العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة المفتوحة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى توهم فريجولي .. الواحد يساوي الجميع (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال ثقافة العين عين الثقافة تحويل العقل إلى ريسيفر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات بمقال هل تعلم أن مكالمات الفيديو(السكايب) كانت موجودة قبل 140 عام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى بحث مطر حسب الطلب (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مثال متلازمة ستوكهولم حينما تعشق الضحية جلادها (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال مستعمرات في الفضاء (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال كيفية رؤية المخلوقات للعالم من حولها؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال حوار مع شيخ العرفاء الأكبر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الضفائر والغدائر والعقائص والذوائب وتغيير خلق الله (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال فتى الفقاعة: ولد ليعيش "سجينا" في فقاعة (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 08-10-2007, 08:43 PM   #31
*سهيل*اليماني*
العضو المميز لعام 2007
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
المشاركات: 1,786
إفتراضي

العامية، والدخيل، واللهجات
في قلب الجزيرة العربية(*)

للأستاذ عبد اللـه بن محمد بن خميس
عضو المجمع

الحصانة التي كانت تتمتع بها اللغة العربية في قلب جزيرة العرب كان سببها شبه العزلة التي كانت القبائل العربية تعيشها سالمة من عدوى العجمة وأدواء التقليد، بعيدة عن المؤثرات اللسانية التي تبلبل وتفسد لهجاتها.
وغير ذلك فهناك وازع النقد، وسلطان الغيرة، ورقابة المجتمع.. فلا تكاد تند من متحدث أو شاعر أو خطيب.. كلمة نشاز إلا ويكونون لها بالمرصاد، مما يحملهم على التحفيظ ويبعثهم على الالتزام .. قامت أسواقهم على هذا، وتواصت منتدياتهم به.. فكانوا جميعًا للغتهم حراسًا، وعليها غيارى، وكانوا إلى جانب ذلك يغذون لغتهم ببديع البيان، ومتألق اللفظ، ورائع الشعر، وجزل الخطب، فسمت منهم الفصاحة، وعلا بهم القول، وتكامل فيهم الإعجاز .. كان ذلك بين يدي الإسلام، لتكون معجزة القرآن بالغة مبلغها، مستوفية دلالتها، في قوم تهزهم الفصاحة، ويبهرهم جزل القول، وتشدهم سلاسة المنطق .. ومع ذلك فقد وغل فيهم من الدخيل ما وغل، وتخلل لسانهم فوت الحرص، وسبق العذل، ولم يلبث حتى أساغوه، واستخدموه، وبقي فيهم مجاورًا، وعلى ألسنتهم مسموعًا.. وإن كانوا يميزون الدخيل من الأصيل، ومغموز النسب عن المتوقح في أرومة لسان العرب .. إلا أن القرآن وهو الغاية في الفصاحة والبلاغة، والمثل الأعلى في السمو والإعجاز، قد أقر ما أقره اللسان العربي، وأتى منه بما ليس بمستغرب .. لا يصدع الآذان سماعه، ولا تنكر الطباع وقعه .. أتى منه بما يناهز مائة لفظة، على ما وقع في هذه القضية من خلاف بين العلماء .. فمنهم من ينكر وقوع غير العربي في القرآن، وله دليله من واقع القرآن. ومنهم مـن يؤيـده ، ولكن على أن ما وقع كان بغير اللسان العربي أصلاً، ولكنه تعرب بوقوعه في لسان العرب فأصبح منه ومن ثم أتى به القرآن.
ومع ذلك فقد سرت عدوى العجمة في بعض قبائل العرب التي لها احتكاك بالأمم الأخرى، عن طريق المجاورة أو التجارة أو النقلة أو المصاهرة أو غير ذلك، حتى حذر علماء اللغة الذين عنوا بتدوينها سليمة من كل شائبة، نقية من كل عجمة، حذروا الأخذ عن غير الفصحاء .. فالذين نقلت عنهم العربية من القبائل، وكانوا هم القدوة في التدوين، هم: قيس، وتميم، وأسد، وهذيل، وبعض كنانة، وبعض الطائيين .. وأغفلوا لغة كل حضري، ومن كان من البوادي مجاورًا للأمم الأخرى، كلخم، وجذام، وقضاعة، وغسان، وتغلب، وبكر، وعبد القيس، وأزد عمان، وبني حنيفة، وثقيف.. وسائر قبائل الطائف – أغفلوا الأخذ عنهم بسبب مجاورتهم للأمم الأخرى، أو اختلاطهم التجاري.
ومع ما تقدم بقيت اللغة في قبائل الجزيرة العربية سليمة قويمة، وبدا اللحن يغزو المدن والحواضر، في مطلع فجر الإسلام المبكر، وبدأت السليقة العربية تتأثر، وبدأ اللسان العربي في الحواضر يتعثر .. كقصة الذي لحن بين يدي النبي صلى اللـه عليه وسلم، وقصة عامل عمر ، وقصة ابنة أبي الأسود الدؤلي، وقصة الأعرابي الذي لحن من يعلمه القرآن.. فأنكر المُتعلِّم على المُعلِّم .. وغير ذلك من البوادر التي ضاق بها ذرع أعلام اللغة آنذاك وأئمتهم ، فوضعت القواعد، ودون فصيح اللغة وصريحها، وانتقل من يومئذ علم اللغة في الحواضر الإسلامية وما جاورها، من السليقة والطبع إلى رياضة الألسنة على هذه القواعد، وتلقينهم إياها .. إلا ما كان من بقايا قليلة سلمت لهم ملكاتهم، وتأبّت سلائقهم على ما ليس من طبعها، ممن لم تحفظ عليهم لحنة واحدة.. كعبد الملك بن مروان، والشعبي، والحجاج، وأيوب بن القرية.
في هذه الأوساط التي أصبح علم اللغة فيها يؤخذ بالتدريس والتلقين، وبدأ الطبع اللغوي والملكة الأصلية يضمران وينكمشان .. بدأ المهتمون بأمر اللغة والغيرة على حماها، يقصدون البادية، وينتقلون بين أهلها، ويسجلون لهجاتها، ويلتمسون القول الفصل في ما اختلف فيه، ويتتلمذون على أمييهم ممن لم يعرف الحضارة ولم يشب لسانه شائبة ..
وأخذ الخلفاء والأمراء والموسرون يبعثون أولادهم إلى البادية؛ ليأخذوا اللغة سليقة وطبعًا، تتسم بالجزالة، وتنطق فحلة متبدية أصيلة.
ولينقلوا أنفسهم من الحياة الحضرية اللينة، المترفة، الوادعة إلى حياة البادية الخشنة، الناصبة، الكادحة .. وإلى جو الفتوة والرياضة العربية، من ركوب الخيل، وتسلق الجبال، وقطع الفيافي، رجالاً وركبانًا، في حَمّارة القيظ، وصَبّارة الشتاء .
ولم تزل اللغة في الحواضر العربية وما جاورها تمعن في البعد عن السليقة، وتنأي من ملكه اللسان العربي، بعوامل الاختلاط والمجاورة والمصاهرة والتجارة، والفتوح الإسلامية - عبر القرون - الأولى من الإسلام، وبانتقال الخلافة والسلطة من العرب إلى غيرهم، زوحمت العربية في عقر دارها، واتسعت العجمة تبعًا لنفوذ أربابها، وضمر ظل الفصحى، تبعًا لضمور نفوذ أهلها، إلى جانب ما تعمله السلطة المتسلطة على إضعاف اللسان العربي والكيد له .
هذه العوامل وغيرها .. تنقر صخرة هذه اللغة عبر القرون، وتسعى في تفتيتها وإنهاكها، ولولا أن اللـه تكفل بحفظها، ممثلة في كتابه العزيز، لذابت وانطمست معالمها، ولكن قيض اللـه لها قلاعًا حصينة، وجنودًا مجاهدة، توارثت العمل من أجل الإسلام، والحفاظ على كيان الفصحى، في صميم الحواضر العربية، وعلى رأسها الأزهر الشريف.. مما جعل هذه الأمة بأسرها مدينة لجهادها، مطالبة بالوفاء لها.
ويأتي عصر الانتفاضة العربية، فتواكبه أقلام مجاهدة، وأعلام بارزة، وقادة فكر أوفياء .. نشأت نتيجة لجهادهم المجامع العلمية واللغوية، والمعاهد المتخصصة، والجامعات، ونشطت حركة التأليف والنشر، والتحقيق والتدقيق، وإحياء التراث وخدمة الفصحى، في جميع المجالات ولا يزال جهادها مستمرًّا ونشاطها متواليًا.
وأمام ما جد به العصر من مبتكرات، في مجال الصناعة، والطب، والاقتصاد، والعلم بجميع فروعه، وما إلى ذلك نتج عنه حشد من المسميات، والمصطلحات، وواكبه زحف من الأفكار والفلسفات والمعارف.. كل ذلك وغيره واجه اللغة العربية في هذا العصر وطالبها ببيان موقفها منه .
وأمام ما تجري به بعض الأقلام، وما تتوارد به بعض الأفكار، وما طرأ من تغيير على كيان الشعر العربي .. باسم المرونة، ومجاراة واقع العصر، ومحاربة الجمود، ونبذ الماضي المحنط، وإفساح المجال للأقلام الناشئة، لتعبر عن أفكارها من أقرب طريق، وتسهم في بناء فكر متوثب شاب .. لئلا تعوقها القيود والحدود، وتقف في طريقها القواعد والمصطلحات، فصغرت حرمة الفصحى لدى بعض المتأدبين، والمُدَّعِين، وقلت هيبة ذلك الحمى المتمنّع، واقتحموا حدوده، وجاسوا خلاله .. فصرنا نرى العناوين البارزة الملحونة، تحتل واجهات الصحف، وصار المذيع والمحاضر والخطيب .. لا يتحرجون من أن يقذفوا باللحن كالقذف بالجلاميد .. وصار باب الشعر مفتوحًا لمن شاء أن يكون شاعرًا .. يرصف الجمل والحروف كرصف البيانات، ويسميه شعرًا .. تاركًا كل قاعدة من قواعد الشعر جانبًا.. أمام هذا كله، وأمام ما عسى أن يكون من غيره فإن رسالة حراس اللغة في هذا الزمان ثقيلة، ومهمتهم شاقة، ودربهم شائك .
ونعود إلى الحديث عن اللغة في قلب الجزيرة العربية – لغة البادية – وقد عهدناها في صدر حديثنا هذا معتصمة بسليقتها، محتفظة بملكتها، يقصدها علماء اللغة للأخذ عنها، وينتجعها الرواد للتأثر بها، والتعلم منها.
كان هذا واقعها في صدر الإسلام، وليس من شك في أنها لم تبق محتفظة بأصالتها اللغوية ومكانتها الأولى .. فلقد تأثرت قبائلها المحافظة، بما تأثر به غيرها من القبائل، ذات الصلة بالمجاورين غير العرب وداخلها ما داخلها من واغل، غمز جانبها، وكدر صفوها .. إلا أنها إلى السلامة أقرب، وبالسليقة ألصق. تأرز دائمًا إلى أصلها ، وتنـزع أبدًا إلى أرومتها – يتحدث إليك متحدثها قاصًّا أو مخبرًا أو مستخبرًا أو واصفًا أو جادًّا أو هازلاً .. فيذكِّرك بما أنت تقرؤه عن العرب الأول، وتنسجم مع حديثه انسجام المتأمل المتذوق المشدود إلى السماع، ويواجهك بصراحة العربي وصرامته، وصدق لهجته، واعتداده بنفسه.
وإذا كنت حضريًّا وحدثته بعاميتك الحضرية جعل يتندر على ما في لهجتك من ليونة، وعلى ما في لسانك من لوثة، وعلى ما في مسمياتك من خطأ، وما في مصطلحاتك من هجنة.
للحديث عن الناقة والفرس والطير والكلب والوحش والصحراء والطبيعة المتحركة والساكنة.. قواعد والتزامات لا يضل فيها ولا يغوى .. فهذه فرس صفراء، لذات اللون الأبيض، وصهاة، بياضها ناصع، ومرشوشة للمنقطة بلون آخر، وشهباء للتي مازج لونها قليل من السواد، ودهماء للتي غلب عليها لون السواد، وكميت وحمراء وشقراء .. للاتي ألوانهن كذلك وهكذا ، وقد أعطت الفرس وأشعت إذا طلبت الذكر، وعلاها الذكر إذا لقحت، وأبطحت إذا قاربت الإنتاج، وأفلت إذا أنتجت، وولدها فلو، أو فلوة في السن المبكرة، ومهر أو مهرة بعده، وجذع أو جذعة بعده، وثنى أو ثنية، ورباع للذكر والأنثى وهكذا .. وهكذا بقية شياتها وأعضائها وعدوها وحركاتها.
وللناقة شيات ومصطلحات ومسميات وأحوال ليست للفرس، ولكل الحيوانات والنباتات والظواهر والطبائع المتحركة والساكنة كذلك، مما هو من صميم الفصحى، ومما لو خلَّط فيه مخلِّط أو حرَّفه محرِّف لكان عرضة للسخرية والهجنة والضحك كأن تقول مثلاً: هذه ناقة مبطح بدلاً عن الفرس، أو تقول هذه عشراء بدلاً عن الناقة.
وكلامهم في جملته يسمعه غير المتأمل فينكره، ويظنه موغلاً في العامية بعيدًا عن جو الفصحى. وإذا تأملته لا تسقط منه شيئًا إلا ما كان من تسهيل في الهمز، وإمالة في بعض حروف الإمالة، وإبدال فيما يدخله الإبدال .. مما هو خاضع لواقع اللهجات منذ القدم.
فيلقى مثلاً التميمي تميميًّا آخر فيقول له: " من أين أنت ياي؟ " فيجيبه: "ياي من اليوف " يظنه السامع كلامًا مرطونًا لا علاقة له بالفصحى. والواقع أن السائل يقول : " من اين أنت جاء " بتسهيل الهمزة من ( أين ) وإبدال الجيم ياء على لغة تميم وقلب الهمزة ياء . والجواب جاء هكذا :" جاء من الجوف " بقلب الجيم ياء في ( جاء ) و ( الجوف ).
ويلقى الطائي أخاه فيقول: " انطن مان " فيجيبه: " راع المان بالسرى " يقول الأول: أعطني ماء، ويقول الثاني: انظر الماء بالقناة . فانطن ومان وراع ، والسرى .. أسماء فصحى على لغة طيئ .
ويلقى العتيبي أخاه فيقول له : " ازن ماء "، فيقول أخوه: " ماش ماء "، الأول يقول: " اسقني ماء " فقلب السين زايًا من باب تناوب الحروف، وشدد الزاي ليسقط القاف. والثاني يقول: " ما شيء من الماء هنا " فاقتضب كلمة " ما شيء " بكلمة ( ماش ) .. وهكذا لغتهم فصيحة متمشية مع لهجاتها الأصلية .






__________________
*سهيل*اليماني* غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-10-2007, 08:46 PM   #32
*سهيل*اليماني*
العضو المميز لعام 2007
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
المشاركات: 1,786
إفتراضي

وفي مجال الشعر يقرضونه في شتى الأغراض، ويسلكون به مسالك العرب الأوائل مفاخرين ومنافرين ومادحين وقادحين ومشببين وواصفين .. يقرضونه على السليقة لا يتعلمون في صنعته، ولا يشتطون في تدبيجه، يرسل أحدهم – ممن تتوفر لديه الشاعرية – العنان لقريحته، فتتنفس عن رائعة يستوفي فيها غرضه، قد تبلغ الثمانين بيتًا وربما أكثر وربما أقل .. فتسير أوساطهم وتتناقلها رواتهم، وتبلغ مبلغها من الانتشار والرواية .. يغذون بهذا الشعر أسمارهم، ويستشهدون به على أحداثهم، ويسجلون وقائعهم، ويتغنون به على ظهور المطي، في مجالات أفراحهم، ومناسبات انتصاراتهم .. ولهذا الشعر حديث طويل وضعت فيه كتابًا أسميته "الأدب الشعبي في جزيرة العرب" ألم بالخطوط الرئيسية لهذا اللون من الشعر .
والشاهد هنا هو أن هذا الشعر تسمعه من أفواههم ، وتقرؤه في مدوناتهم .. فلا يخامرك شك في أنه شعر عامي أفسد الفصحى وكدر صفوها.. ولكن إذا أخذت نموذجًا منه وحللته خرجت بنتيجة مذهلة، واكتشفت مجهولاً وعثرت على حقيقة، وهي أنك تجده شعرًا فصيحًا موزونًا مقفي، لا تعوزه القوة ولا ينقصه الإبداع، ولا يمارى في متانته وسموه.
ولنأخذ – مثلاً – هذه النماذج منه :
قال الشاعر محسن الهزاني الذي عاش في حوالي منتصف القرن الحادي عشر الهجري ببلدة ( الحرف ) من اليمامة :
غنى النفس معروف بترك المطامع وليس لمن لا يجمع الله جامع
نرجع به إلى الفصحى فإذا هو بنفسه :
ويمضي :
إذا ما انقضى النيروز فيها وخوضت مطافيل غزلان المها كل خايـع
سقاهـا الحيـا في ليـلة بعد ليلة من المزن هتاف حقوق الروامع
ومنها :
ولا عـز إلا فـي لقي كل متعب بسمر القنـا والمرهفات القواطع
دع الناس من لا يبتدي منك رقة فما الناس إلا من حسود وشانع
نرجع ذلك إلى الفصحى فإذا هو نفسه .
وللشاعر الشعبي راشد الخلاوي من أهل القرن الثاني عشر:
مقام الفتى في منصب العز ساعة ولا ألف عام يصحب الذل صاحبه
فـلا بالتمني تبلغ النفس حظها ولا بالتأنـي فـاز بالصيد طالبه
ومنها :
فلا يد إلا يد اللـه فوقها ولا غالب إلا له اللـه غالب
نرجع ذلك إلى الفصحى فإذا هو .
ولأبي حمزة العامري من أهل القرن العاشر تقريبًا :
تأبى عن الطمع الزهيد نفوسنا وفروجنا تأبى عن الفحشاء
نرجعه إلى الفصحى فإذا هو .
ولماجد القباني من أهل القرن الثالث عشر الهجري:
نديب على الدنيا شقا لو نديبه على الدين ما مس النفوس عذاب
يجيء هكذا .
وله :
فما الناس إلا من تراب معادن وما طاب من تلك المعادن طابا
اقرأه هكذا .
وهكذا كثير من هذا الشعر يتحول من اللهجة العامية إلى شعر فصيح صحيح، وبعضه تدخله اللهجات والتسهيل والتسكين، وإذا قوم استقام .
فمما تدخله اللهجات قول أحدهم:
يا مرحبا بش وبهلش وبالجمل الذي حملش
يقصد : يا مرحبا بك وبأهلك وبالجمل الذي حملك.
على لهجة الكشكشة لربيعة، وهي إبدال الكاف شينًا، وهي الآن لغة " يام " بجميع أفخادها .
وقول عبد الله بن رشيد:
سلم عليه ولا تقل له مقالة إلا أن نشد عن حالتي أو عنى سال
فقوله : " عنى " بالتخفيف جاءت لغة القائل :
أيها السائل عنهم وعنى لست من قيس ولا قيس منى

فسلامة اللغة لدى عرب الجزيرة في البادية خصوصًا هو الأصل، والدخيل فيها قليل جدًّا، والعامية التي تخضع للهجات، واللهجات في قلب الجزيرة كثيرة جدًّا، وتخضع أيضًا لعوامل مناخية ، فالجوار والاحتكاك والمداخلة في المراتع لها دخل في ذلك، ولذا نجد لغة شمر وعنـزة وحرب، وما جاورهم من القبائل متشابهة، ونجد لغة عتيبة، وهذيل، وعدوان، والشلاوي، والبقوم، وثقيف ، وقريش وسفيان، وثمالة، وسليم .. وما جاورهم فيها كثير من الشبه .. ونجد لغة يام بجميع فروعها، وقحطان بجميع فروعها أيضا متجانسة. وعرب اليمامة، سبيع، والسهول، ومطير، والقرينية ونزائع وبطون من عرب آخرين .. لغتهم متجانسة .. وهكذا وبالجملة. فاللهجات العربية في قلب الجزيرة العربية كثيرة، وكلها ترجع إلى أصل واحد هو العربية الفصحى، ولا ضير ولا غضاضة من تعدد هذه اللهجات؛ فقد كانت منذ الجاهلية أيام كانت الفصحى في قمة مجدها وتكامل شخصيتها، ونزل القرآن بها وأدخلها في فصاحته المتناهية .. وبلاغته المعجزة .. فبالتتبع والاستقراء نجد أن القرآن أخذ من لهجات القبائل كل لهجة بطرف، فأخذ من لهجة كنانة، وهذيل وأزد شنوءة، وخثعم، ومذحج، وقيس عيلان، وسعد العشيرة، وكندة ، وعذرة، وحضرموت، ومزينة، ولحم، وجذام، وحنيفة.. وغيرهم مما يبلغ نحوًا من خمسين لهجة ..، ولا ينافي هذا ما ورد من أن القرآن كتب بلهجة قريش، فالرهط الذين عهد إليهم الخليفة عثمان بن عفان رضي اللـه عنه بنسخ المصاحف هم زيد بن ثابت، وعبد اللـه بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث .. قال الخليفة للرهط القرشيين: ما اختلفتم فيه أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنه نزل بلسانهم.. ومعنى هذا أن القرآن وإن نزل بلسان قريش فإنه لم يغفل سائر اللهجات .. بل ورد بها وأيدها، وإذًا فلا ضير في أن تبقى هذه اللهجات كما كانت في عهد مجد اللغة العربية وازدهارها .. وحتى لو حاولنا توحيد هذه اللهجات في لهجة واحدة، فإن ذلك من الصعوبة بمكان.
ويتجه التفكير إلى أن أقرب وسيلة للتخلص من بلبلة اللسان العربي بين العامية والدخيل واللهجات المرتبكة .. هي محاولة الرجوع إلى الفصحى؛ بأن نلتزم قبل كل شيء في مدارسنا المتوسطة والثانوية والجامعية بالتخاطب بالفصحى، وكذلك في دور الثقافة والصحافة والإعلام، والسينما والمسرح، والمطارات، والطائرات، والأندية، والجمعيات، وكل جهة تجمع .. ونصر على تطبيق ذلك، ونلح ونتابع ولا نيأس. فهي الوسيلة الوحيدة – في نظري – التي هي أسلم وأقوم .
بقي أن نتساءل عما جرى الحديث عنه هنا من بقاء عنصر الفصحى متمكنًا في قلب جزيرة العرب. هل من سبيل لاستغلاله كمنطلق من منطلقات الرجوع إلى الفصحى ومحاولة تهذيبه وتشذيبه، وتنميته. فإن فيه إلى جانب واقعه الفصيح أنه فصيح بالملكة والسليقة، لا بالرياضة والتلقين والتعليم، وهذا جانب مهم جدًّا في أن ترجع سليقة العربي إليه، وأن تعود به تدريجيًّا إلى سابق عهده وزاهر مجده.
ولا أعني بما قلته الدعوة إلى استعمال اللغة العامية .. وإنما قصدت أن أوضح جانبًا ذا أهمية كبيرة لدارس اللغة العربية، والمعنيين بالحفاظ عليها .. وهو أن اللهجات في قلب الجزيرة العربية تمت إلى العربية الفصحى بأقوى الأسباب، بخلاف اللهجات الأخرى المنتشرة في مختلف الأقطار العربية؛ إذ من المعلوم أن هذه اللهجات ترجع بأصولها إلى أرومة عجمية كالفارسية والتركية وغيرهما من اللغات .. ففي استعمال اللهجات في قلب جزيرة العرب، أو محاولة التقريب بينها، وتنميتها، محافظة على اللغة العربية وخدمة لها .
إنها فكرة أعرضها على مجمعنا الموقر، ولعلها تلقى من القبول والاهتمام ما يتواءم مع أهميتها .. واللـه المستعان.


(*) ألقي هذا البحث في الجلسة الثانية من مؤتمر الدورة 7 من مارس سنة 1977م.

* * *
__________________
*سهيل*اليماني* غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-10-2007, 08:49 PM   #33
*سهيل*اليماني*
العضو المميز لعام 2007
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
المشاركات: 1,786
إفتراضي






لهجات الجنوب(**)
للأستاذ محمد رضا الشبيبي
عضو المجمع

أيها الزملاء الكرام:
تحية وسلامًا، وبعد: يسعدني جدًّا أن أشهد هذا الاحتفال الرائع بمؤتمر مجمع اللغة العربية في دورته الحالية وانعقادها في هذا المظهر الجديد والمنهج الحافل. ويطيب لي أن أشكر الإخوان الذين أحسنوا الظن ومنحوا الثقة وعهدوا إليَّ أن أتكلم بالنيابة عن أعضاء مجمع اللغة العربية من العرب وهو شرف عظيم، وإذا جاز لي أن أتكلم بهذه الصفة قلت: لا شيء أحب إلى العرب من أن تخرج لغتهم بآدابها وفنونها ظافرة من هذا المعترك الذي تخوضه الآن. وستخرج بإذن اللـه، فاللغة العربية مشتبكة منذ زمن طويل في معركتها مع من يكيدون لها ويريدون بها السوء. ولغات الأمم – كما لا يخفى – تابعة لها فتقوى بقوتها وتضعف بضعفها. والعرب هذا اليوم غيرهم بالأمس، وقد شهدت بنفسي كيف تمتهن لغتنا خارج البلاد العربية، ففي الخريف الماضي كنا ثلة من أبناء العرب نستقل طائرة إلى القارة الأوربية، وكنا ونحن على ارتفاع خمسة وثلاثين ألف قدم والطائرة تندفع بسرعة أكثر من ستمائة كيلو متر نريد أن نسأل ونستوضح. ولكن الأحاديث والإذاعة في الطائرة وفي مكاتب الشركة التي تملكها كانت تلقى بلغة أجنبية على شكل يشعرنا بكثير من تحيف حقوقنا في التبليغ والتفهم، لذلك يتحتم – فيما نرى – على الدول العربية التي تتمتع شركات الخطوط الجوية الأجنبية بفوائد لا يستهان بها في بلادها أن تفرض على تلك الشركات احترام اللغة العربية .
قُدِّر لي أن أقوم منذ عهد قريب برحلة إلى المغرب العربي هي أول رحلة أقوم بها إلى تلك البلاد . وفي العودة إلى الوطن لم يكن لنا مناص مــن التعريج على مدينة " رومية " - أو روما كما يقال لها اليوم - عاصمة الدولة الإيطالية، حيث مكثت فيها برهة قصيرة. وفي ذات يوم من أيام رومية ناولني أحد المشارقة المقيمين فيها صحيفة قرأت فيها خبرًا طريفًا يعنى به كل عربي، وهو عبارة عن الكشف عن أربع لغات مستقلة في اللغة العربية يتخاطبون بها فيما بين حضرموت والربع الخالي من الجزيرة واللغات المذكورة هي :
1- المهرية. 2- البطعرية. 3- الشحرية. 4- الحرسوشية .
وكان المظنون أن الصحيفة تعني وجود لهجات أربع في تلك الأرجاء، ولكن اتضح لهم بعد ذلك أنها لغات قائمة بنفسها مستقلة عن العربية، وإن كانت من فصيلتها السامية، ويقول الراوي: إن هذه الأقاليم التي يتخاطب أهلها بتلك اللغات واقعة على حدود الربع الخالي شمالاً إلى ساحل البحر العربي جنوبًا، ومن عمان شرقًا إلى حضرموت غربًا. ويستفاد مما جاء في تلك الصحيفة أن "مكتب الأبحاث "العربية التابع لإحدى شركات النفط التي تعمل في قلب الجزيرة يعنى – فيما يعنى به - بدارسة الشؤون البلدانيه والاجتماعية واللغوية في تلك الجهات، حتى إن هذا المكتب استعان بجماعة من الناطقين بتلك اللغات – كما يقولون – على تسجيل بعض الأحاديث، ورسم بشورتهم عددًا من مصورات المناطق أو الأقاليم المذكورة وتناولت بعض مناطق الربع الخالي. وهكذا – على ما جاء في هذه الصحيفة – تمت أول محاولة منظمة لتوضيح ما أبهم من الأعلام البلدانية غير العربية في جنوب الجزيرة. هذا مع أنه لم توجد أعلام غير عربية في تلك الأرجاء، والغالب أنها أعلام مرتجلة أو محرفة غاية التحريف فتوهموا أنها أعلام غير عربية .
هذا ما قرأناه في تلك الصحيفة أثناء الإقامة بمدينة رومية. ولابد لنا من القول: إننا لا نشاطر الباحث رأيه في أن تلك اللغات أو اللهجات التي وقفوا عليها مستقلة عن العربية، والموضوع يحتاج إلى مزيد من البحث، ولا يركن في مثله إلى حكم لا يستند إلى أدلة قاطعة .
وفيما يتعلق باللهجة المهرية على ما جاء في الصحيفة – ولعلهم يقصدون الأمهرية – وهي لغة الحبشة من فصيلة اللغات السامية كما لا يخفى، ويقول الباحثون إنها تجتمع مع العربية في أصل واحد، وقد جاء في المادة السابعة من معاهدة الصداقة والتجارة المعقودة بين اليمن والحبشة قبل ثمانية أعوام ما هذا نصه: " لهذه المعاهدة نسختان أصليتان باللغة الأمهارية – والعربية حيث إن أصل اللسانين واحد، وعند اللزوم للتفسير يعتبر النص العربي " وهذا يعني أن اللغة الأمهرية لا مكان لها في البلاد العربية، على أننا لا نستبعد تأثر بعض اللهجات العربية في الجهات المجاورة لبلاد الأحباش بألفاظ من اللغة الحبشية والأمهرية، ولا نستبعد وجود جالية حبشية خصوصًا من الأحباش المسلمين في تلك الجهات.
وأما اللهجة " الشحرية " فإنها لهجة عربية معروفة وإن كانت كثيرة التحريف – والشحر – ويجوز الفتح – كما لا يخفى ساحل اليمن ، قال الأزهري في أقصاه: وقال ابن سيده: بينه وبين عمان، ويقال له شحر عمان يشتمل على بلاد وأودية كانت فيما قبل مساكن سبأ على ما قيل. والخلاصة: يستفاد من ذلك أن اللهجة الشحرية هي التي تسمى " السواحلية " نسبة إلى السواحل المذكورة . ويزعم بعض الباحثين في المستعربين أنها لهجة غير عربية .
اللهجة الحضرمية :
وبهذا الصدد نقول إن لهجة الحضارمة العامية – وهم عرب خلص - من أقرب اللهجات إلى الفصحى في الوقت الحاضر، ويقول بعض أهلها إن لهجتهم أفضل من لهجة العراقيين والشاميين والمصريين من هذه الناحية، وتتميز بكثرة ما يتخللها من الكلمات الفصيحة، كما يستفاد من شعر شعرائها العامي أو النبطي كما يقال له، وما أكثر هؤلاء الشعراء الشعبيين في إقليم حضرموت. ويلاحظ أن حرف الشين يقوم مقام كاف المخاطبة في لهجة الحضارمة فيقولون في كتابكك " كتابش " وفي ثوبك "ثوبش" إلى غير ذلك. وتقوم الباء مقام سين التسويف في جملة من الكلمات فيقولون " غدًا باسافر " أي سأسافر غدًا. ويكثر في لهجة أهل الحاضرة من الحضارمة قلب الجيم ياء فيقول في رجال " ريال "، وهذه هي لهجة البادية في بعض جهات العراق ونجد والمغرب. ففي المغرب الأقصى يقولون في مسجد: " مسيد " ويجمعون هذه الكلمة على " مسايد " إلى غير ذلك .
هذا ولابد لنا من القول في الختام: كان لسان جزيرة العرب بشقيهم العدناني والقحطاني لهجات عدة. فكان للغة المضرية لهجاتها، وكان للغة الحميرية القديمة لهجاتها. وقد ذهب الباحثون من الإفرنج إلى وجود بقايا منها في هذه العصور في اليمن سواحلها وبواديها. وللقوم آراؤهم في هذا الموضوع. غير أن كثيرًا من تلك الآراء لا يصبر على النقد ولا يركن إليه في غالب الأحيان.

(**) ألقي البحث في مؤتمر الدورة السابعة والعشرين، الجلسة الافتتاحية، في 16 من يناير 1961 .
* * *

__________________

آخر تعديل بواسطة *سهيل*اليماني* ، 08-10-2007 الساعة 08:58 PM.
*سهيل*اليماني* غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-10-2007, 09:00 PM   #34
*سهيل*اليماني*
العضو المميز لعام 2007
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
المشاركات: 1,786
إفتراضي


لهجات اليمن " قديمًا وحديثًا "(***)
للأستاذ أحمد حسين شرف الدين
عضو المجمع المراسل

كانت اليمن قبل الإسلام وحتى أواسط القرن الخامس للميلاد يسودها صراع لغوي مرير، كان ذلك الصراع بين لغة " المسند " وهي اللغة اليمنية القديمة، والتي أطلق عليها اللغويون العرب " لغة حمير "، وبين لغة قريش التي بدأت حينذاك تنتشر في أنحاء الجزيرة العربية وتفرض سيادتها جنوبًا وشمالاً.
وقد أسفر هذا الصراع عن تأثر كبير وتطوير ملموس في لغة اليمن ، ويتجلى ذلك في نقش مطول عثر عليه بين أنقاض سد مأرب، يعود تأريخه إلى عام 543للميلاد(1)، ويعتبر هذا النقش المصدر الأخير الذي يبين لنا وضع اللغة في هذه الفترة بالذات .
ولم يعثر بعد ذلك على أي مصدر يكشف لنا مراحل هذا التطور، إلا أنه من الممكن القول بأن تلك اللغة اليمنية القديمة قد بدأت بعد ذلك في التلاشي، وفي أوائل القرن الأول الهجري أخذت تسير في طريقها إلى الانقراض التام.
أما من ناحية المصادر العربية فلم يكن هناك أي مصدر يوضح لنا شيئًا من مزايا تلك اللغة: صفاتها وبنياتها وقواعدها، وحتى مفرداتها لم يأت بها أي مصدر عربي، وكل ما نقل إلينا في هذا الباب لا يصح الاستناد إلى شيء منه.
وقد ظلت هذه اللغة في زوايا النسيان حتى سنة 1893م، وفيها سمع العالم أول نغمة عن اللغة اليمنية القديمة في أبحاث فريتز هومـلF.Hommel التي نشرها في مدينة ميونيخ بعنوانSudarabische chrestomathe ، وحظيت أبحاثه تلك باهتمام متزايد في الأوساط العلمية حينذاك، ولكنها عندما وقعت تحت مجهر الفحص تبين أنهــا كانت تسير في اتجاهات جانبية؛ إذ لم تتناول غير اللهجة المعينية التي كان يعتقد هومل – خطأ – أنها اللغة العامة لجنوب الجزيرة العربية ككل، فقد تبين بعد ذلك أن مصادر هومل كانت معينية بحتة .
وجاءت معلومات الدكتور اغناطيوس غويدي I.Guidi في كتابه :" المختصر في لغة حمير " الذي نشرته الحكومة المصرية سنة 1931 والذي قارن فيه بين لغة " المسند " وبين غيره من اللغات السامية مؤكدة لما ذكرنا .
وبعد ذلك ظهر أول كتاب يمكن أن نعتبره مجهودًا حقيقيًّا في هذا المجال نشرته الباحثة الألمانية ماريا هوفنر M. Hofner في مدينة ليبزج سنة 1943 بعنوان “ Altsudarabische “ فقد بقي ذلك الكتاب المصدر الوحيد لدراسات اللغة اليمنية القديمة ومحل إعجاب الباحثين في لغة العرب بصورة عامة .
ثم جاءت بعد ذلك أبحاث رودوكاناكسRhodokanakis وريكمانز Rykmans وبيستون Beeston والدكتور أحمد فخري والدكتور خليل يحيى نامي وغير هؤلاء ممن جعلوا أبحاثهم مركزة على الأسس الدياليكيتية والجذور التي تقوم عليها لهجات المسند، بعد أن فحصوا نقوشها وأعطوها حقها من الدراسة العميقة والعناية الدقيقة.
أما كون لغة " المسند " وما تفرع منها عربية أو غير عربية، فهذا يخرج بنا عن موضوع هذا البحث الذي نقتصر فيه على موضوع اللهجات، إلا أنه لا يفوتنا أن نقول بأن أولئك الأعلام الذين قارنوا الأدب الجاهلي في عصر المعلقات، وبين لغة النقوش اليمنية التي تعود إلى ما قبل ذلك بعدة قرون، قد فاتهم شيء مهم وهو اعتبار الزمن، إذ لو فطنوا لهذا الاعتبار لعرفوا أن مقارنتهم تلك أشبه شيء بالمقارنة بين رطانة الطفل وفصاحة اليافع، ولعرفوا أيضًا أنه من الإنصاف مقارنة تلك النقوش المعرقة في القدم بالنقوش العربية الشمالية القديمة كالصفوية واللحيانية والثمودية، أو على الأقل بتلك النقوش العربية المتأخرة كنقش النمارة وحران مثلاً، فإن مقارنتها بذلك يخرج بنا إلى نتيجة قاطعة وهي أن كلاًّ من لغتي الشمال والجنوب مجرد لهجتين تفرعتا من أصل واحد، إلا أن إحداهما وهي الشمالية تطورت ثم دخلت مع الجنوبية في صراع طويل – بحكم المجاورة – انتهى بتغلب الشمالية على الجنوبية، وساعدها على ذلك عدة عوامل تجارية وسياسية .
وكان لدخول اليمن في الإسلام أكبر الأثر في تلاشي تلك اللغة واندثارها خلال برهة يسيرة من الزمن، وهذه اللهجات المنتشرة في اليمن تعتبر فروعا لهذه اللغة الجديدة، إلا من بعض المفردات اللغوية القديمة التي نجدها بين آن وآخر في لهجات بعض قبائل المنطقة الشرقية من صنعاء كخولان ومأرب والجوف، والأطراف الشرقية من حاشد وبكيل وعنس والحداء وما جاورها من بلاد خُبَان والشِّعر والسِّدِّة.
وكذا ما نجده من بعض القواعد القديمة مثل: ( إم) الحميرية، وفتح التاء في مصنعت ومسفحت، و ( الكاف ) التي كانت تقوم مقام لام التعليل تارة ولمَّا تارة أخرى: كيصدق ( ليصدق )، كوصلوا ( لما وصل )، فكل هذا هو ما تبقى لنا من قواعد تلك اللغة المنقرضة.
ولقد وجدت لغتنا العربية الحديثة في اليمن مسرحًا خصبًا للانتشار والتشعب، وساعد على ذلك وضعها الجغرافي والعزلة والجبال والصحراء ومقتضيات التنقل والارتحال والعادات السائدة كالغزو والتجارة، والمؤاخاة والمجاورة، وتتبع الماء وانتجاع الكلأ .
كل هذه العوامل كانت سببًا في نشوء لهجات جديدة وغريبة. ولا غرو فجمعها يحتاج إلى أوقات وأسفار ومجلدات، ولم يكن هدفي من هذا البيان المختصر غير المساهمة في التعريف بهذه اللهجات، وكمقدمة لما أقوم به من وضع بحث عام وشامل عن صفاتها الصوتية وبنياتها الكلامية وقواعدها النحوية ومفرداتها اللغوية وما يتعلق بذلك من أمثال وحكم ونثر ونظم.
ولي عظيم الأمل في أن اللهجات اليمنية ستحظى باهتمام الكثير من علماء اللغة وأساطين اللهجات في " مجمع الخالدين "، وعلى الأخص أستاذنا الكبير إبراهيم أنيس الذي قدم لأبناء العروبة الكثير والنافع .
والله ولي التوفيق ،

(*) نشر البحث ببحوث ومحاضرات الدورة الخامسة والأربعين، الجلسة السابعة ، في 3 من فبراير سنة 1969 .
(1) انظر الجزء الثالث من كتاب " تاريخ اليمن الثقافي " لكاتب هذا البحث .
__________________
*سهيل*اليماني* غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 09-10-2007, 12:38 AM   #35
كونزيت
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الحجاز
المشاركات: 3,955
إفتراضي

استفدت مما كتبه يتيم الشعر فشكراً له


وشكراً لأخي سهيل اليماني لكني لم أقرأ إضافتك بعد .
__________________
كونزيت غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .