسيسا على هذا التعريف فإن صورة تتكون عن مجموعة عرقية أو أمة، لدى المتعصب، فيصبح من خلال تلك الصورة ينظر الى كل العرق أو سكان البلد أو أبناء مجموعة كأنهم شخص واحد يملكون الصفات التي تكونت بمخيلته رغم اختلاف هؤلاء الأشخاص فيما بينهم وهذا السلوك يتحول حسب رأي (والتر ليبمان) الى النمطية (Stereotype) .. وهنا لن تكون الأحكام حول المجموعة العرقية مسبقة فحسب، بل مسبقة وخاطئة..

أما عدم التسامح Intolerance : فهو برأي (Cox) مصدره العوامل الاقتصادية.. وهو يرى أن النظر الى اليهود (مثلا) من باب عدم التسامح، في حين يرى أن النظر الى الزنوج من باب التعصب .. وبرأيه أن المجتمع الأوسع يقصد في سلوكه المتسم بعدم التسامح الى دفع الأقلية للاندماج الكامل بالمجتمع الأوسع وضبط حركتهم، دون القصد من ذلك إنهاء وجودهم .. وهذا ما يحدث في الوقت الحاضر مع الجاليات الإسلامية والعربية في فرنسا.. فخطاب أكثر المرشحين تطرفا نحو اليمين للرئاسة (سركوزي) لا يختلف كثيرا عن غيره، فكل خطاباتهم لا تخلو من عدم التسامح .. بل تصل في بعض الأحيان الى حد التعصب العنصري ..

تطور التعصب :

في الأحداث الحادة، يتم استغلال بذور التعصب الكامنة في المجتمع وتغذيتها، بفتح شلالات الإعلام المحرك لها في ظرف يمكن المحركين من استثمارها بشكل سريع لتحقيق أهداف وضعت في مخططات من يريد التحريك .. ثم تشتعل حمى المنافسة في تزويد تلك الحالة بوقود يطور من تصعيدها، حتى يصبح التحريض واضحا للعيان .. لتبدأ المجموعات العرقية في النهاية بمهاجمة غيرها، كما حدث في المدن البريطانية إثر تفجيرات لندن، عندما هاجمت مجموعات متعصبة إنجليزية، أحياء المسلمين. وكما يحدث في العراق الآن عند بعض المجموعات.

وتعود أسباب تطور التعصب في مجملها الى نواح اقتصادية وسياسية واجتماعية، وتكون الأسباب الأساسية مموهة وغير واضحة، فيبحث المحركون لاستثمار التعصب عن كبش فداء يبرر تحركهم الغامض في كثير من الأحيان، ويجدونه في قالب التعصب ..



هوامش:
1ـSimpson, G.E. and Yinger نيويورك/ هاربر 1972/ص 14
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 21-06-2007, 12:46 AM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

التمايز في الوطن العربي وتاريخ ظهوره

مع بداية ظهور الإسلام، ومع بوادر الدعوة منذ لحظاتها الأولى، استقطب الإسلام الأقليات والمستضعفين من ملونين وغيرهم في مجتمع مكة والمدينة، في حين استكبر الملأ الذين كانوا يعتبرون أنفسهم أسياد المكان، واستنكروا مساواة العبيد مع الأسياد .. والآية 13 من سورة الحجرات { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} وكما يذكر الله عز وجل في الآية 70 من سورة الإسراء على تكريم بني آدم على باقي المخلوقات { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا} .. كما أن الرسول صلوات الله عليه، قد قرر نظرة المساواة بين المسلمين والناس، فقال: الناس سواسية كأسنان المشط، لا فرق بين غربي ولا عجمي إلا بالتقوى .. وما ورد على لسان الصحابة من أقوال تؤكد إيمانهم بالنظرة السماوية تجاه الناس فقد روي أن عمر بن الخطاب قد استمع الى شكوى مصري تسابق مع ابن عمرو بن العاص فسبقه، فقال له ابن عمرو ابن العاص: أتسبق ابن الأكرمين وضربه بالسوط.. فطلب ابن الخطاب عمرو ابن العاص وابنه والمصري وناول المصري سوطا وقال له اضرب ابن الأكرمين .. وأتبع أمره بالقول (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟)* 1

إلا أن النزاهة في التعامل مع الأقليات والتي كانت أجواء حداثة الرسالة السماوية تجعلها أقرب الى العدل بل و (القسط)*2 تجاه أبناء الأقليات، قد تأثرت بتطور الدولة وأداءها، وتأثر هذا الأداء بالعصبية، وقد نوه عن تلك المسألة ابن خلدون في مقدمته إذ قال (إن كل أمر تُحمَل عليه الكافة، فلا بد له من العصبية) ويستشهد بالحديث (ما بعث الله نبيا إلا في متعة من قومه)*3.. ويشرح ابن خلدون تلك المسألة (العصبية) فيقول أنها أساس الملك، وقد ألهم الله رسوله في التعامل مع تلك المسألة بقدرة قيادية هائلة، عندما كان يكرم رؤساء العشائر ويغدق عليهم بالعطاء وهم في طريقهم الى الإيمان الكامل (المؤلفة قلوبهم) وقد نجح هذا النهج، ففي معركة القادسية كان عدد الجنود من جيش المسلمين حوالي 33 ألف جندي، مقابل 120 ألف من الفرس، وجيوش المسلمين في معركة اليرموك تقل عنها في معركة القادسية من حيث العدد، مقابل 400ألف من جنود هرقل .. وقد انتصر المسلمون في المعركتين، لانضوائهم تحت (الديني) مع مراعاة لظروف تجميعهم (الاجتماعي) وفق نظرة سوقية عسكرية واعية ..

أوضاع غير المسلمين

يتجنب كثير من الكتاب والمفكرين الإسلاميين، الذين (يؤدلجوا) الدين سياسيا من استخدام مصطلح الأقليات، بل يميلون الى استخدام مصطلح (التعدد)، كما يفعل (وجيه كوثراني) و (فهمي هويدي) مثلا*4.. ويحاول هؤلاء الكتاب من وضع كلمة أقلية بين قوسين، وكأنهم مجبرين على استخدامها..

وبغض النظر عن التسمية، فإن الإسلام واجه منذ البداية مشاكل رفض تتعلق بالواقع الإثني، ونستطيع تصنيف تلك الإثنيات على طريقة الشهرستاني في كتابه (الملل والنِحَل) *5، حيث قسم الناس في بداية كتابه الى أهل الديانات والملل، وأهل الأهواء والنحل .. فأهل الديانات مثل النصارى والمجوس واليهود والمسلمين، وأهل الأهواء والآراء مثل : الفلاسفة، والدهرية، والصابئة وعبدة الكواكب والأوثان، والبراهمة .. هذا بعد أن مهد لتصنيف الناس حسب عروقهم، فهذا هندي وهذا عربي وهذا فارسي الخ ..

ولو سرنا على تقسيم الشهرستاني، لخرج اليوم علينا كميات هائلة ممن تنطبق عليهم صفة الأقلية، وستكون عندها الأحزاب والنقابات وحتى الطوائف الدينية وأصحاب الطرق أقليات .. وعندها سيضيع جهدنا ويتشتت في إعطاء الموضوع حقه، وقد لا يرغب القارئ بالغوص بتلك التفاصيل، بل إنه يقبل أن يطلع على الكيفية التي كانت الحكومات الإسلامية تتعامل فيها مع أقليات قومية، وقد لا تكون أقليات بل تكون هي الغالبية في مناطقها كأكراد شمال العراق، والأمازيغ في الأقطار المغاربية، والزنج في جنوب السودان وموريتانيا، وأقليات أخرى هاجرت الى منطقتنا في ظروف شتى كالأرمن والشركس وغيرهم .. وإن مررنا على كل ذلك فإننا قد نؤسس للنظرة المستقبلية التي تساعد في التمهيد لوضع تصورات في الكيفية التي يجب مناقشة بها موضوع الأقليات، بما يقود لمناقشة وضع الأوطان بطرح يقبل به كل من يعيش في تلك الأوطان ..

