العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > مكتبـة الخيمة العربيـة > دواوين الشعر

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى مقال حديقة الديناصورات بين الحقيقة والخيال (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في مقال ثلث البشر سيعيشون قريبا في عالم البعد الخامس (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد مقال بوابات الجحيم التي فتحت فوق سيبيريا عام 1908 لغز الانفجار الكبير (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الغرق فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال أمطار غريبة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث النسبية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: حديث عن المخدرات الرقمية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الكايميرا اثنين في واحد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 08-01-2008, 10:24 PM   #1
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي هل كان نبي الله آدم شاعرا ؟؟؟؟

[FRAME="13 70"]مفهـوم الشاعـر



إذا كان الشعر ينفلت عن التحديد المفهومي الدقيق باعتباره ضرورة وكفى، فهل يمكن وضع تحديد دقيق لمفهوم الشاعر؟ لنقل : إن الشاعر هو الذي يقول شعرا، يكتبه، يلقيه، يخرجه من منطقة ما قد تكون مظلمة أو مضيئة لاختلاف الحالات والأوقات وتنوع الفراغات التي يخرج منها كل شعر ….

الشاعر هو الذي يقول الشعر، وإذا قال نثرا وكتب رواية أو دراسة عقلية رياضية مثلا، لا مجال فيها للتـأمل، كلها براهين وعلامات ألا نعتبره شاعرا .هذه مشكلة تقودنا إلى الاستنجاد بالتراث العربي والعالمي لضبط المفهوم، وفك هاته الازدواجية .

حين يُنفخ في الروع تأتي اللغة، ويدخل جني هو الذي يوحي للشاعر الإنسان بقول الشعر، فيتحول من كائن عادي إلى شخص آخر، قد يتحكم فيه عبقر وما شابه. ازدواجية أخرى: جني/إنسان. فما هي المنطقة التي يتربعها هذا الجني ؟ ما لون هذا الجني؟ الجني الأحمر أكثر شيطنة من غيره. والجني هو غير الشيطان. شياطين الشعر هم شياطين الجنة لا النار، الحب لا الحقد، الحرية لا الاستعباد …الشيطان يحضر كذلك كما يحضر الجني فتأتي اللغة، هل الشاعر جني أم شيطان أم نبي باعتباره صاحب رسالة هو أيضا ؟

كان آدم شاعرا، أنشأ أول قصيدة في الدنيا نتيجة حالة مروعة لم يسبق لها مثيل هي قتل الأخ لأخيه، هابيل وقابيل ، أول قتيل وأول قاتل وحالة جديدة في دنيا آدم النبي، وقصيدة تأتي نتيجة الحالة الطارئة التي ستتحول إلى شبه عادية مع تقدم الزمن، قصيدة سيتفق عليها عمداء الرواية التاريخية العربية القديمة : أبو زيد القرشي، والطبري، والمسعودي، والثعلبي ، وخاصة مطلعها الذي يقول :

تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيـح

تغير كل ذي طعم ولون وقل بشاشـة الوجه الصبيح [1]

فعل إبليسي، شيطاني ، سيثير حفيظة الجني، وسيأتي الشعر على لسان النبي الذي سيتغير سلوكه، فيقيم في الدنيا سنة لا يضحك ولا يطأ حواء، حسب رواية الثعلبي إلى أن : "أوحى الله تعالى، يا آدم إلى كم هذا البكاء والحزن …." [2] فقد، وحزن، وشعر، وتأريخ بلغة يصعب ضبط مصدرها ، وعلى لسان شاعر هو حتما ناظم آخر رتب الكلام العربي، وقال أبياتا كان لا بد لآدم النبي أن يقولها[3] . فمن هو الشاعر ؟ وما مفهومه انطلاقا من البدايات ؟

حين ادعى المتنبي النبوة، لم يفعل ذلك طواعية، بل استجابة لشيطان أو جني ـ أتخيله أحمر ـ كان يسكنه باستمرار ، شيطان سيتحول إلى متنبئ، في انتظار النبي. ولكن انطلاقا من إنسان، وبلغة إنسان هو هنا عروبي صحراوي ينشد الكونية ومعها الحرية، وقد حققهما.

يسكن الجني أو الشيطان أو النبي جسد الشاعر الإنسان ويقيم فيه، ويحول سكناه إلى إقامة دائمة في المكان ولكن الأهم هو إقامتهما في الزمان.زمن إقامة الجني يرتبط بمكانه، فيحول الساحر ( الشاعر ) إلى مسحور، مسكون بآخر يتحكم ولا يريح إلا بالخروج من القمقم الذي يقيم فيه بشكل دائم لا عرضي. مفهوم الشاعر إذن يأتي من الخروج، خروج من سكون، وإقامة دائمة ومستمرة في الشيء، باللغة وتجلياتها، في المشهد الآني المستند إلى سكنى الجني في قمقم الذات ، في مسام العقل وفي فوران الروح العاتية .

ما معنى أن تكون شاعرا الآن ؟ معناه ببساطة أن تكون ساحرا يحول الكلام إلى حرارة والحرارة إلى رؤى متصاعدة متماسكة الواحدة تلو الأخرى. تختلف طريقة كل ساحر عن آخر باختلاف التقنيات والأسلوب، واختلاف عرض طريقة خلاص الضحية عن السيد، ونَفَسُ الساحر هو ما يخرج الروح من الجسد، ويحول، اضطراب الجني إلى إقامة دائمة في الحلم .

نتأمل أحيانا وجوه الشعراء ـ للبحث عن مفهوم مادي للشاعر ـ ونتأمل قاماتهم التي قد تطول أو تقصر فتغير متاهاتهم تبعا لتنوع بؤرة اللذة في ثنايا جلد الجني الساكن خلف الحلق، المنتظر لحظة النفخ، لحظة خلاص الضحية من قبضة السيد.أضحية للوقت.

هل نستطيع تكوين مفهوم محدد للشاعر انطلاقا من ملامح وجهه وحركات يديه وانفعالات شفتيه وهو يدهش أمام آخر ـ أيا كان هذا الآخر ـ وهو ينتظر فرجا مخلِّصا على مرايا اللغة؟ حالة برانية بفعل جواني ، ظل يُظل معه الآخرين، كل الآخرين . ورغم ذلك يبقى سؤالنا مطروحا : من هو الشاعر استنادا إلى ملامحه وسلوكه أيضا.

لم كان "بشار بن برد" يصفق بكلتا يديه الغليظتين، وينفخ ويبصق بصاقا كبيرا قبل أن يلقي قصيدة ؟ ما هذا الشاعر ؟ وما هذا الطقس القبيح ؟ شاعر قبيح أعمى غليظ الخَلق والخُلق، ورغم ذلك فهو شاعر على مفترق الطرق بين حداثتين .

لكل شاعر فردانيته وتوحده وأنانيته أيضا. شعراء نرجسيون متوهمون، وصفهم زرادشت قائلا: " … الشعراء جميعهم يعتقدون أن الجالس على منحدر جبل مقفر يتنصت إلى السكون، يتوصل إلى معرفة ما يحدث بين الأرض والسماء. وإذا هم هزهم الشعور المرهف خيل لهم أن الطبيعة نفسها أصبحت مغرمة بهم ، فيرونها تنحني على آذانهم لتلهمهم البيان الساحر والأسرار، فيقفون مباهين بإلهامهم وأما م كل كائن يزول " [4] . شعراء يسيطرون على المشهد برمته أو هكذا يتوهمون . مريدون، أتباع يتناثر ون ويتناسخون، صورة تخلق نسخا لا يمكن أن تكون أصلية على الإطلاق، لاختلاف الأنوات والنرجسيات، لكل نرجيسية جني ضاغط على اللحظة هو سيد الوقت لا غيره، هو سيد الحال لا غيره، فلا خيار للشاعر أيا كان في الوقت والحال المتحكم في الخروج وربما في الدخول أيضا.

أعطينا للشاعر هالة أكثر من اللازم ….بسبب غورنا في المتخيل الذي لا نعتقد أنه يستطيع يوما إلغاء الشعر، لأن إلغاءه هو إلغاء للشاعر وبالتالي للشعر الذي هو رئة العالم التي يتنفس بها….

ساعة الولادة يتحكم الجني أو الشيطان لتحصل النبوة / التنبؤ. الجني يُبكي الشاعر رغم نرجسيته، أو قد يُضحكه رغم عبوسه المنبعث عن جديته الظاهرة .إذا كان المتحكم في شاعرية الشاعر هو الجني أو الشيطان فهل يكون الشاعر هو آخرٌ غيره ؟ ذات تسكن ذاتها أم ذاتان متساكنتان؟

يأخذ الشاعر الحق ـ ولا ندري كيف يميز بين الحقيقي والزائف في هذا المجال ـ قيمته من قيمة الجني الساكن فيه، والمتربص باستمرار في انتظار الخروج من الروع. جني مجنون، جني شيطان، جني جني، صغير، حديث الولادة ، مشكاس، مسالم…الخ.حين يكبر هذا الجني تكبر معه رغبات الشاعر ونرجسيته، وقد تهدأ ،وقد تتحول علاقاته مع الأشياء الصافية، والأكثر سكرا، من عادية إلى عدوانية أو العكس، تبعا لتغير حالات الجني. سن الجني لا تقاس بسن الشاعر، فقد يكبر الشاعر في السن ويظل جنيه صغيرا، قزما، لا يكبر رغم الوصفات الكثيرة المزيِّنة بفعل السبق والأولية المؤديان إلى الشهرة، ورغم كثرة التوابل المحيطة لأطباقه المؤداة سلفا. وقد يبتدئ الجني مستعصيا مدمرا فيكبر دفعة واحدة كما حصل لجني رامبو، لجني طرفة بن العبد، لجني الشابي ….

ما هي الصورة الأكثر حضورا لدى قارئ الشعر، صورة الشعر أم صورة الشاعر ؟ لو تغيرت الأسماء ـ أسماء الشعراء ـ وبقيت نفس القصائد ، فهل سيؤثر ذلك على شياطين الشعر ؟ هل يستطيع الملتذ بالشعر ـ ولا نقول القارئ العادي ـ أن يميز الآن الاسم عن المسمى ؟ أتعود المفارقة إلى كون الشعراء لا يتكلمون كغيرهم من الناس كما تساءل "مونتسكو" مستغربا ذات مرة، أم تعود لغموض وتعقد المشهد الراهن بسبب متاهات قد تكون بعيدة عن الشعر، مشدودة إلى سلطة قد يتغلب فيها السياسي عن الثقافي رغم صعوبة الفصل بينهما. قد نجازف بالقول ـ في ختام هذا الكلام ـ ونحن نبحث في خضم الآني واليومي عن مفهوم محدد للشاعر والشعر الحديث : الشاعر (أو هكذا نتصوره) هو قطعة لهب تقف على الهاوية باستمرار، مدفوعة بجني، من أجل تنبئ سيحصل حتما عاجلا أم آجلا، استنادا إلى حالة الفقد الأول، بحثا عن خلاص يصعب فيه الفصل بين المادة وظلها ، أي بين الشاعر وشعره.






--------------------------------------------------------------------------------

[1] كليطو عبد الفتاح : لسان آدم، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، دار توبقال ، البيضاء ط 1، 1995 ، ص 56

2 الشيخ محمد بن إباس : بدائع الزهور في وقائع الدهور، دار الفكر دون تاريخ ص:53

3 لسان آدم : ص، 54

4 نيتشه فريديريك : هكذا تكلم زرادشت، ترجمة فليكس فارس ، دار القلم بيروت ص : 156
[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-01-2008, 10:27 PM   #2
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="13 70"]الشـعر والعنـف



عنف المشهد الشعري هو جزء من عنف المشهد الثقافي العام، ولكن هل هو جزء من عنف الوضع العام المنخور حتى النخاع، بصراعات مبتذلة، لأسباب كثيرة أهمها : المصادرة الفكرية والخوف من الاختلاف…لا يتجلى للمتأمل للمشهد الشعري الحالي الفاصل بين عمق متاهة السؤال، وبين متاهة المتاهة، الخارجة بسبب المصادرة المقيمة في عمق الأحادية، ومنع بوح الآخر ….البوح الشعري متعدد قد يصدر عن واحد، لكن هذا الواحد يحمل تعدده في ذاته، أي يحمل اختلافه، لأن بداخله مساحات ضوئية لا حدود لها، ولا شطآن، والعزلة كآبة روحية يلتذ ممارسها بركوبه وهما استالينيا يعتقد أنه سيغير كل شيء، بيد أنه لن يغير شيئا على الإطلاق.

تقابلات يومية تتقدم المشهد الثقافي والشعري، سكاكينها حادة، حين تنزل على قلب الشاعر تدميه، فتنهمر دموعه وتتحول اللحظة إلى وليد جديد ، ويقع التأمل ، وتسيل الأقلام بين مؤيد ومعارض.ما الذي نود قوله ؟ لماذا بكى علي أحمد سعيد رغم أدونيسيته ؟..هل حقا يجوز نعت الشاعر مهما تكن فداحته بالفيروس؟ الشعر دواء فهل يجوز لنا تحويله إلى داء ببساطة ؟

هذا الجسد مريض، ولكنه يتحرك، ومن عنفه ستتكون الأحداث، وستلغى مقولة " لا شيء يحدث لا أحد يجئ "، وسيطل من النافدة كثيرون، وستُمتدح مقاهي متعددة، وسيتحول "سرير الغريبة " إلى سرير للألفة ..

في زمن قريب، امتداداته ضاربة في العمق، وصل العنف بين الشعراء حد التناحر، حد الاختلاف أو الائتلاف بين الصوفية والسريالية ، حد التناقض بين الحرف وتجلياته، الرمز واستعاراته بين صلب النصوص الأصلية بسريالية متحركة متقدمة في اشتغالها …يحضر العنف الشعري، فيتحول إلى عنف ثقافي مستمد من عنف مشهد عام سياسي في عمقه.

بين سيرة عبد القادر الجنابي وسيرة أدونيس عنف شعري ألقي بظلاله على المشهد كله، فشككت القيادات( الشعرية)، وتمت طباعة رسائل العنف الشعري التي تثبت عمق الحركية وتثبت للجسد حياته لا موته، الجسد المريض الذي يتحرك يدل على الحياة لا على الموت ،كما عبر عن ذلك محمد بنيس، ولكن ماذا بعد ؟ ما الذي أنتجه وضع كهذا ؟ ما الفصل بين الفراغ والخواء ؟ بين الاختلاء الناتج عن قناعة ووعي تامين، وبين تبعية لا تفرق بين الخواء والفراغ في عمق المشهد ؟ .

الإقصاء يولد العزلة، وقد يولد تكتلات للعزلة، أو قد يولد إقصاء الإقصاء ، والنفخ في الريادة بشكل مبالغ فيه يساهم إلى أبعد حد في هذه العزلة. دكتاتورية الشعراء جزء من ديكتاتورية المثقفين والسياسيين أيضا، منع يؤدي إلى الانزواء من ناحية وتشجيع مبالغ يؤدي إلى الخواء من ناحية أخرى.

إذا كان أدونيس يبتكر جنونا حين لا يأتيه الجنون جنونا يمتلك الشيء ونقيضه ( أدونيس زمن الشعر)، وإذا كان عبد القادر الجنابي يحلم لتتحول أناه إلى حلم هو مشاهد الليل كما رؤى اليقظة وتواصل الحالة الهاذية المجنونة (الجنابي في هواء اللغة الطلق)، فإن دلالة عنف المشهد الشعري بينهما يعود لسبب آخر قد يكون أي شيء إلا الشعر.

الشعر إنصات، والعنف يرفض الإنصات. والشعر بوح متمرد، والعنف رفض للبوح وللتمرد معا، لأنه ابن القمع أيا كان مصدره: ذاكرة، تاريخ، حداثته، فقد لا تختلف مخلفات سيببريا ستالين عن نكبات البرامكة والقرامطة إلا في الموقع، وستظل تحمل نفس الدلالة .

والشعر أنا آخر جمعي حين نضع له ( ال )يقع تعميمه على ذوات مختلفة عن واحدها، مدهشة بتفردها، ولكنها أولا وأخيرا جزء لا يتجزأ من هذه ال( ال).

المشرق والمغرب هل هو اختلاف بين شعر وشعر بشكل يؤدي أحدهما إلى إلغاء الآخر ؟ الإقصاء الممارس منذ سنوات طويلة للأدب المغربي والشعر خاصة هل يعود لأسباب الريادة والأبوة والجدودة التي يتمتع بها الشعراء هناك ،ولا يتمتعون بها هنا ؟ ما دور المنابر الثقافية في هذا التعتيم؟ أليس هذا منتهى العنف؟

بفضل بعض المنابر الواسعة الانتشار استطاع الشعر المغربي الآن أن يقف قليلا على قدميه (من ناحية الانتشار لا القيمة لنه يحمل قيمته من قوة شعرائه وتميزهم ) نذكر كمثال : مجلة نزوى، ومجلة كتابات معاصرة ، وجريدة القدس العربي.

هاجم حسن طلب - وهو شاعر - محمد بنيس - وهو شاعر- أيضا نتيجة التشكيك في شاعرية شاعر آخر هو أحمد عبد المعطي حجازي، سيكون للقضية ما قبلها وما بعدها …إنها عنف تجميعي يبتدىء من بكاء الشاعر أدونيس، إلى نفي الشاعر حجازي، إلى رد الشاعر عفيفي مطر …مشهد يحمل في طياته عنف ارتجاجه ،حالة متوترة بين الصحي والمرضي، بين مرحلة استجمام الشعر ومرحلة احتضاره.

قد يطول المشهد وقد يقصر، وقد تتكرر الحالات والأحداث، بنفس التفاصيل تقريبا مع تغيير الأشخاص والوضعيات .علامات تشير إلى وضع متأزم، ممتد، مختلط، مريض، ينعكس على الشعر والشعراء، على (الريادة) ودورها في الإقصاء . تصارع الكبار (تاريخا، وتجربة، وحتى شاعرية ) يؤدي إلى النفور، مما يؤدي إلى طرح عدة تساؤلات من بينها : ما تأثير تواجد الشاعر الفحل (لكبير) على شعراء آخرين أقل كبرا، ولكن أكثر احتراقا ؟ مادور الشاعر الريادي إن لم يكن البحث عن الشاعر الجديد واحتضانه لا إلغاؤه؟ ألا يساهم تمهيد الخواء لا الفراغ في إنتاج طوابير من الشعراء لا يعرفون حتى ما يكتبون فبالأحرى تفرغهم لاحتراقهم؟ ثم قبل هذا وارتباطا به بشكل من الأشكال ، أليس مظهر العنف هذا نتيجة لعنف آخر أعمق، لا علاقة له بالشعر، وإنما جذوره ذوات متربعة على كراسي سلطوية، تمارس الإقصاء لكل شيء، وخاصة إذا كان شعريا منفتحا، رافضا لكل أبوة وتسلط شعري. وقد يسعفنا الرجوع قليلا الرجوع إلى تاريخ الشعر العربي والعالمي لطلب النجدة التي لن تتحقق إلا من داخل الشعر وبالشعراء كل الشعراء .







[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-01-2008, 10:28 PM   #3
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="13 70"]صـوت الشاعـر

حواس الشاعر المرتبطة بذاته، الملتقطة لخارج يتداخل مع الذات لينتج شعرا، ما هي بالضبط ؟ بصر، سمع، شم، إحساس شعور أم ماذا ؟ حالات تولد حالات وتتولد عن أخرى، أرى أسمع أشم أرتعش، أطرب أحزن أفكر وقد لا أفكر، وعي يختلط بلا وعي. البصر قد يولد الدهشة، والبصيرة تؤدي إلى التأمل. السمع يرتبط بالصوت، الصوت ليس بالضرورة موسيقى متناغمة. صوت الكائنات طويل عريض متباين الانطلاق والامتداد، ابتداءا من دبيب النملة إلى آه لسعة الزنبور، إلى أصوات الرعد وقنابل الأحلاف والأسلاف الجاثمين على خرائط القرارات، الشادين على أزرار الفضائح السرية المدمرة بشذوذها المتكتم …أصوات وأصوات. أصوات مارة متجولون، مطاردون بالوقت وأنباء الوقت، أصوات تلتقط بميكروفوناتها أوامر، توضيحات، طمأنات، تهديدات. أصوات من الأرض إلى الفضائيات كلها تُلتقط فتذوب في صدر الشاعر، وقد تجرح حلقه فتحول صوته إلى نباح وكلامه إلى صراخ.

الصوت مذكر، سواء ارتبط بشاعر أو شاعرة؛ إلا أنه قد يصير مؤنثا في بعض الحالات يقول صاحب اللسان: " الصوت: الجرْس، معروف، مذكر… "يؤنث إذا أريد به " الضوضاء والجلبة، على معنى الصيحة أو الاستغاثة…"[1].

ما هو منطق الصوت ؟ " الأصوات نوعان حيوانية وغير حيوانية ، وغير الحيوانية أيضا نوعان: طبيعية وآلية، فالطبيعة هي كصوت الحجر والحديد والخشب والرعد وسائر الأجسام التي لا روح فيها من الجمادات، والآلية كصوت الطبل والبوق والزمر والأوتار وما شاكلها . والحيوانية نوعان : منطقية وغير منطقية. فغير المنطقية هي أصوات سائر الحيوانات الغير الناطقة، وأما الناطقة فهي أصوات الناس وهي نوعان: دالة وغير دالة، فغير الدالة كالضحك والبكاء والصياح، وبالجملة كل صوت لا هجاء له، وأما الدالة فهي الكلام والأقاويل التي لها هجاء. وكل هذه الأصوات إنما هي قرع يحدث في الهواء من تصادم الأجرام…. [2]

الشاعر يُسمع صوته بالصراخ، بالمنبر، بحضور لقاءات شعرية. تحوُّلٌ وتداخلٌ بين التذكير والتأنيث، بين الخطابة والاستجداء.صوت محمود درويش جحيمي صاعد من هاوية الذات، يرتبط بالأذن العربية، بل يُشكِّلها؛ ويعيد طبعها بطابعه شعرا وكلاما حتى بدون ميكروفون. صوت نزار قباني ربيعي نازل يؤدي إلى ترنح الأجساد الصغيرة، ويؤججها ببلاغة واضحة فاضحة حين ترتطم بالأسماع تحدث ارتعاشة في الأسفل أكثر من أية منطقة أخرى.صوت أحمد المجاطي الخجول وهو ينشد قصيدة الدار البيضاء بحروفها المبحوحة، يثير الرغبة في التأمل والشرود إلى أقصى حالات التفرد والتوحد مع الذات. صوت محمد بنيس منكسر مائل جهة اليسار قليلا، أَنَوِي، ملتو كالتواء "سبع لَوْيات [3]" المقابل لجامعة القرويين أقدم جامعة في الدنيا. صوت بابلو نيرودا غير وجه التاريخ، صوت محارب في أول الصفوف، أوقف حركات وحرك أخرى في اتجاه التحرر.

لكل شاعر صوته المرتبط به، حاسة تخرج وتدخل لتشكل صوت جماعيا فماذا لو اجتمعت كل الأصوات لتكون جوقة ؟ تزاحم الأصوات يؤدي إلى النشاز، أو إلى الهرج المنظم إلا في الشعر. لو قرأنا قصيدة للشاعر المغربي أحمد بلبداوي بتضميناتها العبرية البارزة،بصدى صوت أدونيس ونكهته الشرقية المتميزة فما الذي سيحدث؟ صوت يمتزج بصوت. الصوت المادي ليس بالضرورة صوت الشعر. صوت الشاعر هو صوت الشعر، بصمة تؤثر على الأذن الجمعية، وتشكلها نارا أو نورا أوهما معا حسب ظرف التلقي. امتزاج بين المشرق والمغرب من أجل تأكيد المطرب.

نقرأ قصيدة للحطيئة أو ابن الرومي ونتخيل صوتها انطلاقا من المسبقات التي أسسها تاريخ الشعر العربي بكل الوصايات التي مورست عليه من طرف المؤرخين السياسيين والمتحكمين في مسار القول (الشعري) وصولا إلى أمزجة ما، في حقب ما، لظروف ما ندعو إلى إعادة النظر في طريقة كتابة تاريخها الآن. أصوات الأحياء تؤثر على أصوات الأموات، والكبار يلغون الصغار، والسياسيون يلغون الأقل اهتماما بالسياسة .

ما هو صوت الشعر الشعبي؟ الشعر الممتد إلى كل المسام بامتياز بنغمات تميل إلى الغناء أكثر من ميلها للشعر. والشعر ليس هو الغناء بالضرورة و" كل ضرب من الغناء صوت" كم يورد ابن منظور. فنحن: "

بالصوت نتكلم

بالصوت نغني

أن نتكلم ليس هو أن نغني

بإمكان الصوت أن يغني كلمات

لا يمكن للصوت أن يتكلم الأغنية

الصوت الذي يتكلم الأغنية يتكلم كلمات الأغنية

لا يحتاج الصوت إلى الأغنية هنا

صوت غريب ذاك الذي يتكلم كلمات أغنية

إذا أخذت في تكلم كلمات أغنية دون غناء يبدو أنني أقول شعرا

الصوت الذي يتكلم كلمات أغنية يقول بالفعل شعرا " [4]

فالصوت هو غير الكلام، الكلام صوت بحروف مقطعية دالة على معان مفهومة من مخارج مختلفة. وأبعد مخارج الحروف أقصى الحلق وهو ما يلي أعلى الصدر. والصوت من الجسم في الرنة بيت الهواء [5]

صوت المرحوم "العربي باطما"[6] هو صوت شعري بري يحفر في الذات من طبلة الأذن إلى أسفل أظافر القدمين. صوت شعري جارح. صوت أحمد فؤاد نجم صوت ممتد في تفاصيل الجسد العربي ناري، ملتهب، مرتبط بالنار والاشتعال.صوت وفاء العمراني الهادئ قليلا وصوت مليكة العاصمي براءاتها المخلخلة المبحوحة .أصوات حاضرة باستمرار، نسمعها كلما قرأنا نصا، صوت الشاعر يحضر كلما حضر الشعر كلما فسح له المجال. هل يمكن للنص أن يقول صوته دون مادية حنجرة الشاعر؟

إذا كان صوت المتنبي هو الصوت الأكثر امتدادا، وربما أولية أيضا،على امتداد الشعر العربي القديم والحداثي أيضا فما هي ملامح أصوات شعرنا الآن؟ يُقرأ الصوت كما يُقرأ النص، يتشكل بالممارسة فيكتسب خلوده من التصاقه بالأذن ويكتسب بالتالي أحاديته وانفراده الذي لا يشبهه فيه غبره.

قد تتناسخ أصوات الشعراء، ولكنها حين تفصل بين الأصل والتابع تؤدي إلى الفضيحة الصوت السارق ليس أصيلا وبالتالي فإن مآله الفناء لا الخلود. حين أتخيل صور نص شعري وأنا أقرؤه فد أتخيل معه وجه الشاعر وملامحه ، فهل أتخيل صوت النص ؟ الصورة ـ عيانية كانت أو متخيلة ـ مرتبطة بالرؤيا أو الرؤية ، والصوت يرتبط بالرؤياوالمتخيل أكثر من ارتباطه بالرؤية . حين نستأنس لصوت شاعر :أدونيس فإنه يسكننا في كل نص نقرؤه له، ولا يكاد يفارقنا . الصوت ملتصق بالصائت وهو جزء من النص ومن الشعر ، لايكاد يفارقهما . حتى في أرقى النصوص بهاء يطالب القارئ بإجادة القراءة وتحسين الصوت ، ففي الحديث: " زينوا القرآن بأصواتكم"[7] .

من الأصوات الرطب واليابس، ومنها الواضح والغامض، ومنها الواقف والنازل. والصوت وسيلة تمتزج بغايتها دون فصل. كلما ازداد الشعر خلودا كلما اكتسى الصوت طعما ورائحة خاصة، وإحساسا نحسه مع كل ارتعاش، مع كل ذبذبة، ومع كل إلغاء وإقصاء أيضا.

الصراخ الداخلي انتحار للشعر، الصوت كالشعر قدرة على البوح، على تثبيت القدم في المكان المناسب دون إتاوات، دون استجداء، دون ولاء….

الصوت ليس شيخا ليكون له مريدون، إنه القدرة على تحمل الألم في حالتي الحزن والفرح، لأن الفاصل دقيق وواه بينهما لدى الشاعر. وهو القدرة على الإسماع انطلاقا من القدرة على الإنصات لأصوات الريح، لدندنات الحوذي، لهدير الأرصفة، لأمواج العصافير وهي تعود لأوكارها كل مساء .

حين تنقلب واو الصوت ياء يتحول الجرْس إلى شهرة ،" فالصيت الذكر؛ يقال ذهب صيته في الناس أي ذكره وفي الحديث : ما من عبد إلا له صيت في السماء أي ذكر وشهرة وعرفان"[8]. صيت قد بكون خيرا أو شرا تبعا لشكل الغواية ودرجتها عند كل شاعر. وتبعا لقيمة الصائت إذ " إن أنكر الأصوات لصوت الحمير "[9]






--------------------------------------------------------------------------------

[1][1] ابن منظور : لسان العرب المحيط مادة ظلل

[2] رسائل إخوان الصفا : دار صادر بيروت، 1ج، ص: 127-188

[3] حي معروف بفاس العتيقة يشتمل على سبعة انعراجات ومن تم أنت التسمية

[4] Jaques Durras. Nommer Namur,in Poésie d’aujourd’hui à voix haute ORPHEE STUDIO , Poésie/Gallimard 1999 p 1240

[5] رسائل اخوان الصفا : در صادر بيروت ج 3، ص 114

[6] شاعر وفنان مغربي وأهم صوت في مجموعة ناس الغيوان الفنية

[7] النسائي في كتاب الافتتاح، وأبو داوود في كتاب الصلاة

[8] ابن منظور : المرجع نفسه مادة صوت

[9] سورة : لقمان الآية : 19
[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-01-2008, 10:30 PM   #4
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="13 70"]الشعر والإنترنت



المتنبي شاعر ملأ الدنيا وشغل الناس، عاش شاغلا ومات كذلك، ملأ دنياه ودنيا الآخرين شعرا، من أجل الشعرـ ولا شيء غير الشعرـ كان عيشه، وكذا كان موته. أليس موت الشاعر هو حياته.ما هي ملامح المتنبي هاته التي ملأت الدنيا وشغلت الناس ؟ حين تشغلني فأنت إما تلهيني عن أعمال أخرى أكثر أهمية، أو تملأ نفسي وفراغاتها لذة ،متعة، دهشة شعرية متلائمة ملتهبة أو هادئة، تبعا لحالتي النفسية وأناي التي تتحكم فيها حتما أناك

المتنبي في الشعر العربي القديم منه والحديث كالإنترنت في التواصل العالمي، كلاهما ملأ الدنيا وشغل الناس . شعر المتنبي يتيح الرؤية للأعمى والسمع للأصم، قدرة على البوح عوض آخرين كثيرين، أنا لأنا الآخر .هذه المقارنة عديمة المعنى في الظاهر، لكنها تطرح السؤال العريض : من الذي يشغل الناس أكثر المتنبي أم الإنترنت ؟

يتيح الإنترنت القدرة على التواصل الداخلي والخارجي بشكل سريع، يتيح القدرة على التيه في أرض الله وسمائه، يتيح التحليق بالعين، بالذهن، بكل الحواس، وبالأعضاء الأخرى الأقرب والأكثر حساسية والتصاقا بظل الجسد . انتقال إلى عوالم المشاهدة والتلذذ والأحلام الملونة والعادية، تواصل تواصلي يصل الظاهر بالظاهر من أجل فك عزلة هاته الظواهر وربما تعقيدها أكثر فأكثر ، بأمل فك الالتباس، التباس الذات وظلها .

****

أنشأت شركة صخر للمعلومات موقعا عربيا للاتصال عبر الإنترنت يضم مواقع للبحث والاتصال الإلكتروني، ومواقع مكتبية ملونة منظمة سريعة التشغيل، يضم معلومات ويضم داخل كل هذا موقعا تظهر على شاشته اليسرى صورة رجل عربي أعرابي بعمامته ولحيته النصف مشذبة. بقليل من التأمل فقط تستطيع التعرف عليه إذا كنت من أهل الحرفة وأهل الاحتراق، أي الشعر. من يكون هذا الأعرابي غير المتنبي.

قصائد – بحث – قوافي –مطارحات .إغراء – شغل – ملأ . الانترنت ملأ الدنيا بمفهوم عولمي، وشغل الناس بنفس المفهوم حاليا. والمتنبي ملأ دنيا العرب وشغلهم قديما وحديثا بأشكال مختلفة، لنتأمل دلالة الشفرات في زمن لم يعد فيه للبراءة الساذجة موقعا.

****

في العدد الثالث من مجلة فصول المصرية الخاص بالرواية، الصادر في شتاء 1997 ورد ما يلي : " لقد ساد الشعر في عصر الفطرة والأساطير، وأما هذا العصر، عصر العلم والصناعة والحقائق، فيحتاج حتما لفن جديد، يوفق على قدر الطاقة بين شغف الإنسان الحديث بالحقائق وحنانه القديم إلى الخيال . وقد وجد العصر بغيته في القصة ، فإذا تأخر الشعر عنها في مجال الانتشار، فليس لأنه أرقى من حيث الزمن ، ولكن لأنه تنقصه بعض العناصر التي تجعله موائما للعصر ، فالقصة على هذا الرأي هي شعر الدنيا الحديثة " [1]

الكلام نشرته مجلة الرسالة القاهرية في الثالث من شتنبر ( أيلول ) سنة 1945 وهو لشاب آنذك يدعى نجيب محفوظ . نجيب محفوظ هو نفسه الذي سيشغل الدنيا كذلك ويملؤ الناس، كل الناس ،العرب والعجم ، وكل الأجناس، ترجم لكل اللغات منذ سنوات، هو أول نوبل عربية في التاريخ . سيظل هو شاعر الرواية العربية، ولكنه ليس كالإنترنت (العربي) أي كالمتنبي. هل نجازف ونرد على كاتب الأربعينات الواسع الانتشار قائلين : لازال الشعر متقدما لازال.

لا أتصور باحثا يعرف العربية يذهب إلى موقع سندباد، ويجد صورة هذا العربي ذي العمامة الدائرية وينسحب دون الضغط على الزر، والنقر على لحية هذا الأعرابي العربي. المتنبي يتجاوز زمانه . الشعر يتجاوز زمانه, الانترنت أحدث آلة تواصلية والمتنبي أيضا

****

يتحدث شاعر النقاد المغاربة عبد الفتاح كليطو في كتابه الرائع " لسان آدم " عن أشياء كثيرة، الرابط بينها جميعا هو حسب تعبيره : البحث في زمن الأوائل، فيطرح في فصل "العرب والكتاب " قضية كتاب العرب الأول أي الخالد ـ من الناحية الأدبية لا الدينية ـ فيتحدث عن المتنبي قائلا : " المتنبي ، إذن ؟ إنه الأعظم في رأي الجميع، قدماء ومحدثين . أبياته تحركها روح ملحمية بلغ من مهابتها وجاذبيتها أن لا عربي بإمكانه أن يقرأها أو يسمعها دون هزة …."[2] .إذا استثنينا حكم "الآخرين" المنتسبين للثقافة غير العربية ، جاز لنا أن نؤول تواجد ديوان المتنبي بكامله في موقعه على شبكة الإنترنت، بكونه تواجد قوي لحضور الشعر والشاعر في حياتنا وتواصلنا بقوة. هل نستطيع أن نطمئن الآن إلى أن للعرب عبر الإنترنت تواصل رمزي، يوحد البحث في وقت واحد بنسبة ما، بواسطة شاعر متنبي ومتنبىء هو المتنبي ؟. لم لم تحضر الرواية وحضر المتنبي؟ هل سندخله في الأوائل في زمن ما حين يأتي نقاد آخرون في الآتي يبحثون في أوائلنا …?.لا يهم الاستناد إلى تحليلات التحكم، وإرجاع الأسباب إلى أسبابها، والعولمة إلى أمريكيتها ، والتحكم في محركات الإنترنت إلى قوى مالية معينة تعيش في منطقة من العالم هي نفس المنطقة التي أنتجت المتنبي جغرافيا …ما يهم هو دلالة الأولية هنا، بغض النظر عن عنصر التحكم، بلغة أخرى، وعلى نفس اللسان: هل نستطيع القول أن المتنبي لازال يتربع المشهد الثفافي؟ هل يمكن الاطمئنان إلى موقع الشعر الآن مادام يحمل مواقعه الكثيرة على الإنترنت( موقع قاسم حداد مثلا ) نتحدث عن هذا بدلالة رمزية، ولا نقارن بين مواقع الفكر والسياسة والدين والتاريخ .

من داخل الشعري بالشعري وبتنبؤ الشاعر نقول: حضور الشعر، وشعر المتنبي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس ، داخل الشبكة التواصلية ، بجهاز كومبيوتر يُشغّله فيشتغل به الآن، له أكثر من دلالة تدعو إلى دخول هذا العالم بتواصل بين الشعراء العرب الذين تزداد ظروف انفصالهم ولا تواصلهم أكثر فأكثر .







--------------------------------------------------------------------------------

[1] مجلة فصول المجلد السادس عشر العدد الثالث شتاء 1997 عدد خاص بخصوصية الرواية العربية ص : 5

[2] كليطو عبد الفتاح : " لسان آدم " ترجمة عبد الكبير الشرقاوي دار توبقال الطبعة الأولى 1995 ص : 74
[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-01-2008, 10:34 PM   #5
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="13 70"]بيـان شعـري

الخـواء والفراغ في الشعـر المغربي الآن



سيدي البياض، أيها الوقح، كم من الإغلاق مارست، أنت موسوس بالنظافة ولا تملك فرشاة أسنان، لا تحب الاتساخ إلا في الانهيار الكبير…لا علاقة لك بالوقت، وتحب التاريخ وتلك مأساة وقاحتك، تحب الأضداد المتساوية والمتفاوتة والمتموجة، وتستسلم أحيانا. لم لا تستسلم الآن بأضدادك، أنت تحب الأضداد .

لعبة البياض والسواد ناعورة بطية تجري بالماء تارة وبالدم أخرى، وتارة تتوقف نهائيا. السواد بوتقة تؤلة أفاعيلها، وتحضن أوهامها كقطة ولود. وحين الرج، يزدهر المعنى فيها بأشكال بدائية يتيمة في حركتها ، محتشمة تطأ خطوتها الحالية الخطوات السابقة، وتبتلعها بفم ثعباني له بطن حوت وصفير قلاع منسية، متعرشة على الذوات الصغيرة، والأكثر صغرا إلى اللامنتهى، القول والفعل والحركة والانزواء، تضاريس تحبل كل يوم، تتناسل.. كتابة… كتابات…شعر.

للفجيعة وتعليمها وتعلمها بعد رمزي كاسح، يوقع لحب الحياة، والشعر وحده يقدر على خلخلة الهزائم، وإحلال الأحلام مكانها وتحريكها بألوان تتعدى المخلوق إلى الخلق نفسه.

إبداع الفجيعة رؤية، رؤيا تنبطح، تتلذذ بالسياط الموقعة سوادا على بياضها، وما أوحشنا حين تنجلي الغمة، ما أفقرنا في خواء يستجدي أكفانه، يجمع بها شتات أسماله، ويبحث بعد ذلك على قبر يأويه. بعد ذلك بكثير.

الخواء غير الفراغ. الخواء خواء، والفراغ هبة تندمل بمراثيها حين يرسو طين التراكم على جنباتها. بالفراغ يزدهر الامتلاء، ليولد فراغا آخر يمتلئ، وهكذا…

الخواء عدم له معنى، والفراغ معنى لا عدمية له. الفراغ تأمل يوشوش على الذات من أسفلها إلى أعاليها. خيط دخاني يخرج من المسام ليعود إلى عيونها المثقلة بالنظر الأعمى. إشراق مهروق على أسفل جنة النسيان. نبش للتخلخل. الفراغ امرأة مستعصية على البوح، وتلك مكامن اللذة فيها. هدوء في الزحمة. إثارة في أوج الانزواء. الفراغ حركة والخواء توقف.

لو توقفت هذه الريشة الآن، لفاضت الضلوع بخوائها، ولتحول الخواء إلى فراغ مملوء بالدخان الكثيف، الكثيف الذي قد ينجلي عن مخلوق هائج، أو طائش، أو وديع، لكنه يرفض الاستقامة والانضباط والأحادية المطلقة. ظن يتناسل في يقين.

بالظن تتأسس الكتابة الجديدة وبه ومنه تمتح، وإليه تنساب مسترسلة، تتدرج عارية الخد تارة ملثمة، مقنعة أخرى، ولكنها هامة في تشابهها.



القصيدة لغة وعالم، أوهي لحظة تتموج لتشكل ملامح الزمان والمكان في هيأة لغة. باللغة تصعد القصيدة منحدرات اللغة نحو أصلها. أصل اللغة فراغاتها، والفراغ هو ما يعمل أهل العلم الحديث للإمساك به عبر التقطيع والعزل والتشريح الصوتي والدلالي. ووحده الشاعر يسكن هذا الفراغ وحدسه وهو يرسو باللغة في أفق العالم. وحده الشعر يجهد الفراغ داخل جهد الفراغ، وبه (أي الفراغ ) يسمو أو يتجاور مع كل جيرانه الممتلئين بالمادة ( رسم–نحت … ).

للشمس ثقوبها وإلا لما أرسلت أشعتها، وللغة ثقوبها وإلا لما فاضت وسالت بالاصطلاح والاشتقاق الواعيين. ليست الثقوب جوفاء، بل هي عيون الفراغ. ولذلك سيكون الشاعر رائيا من حيث لا تتسع الرؤية للوغوس اللغة الواعية.

من ثقوب شمس اللغة وخواءات تأسيساتها الرمزية، ينشئ الشاعر لغة القصيدة بوصفها فراغا. ولأن الفراغ وطن أصيل للإيقاع الأصلي، فإن زواج كلام القصيدة بموسيقى الشعر، زواج لصفير العالم وهو يعبر ثقوب الشمس، بنفس الكلام، وهو يجمع أديمه ليشتته على زوايا الكون الأربعة. الشاعر ليس رائيا فقط ولكنه منصت، ولأنه كذلك، فهو مثقل بأوزان وإيقاعات الصفير الأصلي الذي ينشد الفراغ/ اللغة، وينشرها في أفق العالم.

الشعر شعر ولو كان تجليه نثرا، وموسيقى الشعر نَفَسُ الفراغ، والنَّفَسُ لا كأس ولا ميزان يوزن به سوى النًّفس. للنَّفَس صلة بالطول والقصر، بالكتابة والامتداد ، بالاقتصاد والقصد.وفي كل هذه التجليات، يظل النفس نفسا، ولو كان وراءه روح السماء الخالدة، أو تفاصيل اليومي المسماة عابرة. ليس النفس شيئا آخر غير الجهد الذي يبذله الفراغ كي تمتلئ عيونه بالعالم. قد يمدد الجهد / النفس كلام القصيدة حتى تغطي أسوار الكعبة وتضاعفها، وقد يمدد الكلمة ليجعلها امتداد مكانيا للحروف، مثلما قد يمدد الحروف ليكشف عن عرائها الأصلي. وقد يمدد النقط، وكأنه يرسم هندسة الكون الأصلية. وفي كل هذا، يظل النَّفَس نَفَساً، والقصيدة قصيدة، والشاعر شاعرا، لا ساحرا، ولا كاهنا، أو زعيما…

عمود الشعر لثامه، والتفعلة قناعة، إذ لا فرق بين الشكل وتجلياته من حيث القيمة لالتصاق أحدهما بالآخر حد الموت. وقتل الجدية ظن قد يصير يقينا، وهنا تكمن المفارقة بين الشيء وتجلياته.

ليس الشاعر رائيا ومنصتا فقط، بل كاتبا كذلك. وموسيقى القصيدة لم تعد وليدة الإنشاء والترتيل فقط، بل أضحت وليدة رسم الحرف ونظام الأشطر/ الأسطر كذلك. ليس الزمان والصوت من ينشدان صفير الفراغ، بل المكان والحرف المنقوط كذلك. لذلك ابتعدت القصيدة عن هواتف معبد ديلفس، لتعلن جسدها في علامات الوقف، قرب أو بعد الحروف، وفي سواد أو بياض المكان .

التبسيطية مقام شاق قد يتطلب سيرا أشق في اتجاه تفاصيل تستعصي على العد، بخارج وداخل قد يغير حساباته في كل لحظة، وفي كل اتجاه. خلخلة الجاهز هو خلخلة لليومي، تساهم اللغة بكل أبعادها في تثبيته، وتثبيت المتخلخل قد يصير يقينا يلغي الظن ويحدث شرخا في فهم الشعر والقصيدة والاقتصاد والقص، وتعميم الكثافة بنمطية ترفض الكتابة الحداثية الدخول فيها، لكونها ترفض التصنيف والتبويب، بقدر رفضها الانتماء للجد الواحد، المتوحد في ذاته فقط، المنسلخ عن سوى ذاته المتقوقعة في أنا تتوهم الآخر جزءا منها… في الواحد تعدد، ولكن تضخمه بوح سلطاني يجلد أطرافه مع كل إشارة أو بوح…

القصد. الاقتصاد. التكثيف. ثوب يلبس الظن، يخلخل هام اليقين بوعي أو بلا وعي، لتأسيس هوامش جديدة، بأصوات جديدة أخرى، بقراءات أخرى، وبتأويل آخر.

على الشعراء أن يحفظوا شعر أجدادهم، لأنهم بذلك يعلنون خواءهم، وعليهم بعد ذلك أن ينسوه كي يلجوا الفراغ. النسيان فراغ، لأنه بهذا الإفراغ يجنب القصيدة الخواء. للخواء أسماء وصفات عديدة، لكن الفراغ اسم القصد والعمد.

أن تقصد النسيان، فهذا ما يجعل القصيدة ممكنة، وأن تعمد الفراغ، فهذا ما يولد الخواء. النسيان هو ما يجعل القصيدة اقتصادا وتكثيفا، وما يفصل تجاور الاستعارات عن الصورة الشعرية، وما يجعل القديم متجددا، لا مسيطرا، والقصيدة حرية، والشاعر طفلا.

بين قلب الطفل وقلب الشاعر متاهة تفصل الوعي عن لاوعيه. ومن حزن كليهما ينشأ الفراغ، فيأتي الكلام، وتنشأ القصيدة . قلب الطفل يمتلك العالم – ولا نقول عقله- يركبه بطريقته الخاصة، يثور عليه تارة ويحضنه أخرى، يبكي من ضوضائه ويصرخ في فراغه. بفراغه يلعب، وفيه يحلم استنادا إلى المرئي، وتبعا للمقاييس الأرضية التي ينشأ فيها. لا يستطيع الطفل قيادة قطاره إلا خارج استواء الخطين الحديديين…

للشاعر أيضا نفس الأحلام، ونفس السير، لنفس الفراغ، ومن نفس المتاهة. والفاصل هو الاستناد إلى الوعي انطلاقا من اللاوعي. يقود الشاعر الحداثي قطاره- وقد يتركه يسير لوحده أحيانا- خارج القضبان، ولكنه رغم ذلك يسير، وقد يصل بسرعة أكبر لتحلله من القيود،قيود الشعر، وجلابيبه المتشابهة. الطفل يحب الفراغ، فيه يلعب ويحلم ويبني عالمه. والشاعر يحب التفرغ لفراغه، ولكونه المحج الذي سيجعله قابضا على الريح، مدغدغا شفاه الماء، ممتطيا رزقه السماء، مشوشا على ضوضاء البحر وهدوئه أيضا. مشاكسا، مغايرا، مختلفا باختصار.

كل كتابة مختلفة تحدث الدهشة حين تستند إلى الفراغ، لكنها قد تحدث الغصة أو التقزز أحيانا إذا استندت إلى الخواء. فقد يمتلئ الكأس بالخواء رغم كونه فارغا، لكنه سيظل فارغا ينتظر تسيير وتأطير تفرغه هذا…

أين نضع المشهد الشعري الآني – الراهن- داخل كل هذا؟ ما هي الحدود الفاصلة بين الفراغ والخواء فيه؟ هل يتفرغ شعراؤنا للحسم بين الفراغ والخواء في قصائدهم بما فيه الكفاية؟ كيف يحضر الوعي في تهدئة لاوعي الشاعر؟ هل استطاعت القصيدة المغربية الحالية، وحتى العربية أحيانا، بكثافتها وقصديتها واقتصادها المشوش والمدهش أحيانا أن تطأ الأرض بالارتفاع عنها قليلا؟

لا نريد أجوبة جاهزة ، بقدر ما نريد مزيدا من الأسئلة في هذا الاتجاه.



نور الدين الزاهي أحمد العمراوي

[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-01-2008, 10:37 PM   #6
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="13 70"]بدايـــــات


....يد ناعمة بأصابع بلورية شفافة .سكون ممزوج برائحة القرنفل . تعب لذيذ ينسحب على وقوف بمحاذاة مكتب قديم، صدى أقدام وظلال قصيرة تتوارى بهدوء جلجلة أو ما يشبه الكلام الخافت...تمتد اليد الناعمة إلى المكتب

ــ خذ

ــ ما هذا ..؟

ــ خذ ... إنه دفتر

ــ أريدك أن تقرأه ...أن تبدي رأيك فيه

....تتوارى اليد بأصابعها البلورية تسحب الأقدام مع الأقدام، ويبقى ..صداها في الفصل الفارغ

فتح الدفتر ألقى عليه نظرة أولية ...قلبه ..كتابات عمودية وأفقية ..تداخلات بياض وسواد... بدايات أحس ببعض النشوة وبرعشه ما تسري في جسده ، أغمض عينيه قليلا ابتسم جمع أدواته ووضعها مع الدفتر في محفظته تبع الصدى وراح يفكر في الأمر ثملا بنشوة البداية .

لكل بداية لون بدري .لكل دخول طعم الدهشة ، وللتأسيس العفوي لزوجة لذيذة لا يدركها إلا العارف بأسرار الجمر والكلام.الكلام يؤسس الكلام ، وللغة حدود لا ضفاف لها ..

بريق اللحظة الأولى يشبه الدفلى، وللعسر عيون تنفتح على بوابات الألم .اللحظات الأولى تؤسس الكلام والكلام يؤسس التاريخ . وتأريخ الأحداث قد يكون غير ذا أهمية أمام تعب الذاكرة المفعمة بحب الإفراغ وحب الشحن ، وخلخلة الأحلام الجاثمة بلا منتهى ...التأجيل يأخد بعدا مأسويا حين يطول ويصير لازمة لكل عمل جاد . إلا أن اغتنام الفرص بشكل مبالغ يظل ديدن المحظوظين الشادين على تيه اللحظة والملتقين في خواء يحسب اعتمارا .. تلك بدايات تشبه الحقيقة..

.هل كان من اللازم أن ينتظر كل هذا الزمن ليسير على حافة البوح ؟هل الافتراض هو هذا المدى الأعوج الذي يلامس خرابة الانتظار ؟ هل للحكمة كل هذا الغي ؟ وهل للأحلام صدى كصدى النسيان العميق في وحل الاستواء؟

....خيوط تحتضر وأخرى تغيب . بقايا أصوات خافتة وأخرى عنيفة تتربع أسفل المخ بأحجام متفاوتة

....بين صخر وماء يتوزع طنين اللحظة على حافة رطبة قابلة للانكسار.... يتصاعد دخان حلزوني من عدسة العين ، يثقب سنوات معدودة الزمن والأحداث والتغيرات، ويتيه دون أن يتحدد في شكل أو صنف . كتابات ..

....قلب الدفتر قليلا ..أغمض عينيه ، صعد المركب الثمل وراح بعيدا.

كان يا ما كان

سور تشبثت به نملة

فعانقته

وتحت ظلالهما عاشت زهرة

زهرة تفتحت تحتهما

ترعاها النملة

ويحرسها السور

لكن النملة يوما سقطت

وقعت من عنق السور

وتركت الزهرة بلا عناية

لقد راحت جثتها هامدة على الأرض

بعد أيام ..

أتت نملة ثانية

فبدأت ترعى زهرات أخر

كانت قاسية القلب

لا تنظر إلى الزهرة المسكينة

أما السور فلم يعد يحرسها

فها هي الآن تذبل

وتيبس

بعد ما فقدت النملة الأولى

التي أجدت معها حياة الزهرة

فأين لها من حنو وعطف

لقد أخذتها الرياح إلى مكان بعيد

رمتها هناك

ألقتها في بحيرة الهواجس

في الوحل الدائم .

....في البدء كانت الكلمة ، والكلمة شعر ،والشعر كلمة...تحضر الذات بكثافة في التجارب الشعرية المبتدئة برموز من الطبيعة صغيرة الحجم . فالنملة والزهرة تعيشان في حماية سور وحين يتم التفكك وترمي الريح بالنملة بعيدا تأتي الهواجس ، لتحضر الذات الشاعرة بقوة..

....هذا النوع من الشعر هو السائد لدى تلاميذ هذه المرحلة - السنة الأولى و الثانية من التعليم الإعدادي وهي مرحلة يكون فيه سن المتعلم غالبا بين (11 و15 سنة ) وهي مرحلة تمتاز بعنفها النفسي وتركيزها على الذات . وتوجيه المدرس للمتعلمين مسألة ضرورية إلا أنه من الأحسن الابتعاد عن المباشرة في تلقين الشعر والكتابة بل يجب التركيز على تعليم القراءة أو تعليم قراءة القراءة أي تدريب التلاميذ على حب وملازمة القراءة .

....لهاته المرحلة ملامح نفسية تتسم بالاضطراب وبالانزواء على الذات تارة وبالعنف ومحاولة تحقيقها تارة أخرى . والتركيز على الأنا في مواجهة الآخر مسألة تكتسي طابعها خاصا لدى الفتيات

تــوجــيـه

....منذ مجيئه إلى هذا الجدار الرمادي ركز على مسألة القراءة كهـــم يشغله لفتح الكتابة . والقراءة المدرسية هنا سوف لن تكون ذات تأثير كبير على التلاميذ باعتبار إلزاميتها وطبيعة برامجها التي تعتمد على مجرد شحن الذاكرة بمعلومات مختلفة الطول والوزن .

قراءة الإبداع في هاته المرحلة مسألة ضرورية بها يمتد ويلتحم الداخل ( الفصل ) بالخارج ( البيت ) .من هنا ألزم كل تلميذة بإحضار كتاب ( رواية أو قصة أو مجلة ) وتطوع هو بثلث العدد تقريبا لإنشاء مكتبة الفصل . كلف إحدى التلميذات بوضع قائمة للكتب وأسماء تلميذات الفصل ثم قام بتوزيع الكتب وفي نهاية كل أسبوع كان يخصص ساعات لقراءة تلخيص بالقرعة لمعرفة مستوى قراءة كل تلميذة وكان الهدف الأساسي هنا هو التعويذ على القراءة التي ستفتح الباب أمام الكتابة و كتابة الشعر خاصة الذي يرتبط بهذه المرحلة من العمر بشكل كبير ....القراءة تولد الكتابة و الكتابة تزكي القراءة . فالالتجاء إلى القراءة عملية ضرورية حين تستعصي الكتابة ولكنها عملية أهم لتأسيس الكتابة وتنمية الذوق الفني لدى التلاميذ .

....بين الأنا والأخر علاقة شحن وغضب وبينهما توترات تصل حد الاصطدام . أنا المنصة هي غير أنا المتفرج فلكل أناه كما أن لكل آخره وضبط الصلة بين هذه المفارقات هو ما يعطي للغة بعدا آخر غير الكلام الفصلي المتبوع بجزاء فاضح.....الإبداع عملية ضرورية لضبط مسارات ذوات قد يعصف بها أي شيء وهي تتلمس نور الابتداء وحالات الانتحال تعتبر عادية في هذه السن بالنسبة للبعض إذا بها تعوض الذات انزواءها وعلى موجه العمل أن يدركها ويضبطها ليقوهما بشكل ذكي قد يتخد بعدا تعليميا ينسحب على حياة المتعلم كلها

....نص الافتتاح يشكل نقطة بدئ عمل حائر يحتاج إلى توجيه وضبط حتى لا يتحول إلى مجرد نزوة عابرة تجيب عن ثغرات في الذاكرة و الجسد. والموضوعية في هاته الحالة تبقى مجرد أكذوبة لا آخر لها ....

....بين الكلمات والأشياء تتوزع رؤيا العالم الصغير والكبير . وبينهما يحدث ما يحدث والعيون الصغيرة تلتقط اللحظات الهاربة وتفككها فتاة صغيرا ينسحب على عمومية تكون ضبابية في بداية الأمر وتتحول إلى شبه قناعة مؤقتة تحقق بعد الذات في احتراق مر

....الأنا والأنا معانقة بدائية تتلمس الإفراغ عبر قنوات متعددة أهمها اللغة ، تشذيب طاووسي يخلق الوهم لكنه يخلق اللذة أيضا بل يطوع اللذة لحاجات نفسية وجسدية قد تصل حد الفتنة وحد الجنون.

....الجنون الصغير بداية عاصفة تؤسس الفجيعة والاجتياح الملثم ببرد العاديات . ضبط الجنون أنانية أخرى تحتاج إلى مراس تلقائي عفوي مطبوع بنعومة هادئة . الجنون الهادئ هو النبتة الأولى لكل شعر صافي

....الأنا والأنا ثنائية لذات حبلى بأسئلة هوس طوفاني مرير و"ما العمل" مقولة عقلانية مؤسسة على خرائط بائدة تبدو بعيدة وسرابية أحيانا أمام ضغط الناظر وموزع أدوار النظر معا ..كيف الضبط؟ وكيف الاجتياح؟

....القوانين المدرسية تشكل كائنات غريبة أحيانا للهوة الفاصلة بين الانضباط والاجتياح و"ما العمل " هي أداة تشكل اللغة بعدها الانفراجي ولكن المأساوي أحيانا وبين الأنا والأنا ومنها تنساب اللغة مائية بلا ضفاف بلا شطان بلا حدود تترقرق راءات مزدوجة النطق قصيرة أو متوسطة الطول لكنها ممتدة إلى اللامدي النوراني أو الشيطاني سيان...

تتدلى شجرة النفس لتعانق مجاهيل اللذة المفخخة بمتاريس الآتي ..تنسحب الأغصان على الأغصان ويبقى الجدع.نصف مائل يرقب عثرات العراب الأعوج ..تلك حكاية لا يحكيها الليل ولكن تحكيها نبتة فصول مجنونة مهووسة بحب عاصف حد التناقض وحد الاستسلام أحيانا

....أحاديث تنائية وثلاثية وألفية وواحدية تنزلق بريعان طفولي فاتن أنثوي في أغلبه تتكاثر الأغصان وتتدلى في كل اتجاه الظل يواري الظل ويظلله ولا حدود للغة هنا حيث التشكيل يطال كل شيء حتى المعرفة الصرفة المقننة بفقرات موحدة على طاوولات موحدة في أقسام موحدة ..للغة رائحة الطين والمعاول ولها طعم الانكسار والانتصار . أفراح وحزن غامض في عيون صغيرة تحدق بحيرة في كل اتجاه.

....الحلم يتحرك صوب البرية .يفتح ثقبا في الذاكرة ويعيد مسح الحاضر بهلوسات شيطانية تشبه الشطح والشطح كاف لاغتيال آفة العقل المستقيم ...الشعر شطح وكل كتابة تفتقد الشطح تصبح غير ذات معنى في زمن تختلط فيه الإمرة بالعثرات...

....للرائي وجهان أولها ثاقب في اتجاه عمودي كاسح يحول الأحلام لغة ويحول اللغة أحلاما ، وثانيها أفقي هادئ مبحوح بجراح دموية تنزف مع كل صباح شظايا، أوتار، للقلب على القلب ...

....ما أحوجنا للغة أخرى وأحلام أخرى نحركها صوب ما نشاء .ومن نشاء لكنه طعم الواقع المتربع على مسامنا ليل نهار. والمضبوط بفعل الوقت وأصداف المحن المحببة باستواء أبدي ..يفعل ما يشاء متى يشاء بمن يشاء فعلا لا أحد يستطيع التحكم في مفاصيله وتفاصيله .

....خلخلة الذات في زمن ما يحتاج الى طاقات إضافية خارجة عن الذات نفسها ولكن منبثقة منها ومن ثم تتأثر التأثيرات باختارات لا تنسجم دائما مع أهداف صفية واقعية . تلك بداية الجنون ...وتلك بداية الكتابة ...وهو الشعر بكل عفويته يجتاج المكان والزمان ويمرح في أنوات شامخة الأنف والعين ...

...."الشعر ضرورة وآه لو أعرف لماذا " صرخة انغرست في كل زهرة ولازمتها إلى تاريخ ما وحولت كل طاقة نفسية إلى قوة كلام مرصع بالحزن الغامض والفرح الغامض وما بينهما من شجون يصل إلى حد التكليف...

....توجيه الطاقة يحتاج إلى طاقات أخرى من نفس الجنس وبنفس القوة لتحقيق تعادل النفس الرامية إلى الاطمئنان الخارجة من صلب الوسوسة واللوم ...وكل اختيار عشوائي أو هادف إلى جهة ما سيصادف عقبات لاحدود لها إذا لم يكن المحرك عالما بأسرار النور لهدهدة أحلام صغيرة جميلة صاعدة من ضلع الاحتراق، ومن انزواءات تتمدد في شرايين الذاكرة و الزيفون ..

....الثرثرة تقود إلى المباشرة . والخاطبية لا معنى لها في زمن الشعر وأحلامه ولكن ما السبيل إلى الاقتصاد إذا فاض القول على النفس واكتسح كل جنباتها بلا هوادة ...

الـمـــؤثـرات
1 - الأرز ينهض تحت كوفية فلسطينية

النموذج الأول مغربي الأصل لكنه ممتد من الزمان والمكان إلى اللاَّهما ..يرتبط الحدث بلغة متلألئة براقة شفافة ولكن عاصفة بحزنها وبساطتها وتشكلاتها .تدخل الذوات الصغيرة وترقص دبكة دبكة مع الكوفية الفليسطسنية وكوفيات مغربية يقودها العصفور وتدميها جراح الوطن بعشقة وصدره وحبه.

كل نزيف بين النهر والوردة وفلسطين ولبنان والمغرب أيضا حتى بمدنه الصغيرة وشبه الكبيرة ...

لبنان سلاما يا لبنان

هذي كوفيتي يلبسها الأرز

وهذي الأرزة تلبسني

فانشر في الريح كما العصفور جناحك.

وطني الجرح

وفيك العشق يخبئني

ودمي فيك يحاصرني

المدمع في المدمع

الصدر على الصدر

والشعر يحاول أن يرسم ورده

[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .