العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة الفـكـــريـة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية على المريخ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث العقد النفسية ورعب الحياة الواقعية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خوارزمية القرآن وخوارزمية النبوة يكشفان كذب القرآنيين (آيتان من القرآن وحديث للنبي ص (آخر رد :محمد محمد البقاش)       :: نظرات في مقال السؤال الملغوم .. أشهر المغالطات المنطقيّة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال البشر والحضارة ... كيف وصلنا إلى هنا؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال التسونامي والبراكين والزلازل أسلحة الطبيعة المدمرة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال الساعة ونهاية العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: نظرات في مقال معلومات قد لا تعرفها عن الموت (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 07-05-2013, 12:31 PM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي الاستحواذ والاستبعاد الاجتماعي وأثرهما على تردي الأداء السياسي العربي

الاستحواذ والاستبعاد الاجتماعي وأثرهما على تردي الأداء السياسي العربي



لا تتوقف تساؤلات المتسائلين عن سر تأخر العرب عن اللحاق بغيرهم من الأمم في تسيير أمور دولهم، ويحاجج البعض في تساؤلاتهم مستندين الى منطق النظرية العلمية، التي من أهم ركائزها عنصر العمومية والتي تقضي بأن أي جهد علمي أو معرفي أو تقني سيصبح مُتاحاً لكل أبناء البشرية، فإن كان الأمر كذلك يتساءل المتسائلون: ألم يطلع العرب على تجارب أجدادهم، أو تجارب الآخرين القدماء والمعاصرين؟ وإن كان الجواب أنهم اطلعوا من خلال ما يُكتب ويُبث بوسائل الإعلام، فلماذا لم يستنبطوا وسائل تنظيمية تخلصهم مما هم فيه من سلبية وانعدام الوزن على الصعيد العالمي؟

وفي هذه المحاولة في تسليط الضوء على خصوصية العربي الاجتماعية وتأثره بالعامل الصحراوي، سنجتهد في تتبع بعض التفاسير التي تساعدنا في قراءة المشهد، وكيفية معالجة آثاره.

الصحراء في الكتابات العربية القديمة والحديثة

أصاب المفكر العربي منيف الرزاز عندما أضاف عنصر الصحراء كعامل مهم من عوامل التشابه والتقارب في صورة المجتمع العربي من محيطه الى خليجه، فليس هناك مدينة عربية تبعد عن الصحراء أكثر من مائة كيلومتر، وبغض النظر عن الأصل العرقي (عرب، أمازيغ، أكراد الخ)، فالوضع ينسحب عليهم كاملاً، أي التأثر بقرب الصحراء...*1

وفي الكتب التي تبحث في تاريخ العرب قبل الإسلام، تشير الدلالات أن مصطلح عربي لم يكن آت لوصف العرق العربي أينما وُجد، بل كان يُقصد فيه العنصر الذي لم يلتزم بنظام المدن والحواضر. ففي كتابات الآشوريين وُجد أن ملكهم هاجم مملكة الصفويين وهي مملكة تقع في الوقت الحاضر في الجزء الشرقي من المملكة الأردنية الهاشمية وكانت عاصمتها (أم الجمال والصفاوي أي h5). فيقول: هاجمت مملكتهم وقتلت ملكهم (جندب) وقتلت ألفاً من جنودهم وألفين من عربهم! وكان ذلك في القرن التاسع قبل الميلاد.*2

ويوقع (شمر يرعش) في نهاية كتاباته فيقول: أنا شمر يرعش ملك سبأ وحمير وحضرموت ومعين وعربهم!*3

والقرآن الكريم يذكر (عربي) اثنا عشر مرة: إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون* وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق* ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين* بلسان عربي مبين* قرانا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون الخ*4
والقرآن الكريم هنا يذكر اللسان أو اللغة التي لم يلحقها (التلحين) والتأثر بغيرها من اللغات، وقد اتبع المدونون العرب الذين خشوا على اللغة العربية من الضياع عندما توسعت الدولة الإسلامية ودخل في الإسلام من الشعوب ذو اللغات المختلفة، فانشغل الخليل بن أحمد الفراهيدي والهيثم بن نصر بن سيار وغيرهم في وضع القواميس والمعاجم التي تحفظ العربية، فذهبوا الى صحراء عُمان وغيرها من المناطق الصحراوية التي لم يحتك بها الأجانب ليضعوا أول معاجمهم*5

ونحن في الأيام الحالية نستخدم لفظ تعريب في التدليل على تنقية الشيء فنقول: عرب المُنتج للفراخ (الكتاكيت) أي استبعد ما هو غير ملائم للتربية (الضعيف والمشوه الخ). ونجد في نفس الوقت بلدات في فلسطين وسوريا تدل على مسألة النقاء، فعرابة وعروب وغيرها تدل على مهنة من تغربل القمح وتنقيه.

لكن، أشار القرآن للأعراب لصفاتهم السلوكية فيذكرهم عشر مرات في القرآن الكريم ستة منها نزلت في سورة التوبة، والأربع الأخرى في سور الأحزاب والفتح والحجرات، وفي أغلب تلك الآيات صفات ليست بالحميدة...*6

ولكن الأعراب ـ وعلى مر التاريخ ـ لم ينقطعوا في ضخ موجات هجرتهم الى المدن والحواضر، ففي كل مدينة عربية معاصرة يوجد من الأعراب الذين اندمجوا كلياً بواقع المدينة ومنهم من يأتي بقواعده الخلقية والسلوكية ويحتفظ بها داخل المدينة، ومنهم من يؤثر في سلوك الحاكم خصوصاً إذا عرفنا أن معظم قيادات الجيوش وحراس الحكام منهم..

بين الأعراب وسكان المدن

أول من أشار الى سلوك الأعراب وأثرهم في الحياة المدنية هو العلامة عبد الرحمن ابن خلدون، فوصفهم بكرههم أو معاداتهم للحضارة (العمران)، وتوسع في شرح أثرهم بالعصبيات ودورها في زعزعة الحكم.

ولكن أحدث من تكلم عنهم من زاوية علم الاجتماع الحديث هو العلامة علي الوردي، الذي تنبأ له رئيس جامعة تكساس وهو يمنحه شهادة الدكتوراه عام 1950 بأنه سيكون أهم عالم اجتماع في العالم الثالث..

لقد أشار علي الوردي الى قضية في منتهى الأهمية عندما قال: (ونجد أن العراق الذي كان مهد الحضارات يقع على حافة منبع فياض من منابع البداوة، وهو منبع الجزيرة العربية. فكان العراق منذ بداية تاريخه حتى العصر الراهن يتلقى الموجات البدوية الواحدة تلو الأخرى، فكان بعض تلك الموجات يأتيه عن طريق الفتح العسكري، والبعض الآخر منها يأتيه عن طريق التسلل التدريجي. وكلا هذين النوعين من الموجات لا بد أن يؤثر في المجتمع العراقي، قليلاً أو كثيراً، فتنتشر فيه القيم البدوية وتحاول التغلغل في مختلف فئاته وطبقاته*7

ولو حاولنا في الوقت الحاضر أن نُسقط ما قاله الوردي على بقية أنحاء الوطن العربي، فإننا سنجد الحالة متشابهة من المغرب الى مصر الى كافة البلدان العربية.. وبعد التحولات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي عمت البلدان العربية، بعد نصف قرن من تأليف الوردي لكتابه، سنجد موجات الهجرة من الريف والبوادي الى المدن العربية، ودور المهاجرين هؤلاء في تشكيلات الأمن العام والجيش، واستخدام أعدادهم في التصويت (في اللعبة الانتخابية) سنعرف عندها مدى هذا التأثير في إحداث ارتباك كبير في سيرورة التعاطي السياسي والديمقراطي في البلدان العربي وسر عدم الوصول الى صيغ حديثة تتلاءم مع ما يجري في بقية أنحاء العالم..

وإذا تتبعنا تلك الظاهرة من بداياتها، فإننا سنجد تغليب التأثير الصحراوي على التأثير العقائدي سواء كانت العقيدة دينية أو فكرية مدنية معاصرة.

يتبع




هوامش
*1ـ الدكتور منيف الرزاز/ الأعمال الفكرية والسياسية/ مؤسسة منيف الرزاز للدراسات القومية1986
*2ـ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام/ جواد علي/ دار العلم للملايين
*3ـ المصدر السابق
*4ـ الآيات بالتتابع: سورة يوسف 2؛ الرعد 37؛ النحل 103؛ طه113؛ الشعراء 195؛ الزمر 28
*5ـ محمد عابد الجابري مجموعة العقل العربي ثلاثة أجزاء/ مركز دراسات الوحدة العربية
*6ـ القرآن الكريم التوبة آيات 90، 97،98، 99، 101،120؛ الأحزاب20، الفتح 11،16؛ الحجرات 14
*7ـ دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/ علي الوردي/ بغداد: مطبعة العاني 1965 ص11
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 10-05-2013, 10:17 AM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

كيف يتأثر ويؤثر ابن الصحراء بالمدينة؟

قيل: الفرد والمجتمع توأمان، تنصهر صفات المجتمع كلها في شخصية الفرد، فيصبح مشهد الفرد وكأنه عينة صادقة لمجتمعه، ومن يتفحص نكات الشعوب يجدها تبدأ في معظم الأحيان ب (اسكتلندي عمل كذا.. صعيدي عمل كذا.. جنوب إيطالي عمل كذا، كردي عمل كذا، حمصي عمل كذا، وفي المغرب سوسي عمل كذا، وفي الأردن طفيلي عمل كذا الخ). من المؤكد أن ليس كل الاسكتلنديين يتصفون بنفس الصفة التي تحددها النكتة (البخل) وليس كل أهل الصعيد أو أي شعب يتصف بنفس الصفة التي غمزت بها النكتة، ولكن السمات العامة للمجتمع جعلت من مؤلفي النكات يسوقون نكاتهم لتبدو وكأنها مقبولة..



قبل كل شيء لا بُد من ذِكر بعض الصفات الإيجابية والسلبية التي يتصف بها الأعرابي ويختلف بها عن ابن المدينة الأصلي الذي ولد وتربى وترعرع وتمرن على قوانين المدينة وعاش وتفاعل مع أهلها وِفق ضوابط سلوك ليس بالضرورة أن تكون مكتوبة في لوائح.

كون الأعرابي القديم كان ساكناً للصحراء بخيامٍ يسهل اقتحامها أو حرقها فهو يدرب نفسه وأهله على العِفّة فلا يتلصص على غيره ولا يهتك لهم عرض. ويعتبر الدفاع عن جاره أمراً واجباً له ضرورة ووظيفة في آنٍ معاً. كما أنه يكرم ضيفه الذي يأتي فجأة ودون إخطار مسبق، ودون أن يطرق باباً (غير موجود أصلاً) بما يستطيع خصوصا عابر السبيل، لأنه سيمر بتلك المرحلة ويكون ضيفاً أو عابراً للسبيل عند غيره. ويجير من يستجير به ويدافع عنه حتى لو استجار من يستجير بامرأة، لأن بيئته تلك هي من تحدد كيفية سلوكه تجاه الآخرين*1. وقد يستطيع من يقرأ أشعار العرب في العصر الجاهلي أن يتعرف بسهولة على مقومات الشخصية البدوية.

عندما كان الأعرابي يحس أن محيطه لم يعد يمده بما يلزمه من شعور بالأمن والكرامة والعيش الكافي، كأن تقل المراعي أو يتطاول أبناء الأسياد على إرغامه في تزويج ابنته لمن لا تحب أو لا يحب هو، ولم يكن يلقى من ينصفه فإنه يترك المكان ويستجير بمن يخلصه مما هو فيه فيرحل ويهجر مضارب قبيلته، ومن هنا فإننا لا نجد قبيلة واحدة لم تتشظى وتتفتت ويغادرها أبناؤها إلا في ثلاث حالات (ضمرة، وعبس وذبيان). وكانت القبيلة التي تذود عن نفسها الغزوات دون مساعدة أحد تسمى (جمرة) وقد حدد العلامة جواد علي أعداد المقاتلين فيها ب أربعمائة مقاتل، وما غيرها كانت أحلاف تتخذ من طوطم لها شعار فيكون أحيانا بشكل ثور أو أسد أو جحش فيكونوا بنو ثور أو أسد أو جحش الخ*2

أما المدن العربية القديمة، ومن بينها ما مر على تأسيسها أكثر من عدة آلاف من السنين كدمشق وأريحا ونابلس وغيرها من المدن، توارثت طرائق الحرف والتصنيع والتجارة، وابتكرت لها منظومات من اللوائح الشفهية والمكتوبة، ومن الطبيعي أن يكون لتلك المهن شيوخ ومراجع يرجعون إليها لفض الخلافات، ومن الطبيعي أن تكون لغة التعامل من اللطف والدماثة لكسب الزبائن وتنمية التجارة والصناعة، ومن الطبيعي أن تكون الأعمال الأدبية المرافقة لتلك الأعمال والمهن تختلف عما هي عليه عند الأعراب.

أما الأعراب فكانوا ينظرون الى أهل المدن نظرة احتقار واستصغار، رغم أنهم يترددون عليهم لشراء بعض الأسلحة واللوازم التي يحتاجونها. وقيل أن أعرابياً وقف أمام محل وراق (لبيع الكتب) فقال: أنا أعرف كل ما موجود بتلك الكتب: إنها كلها تقول (يا ابن آدم كن خَيِّراً: أو بلهجة أهل العراق: يا قارئي صير خوش آدمي). وقد عبر ابن خلدون عن تلك الفوارق بقوله ( أن طلب العلم والبراعة الصناعية صفة الأمة المغلوبة الخانعة ذلك لأنها صفة تستدعي الخضوع و الصبر والعمل الكادح وهذه صفات لا تتفق مع مزايا الإباء والبطولة والنجدة التي اتصف بها البدوي) (فالإنسان في نظر ابن خلدون لا يستطيع أن يكون محارباً باسلاً وطالباً للعلم في نفس الوقت، وكذلك لا يقدر أن يكون بطلاً أبياً وصانعاً ماهراً في آن واحد)*3

ويقول ابن خلدون ( إن العلوم لا تنشأ إلا في المجتمع المتفكك الذي ينشأ فيه بنفس الوقت الميل الى الإجرام والسفه والخلاعة. فهو يرى أن المجتمع البدوي الخالي من العلم والصناعة خالٍ أيضاً من مقتضيات التفسخ الشخصي وأسباب الرذيلة. فالبدوي بنظره أسلم فطرةً وأقرب الى روح التدين والفضيلة من المدني. وكأن المجتمع المدني الذي يُشجع النوابغ وأصحاب الفنون والعلوم يشجع أيضاً أصحاب الجريمة والتهتك وسوء الأخلاق)*4

هل ينسى الأعرابي سجاياه الصحراوية؟

في عام 1992 وفي خضم نشاط لانتخابات البلدية في إحدى المدن الأردنية، استوقفتني عبارة أطلقها أحد أبناء تجمع انتخابي ضد آخرين وبحضورهم، عندما قال لهم: جدكم كان صانعاً! فثارت ثائرتهم وحاولوا الدفاع أن جدهم لم يكن صانعاً بل جدكم أنتم! وحدث شجار كان ممكن أن يؤدي الى زهق أرواح.

ذكرتني تلك الحالة بمشهد أن أحد أبناء حيفا افتتح في بداية السبعينات من القرن الماضي مطعماً في شارع السعدون ببغداد، وكان يبيع فيه الفلافل والحمص و(الطحالات)، وعندما كنا نحن الطلاب العرب غير العراقيين نتشوق لمثل تلك الأطعمة، كنا نسمع تعليقات ساخرة من زملاءنا العراقيين تنتقص من هذا النوع من الطعام، فكان الطحال والكبد وغيره بنظر العراقيين هو من (سقط) الأطعمة التي لا يجوز تناولها، أما سحق الفول وإضافة (الطحينة) عليه فهي خلط كريه! وجر الحديث حتى كان هناك من يحتقر زراعة الخضراوات ويطلقون على من يزرعها اسم (حساوي) فلا يتزوجون ممن يمتهن تلك المهنة ولا حتى يقبلوه في حزمة الصداقة والزمالة!

وقد تكون البلدان العربية تختلف من بلدٍ لآخر، وتكون طبائع التعامل مع فكرة الدولة وإطاعتها أو معاداتها والتمرد عليها تختلف من مكان لآخر في البلدان العربية، في اجتماع للشيخ محمد رضا الشبيبي مع الأديب طه حسين (في مجمع اللغة العربية) قال له طه حسين: إنه قرأ تاريخ العراق منذ العهد السابق للفتح الإسلامي حتى الوقت الحاضر فوجده بلداً ثائراً هائجاً لا يكاد يخضع لحكم حاكم ولا ينصاع لقوة قاهرة. فقال له الشبيبي: وأنا، أيها الدكتور، قد طالعت تاريخ مصر منذ أقدم عهودها حتى الآن فوجدتها بلداً خانعاً مستنيماً لكل تسلط لم يأنف أن يخضع حتى لحكم شجرة الدر! وقد اغتاظ طه حسين لجواب الشيخ، لكن أعضاء المجمع الحاضرين هدأوا من حدته وقالوا: إن الشيخ أعطاك الجواب اللائق بسؤالك.*5

إذا كان النمر الذي يتم تدريبه على الأعمال البهلوانية في السيرك، قد اكتسب صفاته نتيجة البيئة الاصطناعية التي وُجد فيها، فإنه إن انتهت تلك البيئة فإنه سيعاود ممارسة (نموريته) الطبيعية في الغابة، إذا أعيد إليها. كذلك ابن البادية الذي يعيش سنوات طويلة في أوروبا مستخدماً للشوكة والسكين ومنضبطاً في الالتزام بالاصطفاف لإتمام معاملته، فإنه ما أن يعود للبادية فإنه سينزع نعليه قبل الولوج للديوان ويقبل يد والده ويأكل دون ملعقة أو شوكة..

يتبع




هوامش
*1ـ محمد عماد الدين إسماعيل/ المنهج العلمي وتفسير السلوك ط4 الكويت1989، والطبعة الأولى في القاهرة عام 1961.. يشير في كتابه عن كيفية تأثير البيئة في تحديد شكل سلوك الإنسان [كان خبيراً تابعاً للأمم المتحدة] وأستاذًا لعلم النفس في جامعة عين شمس والكويت.

*2ـ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام/ جواد علي/ دار العلم للملايين
*3ـ مقدمة ابن خلدون ص544
*4ـ مقدمة ابن خلدون ص 121
*5ـ كتاب أعلام الوطنية والقومية العربية ـ مير بصري ـ لندن ـ دار الحكمة 1990 ط1/ صفحة 33.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 13-05-2013, 03:43 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الميل الى الاستحواذ


الاستحواذ في اللغة هو الإحاطة بالشيء والتغلب عليه، وقد وردت في التنزيل الكريم مرة واحدة { استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون}*1.

والاستحواذ له أشكال كثيرة ودوافع كثيرة أيضاً، فأن يسعى أحد الورثة على الاستحواذ على حصص إخوته أو أخواته وإن لم يستطع يستحوذ على أكثرها وإن لم يستطع يحصل على أفضلها فهذا شكل من أشكال الاستحواذ.

والدولة تسعى للاستحواذ على أراضي دولة مجاورة أو مياهها الإقليمية أو قرارها الوطني وإن استطاعت تسعى الى ممارسة تلك السياسة حتى تستحوذ على قرارات أو مقدرات العالم، وهذه رأينا نماذجها في الإمبراطوريات القديمة، ولا نزال نراها حتى اليوم عندما يعلن ساسة أمريكا أن القرن الواحد والعشرون هو قرن الولايات المتحدة حزب رغبتهم!

والحزب يسعى للاستحواذ على سلطة الحكم في بلاد، ويعمل من أجل ذلك، ورئيس البلاد أو حاكمها يسعى لأن يكون حكمه أزلياً حتى مماته وإن مات فإنه يورثه الى من يُحب من أبنائه، ويحاول جاهداً أن يكون الحاكم هو صاحب القرار الأول والأخير ولا يناقشه أو يعارضه أحد من أعوانه..

ولا يقتصر الاستحواذ على ذلك (مادياً) فحسب، بل يسعى الى ما هو أبعد من ذلك، في الحصول على الأشياء دون ثمن، فالراغب بالاستحواذ إن استطاع أن يحصل على أراض واسعة دون ثمن أو بثمن بخس فلا يألو جهداً في ذلك، وإن استطاع أن يقهر عباداً دون أن يقدم قطرة دم من دمه أو دم أعوانه فلا يوفر ذلك (الحروب بالإنابة نموذجاً على مر التاريخ)، (واستيلاء أبناء الدائرة الضيقة المحيطة بالحكام من خلال الخصخصة وبيع معادن الدولة واستضافة النفايات السامة والتصرف بأثمانها نموذجاً).

كما أن الرغبة بإطالة عمر المستحوذ تمتد لتصبح مرافقة لصفة الميل للاستحواذ {ولتجدنهم احرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود احدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون}*1

سيقول قائلٌ: إن هذا الاستحواذ لا يقتصر على الأعرابي بل يعم كل أرجاء المعمورة، فالتوريث في الحكم لا يقتصر على العرب المتأثرين بالأعراب، بل يصل الى دول شيوعية سابقة وليبرالية (نموذج كوريا الشمالية)، ونموذج الولايات المتحدة الأمريكية عندما توارث أنسباء وأولاد عائلة محدودة أهم إدارات الأمن والدفاع والاستخبارات منذ عام 1903 وحتى عام 1973*3، فنقول هذا صحيح، ولكن دوافع الاستحواذ وطرق منعه أو التخفيف من آثاره تختلف من مجتمع الى آخر.

دوافع الاستحواذ عند الأعرابي


إذا كان الدافع الأساسي للاستحواذ عند كل الشعوب وحتى الأفراد هو الانتقال من حالة التدني والتأخر والعوز الى حالة التقدم والرفاهية والعزة، أو بمعنى آخر الانتقال من إشباع المنفعة الحدية والانتقال منها الى المنفعة الرمزية ومنها الى المنفعة الإستاطيكية.

يعني إذا كانت أربعة جدران وسقف وباب تكفي صاحبها شر المتلصصين والأعداء والظروف الجوية، فإن تصميم بيت من الحجر والإسمنت ووضع الأقواس فيه على طراز (رمزي) معين، هو انتقال من المنفعة الحدية في الحالة الأولى الى الرمزية في الحالة الثانية، وإذا وضعت بعض الإضافات من قرميد ونباتات زينة وتماثيل فاخرة فهو انتقال الى حالة التفرد الخاصة (الأستياطيكية) وهكذا يتم في الطعام كقوت يكفي صاحبه للبقاء ثم الانتقال الى اللحوم والصنوبر والمطيبات الأخرى، وهذا ينطبق على اللبس ووسائل النقل من حمار وجمل الى سيارة (لادا) ومن بعدها سيارات فارهة ذات قوة حصانية عالية الخ.

الأعرابي، كان يعطش هو وحيواناته بشدة، ويجوع هو وحيواناته بشدة، فكان يرحل ويقاتل ويغزو وينهب ويموت من أجل البقاء، وكان من يقوم بذلك هو الوحيد الذي يتصف بالصفات الحسنة. كان الخوف من الجوع يدفعه لتوسيع مساحة سيادته، وحتى لو أصبح ذا مال وافر وحيوانات عديدة، فإن ذلك لن يجعله يحس بالأمان، وقد انتقلت تلك الصفات الى كثير من أبناء مجتمعنا الحالي.

المُغالبة قرينة الاستحواذ


التغليب هي الاستحواذ بالقهر والقوة الشديدة، والدولة الفلانية غلبت الأخرى أي استولت عليها بالقهر، وهي غير الفوز فالفوز هو النجاة بالأمن والخير، وقد خاطب الله تعالى عباده بلغة يفهمونها { إن ينصركم الله فلا غالب لكم }؛ {قال رجلان من الذين يخافون انعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون}؛ {وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين}*.

واليوم نرى تلك المغالبة واضحة في حياة العرب، فقد يسأل أحدهم الآخر: بكم اشتريت هذا الغرض؟ فيقول: بكذا.. فيقول الأول: لقد غلبك! وتظهر المفاصلة في بلادنا بالبيع والشراء لتقليل الثمن دون الالتفات الى التسعيرة الرسمية وغيرها. وتظهر تلك الكلمة في عرض نتائج المباريات الرياضية: الفريق الفلاني غلب الآخر بثلاثة أهداف، وكأن المسألة محصورة بالصراع والقهر.

في حين تظهر كلمة فوز للتدليل على الانتهاء من سباق ومنافسة على فعل الخير، وقد وردت بالقرآن الكريم بهذا المعنى {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} التوبة100


هوامش

*1ـ سورة المجادلة 19
*2ـ سورة البقرة 96
*3ـ الطبقة الحاكمة في أمريكا: تأثير الأثرياء والنافذين في دولة ديمقراطية/ ستيف فرايزر وغاري غرستل/ ترجمة: حسان البستاني/ بيروت: الدار العربية للعلوم 2006 صفحة 233 وما بعدها.
*4ـ السور حسب الترتيب: آل عمران 160؛ المائدة 23؛ الأعراف 113.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-05-2013, 02:09 PM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الاستبعاد الاجتماعي



الاستبعاد، قد يكون نقيضاً للاستحواذ، ولكنه نقيض قرين، أي يلتصق به التصاقاً شبه وظيفي. فاستبعاد الشيء هو عزله وإهماله وانتقاص قيمته، واعتباره غير موجود بالأصل.

والاستبعاد الاجتماعي قديم قِدم تأسيس المدن، وقد وُجد مع عصر العبيد القديم، ويذكره حمورابي في شرائعه بشكل حثيث فما أن يذكر الإنسان الحر حتى يذكر معه الإنسان غير الحر فمثلاً تقول المادة 209 (من ضرب امرأة فأسقط ما بجوفها فعليه دفع عشرة شواقل من الفضة إذا كانت حرة وخمس شواقل من الفضة إذا كانت أَمة (من العبيد).

أما اليونانيون القدماء فقد قسموا المجتمع الى قسمين فبرأي أرسطو: (هناك نوعان من البشر: منهم الراكدون، المتوحشون الذين يشكلون قطعاناً كبيرة في الممالك الضخمة، أما الآخرون فهم الذين يتجمعون بشكل منسق ومنظم في المدن، الأولون ولدوا ليكونوا أرقاء مستعبدين أما الآخرون فولدوا ليكونوا أسياداً وأحرارا بفضل قدرتهم على التنظيم العالي)*2

وفي العهد الإسلامي، تم تصنيف المهن المحتقرة والخسيسة في رسائل (الجرسيفي)*3 و (ابن عبد الرؤوف) وقبلهما الجاحظ، فقد وضعوا قائمة طويلة من المهن الخسيسة والتي يترتب على المحتسب ومن بعده المجتمع في استبعاد آراء هؤلاء، ومن بين ما ذكروا من أصحاب المهن الخسيسة: المشعوذون والحجامون والماشطات من النساء والمغنون والطبالون وكتاب العرائض وقد استوقفتني تلك المهنة لأرى لماذا صنفت مع المهن الخسيسة فيفسر الجرسيفي ذلك بأن من يمتهن تلك المهنة يجلس على قارعة الطريق فيقف (الزعران) على مقربة منه ليتسمعوا الى قصص النساء اللواتي يكلفنه بكتابة ما يشكون منه فيلاحقوا تلك النساء!


لقبل أكثر من نصف قرن تقريباً، كانت المدينة تقسم الى أحياء وحارات لكل حي أو حارة باب وبواب ومجلس أعيان ينظر في كل مسائل الحي، فإن أراد أحد سكان الحي بيع بيته، فإن مجلس أعيان الحي هو من يقرر كيفية البيع ويحرم عادة دخول قادم جديد غير معروف.. ولو عدنا الى بعض المدن العربية لنجد تلك الأبواب لا زالت ماثلة حتى اليوم إما بأبوابها أو أسمائها ففي الموصل مثلاً: باب الطوب (أي المدفع) وباب (لكش) وباب سنجار الخ، وفي القدس وبغداد ودمشق لا زالت تلك الأبواب أو أسماؤها معروفة.

الاستبعاد ضمن وظيفته السياسية والاجتماعية


فالتعريف الإجرائي للاستبعاد حسب جون هيلز (يُعد الفرد مستبعداً اجتماعيا إذا كان لا يُشارك في الأنشطة السياسية للمجتمع الذي يعيش فيه)*4

ويبين الباحثون مواصفات المستبعَد فيقولون: إن دخله الأسري يقل عن نصف الدخل العام للمواطن في بلده. وأنه ليس مستخدما ولا يعمل لحسابه، ومتعطلا بسبب مرض طويل أو إعاقة أو أي سبب آخر. لا يدلي بصوته في الانتخابات العامة وليس عضوا في منظمة مشاركة في الحملات السياسية (حزب سياسي، أو نقابة عمالية، أو جمعية معينة).

ويصف الباحثون تفاعل المستبعد اجتماعيا فيقولون: إنه لا يصغي إليك، ولا يشجعك ولا يساعدك في الأزمات، ولا ترتاح إليه، ولا يبدي أي تقدير لك.

إن هذا النوع من الناس قد نجده يفوق 50% من المجتمع العربي وفي أي بلد، وقد تبين نسب المقترعين في الانتخابات والاستفتاءات العامة مدى سعة هذه الشريحة في المجتمعات العربية.

ومن المفارق، أن تجار الأصوات الانتخابية قد وجدوا في تلك الشريحة الواسعة منجماً ضخما للأصوات حيث يبنون شبكات السماسرة لشراء أصوات هؤلاء.

الاستبعاد الإرادي


إذا جاز لنا أن نطلق على الصنف السابق من المستبعدين اسم الاستبعاد القهري، حيث يبعد الفرد بفعل قوى خارجية وظروف اقتصادية، فإن هناك صنف يعتبر هو الأخطر بين المستبعدين، فقد يستبعد الفرد نفسه إرادياً، فلا يشارك من حوله أي نشاط، ولا يدرس أبناءه في مدارس المجتمع العامة بل في مدارس وجامعات خاصة ولا يعالج نفسه أو أسرته في مصحات المجتمع، بل يختار مستشفيات خاصة الخ.

إن هذا النوع من المواطنين يتدخل بطرف خفي لاختيار النواب والحكومات من أجل حماية مصالحه، ولكنه لا يشارك فيها مباشرة، ولا يريد أن يجعل المجتمع المحيط به (أقاربه، جيرانه إن وجدوا) يمنون عليه في دعم معين، حتى لا يصبح عرضة لابتزازهم!

إن هذا النوع من المستبعدين إرادياً هو ما فتح شهية الحكومات العربية للخصخصة، فلم تعد الخدمات المدرسية مثلما كانت ولم تعد المصحات كما كانت، كما أن استفحال ظواهر الغلاء وانتشار النزعة الاستهلاكية العالية التي تأكل مدخرات المواطنين (إن وجدت) تذهب لمحاكاة ما تبثه أجهزة الدعاية والإعلام التي تخاطب أصلاً ذوي القدرة الشرائية العالية.

يتبع

هوامش
*1ـ شريعة حمورابي/ عباس عبودي/ جامعة الموصل 1990 صفحة266
*2ـ أرسطو: كتاب السياسة، أنظر الموسوعة الفلسفية لعبد الرحمن بدوي/ بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر1984 الجزء الأول الصفحات من 98ـ 131
*3ـ الجرسيفي: ضمن ثلاث رسائل أندلسية في آداب الحسبة. تحقيق: ليفي بروفنسال القاهرة 1955 صفحة 121. وجرسيف: منطقة تقع بين فاس وتلمسان.
*4ـ الاستبعاد الاجتماعي: محاولة للفهم/ تحرير: جون هيلز وجوليان لوغران و دافيد بياشو/ ترجمة وتقديم: محمد الجوهري.. بالأصل الكتاب صدر عن أكسفورد عام 2002 وصدرت الترجمة العربية بالكويت عام 2007 عن عالم المعرفة. صفحة 70 وما بعدها.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 22-05-2013, 04:05 PM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

العدل يلجم الاستحواذ والاستبعاد

كما رأينا، لم تنحصر فكرة الميل الى الاستحواذ عند الأعرابي، ولم تكن فكرة الاستبعاد الاجتماعي محصورة بالأعرابي، بل كانت تمتد على مختلف قارات العالم، ولكنها تتجلى عند الأعرابي بصورة أكبر، وتزول بسرعة أكثر عنده أكثر من غيره من شعوب الأرض، عندما يسود العدل، لأن اكتناه العدل عند الأعرابي آتٍ بالفطرة، وعندما يرى أن غيره استحوذ على أكثر مما يستحقه (بالعدل)، فإن هذا الغير يصبح مستهدفاً من قبل الأعرابي، وسرقته وغشه وعدم الوفاء له يعتبر من الشجاعة.

من هنا تجلت صفات الأعراب الطيبة، عندما ساد العدل في صدر الإسلام، فلم يكن أحدهم بحاجة لقراءة كتب التفسير والفقه والوعظ وغيرها ليلبي دعوة الجهاد مثلاً، بل كان ينطلق بإيمانه المطلق بفكرة التحام العدل بالدين ليضحي بروحه في سبيل ما يطلبه منه ولي الأمر..

ولما كان العدل المطلق غير موجود إلا عند الله عز وجل وأنبيائه، فإنه كلما ابتعدت دولة ـ قديماً أو حديثاً ـ عن العدل، كلما ظهر الميل الى الاستحواذ والاستبعاد.

العدل يبدأ من الحاكم نفسه

يُعتبر الرسول الأكرم صلوات الله عليه أفضل من جسد فكرة العدل، فلم يظلم ابن ذمة ولم يظلم جاراً ولم يحابي أقاربه ولم يسعى للتشبه بالملوك والسلاطين في التمتع بممتلكات دولته، فكان محل رضا وقبول من حوله واعتراف خصومه قبل مؤيديه بالصفات الجليلة، وضرب مثلاً بقي حياً حتى اليوم في فتح مكة عندما قال ( اذهبوا فأنتم الطلقاء) لم ينتقم ممن أساءوا إليه وللمؤمنين بل تركهم ليكون ذلك نبراساً للتعامل مع الآخر، للتأثير فيه مستقبلاً وعدم ترك مجال الثأر ليأخذ دورته الأزلية بين المؤيدين والمعارضين.

وهكذا، فعل الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم، وما قاله الفارسي الذي وجد الفاروق نائماً في ظل متوسداً ذراعه دون حارس (حكمت فعدلت فأمنت فنمت).

ومن الطبيعي أن يكون نقاء العدل عند الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم أكثر من غيره من الخلفاء، وما حدث بسقيفة بني ساعدة، وما تلاه من فتن أتت لاجتهاد ربما يصيب في بعض الأماكن وربما يخطئ، وإصابته من عدمها ليس لها علاقة بالورع والإيمان، فقد انقسم المبشرون بالجنة في حربي صفين والجمل، ولا نستطيع أن نخطئ أحد الفريقين ضد الآخر، فمردهم الى الله.

لكن قراءات من اختلفوا تجاه ما اختلفوا عليه تذهب كلها الى مسألة عدم الرضا أو غياب العدل بنظر كلا الفريقين.

ماذا حل بالعدالة في مجتمعاتنا العربية اليوم؟

عندما تغيب العدالة ويحدث ارتباك في العلاقة بين التحديث والتمسك بالقديم، فإن انقسامات ستحدث في المجتمع: انقسام بين المجتمع والدولة. انقسام بين السياسة والاقتصاد. انقسام بين البنى التحتية والفوقية.

إن تراكب الطبقات وتواجد طبقات انتقالية ووسطية واسعة جدا يؤدي الى ضعف وزعزعة الأساس الاجتماعي الضروري لعملية خلق المواطن الحر المتسامي المنتمي لوطن. ويتعين شكل السلطة وفق العلاقة بين الاقتصاد والسياسة.

إن جوهر هذه المقولة هو أن تطور مؤسسات الدولة يسبق تطور العناصر الاجتماعية، وعندما يحدث خللٌ في مؤسسات الدولة يحدث معه صراع بين الأجزاء الخارجية الحديثة والداخلية التقليدية للسلطة الحاكمة، ويستحيل عندها الجمع السلمي بين المتناقضات الاجتماعية، فينتج عنه:

1ـ ميل لبناء منظومة الولاء للنظام على أساس الفساد واقتصاد الظل.

2ـ ازدياد ميول العنف والاستبداد لدى السلطة.

3ـ تعويض الشرعية المفقودة لمثل تلك الأنظمة من خلال رفع شعارات تعويضية لابتكار شرعية شكلية تخلق وَهَم النمو من خلال خطط وبرامج مرحلية ومشاريع تبجحية وزعم حول أهمية الدولة قوميا وعالميا وتربص أعداءٌ كُثر بها.

إن هذا المشهد، يجعل من يراقبونه من الخارج على استعدادٍ متواصل للدخول من أي ثغرة لإعادة إنتاج التخلف بأشكال مختلفة، فيتم بث عشرات الآلاف من الورشات التي تثير النعرات الطائفية والعرقية والجهوية، لجعل الصراع داخل المجتمع يُدوِّر نفسه باستمرار.

هذا القدر من الكلام سيمهد لنا الحديث عن انبعاث النزعات للاستحواذ والاستبعاد الاجتماعي تجاه هياكل المجتمعات المدنية الحديثة في العالم، أحزاب، نقابات، جمعيات خيرية وتعاونية، تجمعات إدارية أخرى كالبرلمانات والبلديات وغيرها.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 28-05-2013, 12:49 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

من أكثَر معرفة بحال العرب.. الغرب أم العرب؟

(1)


لقد اكتشف الغرب فينا ما كنا قد اكتشفناه من قبله، أو لا زلنا نكتشفه حتى اليوم، لكن اكتشافه لنا يتم توظيفه في خدمة مصالحه بشكل ممنهج. واكتشافنا لأنفسنا لا يتعدى المعرفة السطحية بالشيء، الذي لا يتبعها أي انفعال إجرائي، مثلما نعلن أننا نعرف أن لدى الكيان الصهيوني رؤؤس نووية، وأن إيران تعمل على تصنيع القنبلة النووية، حسناً، فماذا ترتب أو يترتب على تلك المعرفة؟

إن الغرب ـ اليوم ـ وأكثر من أي وقت مضى، يريد لنا غير ما نريده لأنفسنا.. نحن نريد (الحداثة) أي زعزعة أركان الفساد وهدم البناء الذي يأوي بؤر الفساد، وهو يريد لنا (التحديث) أي إبقاء ما هو قائم وتزيينه بزينة كاذبة وتعطيره وصبغه بمُحسنات من صنعه هو ولكن لا يستعملها!

نحن نصبو الى التحرر والوحدة، وهو يفرض علينا الدكتاتورية (الأبوية) باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان.. كيف؟؟

ولكن ـ مع الأسف ـ لم تعد الوحدة مطلباً صارماً، كما كانت في خمسينات وستينات القرن الماضي، بل أصبحنا نلهث لإبقاء الدولة القطرية على ما هي عليه، فرفعت شعارات (الأردن، العراق، اليمن، ليبيا أولاً) ليس حباً بالشعار نفسه بل خوفاً من تجزئتها.. فلم تعد السودان سودانا موحدا ولم تعد العراق كما كانت وكذلك ليبيا وغيرها من الدول التي تسير في طريق مظلم.. والجيران الأعداء يسيل لعابهم لإلغاء الحدود القديمة وضم أجزاء من الوطن العربي إليهم (الكيان الصهيوني؛ إيران؛ تركيا).

(2)

لم يعد الغرب في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، كما كان في عام 1916 عندما أمسك وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا المسطرة والقلم ورسموا حدود البلدان العربية، فكانوا هم في عصر (حداثتهم) واستخدموا قواتهم بشكل مباشر لفرض واقع خرائطهم. واليوم، هم في مرحلة (ما بعد الحداثة) ومرحلة تفكيك المنطقة مستخدمين أدوات محلية، كما يستخدم محرك الجمر الملقط لكي لا يكتوي بالنار.. وهدفهم واضح جداً وهو جعل أي تكتل وطني مستحيلاً ليقف في وجه الكيان الصهيوني، ذلك المشروع المكمل للمشروع الإمبريالي الغربي.

للأمانة، كان المفكرون العرب منشغلين بالكيفية التي سيواجهون فيها نوايا الغرب المبيتة للعرب والتي في طريقها الى التنفيذ، وناقشوا كل الاحتمالات في التعامل مع تلك النوايا وقد كتب (علي حرب) في كتابه (نقد الحقيقة) (( هل نختار الانغلاق واستبعاد الآخر، أم نختار الاقتباس من الغرب والإفادة منه فكراً وعلماً وثقافة؟))*1

وتساءل محمد عابد الجابري (( هل للعرب مستقبلٌ لا يدخل فيه الغرب؟ لكن الإشكالية ليست إشكالية اختيار، بل إشكالية معرفة))*2

ولكن مُطاع الصفدي يشكك في مقدرة المثقفين العرب فيقول: إن المثقفين العرب بأكثريتهم لا يعرفون المشروع الثقافي الغربي، وهم إن عرفوه لا يقرءوه، وإن قرءوا بعضه لا يفهمونه كله. لكن كيف لهم أن يفهموه الفهم الصحيح إن هم لم يمتلكوا اللغة وناصية النقد الحضاري والحد الأدنى من الفكر الفلسفي؟ لقد حدد موقف المثقفين العلمانيين العرب إزاء مشروع الحداثة وما بعد الحداثة ممارسة فكرية مختلفة. فالقادرون منهم على القراءة، أي المتمكنون من اللغات الأجنبية ومن المنهجية النقدية التفكيكية، وبخاصة أساتذة الجامعات والباحثين في المعاهد الغربية، هم بمعظمهم أكاديميون يحاولون محاكاة النقاد والكتاب الغربيين ويخضعون كتاباتهم لإشكالات تقع خارج إشكالات مجتمعاتهم التي قدموا منها. ومنهم من يتفوق في حقل اختصاصه ويكافأ على إنجازاته العلمية والفكرية، فيزيد انتماؤه للنظام الثقافي الذي يعيشه ويبتعد عن حضارته الأصلية وتزداد الهوة والمسافات*3 **

(3)

لكن ما هو الذي اكتشفه الغرب فينا؟ وكيف تم استغلاله استغلالا آذانا ويؤذينا؟
لقد اكتشف الغرب شيئاً يتعلق بمركزية (الأنا) في النظام الأبوي العربي، وعملوا جاهدين بدأب مستمر للنفاذ الى المجتمعات العربية من خلال تغذية هذا النظام، وأعلنوا بوضوح شديد عن استهتارهم بكينونتنا الحضارية، وكانت أي بادرة جادة تقترب من خلاصنا مما نحن فيه تثير لديهم الرعب، فهذا جون ديوي يعلن: لا يخيفنا نحن الأمريكيين شيء، بقدر ما يخيفنا أن نسمع بأن مخلوقاً مضللا في مكان متأخر من الكرة الأرضية ينادي بما نحن نطبقه.*4

ولم تكن نرجسية (جون ديوي) صادرة عن شخص بعينه بل تتبناها مدارس فكرية متواصلة، وقد عبر عنها بغطرسة أكثر المفكر الاقتصادي الأمريكي والحائز على جائزة نوبل للاقتصاد (بول صامويلسون) في حديث له مع مجلة (إيكونومست الصادرة بتاريخ 23/8/1997 الصفحة 13 من المجلة) عندما قال: ((أنا لا أعير اهتماما بمن يكتب قوانين الأمم.. ما دام كان بوسعي أن أكتب لتلك الأمم مناهجهم المدرسية والجامعية في السياسة والاقتصاد))*5

وكان يقصد من كلامه على وجه التحديد أن الولايات المتحدة وفكرها المسمى ب (الليبرالية المحدثة)، هو من يتحكم بطبائع تفكير القيادات التي تتبوأ مراكز القيادة في الدول، ويساعدها في ذلك السياسة الاقتصادية التي تتحكم بها أذرع تمسك خيوطها الولايات المتحدة نفسها (البنك الدولي للولايات المتحدة85% من حقوق التصويت فيه).

على أن ما اكتشفه الغرب قد عبر عنه بنموذج رائع (مصطفى حجازي) عندما قرأ أسطورة فرويد الرمزية حول (قتل الأب). في هذه الأسطورة يقتل الأبناء أب الرهط البدائي الذي استحوذ لنفسه على نساء الرهط وقمع أبناءه وكبتهم. لكن بعد قتل الأب يُصيب الأبناء شعور بالذنب يدفعهم الى عقد اتفاق في ما بينهم يحرم القتل في الرهط ويحرم الزواج من نساء الرهط، ويؤدي بالتالي الى تأسيس القانون والديانة الأولى في التاريخ الإنساني. بهذا المعنى يشكل قتل الأب تحرر الأبناء وبداية حياة حرة تقوم على القانون والمساواة لا على إرادة الأب وشريعة الغاب، مما يُشكل نقلة تاريخية من جمود المجتمع البدائي الى فعل الحركة والتغيير فيه [فعل تحول التاريخ الآسن الى التاريخ المتحرك، يطلق قوة الحياة المتجددة]*6

لكن من نقتل؟ الأب الشخص أم الأب الفكرة؟

يتبع
هوامش
*1ـ علي حرب/ نقد الحقيقة/ الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي 1993 صفحة 83
*2ـ محمد عابد الجابري/ إشكاليات الفكر المعاصر/بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية 1989 صفحة 172
*3ـ مُطاع الصفدي/ نقد العقل الغربي: فلسفة الحداثة ما بعد الحداثة/ بيروت: مركز الإنماء القومي 1990 صفحات 10ـ13
** الحداثة وما بعد الحداثة: تشير الحداثة الى فترة التنوير من نهاية القرن الثامن عشر الى منتصف القرن العشرين؛ وما بعد الحداثة تلك التي بدأت من منتصف القرن العشرين الى يومنا.

*4ـ جون ديوي: الفردية: قديماً وحديثاً/ ترجمة: خيري حماد / مراجعة: مروان الجابري/ بيروت: منشورات دار مكتبة الحياة 1979 ـ الكتاب الأصلي تم تأليفه عام 1929، صفحة 14
*5ـ من كتاب: اقتصاد يغدق فقراً/ تأليف: هورست أفهيلد (ألماني) ترجمة: عدنان عباس علي/ الكتاب الأصلي صدر في ميونخ عام 2005، وترجمته بالعربية عام 2007[سلسلة عالم المعرفة]
*6ـ مصطفى حجازي في: مجلة مواقف بيروت (شتاء ـ ربيع 1993) ص55.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 02-06-2013, 01:17 PM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

مركزية الشخص في النزوع الطبيعي

(1)

أنا، ابني، أخي، أبي، أفراد رهطي، أقاربي، فريقي، أبناء حيي، أبناء مدينتي، أبناء إقليمي(الجهة داخل البلد) أبناء عِرقي، أبناء طائفتي، أبناء ديني، أبناء وطني، أبناء قوميتي.. هذا هو التسلسل الطبيعي في اصطفاف الفرد العربي، في ولاءه ومواقفه..

ولو تمعن المتمعن في موالاة الفرد لغيره ممن ورد في التسلسل، لوجد أن كل ولاء سيخدم في النهاية (الأنا)، أو يقوم هذا الولاء بتعزيزها وتغذيتها..

عندما يفتخر الفرد بقومه، فإنه إن انتقى أجودهم للتباهي فيه، كوزير أو محافظ أو طبيب مشهور، فإنه لا يتوانى عن الافتخار حتى بأرذلهم، فإن تحدث عن شريرٍ ما، سيقول: إنه شيطان، ويتحدث عندها عن وقائع تثبت تعديه على الآخرين وتحايله عليهم، ويضيف: عشرةٌ من الرجال لا يستطيعوا التغلب عليه، هو يمدحه بطرفٍ خفي، أو يمتدح نفسه بأنه ليس من الناس الهينين فمن بين أقاربه من هو شرير!

وقد أشار (عمرو بن كلثوم) في معلقته الى تلك الصفة عندما قال:
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا.......... فنجهل فوق الجاهيلنا
ويضيف
ونشرب إن وردنا الماءَ صفواً........ ويشرب غيرنا كَدِرا وطينا

ومن يتأمل الصفتين في البيتين لا يرى فيهما ما يؤكد الصفات الحميدة.

وحتى إن ذكر أحدهم صفة حميدة عند قريب له، فإن كان عضواً بالبرلمان مثلاً، فإن حديثه عنه سيلتوي ليصبح حديثاً ومدحاً للمتكلم، وليس لعضو البرلمان، فبعد أن يذكر محاسنه سيذكر الدور الذي قام به هو لتوصيله للبرلمان، وكيف أقنع الآخرين وكيف تبرع له بكذا. وهذه الصفة موجودة قديما، وقد عبر عنها المتنبي برثاء والدته عندما قال:

ولو لم تكوني بنت أكرم والدٍ .... لكان أباك الضخم كونك لي أُما

والمتنبي هنا يمتدح نفسه مرتين: الأولى أنه من أكرم والد... والثانية أن هذا الجد لو لم يكن كريماً لأصبح كذلك لأنه جد المتنبي!

(2)

لا يغيب التسلسل الطبيعي الذي ذُكر عن مشاهد التعامل مع الحياة العامة (الدولة بشقيها الحاكم ومؤسسات المجتمع المدني). فهارون الرشيد مثلاً أعطى ولاية العهد للأمين ابن زبيدة العربية الهاشمية، ولكنه قرنه بأن يكون الأمر من بعد الأمين للمأمون ابن خيزران الفارسية الغالية، ولكن الأمين بعد وفاة الرشيد خلع أخاه المأمون من ولاية العهد ووضعها في ابنه، فقتله المأمون بمساعدة أخواله الفرس. والأمثلة كثيرة في حياتنا المعاصرة.

في انتخابات البلدية وغرفة التجارة والنقابات المهنية وغيرها، ومن خلال مراقبة عمليات فرز الأصوات حوالي أربعين عاما، نجد ـ باستمرار ـ أنه في كل ورقة يكتب المرشح اسمه بالأول قبل أسماء كتلته وكذلك يفعل أتباعه من فريقه (عشيرة، حزب الخ) يضعون اسم من كان فريقهم قبل الأسماء الأخرى، مما سهَّل مهمة أعضاء الكتلة لمعرفة من حجب عن من؟

وفي الانتخابات البرلمانية والبلدية تبرز المطالبات بالدَوْر، فإن كانت مجموعة قرى تشكل دائرة انتخابية واحدة فإن تلك القرى ستطالب أن يكون المرشح منها وليس من القرية الأخرى لأن تلك القرية أخذت دورها، لا يكون للمقدرة على التمثيل أي دور معين، بل تكون الأحقية للدور! حتى لو كان من ستختاره القرية غير مؤهل! وكذلك في البلديات..

في إحدى المرات رأيت موكباً من سيارات تحمل شباباً يطلوا برؤوسهم من نوافذ السيارات ويصيحوا: عليهم.. عليهم.. فعندما استفسرت عن الموضوع تبين أن هذا الموكب يناصر مرشحا لانتخابات طلابية في إحدى الجامعات، ضد مرشح مدينة أخرى!

(3)

لم تقتصر ممارسات التعصب على الناس العاديين، بل تعدتها الى الأحزاب السياسية التي زعمت أن تخلص البلاد مما فيها من تخلف.. ففي انتخابات للقيادة القطرية في العراق فاز حسين كامل حسن نتيجة قربه ومصاهرته للرئيس بأعلى الأصوات 275 صوت مقابل 25 صوتاً حصل عليها سعدون حمادي أحد المفكرين العرب الذين يُشهد لهم بنضجهم وقدرتهم الفكرية وتفوقه عشرات المرات على حسين كامل حسن.

وفي سوريا الأمر متشابه جداً، وحتى في مصر ما بعد ثورة 25 يناير فقد وضع أحمد فهمي رئيسا لمجلس الشورى، وهو زوج أخت محمد الكتاتني رئيس مجلس الشعب المنحل، وأن ابن أحمد فهمي زوج بنت الرئيس محمد مرسي. وكلنا نعلم كيف انحاز الإمام حسن البنا مع عبد الحكيم عابدين زوج أخته وعطل قرار إجماع مجلس الشورى في تنحيته وفصله من المجلس.

إن الشعوب المتأصلة في الحضارة خلصت من تلك المظاهر في وقت مبكر فقد عبر أفلاطون المولود سنة 428 ق. م عن تلك النظرة ((إن المصلحة الفردية لا يمكن أن توفر أبداً أساساًكافياً لحياةٍ سعيدة، وعادلة أو متمدنة، فالقوة الشرعية، والسلطة، والمعرفة توجدفقط لخدمة أولئك الذين تُمارس لأجلهم. تماما مثلما تكمن مهارة الطبيب في معالجةالمرض، ومثلما يمارس القبطان سلطته نيابة عن طاقمه، فإنه لا يجوز لأي حاكم، بقدر مايتصرف بصفته حاكماً، أن يتوخى أو يفرض ما يصب في مصلحته الخاصة، فكل ما يقولهويفعله، سيُقال ويتحقق بموجب ما هو مفيد وملائم للرعية التي من أجلها يمارسمهنته))

فهل هناك من سبيل لنا بذلك؟

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 09-06-2013, 02:40 PM   #8
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الكل أكبر من مجموع أجزائه



(1)

لو فرضنا أن بلدةً عدد سكانها مائة ألف نسمة، وكانوا على درجة كبيرة من الشبه والتطابق في سلوكهم ومسكنهم ومأكلهم وملبسهم وثقافتهم، وكان كلٌ منهم يحس بالاكتفاء الذاتي وعدم الحاجة الى الآخرين، فيفضل عدم الاحتكاك مع الآخرين ولا الاستعانة بهم لتمشية أمور حياته، فإننا نكون بمعنى آخر أمام بلدةٍ عدد سكانها فرد واحد مكرر مائة ألف مرة.

ولو أكملنا الافتراض، بأن يبرز من تلك البلدة مائة شخص يقسمون الأدوار فيما بينهم ويخططون ليلاً ونهاراً لاستثمار الوسط الذي يعيشون فيه، فإن قوة هذه المائة ستكون أكثر من أي مائةٍ أخرى، بل وقد تتغلب على سكان البلدة بكاملهم في تحقيق أهداف تلك الزمرة المكونة من مائة شخص.

هكذا تفعل النُظم الحاكمة في بلداننا وفي معظم بلدان العالم الثالث، تستفيد من تحييد المواطنين بوصفهم أفراد، في حين تنفرد هي في سن القوانين وإنشاء الإدارات التي تزعم فيها أنها تخدم الجميع، في حين تثبت هي في تلك الإدارات أركان حكمها، وتختار بطرق ملتوية من يدير أبناء المجتمعات بأذرع مختلفة كقوى الأمن وجمع الضرائب وغيرها.

في المجتمعات البدائية، رغم أن جدلية الحياة لا تموت، ولكن يكون الاستقرار والهدوء والسكون هي سمات المجتمع. ولكن عندما تكبر المدن فيكون أمامها طريقان إما أن تتحول الى مدينة منتجة مليئة بالحياة والأدب والفن والثقافة والاختراع والازدهار، بحيث تصبح قبلة للزوار والتجار ورجال الأعمال من مختلف أنحاء العالم، فيزيد بذلك تقدمها وازدهارها، وإما أن تتحول الى غابة كبيرة كثيرة المتاهات وبؤر الافتراس. كيف تصبح المدينة أمام أحد الخيارين؟


(2)


يستعمل علماء الاجتماع السياسي مصطلح الاندماج الاجتماعي والثقافي ليدخلوا منه الى تحليل حالة مجتمع الى أين وصل، ويطرحوا عنوان المشكلة لكي يعترف المطلعون أن هناك مشكلة حدودها كذا وكذا وأسبابها كذا وكذا، وطرق علاجها كذا وكذا، وقد تكون المشكلة في بلادنا أكثر تعقيداً، إذ أن هناك جيوشاً لا تعترف أن لدينا بالأساس مشكلة، وإن اعترف قسمٌ منهم بها فإنهم لا يتفقون على أن أسبابها هي التي يقولها الغير، وعندما يختلفوا في هذه النقطة، فإنهم بالتأكيد سيختلفون على مناهج الحلول ( لنُسقط ذلك على ما هو جارٍ في مصر وتونس وليبيا وسوريا).

يمكن أن نتبين ثلاثة أنواع من الاندماج: الأول ما بين القواعد الاجتماعية، والثاني ما بين القواعد والتصرفات الخاصة بالأشخاص، والثالث ما بين الأشخاص أنفسهم*1

يسمى النوع الأول من الاندماج بالاندماج الثقافي، وقد قسمه (رالف لنتون) الى ثلاثة أقسام: شمولية وتخصصية وبديلة. النموذج الشمولي يشمل تلك الأفكار والعادات والاستجابات العاطفية المشروطة التي يشترك فيها جميع أعضاء المجتمع البالغين العاقلين. وهذه الخاصية تختلف من مجتمع لآخر، وهي تتعلق باللغة والأزياء والنماذج القبلية الخ.

أما النموذج التخصصي فيحتوي على العناصر الثقافية التي يشترك فيها أعضاء جماعات معينة من الأفراد تحظى باعتراف المجتمع، ولكن لا يشترك فيها كل أعضاء المجتمع، كالمهن والطوائف الدينية والعرقية الخ.

أما النموذج الثالث فيحتوي عناصر تتميز فيها مجموعات فنية نحت أدب فكر سياسي الخ.*2

وحتى يكون المجتمع قوياً وصاعداً، يفترض أن يكون هناك تناغمٌ بين وحداته الجزئية ليصبح الكل أكبر من أجزائه، أي يكون في حالة تتلاقح فيها كل القوى في أداءٍ متعاضد لتصنع تقدم البلاد.


(3)



الاستعداد للنهوض يستلزم تنسيقاً دءوباً بين القوى الفاعلة في التغيير، فقبل أن تعلن بدءها لمشوارها في التغيير، عليها أن تتفحص القوى الأخرى الراغبة في التغيير، وتضع كلها مجتمعة خريطة التغيير ومساراتها، بشكل مبكر وتتفق على نقاط السير وما بعد الوصول، لا أن تنفرد قوة في حصاد ثمرة التغيير، وتنقطع أنفاسها عند الوصول، فتستبعد من شاركها عملية التغيير، وتبدأ بالبحث عن معاونين جدد ليجعلوها تنفرد بالسيادة!

في جنوب إفريقيا و الهند حصل تحشيد وعمل جبهوي قبل عمليات التغيير هناك فالتقى الشيوعي مع الليبرالي مع المتدين (مسلم، مسيحي، بوذي، سيخ الخ) مع البرجوازي، مع غيرهم واستبعدوا الصيغ المستوردة، فهذا مانديلا يقول في مذكراته رغم أننا تحالفنا مع الشيوعيين وكانوا أصدقائنا لكننا رفضنا منذ الانطلاقة أن نصنف صراعنا مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا على أنه صراع طبقي بين كادحين وملاك، إنه صراع إفريقي مع مستعمر، إنه صراع له لون خاص لا نستطيع وضعه في قالب مستورد*3

وفي بلادنا لا نكتفي بذكر محاسن البعض من صور في التاريخ القديم لنجعلها محفزات أخلاقية ومستفزات لإثارة الهمم الطيبة لنقتدي بها ونكتفي بهذا الجهد، على أساس أننا بلغنا ما يجب أن نبلغه والباقي على الشعب! وتكثر هذه الأيام المواعظ والنصائح والحديث عن المصلحة العامة والكل يتشابه فيها حكاماً ومعارضة وأبواق الحكام والمعارضة، فلا يهتم جائع بما يقوله حاكم على شاشات التلفزيون وخدوده متوردة من العافية بما يقول، ولا يهتم من يعاني يومياً من أزمة المواصلات بما سيقوله محاضر أوقف سيارته الفاخرة أمام قاعة المحاضرات الخ.

ويذكر الطرطوشي قصة ابن السماك الذي طلب منه الرشيد أن يعظه وكان بيد هارون الرشيد شربة ماء، فقال السماك: يا أمير المؤمنين أرأيت لو حبست عنك هذه الشربة أكنت تفديها بملكك? قال: نعم. قال: يا أمير المؤمنين أرأيت لو حبس عنك خروجها أكنت تفديها بملكك? قال: نعم. قال: فلا خير في ملك لا يساوي شربة ولا بولة! فوقع هارون الرشيد على ظهره باكياً مغشياً عليه*4، ويروي أصحاب الأخبار أن أحد رعايا الرشيد عندما سمع بذلك علق ساخراً: يعطوني عُشر ما يملك الرشيد من جوارٍ وقصور لأقع كل يوم على ظهري مائة مرة!

يتبع



هوامش
*1ـ عبد الرضا حسين الطعان/ البعد الاجتماعي للأحزاب السياسية دراسة في علم الاجتماع السياسي/ جامعة بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة 1990 الصفحات من 328 وما بعدها.

*2ـللتفصيل انظر (رالف لنتون: دراسة الإنسان) ترجمة عبد الملك الناشف/ بيروت: المكتبة العصرية 1964 ص 360ـ 363.

*3ـ نلسون مانيلا/ رحلتي الطويلة من أجل الحرية/ ترجمة: عاشور الشامس/ جنوب إفريقيا/ جمعية نشر اللغة العربية/1998 ص 109
*4ـ الطرطوشي/ مكتبة المصطفى الالكترونية/ مكتبة الوراق الالكترونية[ الكتاب تم تأليفه سنة 1121م وهو يسبق ابن خلدون الذي أنهى مقدمته المشهورة عام 1378م ب 257 سنة، ويظهر ابن خلدون تأثره بالطرطوشي وإن كان ينتقده]
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 16-06-2013, 02:53 PM   #9
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

ماذا لو قام المرشح باختيار ناخبيه؟


(1)


عندما يمتلئ الفضاء الذهني بصورٍ إعلامية (مكتوبة، مرئية، محكية، الخ) عن شعب أو فئة أو جماعة أو مهنة، فإن ذلك سيشكل ما أسمته (كروبسكايا)*1 بالنتوء المعرفي الذي تتراكم عليه الصور الافتراضية عن تلك الجماعة، فيتحكم بتصنيف ما يُطرح على المتلقي من أسماء مستقبلاً. وهذا ما سيشكل نمطية الحكم اللاحق المؤسس على الحكم المُسبق.

لقد شاهدنا في الأردن، أخواننا السوريين المهجرين أو المبتعدين بفعل الأحداث المؤلمة التي تجتاح القطر السوري الشقيق، وهم يحملون معهم أحكاماً مُسبقة كونوها عن أشقائهم الأردنيين، وقد لا يتكلموا بما ضُخ في رؤوسهم خلال سنين طويلة عن الصورة أو الصور التي كونوها عن الأردني، ولكن من خلال التعامل معهم ومراقبتهم تحس أنهم يقولون في داخلهم (أنتم شعب خانع، تقلون عنا جدية وقدرة على العمل، ونسبقكم ثقافياً، ونتخطاكم في كثير من الأشياء)، فإذا ما دعي أحد منهم لإكرامه رفض بكبرياء يلفها ذلك الشعور، وإذا ما افتتح أحدٌ منهم مصلحة كمطعم أو محل للبيع فإنه من اليسير اكتشاف مكنونات مشاعره.

هذه الصورة وأمثالها موجودة عند كل عربي تجاه الآخر، فللسعودي صورة مسبقة في أذهان الأردنيين، وللمصري صورة مسبقة في أذهان الخليجيين، وهكذا.

هذه الحالة لا تقتصر على ما هو عابر للحدود القطرية، بل تتجسد بسهولة في كل مجتمع محلي ليكون صورة مسبقة عن الآخرين، فابن العشيرة الفلانية يمتاز بكذا وكذا، والتاجر يمتاز بالتحايل وحلاوة اللسان ليصطاد المغفلين، والصائغ يلعب بالوزن، والحداد الخ.

وتنتقل الصورة لتصل الى أركان النظم الحاكمة في البلدان العربية، فكل حاكم إداري لديه قائمة من بضعة مئات من أبناء منطقته، فإن كانت المناسبة تستدعي دعوتهم كلهم ليحضروا معارفهم ليعلنوا تأييدهم للنظام الحاكم، فإن الحاكم الإداري يأمر بذلك، وإذا كان الأمر يتطلب حضور عشرة أو عشرين، فإنه سيختارهم من بين المئات التي في درجه.

وقد يكون تصنيف الحاكم الإداري ومن يمده بتلك الأسماء صحيحاً أو قريباً من الصحة، ولكنه سيكون محكوما أولا وأخيراً بالهواجس الأمنية، فهم، أي من يعدون القوائم لا يريدون مفاجئات غير سارة للزائر الكبير، بتعليق محرج أو شكوى من فساد أو غيره.

ويحدث هذا الأمر بالاجتماعات الشعبية، حتى لو كانت عشائرية، فإن قوائم المدعوين محكوم عليها هي الأخرى بالنمطية، ففلان يتصدر عشيرته أو فخذاً منها فليدعى، فترى الممثلين عن عشائرهم يتكررون لسنوات طويلة.


(2)


يتفاخر الغرب علينا بأنه هو من أسس الديمقراطية، فيتكلمون عن اليونان والدولة الرومانية وغيرها، ويقولون هم من اخترع هذا النموذج، وبالرغم ما فيه من عيوب وثغرات تتمثل بسطوة المال والجاه والسيادة (حيث لم يكن للعبيد ولا الفلاحين ولا النساء حق الاقتراع)، ولسنا الآن بصدد مناقشة هذا الموضوع، فإن العرب قد سبقوا اليونان والرومان بمئات السنين في نموذج يُعد أكثر عدلاً وإنصافاً من النموذج الأوروبي.

لقد كان نظام (المِزْوَد)*2 هو النظام السائد في ممالك ( قتبان، وكمنهو، وغيرها من دول اليمن القديم)، حيث تنتخب كل عشيرة ممثلاً عنها، وتنتخب كل مهنة واحداً (صانعو السيوف، الصائغون، التجار الخ)، وينتخب كل أتباع ديانة أو عبادة (عَبَدة القمر، والشمس، وسهيل وغيرها) واحداً، حتى يصبح هؤلاء مجلسا يُسمى (مزود) وهو يقوم بسن القوانين وتعليقها على مسلات في مداخل المدن ليطلع المواطن والزائر عليها والالتزام بها، كما يقوم المزود باختيار الحاكم العام من بين أعضائه، ويبدله بشكل دوري أو متى اقتضت الحاجة.

يتفوق الغربيون علينا، بالاستفادة من التطور الجدلي في فكرهم ومعتقداتهم الفلسفية والمدنية، فهم لا زالوا يذكرون أقدم فلسفاتهم حتى لو كان المؤلف أو المفكر يضع موضوعه اليوم، فإنه لا يفتأ يذكر أرسطو وأفلاطون ويمر حتى يصل لأحدث ما كتبه مفكرون القرن العشرين. في حين، توقفت الجدلية في الحوار الفكري المكتوب، منذ انتهاء عصر المعتزلة في القرن الخامس الهجري. بل قليلون من يعترفوا بجهود الفلاسفة العرب والمسلمين، وإذا ذكرها أحد المفكرين فإنه يذكرها باقتضاب ودون أن يحاول التطوير عليها بشكل جدي.

أما النماذج القديمة في إدارة الحكم في دول جنوب الجزيرة العربية، فتكاد تختفي من أدبيات الكُتاب والمفكرين، حتى أولئك الذين ينشدون المزاوجة بين التراث والحداثة.

(3)

لكل مواطن عربي رقمٌ وطني وهو كرقم (الشاصي) لا يمكن أن يحمله اثنان. ماذا لو أجرينا تطويراً للتجربة اليمنية القديمة (المزود)؟. ولنجعل المرشح لأي مركز يقوم باختيار ناخبيه وليس العكس؟

لو أخذنا تجمعاً سكانياً أو قرية صغيرة سكانها لا يتعدون المائة نسمة، أي عدد من يحق لهم الاقتراع لا يزيدوا عن خمسين، وقام أحد المنبرين للعمل العام بإعداد قائمة بأسماء الناخبين وتوقيعاتهم عليها ومثبت بجانب كل واحد منهم الرقم الوطني، ويذهب به الى دائرة مشتركة في أقرب قرية أو مدينة ليودع هذه التفويضات لديها، وهكذا يفعل كل واحدٍ مع خمسين آخرين حتى تُغطى كامل البلاد، فلو كان هناك أمر يعني سكان منطقة من مائة ألف فيعني أننا سنطرح الأمر للمناقشة أمام ألفٍ من المفوضين (على أساس أن نصف السكان هم من الراشدين)، وهذا أمر قد يكون فيه صعوبة، فعلى المفوضين (الألف) أن يحضر أيٌ منهم خمسين تفويضاً من (الألف) المفوضين من كل البلدة، فيصبح لدينا عشرون مفوضاً عن البلدة، وهكذا حتى يتم تغطية البلاد، حتى لو كان سكانها مائة مليون نسمة. وتكون مدة التفويض أربع سنوات ويتم تجديد المفوضين أو تبديلهم من خلال سعي الراغبين في العمل العام الى ناخبيهم والتواصل والتشاور معهم.

إن هذه الفكرة فيما لو تم تطويرها والاستفاضة بشرحها ستحقق ما يلي:

1ـ ستكسر الاحتكار لنُخب مالية أو عشائرية أو سياسية، وتجعل كل المواطنين معنيين بالعمل العام.

2ـ ستربط كل مواطن بمفوض الخمسين لمتابعة قضاياه والاستماع لآرائه.

3ـ ستخفف من أعمال الإجرام والجنوح من خلال تسلسل اجتماعي يكون فيه كل الاختصاصات المستثمرة في التواصل الشعبي.

4ـ ستترك الحرية للمفوضين أن يسعوا ضمن دوائرهم بالتحرك إما مهنياً أو عقائدياً أو عشائرياً، وتمنعهم من التلاعب بالتفويضات، كون أن كل مواطن اختار رصف نفسه برصيفٍ واحد (إرادياً)، فإن كان ممن يتعاطون العمل الحزبي فعليه التبشير والتحرك والدعاية في أوساط معينة، وإن كان ممن ينشدون دعم مهنة أو نقابة أو حرفة أو هواية أو فن عليه التحرك ضمن ذلك وهكذا.

5ـ بعد ذلك سنجد في كل مدينة أو قصبة أو تجمع سكاني ما يشبه البرلمان الخاص أو المجلس المعني في شؤون مواطنيه. وعلى الجميع أن ينسى فكرة الفائدة الشخصية ـ حيث لا رواتب ولا مخصصات ـ بل هي من أجل الخدمة العامة التي لو تمت رعايتها بشكل جيد، فإنها ستطلق الإبداعات وتحاصر الفساد وتجتثه من جذوره، وستتعرف على أصحاب الكفاءات الصادقين لتضعهم في مراكز إدارة الدولة.


انتهى

هوامش
*1ـ تكنيك القراءة والمطالعة:كراسة سوفيتية قديمة بالعربي/ كتبتها كروبسكايا زوجة لينين، صدرت عن مؤسسات التواصل مع العالم في الخمسينات من القرن الماضي.
*2ـ يمكن مراجعة أي كتاب من الكتب التالية للاطلاع على التجربة: (العرب قبل الإسلام/ جورجي زيدان/ الجزء الأول القاهرة 1922)، (العرب قبل الإسلام/ محمد عرفة القاهرة 1995)؛ (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام/ جواد علي دار العلم للملايين).
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .