كــــن عصيــــا على النقــــــد

[محمد الحبشي]

كــــن عصيــــا على النقــــــد

لكم دائما ما يؤثر النقد على الكثيرين منا .. غالبا تأثيرا سيئا .. أو حسب طبيعة النقد ..

البعض لا يتحمل .. والبعض يتخفى .. ينكسر .. يترك النقد بداخله علامة سوداء لا تنمحى ..

هذا العنوان هو عنوان أحد الفصول من كتاب (دع القلق وإبدأ الحياة) .. للكاتب الرائع (ديل كارنيجى)

ولى عودة مع الكاتب وهذا الكتاب تحديدا .. فهو يعد أحد الكتب الهامة حول العالم ..

فقط سريعا .. نشأ ديل فى أسرة بسيطة لأب فلاح .. كان دائم الشعور بالنقص بين أقرانه .. حتى تفتحت موهبته على الخطابة فى المدرسة فغيرت مسرى حياته كما سنأتى لاحقا .. مؤسس معهد كارنيجى للخطابة المؤثرة والعلاقات الإنسانية .. يقدر عدد طلابه سنويا بنحو 15 ألف طالب من سائر أنحاء العالم .. وسنعود له وللكتاب تفصيلا فى موضوع آخر ..

[محمد الحبشي]

كــــن عصيــــا على النقــــــد

* قابلت ذات يوم الميجور جنرال "سميدلى بتلر" الملقب بشيطان الجحيم والذى أثر عنه
أنه من أشد القواد الذين تعاقبوا على بحرية الولايات المتحدة حزما ..
فأخبرنى بأنه فى صباه كان يتلهف على الشهرة الذائعة والجاه العريض والشخصية القوية ..
ولهذا كان يضيق بأقل النقد الموجه إليه ويثور لأتفه ما يمس الكرامة والكبرياء ..
غير أن الأعوام الثلاثين التى قضاها فى البحرية غيرت طباعه وجعلته أمنع من أن ينال منه النقد ..
قال لى : طالما ذقت صنوفا من الإهانة والإذلال وطالما رميت بأننى كلب عقور وحية رقطاء وثعلب مراوغ وطالما لعننى خبراء فى فن الشتم فلم يدعوا شيئا من أقذر ألوان السباب إلا رمونى به ..
فهل ترانى كنت ألقى إلى كل ذلك بالا ؟ ولو أننى سمعت واحدا يسبنى لما حولت نظرى إليه لأرى من يكون .. فإذا كان بتلر قد استعصى على النقد فإنه والحق يُقال على نقيض الكثيرين منا الذين
يأخذون اللوم مأخذ الجد فيصيبهم من جراء ذلك الهم والكــدر ..

[محمد الحبشي]

* أذكر أن محررا فى جريدة (شمس نيويورك) حضر منذ سنوات إحدى المحاضرات فى معهدى ..
وإذا به فى اليوم التالى يهاجمنى على صفحات جريدته وينتقد طريقتى فى التدريس ..
فهل ترانى ثرت ثورة عارمة لهذا الإنتقاد العلنى ؟ نعم .. إلى حد ما .. فقد أخذت هذه الجملة على إنها إهانة موجهة إلى شخصى وخاطبت (جيل هودجز) مدير تحرير الجريدة تليفونيا وطلبت إليه أن ينشر مقالا يضمنه الحقائق المجردة بدلا من أن يحشوه بالهزء والسخرية .. وبرغم أنى كنت معتزما أن يكون القصاص على قدر الجرم لا أكثر إلا أننى آسف اليوم على ما فعلت .. فأنا أدرك اليوم أن نصف الذين قرأوه أخذه على أنه دعابة بريئة .. وأن نصف الذين حملوه محمل الجد قد نسوه تماما فى خلال أسابيع معدودة ..

وإنى لأعلم علم اليقين أن الناس لا يشغلهم التفكير فى زيد أو عمرو من الناس أكثر من لحظات .. فهم مشغولون بالتفكير فى أنفسهم منذ أن يفتحوا أعينهم على اليوم الجديد وحتى يأوون إلى مضاجعهم ..
وأن صداعا خفيفا يلم بهم لهو كفيل بأن يلهيهم عن خبر موتى أو موتك ..

[محمد الحبشي]

* وحتى لو نالنا من الناس كذب وافتراء .. وطعن يُوجه إلى ظهورنا جهرا أو فى الخفاء فلا ينبغى
أن يحزننا هذا ..
لقد اكتشفت منذ سنوات أننى وإن عجزت عن اعتقال ألسنة الناس حتى لا يطلقوها فى ظلما وعدوانا ..
إلا أنه وسعنى أن أفعل ما هو خير من هذا .. أن أتجاهل لوم الناس ونقدهم ..

ودعنى أوضح لك ما أعنى : إننى لا أطلب إليك أن تتجاهل النقد إطلاقا وإنما النقد الظالم المغرض ..
سألت ذات يوم (إليانور روزفلت) كيف تواجه النقد - والله يعلم كم واجهت منه فلعل من تهيأ لها من الأعداء أكثر مما تهيأ لإمرأة سواها عاشت فى البيت الأبيض - فأجابتنى بأنها كانت فى صباها
على قدر كبير من الحياء والخوف مما عسى أن يرميها به الناس وكانت تخشى النقد وتتقيه ..
حتى أنها قالت ذات مرة لعمتها .. شقيقة ثيودور روزفلت .. ( إننى أحجم عن هذا العمل أو ذاك
خشية النقد فماذا تنصحينى ؟)
وحدجتها عمتها بنظرة فاحصة ثم قالت : لا تهتمى بما يتقول به الناس عليك ما دمت تقبلين
على عمل وأنت واثقة من أنك على صواب ..
وقد عملت مسز روزفلت بهذه النصيحة فكانت لها سندا قويا فى مستقبل حياتها ..