الجزء الثاني :
التطور التاريخي لأهداف وإدارة السياسة الأمريكية*1
المنطلقات والأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية
التطور التاريخي لسياسة وأهداف أمريكا الشرق أوسطية
أسس ومقومات الانحياز الأمريكي لإسرائيل
العرب و صنع السياسة الأمريكية
المنطلقات والأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية
لا تختلف الولايات المتحدة الأمريكية في عناصر سياستها الخارجية عن أي دولة مستقلة في العالم بالزمن الحاضر وما سبقه .. حيث تتدخل التجربة التاريخية والخلفية الثقافية والأوضاع الداخلية والتطلعات المستقبلية للأمريكيين بوجه عام .. وقد وضع (جورج واشنطن) أول رئيس لأمريكا المنطلقات الأساسية لسياسة بلاده الخارجية عندما قال: (إن علاقاتنا الخارجية تقوم على أساس الابتعاد عن إقامة تحالفات دائمة مع أي جزء من العالم، وأن الخطأ الأكبر في إدارة العلاقات الدولية يكمن في تصور إمكانية قيام دولة ما بتقديم العون لدولة أخرى بصفة مستمرة)*2 وقد تطور هذا المفهوم فيما بعد حيث حل محله المفهوم القائل بأن (العلاقات بين الدول لا تقوم على أساس صداقات وتحالفات دائمة وإنما على أساس مصالح متبادلة)
ويمكن تلخيص أسس السياسة الأمريكية حتى العقد الأول من القرن العشرين أي قبل الحرب العالمية الأولى بقليل بما يلي:
1ـ الرغبة في بناء نظام ديمقراطي داخلي يعمل على صيانة حريات الأغلبية (البيض) ويضمن حقهم في السعي لتحقيق الرفاه والتقدم.
2ـ قناعة، بأن الرفاه والتقدم يحتاج الى موارد إضافية يمكن الحصول عليها من خلال التوسع على حساب الغير.
3ـ الإيمان بضرورة الابتعاد عن التحالفات العسكرية، خاصة مع الدول الأوروبية، ورفض مبدأ تدخل تلك الدول في الشؤون الأمريكية.
4ـ الرغبة في إقامة علاقات دبلوماسية مع أكبر عدد ممكن من دول العالم وذلك بهدف تعزيز المكانة الدولية وزيادة النشاطات التجارية.
لقد نجح الساسة الأمريكان في جذب عشرات الملايين من المهاجرين الأكفاء ليدعموا نمو اقتصاد أمريكا بتزاوج جهودهم البشرية مع إمكاناتها الطبيعية.. لكن النقطة التي أشارت الى القيام بالتوسع على حساب الغير، كانت مثار جدل أخلاقي من دولة تدعي الديمقراطية والوقوف الى جانب حماية حقوق الإنسان، وكان لا بد من توضيحها أدبيا .. ولكن الساسة الأمريكان رأوا أنه لا بد من (اختلاق) خطر خارجي أو داخلي يهدد الوجود والكيان الأمريكي .. ووجدوا ضالتهم في البداية مع الهنود الحمر، وامتد اختلاق الأعداء مرورا بالخطر الشيوعي وانتهاء (الآن) بخطر الإسلام .. أسلحة دمار شامل .. الخوف من توقف جريان النفط .. الإرهاب ..
كان الجدل قائما بين مفكرين ورؤساء أمريكان في القرن التاسع عشر حول أهمية استخدام الاحتلال العسكري والقوة العسكرية من طرف وبين القائلين بالاكتفاء بالنفوذ الاقتصادي لجذب وقوف الدول لجانب أمريكا. وقد استحدث فكرة الاحتلال العسكري كل من الرئيس (جفرسون) و(جون آدمز) ..
مبدأ مونرو Monroe Doctrine
أعلن الرئيس (مونرو) عام 1823 مبدأه المشهور والذي قال فيه بأن أمريكا ستقف في وجه أية محاولة أوروبية للتدخل في شؤون الدول المستقلة في أمريكا الجنوبية .. وقد استخدم مبدأ (مونرو) عام 1875 عندما حاولت دول أوربية فتح قناة بنما، حيث عارضت الولايات المتحدة إلا إذا أصبحت القناة تحت سيطرتها الكاملة وكان لها ذلك . وفي عام 1904 أعلن الرئيس (روزفلت) أن أمريكا ستتدخل في دول أمريكا الجنوبية التي تثير الإدارة السيئة لحكوماتها قلق الولايات المتحدة، وهذا تطوير واضح لمبدأ (مونرو) من الدفاع الى الهجوم.
آليات التدخل
منذ عهد الرئيس (مونرو) الى عهد الرئيس الحالي (بوش الابن) .. وأمريكا تستخدم منطق حماية المصالح القومية كمبرر لتدخلاتها في العالم (عسكريا) .. ففي عام 1953 قامت ال (CIA) بالتدخل في إزاحة نظام (مصدق) في إيران، وفي عام 1954 غيرت نظام غواتيمالا الديمقراطي بنظام عميل. وفي عام 1958 أرسل الرئيس (إيزنهاور) قواته الى لبنان لدعم نظام فاسد. وفي عام 1958 نفسه قامت ال (CIA ) بمحاولة اغتيال الرئيس احمد سوكارنو في إندونيسيا .. وهي المحاولة التي تكررت بنجاح عام 1965. في عام 1961 دعمت أمريكا قوى مرتزقة لغزو كوبا وهي ما نجم عنها قضية الصواريخ في (خليج الخنازير) .. وفي العام نفسه تم اغتيال رئيس وزراء الكونغو (باتريس لوممبا) .. في عام 1964 ساهمت الولايات المتحدة بقلب نظام الحكم في البرازيل (الرئيس بولارد) .. في عام 1973 أطاحت برئيس تشيلي المنتخب (سلفادور الليندي) وأتت بنظام دكتاتوري عميل (بينو شيه) .. ولو أخذنا فيتنام وغرانادا و بنما والفلبين وإفغانستان والعراق لارتفع الرقم الى أكثر من 200 حالة تدخل منذ عام 1798 الى يومنا هذا ..
هامش
ــــ
*1 الموضوع في الأصل محاولة قراءة لكتاب صنع السياسة الأمريكية والعرب/ تأليف: محمد عبد العزيز ربيع/منشورات دار الكرمل ـ صامد/عمان/الأردن1990/ مع بعض التصرف في الاختزال بما يتناسب مع صبر المتصفح في الشبكة، ومقاربة الأحداث التي وقعت بعد نشر الكتاب.
*2ـ Trewhitt, The American Way, P.1
__________________
ابن حوران
|