لنمر سريعا على الكيفية التي تعاملت به دولة صدر الإسلام مع موضوع الأقليات:

أولا: المواطنة وقضية الأقليات في الفكر السياسي الإسلامي :

أ ـ حرية التدين والعقيدة:

وهذا يعني عدم إكراه غير المسلمين على اعتناق الدين الإسلامي، وتركهم ببناء كنائسهم والقيام بممارسة شعائرهم الدينية. وهنا علينا أن نتذكر، كيف ميزت الإدارة الإسلامية بين الأمصار التي فتحت عنوة (بالقوة) والأمصار التي بناها المسلمون، ولم يكن لها وجود كالبصرة والكوفة والفسطاط وبغداد و واسط والقيروان .. ويمكن إرجاع المعايير التي قام هذا التقسيم على أساسها*6:

1ـ الأمن القومي للمجتمع المسلم، حيث يفترض أن الدول التي فتحت عنوة هي أكثر تهديدا للأمن القومي للدولة المسلمة.. فالاحتياطات واجبة.

2ـ الأمصار التي فُتحت صلحا يتم ضبط هذه المسألة من خلال الشروط التي يتفق عليها الطرفان. وبشكل عام فإنه يجوز لأهلها تجديد ما تهدم من معابدهم، وبعد أخذ إذن الدولة إذا أريد بناء الجديد من المعابد.

3ـ في البلاد التي مصرها المسلمون، حيث لا يسكنها سواهم، وتقام فيها شعائرهم كالجمعة والجماعة، لا يجوز بناء المعابد غير الإسلامية فيها.

ب ـ تكافؤ دماء المسلم وغير المسلم في القصاص والدية:

الجمهور يستندون الى الحديث المشهور( لا يُقتَل مسلم بكافر) فيمنعون أن يُقتص لغير المسلم من المسلم إذا قتله.. والأحناف يخالفون الجمهور في ذلك ويذهبون الى أنه يُقتص للمُعاهِد غير المسلم من المسلم.. لقول الرسول صلوات الله عليه (من قَتَل مُعاهدا لم يُرَح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما) .. والعلماء مجمعون على أن قتل الذمي كبيرة من كبائر المحرمات لهذا الوعيد، والأحناف والنخعي وابن أبي ليلى وعثمان البتي يقولون باستوائهما في عصمة الدم المؤبد .. فقد قتل النبي مسلما بمعاهد وقال (أنا أكرم من وفى بذمته، وأمر علي رضي الله عنه بقتل رجل من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة، وقامت عليه البينة فجاء أخوه فعفا عنه .. فقال علي: من كان على ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا.. وفي رواية أخرى : إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا*7

ج ـ واجبات أهل الذمة :

منذ حروب الردة، التي خاضها الخليفة أبو بكر الصديق رضوان الله عليه، ضد من امتنع عن أداء الزكاة مرددا قوله الشهير (إنما أنا مُتَبِع ولست بمبتدع)*8، وقد كانت تلك الحروب مع مسلمين غير ملتزمين بدفع الزكاة. وإن الجزية كانت تؤخذ من أجل حماية حقوق المواطنين غير المسلمين، والذين لم يٌطلب منهم حمل السلاح والدفاع عن البلاد .. وتتعدد اتجاهات الفقه الإسلامي بالنسبة لتكييف الجزية، فهناك آراء ثلاثة في هذا الشأن:

1ـ الرأي الأول يذهب الى أن الجزية هي أجرة السكن بأمان في الديار الإسلامية وهم الشافعية ( راجع ابن القيم : أحكام أهل الذمة ص 22ـ24)

2ـ الرأي الثاني: يذهب الى أن الجزية عقوبة على كفرهم ويمثله الحنابلة (راجع الماوردي : الأحكام السلطانية والولايات الدينية ص 144) .

3ـ الرأي الثالث: يذهب الى أن الجزية هي بدل الدفاع عن أهل الذمة، وهو رأي الأحناف ..

يتبع


هوامش
ـــ
*1ـ http://sahab.net/forums/showthread.php?t=324046
*2ـ القسط هو إحقاق العدل مع إرضاء الطرف الآخر ..
*3ـ مقدمة ابن خلدون/ الدار التونسية 1984/ ص 208
*4ـ مشروع النهوض العربي/ بيروت/دار الطليعة 1995/ص 134.. كما يمكن ملاحظة ذلك في مجلة المنهاج /مركز غدير للدراسات الإسلامية/عدد10/ صيف 1998.. ويمكن ملاحظة ذلك في كتابات فهمي هويدي في (حقوق الإنسان في الإسلام) مقالات المؤتمر السادس للفكر الإسلامي/طهران 1988
*5ـ الملل والنحل/ محمد عبد الكريم الشهرستاني/ تحقيق: محمد بن فتح الله بدران/ مكتبة الأنجلو المصرية/ 1956/ص 20
*6ـ الأقليات والسياسة في الخبرة الإسلامية: من بداية الدولة النبوية وحتى نهاية الدولة العثمانية 621ـ 1908م/ د كمال السعيد حبيب/ مكتبة مدبولي/ 2002/القاهرة/ ص 80ـ 86
*7ـ غير المسلمين في المجتمع المسلم/ يوسف القرضاوي ص 12
*8ـ الأمة والدولة في سياسـة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين/ د نزار عبد اللطيف الحديثي/دار الحرية للطباعة/ بغداد1987/ ص 186
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 26-03-2007, 08:18 PM   #7
رنـا
Orkida
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 4,282
إفتراضي

ككل موضوعاتك اخي الغالي إبن حوران هذا الموضوع رائع ومميز،
متابعة معك .. ودمت بخير وعافية ...
__________________
رنـا غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 15-05-2007, 07:53 PM   #8
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(26)

تؤثر كمية الغذاء المتوفرة للكائنات الحية على نمطية حياتها وكثرة أعدادها، فحيوانات الصحراء لندرة الغذاء تتصف بقلة أعدادها واكتسابها مهارات تجعل بقاءها وفرص حياتها متوفرة .. فمثلا تحتاج بومة (الحظائر) حتى تفقس ستة مرات في السنة الى ثلاثة آلاف وستمائة جرذ.. فإن لم تلق هذا العدد في بقعة فإنها ستغادره الى مكان آخر.. وهذا الكم من الجرذان حتى يتوفر لتغذية هذا البوم وأفراخه لا بد من توفر الغذاء له .. كذلك نجد تلك الظاهرة في النحل ففي الأحوال التي تكون فيها الأزهار متوفرة، فإن كمية العسل المنتَج ستزيد، وأعداد أفراد الطائفة ستزيد .. إنها مسألة طبيعية بحتة ..

نظام التغذية عند البشر يتوقف هو الآخر على توفر عوامل الإنتاج للغذاء في بقعة يتواجد فيها قاطنون من البشر، فأحيانا تكون المنطقة صناعية، ولا وجود للمزارع القريبة منها، فيضطر أصحاب المشروع الصناعي سواء كانوا من الأهالي أو الدولة الى إحضار الغذاء لهذا التجمع الصناعي، فتنتشر الأسواق التي تعج بالبضائع المنقولة من مسافات بعيدة، ويذهب السكان الصناعيون الى الأسواق ليشتروا ما يحتاجون من مواد، ويدفعوا ثمن مشترياتهم من الأموال التي تقاضوها بدل أتعابهم الصناعية .. هذا في المجتمعات المتقدمة ..

في المجتمعات التي انتقلت من حياتها القديمة، الى حياة مدنية جديدة، يتصارع الناس على الغذاء، ويحاولون التفنن في البقاء، فيرحل الكثير من سكان البوادي والأرياف ليحلوا ضيوفا غير مرغوب فيهم على ضواحي المدن الكبرى، حتى فاق عددهم في الكثير من الأحيان عدد سكان المدن الأصليين، فتهمشوا في سكناهم ودورهم وحياتهم، وأصبحوا بيئة تفرخ الكثير من المصائب غير المحسوب حسابها في سياسات الدول العرجاء .. وهي ظاهرة موجودة بوضوح في معظم مدن البلدان العربية ..

تقاس نسبة الزيادة بالسكان، على ضوء عدد الولادات والناجين من الأطفال دون موت، منقوصا منها نسبة الوفيات، وتخرج إحصائيات عن متوسط أعمار السكان.. وتدخل عندها دراسات السكان، والحالة الصحية، فتحتل الدول المتقدمة مرتبة أولية في قلة نسبة الوفيات في الأطفال، وزيادة متوسط أعمار الأفراد، وقلة عدد المعاقين الخ ..

في العتيقة، حافظ السكان على عددهم الثابت طيلة سبع وعشرين سنة، منذ عام 1927 وحتى عام 1954 .. لا زيادة تذكر. عندما تأتي ضواري الغابات لتلحق بقطيع من الغزلان أو الحيوانات العاشبة (المتغذية على الأعشاب) فإنها تصطاد الصغار من المواليد التي لا تستطيع الهرب، كذلك تصطاد المتأخر والمتخلف من القطعان نتيجة عجزه وعدم لياقته. كان المرض وهو الوحش المستتر ينهش العاجزين عن الركض أمامه نتيجة سوء لياقتهم الآتية من سوء التغذية، كما أن الأطفال حديثي الولادة، ولسوء الحالة لمرضعاتهم، فإنهم يرضعون العجز منذ صغرهم، فيكونون هم الآخرون فريسة سهلة لأي مرض ساري.. فكانت الحصبة مثلا تأكل أبناء خمسة سنوات عن بكرة أبيهم، لا تبقي منهم أحدا ..كما أن مرضا مثل السل أو الكوليرا لا يرحم هو الآخر، وكان سكان العتيقة يطلقون أسماء على الأمراض، لم يبق أحد يتذكرها مثل (أبو مزراق) عن الطاعون ..

كان الأكل والشرب، يحتل سلم الأولويات لدى مواطني العتيقة، وأظن أن هذا الترتيب لم تنفرد (العتيقة) به، ولا يزال الناس في كثير من الأحيان عندما يريدون وصف رخاء أحد الأفراد يقولون بتباهي وتفاخر (مآكل شارب نايم)، يعني أنه أكل ( وهو الأهم) وشرب ونام .. ولن يذكر ما يتقاضاه من الأجر، فالدلالات تلك كافية لإخبار من يستمع عن حالة النعيم التي يكون المعني فيها ..

كانت مهمة رب البيت تشبه الى حد كبير مهمة ملكة (بيت النمل) في حركة مستمرة لتأمين عوامل البقاء من تدبير الغذاء وتخزينه.. كان تعلق الناس بالمطر وما يعنيه من (بشارة) على بقاء حياتهم، يشكل تعلقا أسطوريا غريبا، فبالرغم من أنهم مسلمون، لكن لفظ (ديم في العراق) و(بعل في بلاد الشام) لا زال يرافق حياتهم حتى اليوم، فأهل العراق القدماء الذين لم يسكنوا الى جانب الأنهر هم كأهل بلاد الشام الذين لم يسكنوا جانب الأنهر، فأهل العراق لا زالوا يسمون الزراعة المعتمدة على المطر بالزراعة (الديمية) نسبة الى الإله (أديم) وأهل بلاد الشام لا يزالون يطلقون على الزراعة المطرية عندهم بالزراعة (البعلية) نسبة الى الإله (بعل) ..

لم تكن هناك فرص للحياة دون الاعتماد على ما يرى الناس من عوامل مادية حولهم، صحيح أنهم كانوا يتوكلون على الله، ولا يقبلوا أن يبذروا بذور محاصيلهم إلا وهم على (طهارة) إذ كانوا يصلون الفجر ويذهبون للحراثة، ولا يحمل أحدهم (مذراة) أو (مقطف) إلا إذا كان متوضئا، حتى لا تطير بركة الله من المحصول .. كان الخوف من المجهول يحاصرهم، والمجهول عادة يتعلق بانحباس المطر لموسم وأحيانا ينحبس لموسمين وقد ينحبس لخمس سنوات على التوالي.. في تخطيط الرجال أرباب الأسر، يقوم الرجل بمهمة التخطيط الإستراتيجي، فلا يتصرف بما يخزنه من محاصيل في سنة وفيرة الإنتاج مرة واحدة، فقد يحسب حساب سنتين قادمتين، وعندما يأتي الموسم القادم على قدر من الخصوبة، فإنه ينتقل بسلم أولوياته من الأهم وهو الغذاء والتغذية الى مهمة تحتل درجة ثانية كبناء غرفة أو شراء ملابس أو شراء فرس للركوب ..

إذا كان أجدادنا قبل الإسلام، قد كانوا على درجة من رفعة النفس عندما يجوعون، فيلجئون الى (الإعتفاد بالفاء) أي الموت الجماعي، للأسرة كاملة حتى لا تهدر ماء وجهها في سلوك تأمين الغذاء في سنين القحط، عن طريق التسول أو بيع شرفها .. فإن تلك الخاصية الوراثية كانت موجودة في العتيقة .. فكان الناس يخفون جوعهم بشكل كبير حتى لا يتشفى بهم أي مراقب حتى لو كان صديقا .. وإن كان (هاشم) قد ذبح (النوق) ليحتذي به أهل قريش، فإن تلك الصفة قد انتقلت الى أهل العتيقة، فكانوا يتراحمون بينهم رغم عوز الجميع..

لقد أتت ثلاث مواسم (قحط) متتالية، فلم يحصل أي واحد من سكان العتيقة على حبة قمح أو شعير فيها، فكان لرجل ابن عم يسكن في منطقة كثيرة الأمطار فطلب منه أن يقرضه أربعة قناطير من القمح لحين أن يأتي الموسم، وحين وافق ابن عمه ، أرسل أبناءه على أربعة (جمال) ليحضروا القمح، في حين ذبح (جديا) ليحتفي بتلك المناسبة، وكان ترتيبه الاجتماعي في الحي متقدما بعض الشيء على جيرانه. فأخبر جيرانه بأن يحضروا لتناول طعام العشاء، وكان جاره، الذي يفصل بين منزليهما جدار قليل الارتفاع، من بين المدعوين، وعندما أتى لتناول العشاء اصطدم بحجر فسقط، فتبين للآخرين أنه مصاب بالعشى الليلي (عدم القدرة على الرؤية في الليل)، وبخبرة الناس، يعرفون أن من يصاب بذلك الداء، هو من الذين يحل بهم الجوع الشديد .. فانتبه صاحب الدعوة وسأله :
ما بك يا جار؟
الجار : لا شيء
صاحب الدعوة: إنني أرى امرأتك تأتي يوميا تحضر معجنها (وعاء العجين) لتخبز في (التنور) لدينا ..
سقطت دمعة من عين جاره وقال بصوت متكسر: إنها تأتي بوعاء العجين وتضع فوقه غطاء.. وتدخل الى (فرنكم) عندما يحين دورها (وهي عادة كانت تستخدم في سنين القحط، حيث تبطل معظم مواقد الحي إلا واحد أو اثنان، لتوفير الوقود) وأضاف الجار : إن وعاء العجين يكون فارغا ستة أيام في الأسبوع، حتى لا يكتشف أهل الحي أننا لا نخبز ..

بكى صاحب الدعوة وأمر أبناءه عندما عادوا أن يعطوا جارهم حمولة بعير من القمح الذي اقترضه من ابن عمه ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 15-05-2007, 07:48 PM   #9
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أشكر تفضلكم بالمرور أختنا الكريمة

احترامي وتقديري
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 16-05-2007, 11:33 PM   #10
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

أديب الخيمة الفاضل ومؤرخها ابن حوران
مررت علي هذه القرية التي لم تعد موجودة.
تقبل مروري ولك تحياتي وتقديري
وخالص المودة.
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .