وبعد ذلك انهالت المقالات الصهيونية على الصحف السورية واللبنانية، وقد نشرت المقالات في «القبس» و«لسان الحال»، وأبرز ما فيها أن نشرت «لسان الحال»، خبراً مضخماً عن مقتل شرطيين عربيين مسيحيين بالقرب من عكا. بهدف إثارة فتنة بين المسلمين والمسيحيين. ونشرت صحيفة البلاد، تحت اسم مستعار، مقالا يتحدث عن عيوب القيادات الفلسطينية وعدم كفاءتها وعدم توافر الأمن. وعدم تحلي القيادات بالشجاعة والإقدام للتفاوض مع الوكالة اليهودية ووسم الثورة في فلسطين بأنها «حرب عنصرية في فلسطين»، ودعا إلى إقامة علاقات صداقة بين الإسلام واليهودية، وحذر من مخاطر محاولة الفلسطينيين استغلال التناقض بين إيطاليا وألمانيا من ناحية، وفرنسا وبريطانيا من ناحية أخرى. وأشار ساسون في نهاية تقريره، إلى أنه نشر منذ قدومه إلى بيروت حتى الآن ثمانية مقالات، وأنه ما زال هناك عشرون مقالا آخر، يأمل بنشرها خلال أسبوع.
واستمر ساسون في نشر مقالاته المدسوسة بهمة ونشاط، ففي تقريره إلى شرتوك من بيروت في 16 كانون الأول/ديسمبر 1937، ذكر أنه ظهرت في صباح ذلك اليوم، أربعة مقالات له في أربع صحف تصدر في دمشق وبيروت. وقد نُشر المقال الأول في صحيفة «لسان الحال» الصادرة في بيروت، وجاء على شكل تقرير من القدس هاجم بشدة «أعمال العنف» التي يقوم بها الفلسطينيون، معربا عن الدهشة من صمت رجال الدين الإسلامي عن هذه الأعمال، كما تحدث عن إدانة القادة اليهود «لعمليات الانتقام» التي ينفذها «العديد من صغارهم»، وحمّل القادة العرب الفلسطينيين مسؤولية الوضع القائم في فلسطين. ونشر المقال الثاني في صحيفة «فتى العرب» الدمشقية، وكان موضوعه «الاتهامات الخطيرة» التي توجهها الصحف البريطانية إلى المسؤولين السوريين في ما يتعلق بموقفهم من القضية الفلسطينية. وجاء في المقال أن سفر رئيس وزراء سوريا، جميل مردم، إلى الخارج، هدف إلى نفي التهم التي تعرقل مصادقة فرنسا على الاتفاقية الفرنسية ـ السورية، كما حذر المقال الحكومة السورية وأعضاء البرلمان والصحافيين السوريين من مغبة التطرق إلى القضية الفلسطينية في الوقت الراهن. وأشار ساسون في تقريره إلى أن هذا المقال هو أحد المقالات التي كان ساسون قد قرأها على شرتوك في حينه. أما المقال الثالث، فنُشر في صحيفة «الإنشاء» الدمشقية، وقد هاجم «السياسة السلبية» التي اتخذها القادة الفلسطينيون خلال 17 عاما، واتهمهم بإغلاق الطريق أمام «السياسة الإيجابية». ودعا المقال جميع الذين يتبنون «السياسة الإيجابية» في البلاد العربية، إلى الظهور على الملأ والعمل من أجل تحقيق سياستهم. وظهر مقال ساسون الرابع لهذا اليوم في صحيفة «صوت الأحرار» البيروتية، وجاء على شكل تحقيق تناول قرار حكومة فلسطين الانتدابية «الحاسم» إعادة الهدوء والنظام إلى فلسطين بمختلف الوسائل، وأكد تصميمها على تنفيذ تقسيم فلسطين وفق توصية لجنة بيل، إذا ما فشلت بريطانيا في إقناع العرب واليهود بقبول التقسيم. ووصف المقال العرب الذين يقومون «بأعمال عنف» بأنهم أشخاص فقدوا وعيهم وعقولهم، كما فقدوا التمييز بين الصالح والطالح، وشن هجوما على القادة الفلسطينيين، وانتقد الدعاية الأجنبية «التي تستغل الوضع وتصب الزيت على النار»، ودعا حكومة فلسطين الانتدابية إلى السماح «للقادة الفلسطينيين»، الذين لم يبعدوا ولم يسجنوا، باستلام قيادة الشعب العربي الفلسطيني من أجل وضع حد لـ«الإرهاب»، وللوضع غير العادي السائد في فلسطين. ودعا ساسون، في ختام تقريره، شرتوك إلى أن يقرأ المقالات كي يكون صورة كاملة، ويدرك مدى تأثيرها في القارئ، وأخبره أنه نشر منذ وصوله إلى بيروت حتى الآن 15 مقالا، وأنه يأمل «أن يدخل اليوم مقالا في «النهار» وآخر في «الاتحاد» كي يكون الاحتلال كاملا. ونشر ساسون في أثناء مكوثه في بيروت ودمشق أحد عشر يوما، في كانون الأول/ديسمبر 1937، 28 مقالا مدسوسا في إحدى عشرة صحيفة، بثمن معدله 1,75 جنيه فلسطيني للمقال الواحد.
|