العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: خرافة وهم سبق الرؤية .. ديجا فو (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال هستيريا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال فن التحقيق الجنائي في الجرائم الإلكترونية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال مونوتشوا رعب في سماء لوكناو الهندية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: A visitor from the sky (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: قراءة فى مقال مستقبل قريب (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال ماذا يوجد عند حافة الكون؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: أهل الكتاب فى عهد النبى (ص)فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: المنافقون فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: النهار فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 09-08-2008, 11:40 AM   #1
olaegy
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2007
المشاركات: 34
إفتراضي إيجار قديم



حين ترك قريته وحضر إلى القاهرة ليعمل في مصنع الحديد والصلب بحلوان ربما كان غاية أمله أن يجد غرفة فوق "سطوح" أي بيت قديم في حي شعبي , ولكن يبدو أن الحظ كان مواتيا حيث رأى رئيس الوردية أن عبدالدايم "حمار شغل " , وأنه يطيع الأوامر بشكل حرفي , وليس له في السهر أو شرب الجوزة , تلك الأشياء التي اعتادها كثير من العاملين بالمصنع في ذلك الوقت حتى أنهكت قواهم , إضافة إلى ذلك أن ليست له أطماع كبيرة في مرتبه أو وظيفته , لذلك توسط له في استئجار شقة في حي مصر القديمة , وقد فرح عبدالدايم بشقته الجديدة القديمة , ولكنه لم يظهر فرحته خوفا من الحسد من ناحية ومن ناحية أخرى لأنه بطبيعته الجامدة لا يعرف كيف يعبر عن مشاعره في مثل هذه المواقف أو في غيرها , وادّعى بأنه لن يمكث فيها كثيرا فهي أكبر من احتياجاته , إذ ليس لديه أسرة كبيرة تملأ هذه الشقة غير زوجته وولديه الصغيرين , وكان دائما يتحدث عن نيته في الرجوع إلى قريته فور بلوغه سن المعاش ليبني بيتا صغيرا وسط القراريط البسيطة التي ورثها عن والده , وأن يعيش حياة هادئة فيما تبقى له من العمر , غير أن بعض زملائه في العمل كانوا يتعجبون من قوله خاصة وأنهم يعرفون أن عبدالدايم لا يحب قريته ولا يحب أهلها من الفلاحين ولا يحب غيرهم ولا يحب أحدا , وقد تمر سنوات دون أن يفكر في زيارة أقاربه هناك , بل ويتحاشى الحديث عنهم , وليس له أصقاء من قريته (أو من غير قريته).
وأصبحت الشقة تشغل بال عبدالدايم أكثر من العمل ومن الناس , وكلما خرج منها أو عاد إليها وقف ليتأمل واجهة العمارة العتيقة بواجهتها الممتدة في الفضاء ونقوشها وبروزاتهاالأثرية . وعلى الرغم من عدم معرفته بمعنى هذه النقوش أو تلك البروزات ولا بنوع طراز العمارة الكبيرة إلا أنه كان يشعر بالفخر أنها تشبه سرايات الباشوات التي عاش هو وأجداده ينظرون إليها بمزيج من الإعجاب والحسد والرهبة . وعلى الرغم من أن العمارة قديمة إلا أنها تحمل آثار عز قديم , فمدخلها هائل الإرتفاع والإتساع ويحمل سقفه أعمدة رخامية ضخمة , ومطلع الدرج يسع لعشرة أشخاص يصعدون معا دون مشقة , وغرفها واسعة وأسقفها عالية , وطراز بنائها يوحي بأن من بناها كانت لديه وفرة من الوقت والمال وراحة البال واتساع الصدر فجعل فيها كل هذه الأعمدة والنقوش والبروزات والتماثيل بما يفوق ضرورة احتياجات المكان للسكنى . وكثيرا ما كان عبدالدايم يتعجب من وجود مثل هذه الأشياء في مكان معد أساسا للسكن وليس للسواح الأجانب , وقد قام بالفعل بتكسير بعض الأعمدة والتماثيل والنقوش البارزة الموجودة في شقته ليتمكن من وضع سرير أو كنبة أو كرسي في مكان يرغبه .
ولم يكن عبدالدايم يدرك معنى كلمة "إيجار قديم" حتى صدر قانون "الإيجار الجديد" , والذي يحدد مدة معينة للإيجار يتم بعدها إخلاء الشقة أو تغيير بنود العقد طبقا للأسعار الجديدة , وهنا أدرك الرجل أنه يضع يده على ثروة هائلة , إذ بموجب العقد الذي معه يعتبر وكأنه مالك للشقة طوال عمره , وإيجارها لا يتعدى ثلاثة جنيهات يرميها لصاحب العمارة آخر كل شهر وحين يرفض الإيجار يودعه باسمه في المحكمة , ولا يستطيع أحد مهما علا أن يخرجه من هذه الشقة فالقانون معه . ولأول مرة في حياته يشعر بأنه يملك شيئا ثمينا بهذا الحجم وبهذه القيمة خاصة بعد أن عرض عليه صاحب العمارة إخلاء الشقة مقابل مبلغ كبير من المال وصل إلى مليون جنيه , وهذا مبلغ جديد جدا على سمع عبدالدايم وعلى تصوره للمال . وقد جعله هذا الشعور يصرف نظره عن العودة إلى القرية (تلك العودة التي كان يدّعيها ويشكك في مصداقيتها كثير ممن يعرفونه) , خاصة وقد كبر ولديه وأصبح أحدهما يعمل بالتجارة والسمسرة في الحي , وصار وسيطا في أغلب عمليات البيع والشراء في المنطقة , وقد طلب هذا الإبن من أبيه تخصيص غرفة من الشقة لتكون بمثابة مكتب سمسرة وغرفة أخرى لتكون مكتبا للإستيراد والتصدير , وتدفقت الأموال على أسرة عبدالدايم , وأيقنوا أن هذه الشقة كانت "وش السعد" عليهم , وما كان يؤرقهم إلا شيئين : الأول , هو اتجاه الإبن الأكبر للدروشة وزهده في الدنيا وجلوسه مع الدراويش حول مسجد الحسين أغلب الوقت , والثاني , هو أن هذه العمارة قديمة وثمة تلميحات بتفكير صاحبها في استصدار قرار إزالة لها وإعادة بنائها , وهذا يستلزم طرد السكان منها . وعلى الرغم من هذين الشيئين المؤرقين إلا أن عبدالدايم كان يحاول أن يتناساهما ويعيش حياته بشكل سعيد , فاشترى جلابيب صوف وعباءة خليجية وطاقية شبيكة , وراح يعمل بالسمسرة في الحي مع ابنه , ويشتري بيوتا وأراضي حتى تضخمت ثروته وأصبح قادرا على أن يبني لنفسه بيتا مستقلا أو حتى قصرا يعيش فيه هو وأسرته ولكنه كان يرفض هذه الفكرة حرصا منه على الشقة التى رأى فيها أحلى أيامه وانفتحت له من خلالها أبواب "العز" و "السعد" . وحاول صاحب العمارة أن يقنعه مرات ومرات بإخلاء الشقة مقابل زيادة "خلو الرجل" بشكل فلكي على أساس أن العمارة فعلا أصبحت آيلة للسقوط ولم يعد فيها سكان غير عبدالدايم وأسرته , إلا أنه رفض كل هذه المحاولات على الرغم من وجود تقارير هندسية تؤكد بأن العمارة على وشك الإنهيار فعلا في أي لحظة , وراح من خلال علاقاته في مجلس المدينة يستصدر تقارير مضادة تفيد بأن حالة العمارة جيدة , ويحمل التقارير إلى ساحات المحاكم وهو يعلم أن الإستشكالات القضائية ستأخذ وقتا طويلا . ولما ثبت أنه لن يترك الشقة طلبت منه رئاسة الحي السماح للعمال والمهندسين ليقوموا ببعض الإصلاحات والترميمات في الشقة فوافق على مضض , ولكن بعد فترة احس بأنهم يتوسعون في الإصلاحات والترميمات أكثر من اللازم , وأحس أن مسألةالترميمات خدعة يراد بها طرده من الشقة فقام هو بطرد العمال والمهندسين , وأقنع رئاسة الحي أن الترميمات قد تمت وأن الشقة بحالة ممتازة .
ولم يعد عبدالدايم يخرج من الشقة خوفا من أن يداهمها صاحب العمارة أو أهل الحي أو مهندسو الحي خاصة وأن العمارة أصبحت تهدد ما حولها إذا سقطت فجأة , وظل سنوات يظهر فقط من "بلكونة" الشقة أو أحد شبابيكها يراقب حركة الناس في الشارع ويتوجس منهم خيفة , ويتوقع أن كل واحد منهم قادم لإخراجه من شقته , وكثيرا ما كان يظهر ممسكا ببندقية يصوبها نحو من يقترب من العمارة حتى أصبح الناس يخشون المرور من الشوارع المجاورة لها . ولما ازداد خوفه وترقبه استدعى عدد من شباب قريته وأعطى كل واحد منهم "نبوتا" ووزعهم على باب الشقة وسلم العمارة ومدخلها والشوارع المؤدية إليها , وطلب منهم البطش بكل من تسول له نفسه الإقتراب من الشقة أو حتى من العمارة , وعلى الرغم من تهافت صحة هؤلاء الشباب حيث أغلبهم مصاب بالبلهارسيا وأمراض الكبد المختلفة وسوء التغذية إلا أن عددهم وأصواتهم التي كانوا يصدرونها والأقنعة التي كانوا يلبسونها كل ذلك سبب رعبا لأهل الحي فلم يفكروا في الإقتراب منهم .
ولم يكتف عبدالدايم بذلك بل راح يستدعي كل من يعرفه من المحامين الضليعين في معرفة ثغرات القوانين لكي يدعموا موقفه القانوني في التمسك بإيجاره القديم الذي يتيح له الإنتفاع بالشقة طوال حياته , وحين ذكرت كلمة "طوال حياته" راح القلق يساوره , إذ ماذا يكون الأمر لو أنه مات ؟ .. أيأخذون الشقة ويطردون ابنه وزوجته ؟؟ .. وصار هذا الخاطر يؤرقه ليل نهار , لذلك أصبح بقضي ساعات طويلة مع المحامين الذين يتوافدون على شقته يوميا ليبحثوا كيف ينتقل الإيجار القديم إلى أبنائه وأحفاده , فالشقة بسعر اليوم تساوي ملايين وليس من المعقول أن يفقد هذه الملايين بمجرد وفاته فهي حق لأولاده وأحفاده من بعده (كما يذكر دائما ) . واختلف المحامون , فمنهم من قال بأن من حق زوجته وابنه الإقامة في الشقة بعد موته دون تغيير العقد , ومنهم من قال بأن موقفهم قد يتغير إذا ثبت أن الإبن غير مقيم بالشقة بشكل "دائم" أو أنه قد غير في بنية الشقة وطرق الإنتفاع بها . وراحت كلمة "دائم" تدرو في رأس عبدالدايم , وأصبح يحذر ابنه من ترك الشقة لأي سبب من الأسباب حتى لا تأتي لجنة معاينة فلا تراه فيها , واقتنع الإبن بذلك وراح يدير أعماله التجارية سرا من داخل الشقة حيث يتجمع أصقاؤه وشركاؤه في المكتب الذي اقتطعوه من الشقة .
ومن طول الوقت وثبات الموقف كما هو اعتاد أهل الحي على هذا الوضع الغريب وكيفوا حياتهم عليه , كعادتهم , ولكن لوحظ منذ عدة أيام صدور رائحة كريهة جدا من ناحية الشقة , ولوحظ أيضا زيادة أعداد المحامين المتوافدين على الشقة , وعرف أهل الحي بعد محاولات مضنية أن عبدالدايم قد مات وأن زوجته وابنه يرفضون إخراج جثمانه من الشقة خوفا من فقدانهم حق الإقامة فيها بعد موته , وأنهم يتباحثون مع المحامين حول الطريقة التي تتيح للزوجة والإبن حق الإنتفاع "الدائم" بالشقة على الرغم من موت "الأب" صاحب العقد . واستمر هذا الوضع عدة أسابيع حتى أصبح أهل الحي لا يطيقون الرائحة الصادرة من شقة عبدالدايم , وحاولوا إقناع الزوجة والإبن بضرورة دفن الجثة إلا أنهم رفضوا بإصرار , فما زالوا يحتاجون لبعض الوقت لضبط الأمور القانونية التي تتيح لهم نقل عقد الإيجار القديم إلى الزوجة أو الإبن , ولكن أهل الحي لم يحتملوا هذا الوضع على الرغم من صبرهم الطويل الذي اشتهروا به وتسليمهم للأمر الواقع "دائما" , وقد أفتى لهم بعض الشيوخ بضرورة دفن جثمان الميت حتى ضد إرادة أهله , وهنا تجمعوا ,لأول مرة منذ زمن بعيد , واقتحموا باب الشقة ووجدوا منظرا عجيبا , فقد تمدد جسد عبدالدايم في كل أرجاء الشقة الواسعة , حيث كان رأسه الضخم العنيد وجزعه يملآن الصالة بينما امتد ذراعاه وساقاه كل في غرفة من الغرف , ليس هذا فقط , بل لقد تحول جسده إلى ما يشبه شجرة قديمة متعفنة لها جذور تمتد في كل مكان بالشقة متشبثة بأي شئ يمكن التشبث به , ووجدوا زوجته وابنه منزوين في ركن من الشقة ممسكين بعقد الإيجار القديم . وهنا دخل أحد المحامين الذين كان يستخدمهم عبدالدايم , وأظهر تنازلا عن العقد بإمضاء وبصمة عبدالدايم وبموافقة صاحب العمارة , وبموجب هذا التنازل تنتقل الشقة إلى المحامي بإيجارها القديم مقابل دفع مبلغ لصاحب العمارة , واندفع أهل الحي , كعادتهم في مثل هذه المناسبة وفي غيرها , وحملوا المحامي الفائز على أعناقهم وطافوا به شوارع مصر القديمة وهو يلوح بعقد الإيجار القديم بعد تعديله .

دكتور / محمد المهدي
http://mahdyzone.jeeran.com/archive/2008/8/643165.html
olaegy غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 11-08-2008, 01:14 AM   #2
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

مرحبا أخي الفاضل الكريم الدكتور المهدي .
قصة مؤثرة تقترب من الحقيقة .
دمت بخير .
تحياتي وتقديري
نزلت هنا أهلا وحللت سهلا .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .