العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة الفـكـــريـة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى مقال آثار غامضة ... هل هي أكاذيب أم بقايا حضارات منسية؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خرافة وهم سبق الرؤية .. ديجا فو (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال هستيريا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال فن التحقيق الجنائي في الجرائم الإلكترونية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال مونوتشوا رعب في سماء لوكناو الهندية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: A visitor from the sky (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: قراءة فى مقال مستقبل قريب (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال ماذا يوجد عند حافة الكون؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: أهل الكتاب فى عهد النبى (ص)فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: المنافقون فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 09-12-2014, 11:51 PM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الأثر الثوري للرسالة السماوية في أرض العرب

(1)


من يتأمل إعجاز القرآن الكريم ودقة معانيه وروعة نظمه، فهو سيقر بقدرة الله وصنعه البديع، ومن يطلع على شرح وتفاسير المفسرين واجتهاد المجتهدين وعمل علماء النحو والصرف والبلاغة وعلماء الحديث منذ وقت النزول حتى اليوم، سيعترف برجاحة عقل الشعب الذي نزل في وسطه القرآن الكريم، وقدرته على الفهم (قبل كل تلك الشروح) حتى وإن كان الكلام ليس على حروفه (نُقط) ولم يكن مُشكلاً أو مزوداً بعلامات الوقف والمد والتجويد كما هو اليوم.

إن اختصاص الله عز وجل بتنزيل القرآن بلسان عربي مُبين على هذه الأمة هو تدليل على اكتمال الاستعدادات النفسية والثقافية والسياسية والاجتماعية لاستقبال مثل تلك الرسالة السماوية العظيمة، وأين نزلت؟ في مكة حيث بؤرة السيادة وتكوين الدولة منذ قرن ونصف قبل نزول الرسالة، ولماذا في مكة؟ ليكتمل التحدي والفعل الثوري حيث تحتدم الصراعات المختلفة.

لقد سبق نزول الرسالة حالات تململ على أكثر من مستوى، فالشعور بالامتهان الوطني والقومي من قبل أمم محيطة لا تريد الخير بالعرب (أحباش؛ روم؛ فرس). ولم يتأخر الرسول صلوات الله وتسليمه عليه في ربط روحية الرسالة بتلك المسألة، فعندما طلبت قريش من عمه أبي طالب أن يسأل ابن أخيه الكف عن شتم آلهتهم، قال صلوات الله عليه (أي عم: أولا أدعوهم الى ما هو خير لهم منها كلمة يقولونها تدين لهم بها العرب ويملكون رقاب العجم...)*1

وتُعد ظاهرة الصعاليك في مجتمع ما قبل الإسلام مؤشراً لخروج الفرد على نظام القبيلة من جهة، وسخط الفقراء المعدمين على الأغنياء وامتيازاتهم من جهة أخرى، ومن يبحث في ظاهرة الصعاليك يجدهم ينقسمون الى ثلاثة أقسام: طائفة الخلعاء والشذاذ الذين طردتهم قبائلهم وقطعت صلتها بهم مثل: (حاجز الأزدي) و(قيس بن الحدادية)؛ وطائفة (الأغربة: السود) مثل (الشنفري) و(السليك بن السلكة)، وطائفة الفقراء المتمردين مثل (عروة بن الورد)*2

لقد اكتسب العرب من خلال فكرة التآلف التي وردت في سورة قريش (لإيلاف قريش)، اكتسبوا مهارات في إدارة الدولة وتنظيم الأسواق والمهرجانات، ويذكر ابن الأثير في كتابه (الكامل) أن أصحاب الإيلاف كانوا أربعة إخوة وهم بنو عبد مناف أحدهم (هاشم) كان يؤالف ملك الشام حيث أخذ منه خيلا فأمن به في تجارته الى الشام، والثاني عبد شمس وكان يؤالف الى الحبشة، والثالث المطلب وكان يرحل الى اليمن، والرابع نوفل وكان يرحل الى فارس*3. كما اختمرت فكرة التأمل والتساؤل في الأديان، مما هيأ لظهور مؤيدين لرسالة الإسلام.

(2)

لقد كان الإسلام ثورة على الشرك، وثورة على الظلم، وثورة على أكل مال الآخرين، وثورة على الربا، وثورة على امتهان المرأة، وثورة على العصبية القبلية، وثورة على التكبر والجبروت، وثورة على أكثر من صعيد.

لقد اتبع المؤمنون الدين الجديد، عندما رأوا التطابق بين ما ينادي به الدين وبين ما يسلكه القائمون عليه، فانجذبوا إليه، ولقد آمنت شعوب جنوب شرق آسيا، والساحل الشرقي لإفريقيا، دون أن تقوم هناك أي معركة بين المسلمين وسكان تلك المناطق، بل أُعجب هؤلاء السكان بصدق تعامل المسلمين وإيفائهم لعهودهم، في عمليات التجارة، فاتبعوا الدين الذي حمله التجار المسلمون ولا زالوا، دون أن يسجل التاريخ منذ دخول هؤلاء الدين الإسلامي أي تصادم يُذكر لا بينهم وبين المسلمين ولا بينهم وبين العرب.

في حين، عندما اختلطت العنعنات العصبية والقومية في بسط وتنفيذ الحكم مع الشرائع الدينية، حدث ارتكاس وردة دفينة بين شعوب لم يحفظ الدين ودها لا مع العرب ولا مع المسلمين ( الأندلس، وفارس نموذجان). وإن كان النموذج الفارسي أقل سوءاً من النموذج (في شبه جزيرة أيبيريا: اسبانيا والبرتغال)، وقد يعود ميل الجانب الفارسي للتقارب في الاستعداد للتلاقح الروحي، بين شعوب شرقية متجاورة ومتداخلة في العادات والتقاليد وغيره، فعلى الرغم من قصر فترة حكم العرب لفارس (حوالي قرن من الزمان)، إلا أن المظاهر الإسلامية لا تزال قائمة ـ بغض النظر عن مظاهر الاختلاف الطائفي ـ بعكس الأندلس والتي استمر فيها الحكم أزيد من سبعة قرون، فإنها سرعان ما نفضت عنها الطابع الإسلامي..

(3)

لم يكن نوع الحكم السياسي هو المشكلة، كما يزعم البعض، فليس هناك أفضلية لنوع حكم على حكم، لكن الاقتراب من تحقيق ما يُسمى ب(العدالة الاجتماعية) هو الفيصل، ونحن نعرف أن الإسلام دين عدل، وأعداؤنا يشهدون بذلك، لكن التطبيق هو المهم، فليس المهم ورع الحاكم وطيبة قلبه بل المهم قدرته وهمته على تحقيق العدل بقوة، فلذلك يُشهد للخلفاء الراشدين إحقاقهم الحق، ويشهد للخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز بذلك.

وقد شهد بعض المسلمين لحكومات أجنبية في عدلها، فالإمام محمد عبده عندما زار أوروبا، قال وجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين، في حين يوجد في بلادنا مسلمين ولكن لا يوجد إسلام، وكذلك يذكر رفاعة الطهطاوي في كتابه (تخليص الإبريز في تلخيص باريز)*4

إذن نحن نقر أن الإسلام دين عدل وتكافؤ، ولم يترك صغيرة أو كبيرة من أمور الدين والدنيا، إلا وأعطى رأيه القاطع النافع فيها، وكلما التزم القائمون على المجتمع الإسلامي بتلك الآراء الفقهية كلما قويت دولتهم وساد العدل في ربوع مجتمعاتهم، والعكس صحيح.

كيف إذن تفككت الحالة القوية وأصبحت ضعيفة ومهانة؟ وكيف السبيل الى إعادة تلك القوة بروح عصرية وبسرعة كافية؟








هوامش

*1ـ ابن الأثير الكامل (2/65)
*2ـ الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي/يوسف خليف/ مصر: دار المعارف 1959 صفحة 89.
*3ـ ابن الأثير الكامل (2/84).
*4ـ رفاعة رافع الطهطاوي/ تخليص الإبريز في تلخيص باريز/ القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة 2012
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 14-12-2014, 04:11 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

في مسألة التَمَلُك: تعيش معظم جراثيم الثورات

يُعطي النظام الاقتصادي المألوف في كل بلدان العالم المتقدمة اقتصادياً، وفي شكلٍ أكثر تفشياً في بلدان أخرى ـ مع استثناء كوريا الشمالية وكوبا والصين من حيث المرجعية وليس الواقع ـ السلطة الاقتصادية النهائية لأولئك الذين يتحكمون في المصانع والمعدات والأراضي والموارد المالية المتاحة. في زمن ما كان الملاك هم المتحكمون، والآن ثمة تعقيد حصل على إدارة المنشآت الاقتصادية العالمية، تراجع معه مصطلح الرأسمالية (المذموم عالمياً) الى مصطلح (نظام السوق)*1، وعلى العموم فإن المُلكية هي أس التنظير للاقتصاد.

وكانت المُلكية (بفتح الميم أو كسرها)، محط تساؤل الجميع فقراء كانوا أم أغنياء، فإن كان المتسائل فقيراً ينظر بعين الحسد والريبة: من أين جاء صاحب هذا المُلك به؟ هل هو من باب الحلال أو الحرام؟ وإن كان المتسائل غنياً فإنه سيقول: كيف تفوق علي فلان بتلك الحيازات؟ وتترك تلك التساؤلات أثراً بالغاً في نفس الجمهور، فيتردد في طاعة الأغنياء أو يحابيهم أو يتربص بهم للنيل منهم بأي شكل.

(1)

المُلك في اللغة: احتواء الشيء والقدرة على الاستبداد والتصرف فيه. وملك الشيء ملكاً: حازه وانفرد بالتصرف فيه، فهو مالك وفي القرآن الكريم {ولله ملك السموات والأرض}، والمِلكية (بكسر الميم وتسكين اللام) هي المُلك والتمليك، ويقال بيدي عقد ملكية هذه الأرض.

ومن أطرف ما وُجد في لسان العرب لابن منظور، أن الإملاك هو التزويج، ويقال للرجل إذا تزوج: قد مَلَك فُلان، يملك مَلْكا ومُلكاً ومِلكاً (بالفتح والضم والكسر للميم)، وعلينا تصور المشاعر للمالك (المتزوج) كيف يغار على ما يملك، وعلى الآخرين الذين كانوا يصبون للزواج ممن تزوج.

وتعني المِلكية في النهج الاقتصادي العربي الإسلامي: العلاقة الشرعية بين الإنسان والأشياء التي يمكنه التصرف فيها بالطرق الشرعية. فهو والحالة هذه اتصال شرعي بين الإنسان وبين شيء يكون مطلقاً لتصرفه فيه، وحاجزاً عن تصرف غيره فيه*2

وتنقسم الملكية الى ثلاث أنواع:
أـ نوع مخصص للمنافع العامة لا يجوز تملكها أو تمليكها، مثل الطرقات والجسور (وهذا النوع قد أجيز تمليكه في الدول الرأسمالية، وحتى بعض الدول الإسلامية)، والقلاع والحصون.
ب ـ نوع لا يجوز تمليكه إلا بمسوغ شرعي، من ضرورة ملحة، مثل العقارات الموقوفة لبيت مال المسلمين، لا يجوز بيعها إلا في حالات عجز بيت المال وحاجته للأموال.
ج ـ ما عدا هذين النوعين يجوز تملكه وتمليكه وفق أصول معروفة.

أما مصادر بيت مال المسلمين فتأتي من الزكاة وخمس المعادن والغنائم والجزية واللقطات وتركات المسلمين التي لا وارث لها والخراج والفيء والعشور.

(2)

إذا كان رسول الله صلوات الله وتسليمه عليه، والخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم قد أقطعوا الأراضي بعض المسلمين فإنما كان ذلك في وجوه تبررها المصلحة العامة. ونجد منذ صدر الإسلام فريقاً من الصحابة يستغلون بعض الأراضي ويدفعون عنها الخراج أمثال عبد الله بن مسعود والحسين بن علي*3

ولكن لم تخلُ مسألة التمليك من الميل السياسي، وللتدليل على ذلك دعنا نتتبع قضية أملاك (فدك)، التي غُنمت من اليهود. لما تولى أبو بكر الصديق رضوان الله عليه جاءته فاطمة تقول أن رسول الله صلوات الله عليه قد وهب لها (فدك) فطالبته بها، فقال لها هل معك شهود؟ فشهد لها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأم أيمن، فقال لها: يا بنت رسول الله قد علمتِ أنه لا تجوز إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، فانصرفت، وبقيت (فدك) حقاً لبيت مال المسلمين في عهده وعهد عمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم.

ولما تولى معاوية الحكم وهبها لمروان بن الحكم وبقيت له ولأولاده، حتى اشتراها منهم عمر ابن عبد العزيز وردها الى بيت مال المسلمين.

وبقيت كذلك لسنة 210 هجري، عندما أعادها المأمون (الخليفة العباسي) لأحفاد فاطمة، فاستلمها محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، وبقيت كذلك الى عهد الخليفة العباسي (المتوكل على الله) فردها منهم الى بيت مال المسلمين*4

من يتمعن في تلك القصة، سيجد أن تقوى الله والتمسك بشريعته هي التي تجعل من مسألة التمليك حقاً شرعياً، وبعكس ذلك تبقى الأمور للأهواء السياسية، وهذا ما قادنا الى ما نحن عليه.

(3)

إن فكرة الخصخصة الحديثة، وبيع جذور ممتلكات الدولة بحجج ضعيفة، وإعطاء وكالات الاستيراد والاستثمار التي تجري في أيامنا هذه كلها من الأسباب التي ولدت الفساد وتركزت الملكيات في أيدي من يحيطون بمركز الحكم.

وما حدث في مصر وليبيا وتونس وسوريا، هو نمط (مُحَّدَّث) للتلاعب بأملاك الأمة، وهو ما يقود الى شعور الشعب بالاستعباد والقهر ويحرك جرثومة الثورة ضد الحكام.



هوامش
*1ـ اقتصاد الاحتيال البريء/ جون كنث جالبرث/ ترجمة: محمد رضا علي العدل/ قدم للكتاب: محمود عبد الفضيل/ القاهرة: الهيئة المصرية للكتاب 2010 صفحة 28.
*2ـ ذكرها حمدان عبد المجيد الكبيسي في كتابه: مضمون الملكية في النهج الاقتصادي العربي الإسلامي/ جامعة بغداد 1983 صفحة 119، عن المعجم الاقتصادي الإسلامي/ أحمد الشرباصي صفحة 441.
*3ـ مروج الذهب للمسعودي/بيروت: دار الفكر.
*4 ـ فتح البلدان/ أحمد بن يحيى بن جابر الشهير بالبلاذري/ طبع بالقاهرة سنة 1901 صفحات 39ـ 41
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 20-12-2014, 12:43 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

النزوع لاستعباد الآخرين


(1)


قد تكون مسألة التلذذ بتعذيب الآخرين أو إهانتهم ترتبط بمسألة الجوع للسلطة، ولا يُشترط بالسلطة ـ هنا ـ أن تكون لها علاقة بالحكومة أو نظام الحكم.

صحيح، ما أن يكتشف موظف الحكومة ـ حتى لو كان من الدرجة العاشرة ـ أن مراجعه من المواطنين مهزوز أو مرعوب، فيبتدئ بتجريب وسائل التمتع بالتسيد عليه: أخرج يدك من جيبك، لا ترفع صوتك، تعال بكرة الخ. لكن، يحدث ذلك مع سائق تكسي عندما تكون هناك أزمة مواصلات، فإنه يلف حول الواقفين بانتظار سيارة عدة مرات، وعندما يؤشر له أحدهم ليحمله معه، فلا يرد إلا بحاجبيه أو رؤوس أصابعه بالرفض! ويحدث مع الخباز وغيره.

والاستعباد درجة قصوى من درجات استخدام الإنسان للإنسان التي تتدرج من:
الأجير: وهو الإنسان الذي يعمل لصالح إنسان على أجر (جزاء) متفق عليه، وفي التنزيل{ قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين}.
والعامل: هو الذي يتولى أمراً من أمور غيره في الإدارة والتنفيذ {والعاملين عليها}.
والخادم: يُقال للذكر والأنثى، واستخدمه: سأله أن يخدمه، وقوم مخدومون: يُراد بهم كثرة الخدم والحشم. والحشم بالمناسبة هنا: تعني الذين يغضبون لأجل سيد وقد يكونوا من العبيد أو الأهل أو الأقارب أو الجيران.
أما العبيد والرقيق والقين: فهم أدنى فئات المستخدمين، فالعبودية أصلها الخضوع والتذلل، والناس سواء كانوا سادة أو رقيق كلهم عبيد لله، وفي التنزيل {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}. وكلما كان الإنسان مجتهداً في عبادة الله سبحانه، كلما ابتعد ونأى عن استعباد أخيه الإنسان. وفي الحديث النبوي الشريف ( لا يقل أحدكم عبدي وأَمَتي بل عليه القول: فتاي وفتاتي) والعبد هو المستخدم كرها لا طوعا كالأجير.

والرقيق نقيض الغليظ والرق هو الجلد الرقيق وفي التنزيل { في رِقٍ منشور}. أما القين فهو الحداد هذا في اللغة، وقد أورد العلامة جواد علي في موسوعته (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام)، أن اليهود والغرب يذكرون في كتاباتهم العرب باسم (Saracens) ويرجعها الدكتور جواد الى أصلها العبري والعربي فيقول: أنهم يقصدون عبيد سارة.

(2)

عُرف الرِق والاستعباد منذ القدم، ومن يطلع على شرائع حمورابي يجد مواد كثيرة تعني بالعبيد وكيفية التعامل معهم. كما عرفت الهند ومصر القديمة الرق والاستعباد. وعرفت اليونان وروما قديماً تلك الظاهرة، وقد شهدت الإمبراطورية الرومانية ثلاث ثورات للعبيد في أعوام 135ق.م التي قادها العبد السوري الأصل (يونوس) واستولى فيها على عدة مدن؛ وثورة104؛ وثورة73 قبل الميلاد التي قادها (سبارتاكيوس)، التي قامت بسبب تلذذ الحكام بطرح الأبطال العبيد لتمزقهم الأسود والنمور في مسارح الترفيه.


أما الرق في الإسلام، فهو امتداد للرق فيما قبل الإسلام، وقد رأينا في كتب التاريخ الموالي والعبيد كيف كانت لهم أدوار خطيرة في بعض الأحيان، فمن (وحشي: قاتل حمزة) الى بلال الى صهيب، وتتدرج المهام حتى عهد ابن طولون ومن ثم دولة (المماليك!).

كان المصدر الرئيسي للرق في الإسلام الحروب التي خاضها المسلمون ضد الدولتين الفارسية والبيزنطية، فإذا انتصر المسلمون عادوا بأسرى وسبايا وأطفال، حتى وصل سعر العبد (الأسير) الى درهم واحد عندما يكونوا بالكثرة،(كما يقول المسعودي). وقد كانت العائلات الميسورة تقتني العبيد من شتى الألوان، وحتى أن أمهات بعض الخلفاء كانت جواري (أم ولد)، كالمنصور والمأمون مثلاً. وقد بقيت بعض المناطق تدفع خراجها للدولة الإسلامية، بشكل رقيق وعبيد حتى القرن الرابع الهجري.

وكان العبيد يُقسمون الى قسمين: عبيد البيوت وهم الخصيان، وهم أحسن حالاً من النوع الثاني، وقد عاشوا منعمين قريبين من طيب الطعام وغيره، والقسم الثاني وهو كُتل العمل الضخمة، وكان وجودها في العراق بمنطقة الوسط والجنوب، وكانوا يعملون في (السباخ) وكشط وجه الأرض للوصول الى التربة الصالحة للزراعة، وكانت ملكية بعض الموسرين من العبيد تصل الى خمسة عشر ألف عبد.

لقد قام الزنوج بعدة ثورات، أولها كان في عهد مصعب بن الزبير في القرن الأول الهجري، فاحتلوا بها المدن والمزارع. وكان آخر ثوراتهم وأقواها وأطولها أمداً، إذ استمرت أربعة عشر عاماً، ولهم من المقاتلين ثلاثمائة ألف مقاتل مدرب، واحتلوا مدنا، كان ذلك بين عامي 255هـ/869م ـ 270هـ/ 883م. تحت قيادة ما سُمي بصاحب الزنج (علي بن محمد)، والذي ادعى أنه من نسل علي بن أبي طالب، ولكن هناك من اعتبره فارسي ذا نزعة شعوبية أراد تحطيم الدولة من خلال إثارة القلاقل.

(3)

لقد ورد بالقرآن الكريم الكثير من الآيات التي تقرن العقوبة بتحرير الرقبة، وكأن الحق تعالى أراد أن يجعل من تحرير الرقاب عقوبة سلسة للتخلص من العبودية والرق، ولكنه لم يجعلها مرة واحدة، وترك للرسول صلوات الله عليه أن يجعل من السلوك الأخلاقي للصحابة عنصر المبادرة في تحرير الرقاب.

لقد ورد في الآية 25 من سورة النساء { ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ...}، ثم يوصي في الآية 36 من نفس السورة {...وبالوالدين إحسانا... وما ملكت أيمانكم}. وفي سورة البلد {فكُّ رقبة}، وفي سورة المجادلة والمائدة اقترنت الكفارة بتحرير الرقاب.

أما الرسول صلوات الله عليه، فله أحاديث تدلل على الرفق بالرقيق، (( اتقوا الله في الضعيفين: المملوك والمرأة))؛ وقد ورد للإمام الغزالي في هذا المعنى قوله ( كان آخر ما وصى به الرسول صلوات الله عليه أنه قال: (( اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، فما أحببتم فامسكوا، وما كرهتم فبيعوا، ولا تعذبوا خلق الله فإن الله ملككم إياهم ولو شاء لملكهم إياكم))*1

لكن، ما الذي حدث مع كل هذا النهج الواضح في الدين؟ إنه النزوع للاستعباد عند العباد الذين لم يحسنوا عبادة الله، ويتبين ذلك من الطفل الجاهل الذي يتمتع بشتم وضرب الخادمة في أيامنا هذه. ويتبين كذلك من الذي أنعم الله عليه من خلال مهنة معينة كعمل البناء أو المطاعم أو غيرها، فينصرف عن العمل ويأتي بأشخاص وافدين أو من أهل بلده ليمارس إطلاق الأوامر عليهم!

هوامش
*1ـ الغزالي/ إحياء العلوم ج2 صفحة 199 طبعة بولاق.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 27-12-2014, 03:14 PM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

التشاور بالأمر الاقتصادي



(1)



يظن البعض أن الديمقراطية والشورى تؤديان نفس الدور، فلا بأس من إتبّاع النهج الديمقراطي إذن، وهذا الظن آتٍ من الزخم الأكبر من الكتابات الفكرية والسياسية التي كُتبت لصالح الديمقراطية، في حين لم يجد نظام الشورى هذا الكم من الكتابات والشرح الذي حظي بها الأسلوب الديمقراطي. وقد تكون الكتابات التي جاءت في صالح الديمقراطية أكثر إقناعاً للمطلعين عليها، لأنها كانت محاذية ومرافقة بنقدها وتأييدها للنهج الديمقراطي للحظات حدوث تفاصيله، في حين ما كُتب عن الشورى، كان من باب التصور أو التمني لما يرغبه الكاتب في نظام الشورى الذي كان متبعاً جزئياً منذ زمن بعيد.

لو أخذنا الأسرة كنموذج مصغر لجماعة إنسانية، فإنها تلجأ للمشاورة في شأن اقتصادي أو اجتماعي مهم، فلا تتشاور تلك الأسرة بكمية الملح المضاف على (طبخة) فهذه المسألة متروكة لمهارات ربة المنزل، ولا تتشاور في القيام للصلاة فهذا فرض لا يتم التشاور فيه. لكنها تتشاور في مسألة بناء غرفة إضافية أو تزويج أحد الأبناء أو البنات، فيطرحون كل المعلومات المتيسرة لديهم حول الشأن المتروك للمشاورة، ثم يبدون آرائهم، وعندما لم تحصل قناعة يقترحون أحداً من الأقارب أو الأصدقاء لاستشارته.

في أمور أحياء العرب القديمة، كان هناك ديوان لكل حي يجتمع فيه أكثر من في الحي حكمة ومعرفة أو حتى عمراً أو عدداً (من التابعين: أبناء أحفاد الخ)، ويتداولون أمر الرحيل أو الإغارة على آخرين.

لم يذكر التاريخ أنه كانت تجري عمليات اقتراع وألواح لفرز الأصوات، بل كانت الأمور تتم بسلاسة متناهية، فإذا دخلت مجموعة الى مكان، تراجع من يرى في نفسه عدم أهلية للصدارة، وتتعالى أصوات لتقديم من هو أجدر. وإذا جلسوا لأمر ما في ديوان غيرهم، ولم يعرف المضيفون من هو الشخص الأكثر أهمية بين الضيوف، بادر الضيوف بتقديم من هو أكثر أهلية: ضع فنجان القهوة أمام (فلان)، كل ذلك كان يتم بتوافق لحظي لا يترك أثراً سيئاً كما تتركه مواقف الناس التي تفشل في الانتخابات الحالية.

عندما تدرب العرب بالتكرار على تلك السلوكيات، لم يكونوا ليتضايقوا إذا ما وجهت دعوة لأربعين شخص لتناول الطعام، من حي مكون من ثمانمائة رجل إذا كان من دعا قد ساوى بين المدعوين، فلا يدعو اثنين من بيت واحد، عندها يُدرك من لم يُدعى بأن أباه أو أخاه الأكبر قد وجهت له الدعوة، فلا يتكدر من ذلك لأنه هو لو قام بالدعوة لاتبع نفس الطريقة.

(2)

على شواطئ البحار والمحيطات تجد عشرات الآلاف من السلاحف المفقوسة حديثاً تتراكض حتى تصل المياه، وفي طريقها يذهب أكثر من 95% منها طعاماً لطيور أو مفترسات تتربص بها، وفي تزاوج النحل تطير الملكة بأقصى سرعتها أمام مجموعة هائلة من الذكور، التي ربتها الشغالات لهذا الغرض، ويلحق بالملكة أكثر الذكور قوة وسرعة، وبعد التزاوج يموت الذكر! هذا الانتخاب الطبيعي في الطبيعة.

أما الانتخاب على الطريقة الغربية، فليس هناك أي رجل متوسط القدرة العقلية يستطيع أن يوافق أن (بوش الابن)*1 كان هو الذكر الأجدر بإدارة الولايات المتحدة، لقد كان حجم التبرعات التي تبرع بها مؤيدو جورج بوش الابن نصف مليار دولار، في حين كان حجم التبرعات التي تبرع بها أنصار (أل غور) 447 مليون دولار*2

لكن لماذا يتبرع المتبرعون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟ تجيب (لانيل أندرسون) التي تصف موقع لتصنيع المشتقات النفطية في (هيوستن) مليء بالنفايات والقاذورات والروائح السامة يمتلكه رجل تبرع ب (48) مليون دولار، في حين لم يتجرأ أحد أن يشرع للحفاظ على البيئة أو تحميل أمثال هذا المتبرع السخي الذي لو كان هناك نزاهة أو محافظة على البلاد وأجوائها لطولب بأضعاف ما تبرع به. لقد لخصت تلك الناشطة (وهي بالأصل وكيلة عقارات) مسألة المتبرعين ب (( يرقص المتبرعون مع من يتبرعون لهم حسب ما يعود عليهم نجاحهم من فوائد!)).

إذن، فالاقتصاد يسوسه رجال مستفيدون، ويستخدمون أجهزة إعلام منافقة (يملكونها) تضخم وتشيطن أحوال خصومهم (عالميا)، وتغض النظر عن جرائمهم، بل وتنفيها وتذكر عكسها.



(3)


لم يفلح المسلمون ولا العرب، بتطوير منهاج الشورى، والذي يُعتبر أكثر (حميمية) وأكثر التصاقاً بالنهج الشرعي والأخلاقي، وقد يكون السبب الرئيسي في ذلك، هو خِشية المستفيدين من فقدان مكاسبهم التي حصلوا عليها، ولذلك كانوا يستبعدون القضاة المستقيمين وأصحاب العدل.

لقد ذكر الحسن البصري رحمه الله تراجع الشورى فقال: (( أفسد أمر هذه الأمة اثنان: عمرو ابن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف؛ والمغيرة ابن شعبة حين أشار بالبيعة ليزيد، ولولا ذلك لكانت شورى الى يوم القيامة))*3

وعندما تنزلق الأمور عن مسارها الصحيح، فإن القائمين على الحكم يستسهلوا الابتعاد عن الشرع وعن مقاصده، فهذا الحجاج أبقى على الجزية رغم وجود النصوص واضحة في إسقاطها عن الذين يعلنون إسلامهم، فتبريره بذلك أن بيت مال المسلمين سيصيبه العجز والنقص*4

وهذا سليمان بن عبد الملك يكتب لمتولي الخراج في مصر (أسامة بن زيد التنوخي) متعسفاً: احلب الدر حتى ينقطع فإذا ما انقطع فاحلب الدم حتى ينصرم*5

لما تولى عمر ابن عبد العزيز الحكم بعد سليمان بن عبد الملك، كره أخوة سليمان ذلك ثم قبلوه على مضض، وكان أعلم الناس بأمور الدين والدنيا، ومع ذلك طلب من (سالم بن عبد الله بن عمر) أن يكتب له سيرة عمر ابن الخطاب ليمشي على نهجه، فأعاد الشورى وضبط أموال الدولة ونشر العدل، واسترد المزارع التي كانت إقطاعيات لبني أمية ووزعها على الفقراء، حتى أهل الكتاب استفادوا من عدله فقد رد لهم كنيسة في الشام كان أولاد عمه قد أخذوها منهم*6

وبعد وفاة عمر ابن عبد العزيز عن عمر لم يصل فيه الأربعين عاماً، وبمدة حكم لم تتجاوز السنتين والنصف لا زال ذكرها العطر حتى اليوم رغم قصرها، وقيل أنه مات مسموماً من كارهيه، تراجعت الشورى مرة أخرى.





هوامش
*1ـ رجال بيض أغبياء/ مايكل موور/ بيروت: الدار العربية للعلوم ـ ناشرون/ 2004 صفحة 51.
*2ـ أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراءها/ غريغ بالاست/ترجمة مركز الترجمة بالدار/ بيروت: الدار العربية للعلوم ـ ناشرون/ 2004 صفحة 91.
*3ـ تاريخ الخلفاء للسيوطي صفحة 79.
*4ـ الإسلام وأهل الذمة/ علي حسن الخربوطلي/ طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية صفحة 137
*5ـ السياسة المالية لعمر ابن عبد العزيز/ قطب إبراهيم محمد/ الهيئة المصرية العامة للكتاب 1988 صفحة 20.
*6ـ عمر ابن عبد العزيز/ سعد عبد السلام حبيب/ نقلاً عن البلاذري صفحة 71.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 31-12-2014, 11:19 PM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أحلام برجوازية و مطالبات اشتراكية



البرجوازية، مصطلح قديم، عنى في السابق سكان المدن الميسورين والذين هم أعلى من الطبقة الوسطى، وهم غير الأرستقراطيين الذين يحملون ألقاباً ممنوحة من الحاكم (ملك، إمبراطور، الخ) والذين تلقوا ألقابهم وامتيازاتهم لمكانتهم العسكرية أو الاجتماعية، والخدمات التي يقدمونها لحماية العروش، وقد قابل هذا المصطلح نظام (الباشوات) في العهود العثمانية (التركية) أو القاجارية (الفارسية)، وكانت تلك الألقاب تتوارث.

ويلتصق بالأرستقراطيين والبرجوازيين سلوك عام يهتم بالفن والثقافة وطرائق اللبس والأكل واختيار الملابس والأثاث والاهتمام بالتعليم الخاص وغيره.

وكان الأرستقراطيون يُحسبوا على النظام والخط المحافظ في العصور الوسطى، كونهم يستمدون مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية من تلك الأنظمة، أما البرجوازيون فكانوا يتذبذبون وِفق مصالحهم، فإن رأوا إمكانية في التخلص من النظام القائم وهي وشيكة، فإنهم لا يتوانوا أن يصطفوا مع القوة الجديدة لتحسين مواقعهم.

في مسألة الأحلام، لن يكون الحلم منقطعاً عما قبله من وقائع وتخيلات وأحاسيس، فقد يحلم ابن القطب الشمالي بأنه التهم (فقمة) كاملة في منامه، ولكن لن يندرج هذا الحلم مع أحلام سكان بادية الشام أو جنوب ليبيا.

(1)


لا تدرك عامة الناس الفروق بين المذاهب الاقتصادية، فهم لا يعرفون خصائص مذهب التجاريين أو المذهب الحر أو المذهب الاشتراكي، لكن الناس يتبرمون من آثار تطبيق مبدأ، دون أن يعرفوا اسمه وخصائصه.

في القرن السادس عشر، عندما تدفقت شحنات الذهب والفضة من الأمريكيتين الى أوروبا عن طريق التجار، تطورت الصناعة، وفرضت الدول رسوماً على الواردات واستغنت تلك الدول وأصبحت تحاكي التجار، فظهر مذهب التجاريين.

ظل مذهب التجاريين مسيطراً على أوروبا، حتى ظهر مفكرون سبقوا الثورة الفرنسية، أمثال فولتير وجان جاك روسو يطالبون بالحريات، وظهر بموازاتهم مفكرون اقتصاديون مثل (آدم سميث) في بريطانيا، و(الفزيو كرات) في فرنسا، ينتقدون مذهب التجاريين ويدعون للحريات الاقتصادية وإزالة القيود على التجارة، وظهرت دعوتهم باختصارها بمقولة (دعه يعمل، دعه يمر) التي لاقت أذاناً صاغية، وخلاصة المذهب، أنه لنترك كل فرد يعمل بحرية وينتقل بحرية، فإن جهده سيصب في النهاية بالصالح العام للمجتمع. وكان من ثمار هذا المبدأ ظهور فئة الرأسماليين الأغنياء، وظهور طبقة المعدمين، ومما زاد في توسع الفجوة بين تلك الطبقتين، الثورة الصناعية، التي امتصت الأيدي العاملة من الورشات الفردية المنزلية وحشرتها في المصانع تحت ظروف إنسانية صعبة.

على إثر تلك التطورات الاقتصادية والاجتماعية، ظهرت الأفكار الاشتراكية، وكانت أفكار تتنوع من مصادرها، فمنها الاشتراكية الديمقراطية، ومنها الاشتراكية الوطنية (النازية) ومنها الشيوعية الماركسية، وكانت كل تلك الأنواع تلتقي في خواص ثلاث:
أ ـ تقويض النظام الرأسمالي، وتشييد نظام يضمن توزيع الثروة بالتساوي على أنقاضه.
ب ـ إلغاء الملكية الخاصة (ثروات الإنتاج): كرأس المال والمصانع والأراضي، على أن تستولي الدولة عليها وتجعلها ملكية عامة تديرها للصالح العام.
ج ـ يشتغل الأفراد لحساب الدولة، بأجور تعطى لهم بالتساوي، على أساس قيمة العمل الذي يقدمه كل منهم، وتبعا لذلك لا يكون هناك مصدر للدخل غير الرواتب.

(2)

لم تستطع كل المذاهب الاقتصادية، أن ترتقي بعدلها ورحمتها الى جزء يسير من مذهب الله وكتبه السماوية، ولكنها أخفقت كما أخفق الزاعمون بأنهم يطبقون شرع الله، فلطالما أن من يقوم على تطبيق الأفكار سواء كانت تلك الأفكار مستمدة من شرع الله أو من وضع الإنسان، هو من البشر، فإن الزعم بتحقيق العدل سيكون في جميع الأحوال نسبياً، فليس هناك عدل مطلق إلا عند الله.

وقد يكون العدل أقرب الى التحقيق عندما يكون القائمون عليه مؤمنين بضرورة بسطه، ولا يكفي إيمانهم بذلك، بل يجب أن يُدعم بمؤسسات قوية تحرس قيم العدل، وتصوب مسار المخطئين، حتى لو كان المخطئ (رأس الدولة) نفسه (ملكاً كان أم رئيساً أم غيره).

لقد هوت قيم العدالة في دول قديمة وحديثة تبنت مختلف أنواع المذاهب الاقتصادية، وآخرها كان نظام الدولة السوفييتية، ومن يطالع أسباب سقوط تلك الدول، منذ الدولة الأموية لغاية الآن، سيجد أنه كلما ابتعد القائمون عن حزمة المبادئ التي زعموا أنهم يتبنوها، كلما اقتربت نهاياتهم.

(3)

يتطلع الجمهور الى القائمين على الحكم، فإن استفاد منهم مدحهم، بغض النظر عن الخدمات التي يطلبها القائمون على الحكم من الجمهور أو أفراده، وإن لم يستفد منهم يبحث بأكثر من طريقة للتقرب منهم، حتى تُغلق في وجهه كل السبل.

رئيس الوزراء و (البلطجي) كلاهما أدوات نظام الحكم، لا قاعدة خلقية تبرر سلوكهما، ولكنها المصلحة، وبين هذين النموذجين، مئات النماذج التي تتبارى في إعلان الولاء لنظام الحكم، وكل تلك النماذج تحلم أحلاماً برجوازية، ترتقي في أقصاها لمرتبة رئيس الوزراء، إن لم يكن أكثر!

وإن أحس الفرد بالخذلان وعدم إمكانيات تحقيق أحلامه البرجوازية، سيُطلق مجموعات (مُحزمة) من الانتقادات ذات اللون الاشتراكي، انتقاد التعليم، انتقاد الصحة، انتقاد البطالة، انتقاد الأسعار الخ.


انتهى
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .