... و إذا رجا المؤمن رحمة الله فإن الله لا يخيبه أبدا. . ولقد سمع أولئك النفر المخلص من المؤمنين المهاجرين هذا الوعد الحق , فجاهدوا وصبروا , حتى حقق الله لهم وعده بالنصر أو الشهادة. وكلاهما خير. وكلاهما رحمة .. "
وتحدث عن وجوب عبادة الله وحده لنيل الرحمة فقال :
"ومن الآثار:
أن ينقطع المؤمن إلى الله تعالى وأن يعرض عما سواه عز وجل فيرتاح باله ؛ فإن الرحمة بيد الله وحده فـ (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم).
وحين تستقر هذه العقيدة في قلب إنسان تتحول تصرفاته وتعتدل موازينه؛ لأنها تقطعه عن كل قوة في السماوات والأرض وتصله بقوة الله. وتغنيه عن كل رحمة في السماوات والأرض وتصله برحمة الله. وتوصد أمامه كل باب في السماوات والأرض، وتفتح أمامه باب الله.
يجد هذه الرحمة من يفتحها الله له فيكل شيء، وفي كل حال , وفي كل مكان. . يجدها في نفسه ,ويجدها فيما حوله , حيثما كان , وكيفما كان، ولو فقد كل شيء مما يعد الناس فقده هو الحرمان. . ويفتقدها من يمسكها الله عنه في كل شيء , وفي كل وضع , وفي كل مكان، ولو وجد كل شيء مما يعده الناس علامة الوجدان والرضوان!"
وتحدث عن أن بعض الرحمات التى هى نعم قد تتحول لنقم وضرب مثلا بمن ينام على الحرير فيحسه شوك ومن ينام على الشوك فإذا هو راحة له فقال :
"وما من نعمة - يمسك الله معها رحمته - حتى تنقلب هي بذاتها نقمة وما من محنة -تحفها رحمة الله - حتى تكون هي بذاتها نعمة ينام الإنسان على الشوك - مع رحمة الله - فإذا هو مهاد وينام على الحرير - وقد أمسكت عنه - فإذا هو شوك القتاد.
ويعالج أعسر الأمور - برحمة الله - فإذا هي هوادة ويسر. ويعالج أيسر الأمور - وقد تخلت رحمة الله - فإذا هي مشقة وعسر. ويخوض بها المخاوف والأخطار فإذا هي أمن وسلام.
ويعبر بدونها المناهج والمسالك فإذا هي مهلكة وبوار! يبسط الله الرزق - مع رحمته - فإذا هو متاع طيب ورخاء ; وإذا هو رغد في الدنيا وزادإلى الآخرة. ويمسك رحمته , فإذا هو مثار قلق وخوف.
يمنح الله الذرية - مع رحمته - فإذا هي زينة في الحياة ومصدر فرح واستمتاع ,ومضاعفة للأجر في الآخرة بالخلف الصالح الذي يذكر الله. ويمسك رحمته فإذا الذرية بلاء ونكد وعنت وشقاء , وسهر بالليل وتعب بالنهار!
ويهب الله الصحة والقوة - مع رحمته - فإذا هي نعمة وحياة طيبة , والتذاذ بالحياة. ويمسك نعمته فإذا الصحة والقوة بلاء يسلطه الله على الصحيح القوي , فينفق الصحة والقوة فيما يحطم الجسم ويفسد الروح , ويدخر السوء ليوم الحساب!
ويعطي الله السلطان والجاه - مع رحمته - فإذا هي أداة إصلاح , ومصدر أمن ,ووسيلة لادخار الطيب الصالح من العمل والأثر. ويمسك الله رحمته فإذا الجاه والسلطان مصدر قلق على فوتهما , ومصدر طغيان وبغي بهما , ومثار حقد وموجدة على صاحبه مالا يقر له معهما قرار , ولا يستمتع بجاه ولا سلطان ,ويدخر بهما للآخرة رصيدا ضخما من النار! والعلم الغزير.
والعمر الطويل. والمقام الطيب. كلها تتغير وتتبدل من حال إلى حال. . . مع الإمساك ومع الإرسال. . وقليل من المعرفة يثمر وينفع , وقليل من العمر يبارك الله فيه. وزهيد من المتاع يجعل الله فيه السعادة."
والرجل هنا يتحدث عن الرحمات فقط ويبين أنها موجودة فى كل مكان وكل حال فيقول:
"ورحمة الله لا تعز على طالب في أي مكان ولا في أي حال.
وجدها إبراهيم (ص)في النار.
ووجدها يوسف (ص)في الجب كما وجدها في السجن.
ووجدها يونس (ص)في بطن الحوت في ظلمات ثلاث.
ووجدها موسى (ص)في اليم وهو طفل مجرد من كل قوة ومن كل حراسة , كما وجدها في قصر فرعون وهو عدو له متربص به ويبحث عنه.
ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور. فقال بعضهم لبعض: (فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته).
ووجدها رسول الله (ص)وصاحبه في الغار والقوم يتعقبونهما ويقصون الآثار. .
ووجدها كل من آوى إليها يأسا من كل ما سواها منقطعا عن كل شبهة في قوة , وعن كل مظنة في رحمة , قاصدا باب الله وحده دون الأبواب "
الرحمة موجودة وأيضا الأضرار موجودة مع طاعة الله كما قال :
"ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين"
ثم قال مبينا أن الرحمة بيد الله يمسكها أو يرسلها:
"ومن الآثار:
إن المؤمن إذا علم أن الله إذا فتح أبواب رحمته لأحد فلا ممسك لها. ومتى أمسكها فلا مرسل لها. كانت مخافته من الله. ورجاءه في الله .. إنما هي مشيئة الله. ما يفتح الله فلا ممسك. وما يمسك الله فلا مرسل .. يقدر بلا معقب على الإرسال والإمساك. ويرسل ويمسك وفق حكمة تكمن وراء الإرسال والإمساك. (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده).
لو استقر هذا المعنى في قلب إنسان لصمد كالطود للأحداث والأشخاص والقوى والقيم. ولو تضافر عليها الإنس والجن. وهم لا يفتحون رحمة الله حين يمسكها , ولا يمسكونها حين يفتحها. . (وهو العزيز الحكيم). .
إنها رحمة الله يفتح الله بابها ويسكب فيضها في آية من آياته. آية من القرآن تفتح كوة من النور. وتفجر ينبوعا من الرحمة. وتشق طريقا ممهودا إلى الرضا والثقة والطمأنينة والراحة
قال عامر بن عبد قيس: أربع آيات من كتاب الله إذا قرأتهن فما أبالي ما أصبح عليه وأمسي (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده) (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله) (وسيجعل الله بعد عسر يسرا الطلاق) (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ) "
|