إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة محى الدين
ثم ماذا بعد ...
ننتظر افعالا تترجم هذا الكره
|
مذكرات وزير الدفاع السورييقول الفريق الحديدي: "في مساء اليوم الثالث من عدوان 67 كان الجيش المصري قد فقد معظم قواته في سيناء، أما الحصيلة النهائية لتلك الخسائر فقد بلغت في صفوف الطيارين 04٪ ، و17٪ من القوات البرية، وكانت الخسائر في المعدات قد بلغت 85٪ في القوات البرية، أما خسائر القوات الجوية من القاذفات الثقيلة والخفيفة فقد وصلت إلى 100٪ و87٪ من المقاتلات القاذفة والمقاتلات وكان عدد الشهداء والمفقودين والأسرى هو 13600، وهذه الأرقام لم يكن قد أُعلن عنها بعد.
لكن الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين قد فهم من كلام الرئيس عبد الناصر أن الجيش المصري أصبح في حالة لا تسمح له بالقتال، إلا من خلال تدخل قوي على جبهات أخرى تشغل العدو لحين إعادة ترتيب صفوف المصريين وتطوير القتال، ناصر لم يبلغ بومدين بهذا الأمر صراحة، لكن الأخير كان يحمل الكثير من مقومات الشخصية العسكرية القيادية والقادرة على التكيف مع تطورات الميدان، والغريب أن الرجل كان أكثر قربا وتحليلا وقراءة لما يحدث على أرض القتال من القادة العسكريين المصريين آنذاك.
وعلى الفور اتصل بومدين بالرئيس السوري آنذاك نور الدين مصطفى الأتاسي، وطلب منه سرعة توجيه ضربة جوية للمطارات والممرات والقواعد العسكرية والمنشآت الحيوية وتدمير الكنيست الصهيوني والمصانع الكيميائية، وهذه المعلومة -يقول الحديدي- أبلغني بها أحد الدبلوماسيين السوريين المقربين من الأتاسي، وقدم لي الوثائق التي تؤكد صحة كلامه.
ويضيف الفريق الحديدي: "لم يكن الرئيس الجزائري الراحل يطلب من سوريا مهمة مستحيلة، فالمقاتلات الصهيونية كانت منهمكة في القتال في سماء مصر، وكانت قواعد العدو منكشفة، والوصول إليها كان أمرا في غاية السهولة، لذلك طلب بومدين أيضا من الأتاسي أن تتوغل القوات السورية في فلسطين المحتلة، وأظهرت خطة الراحل بومدين العسكرية أنها كانت متكاملة ومدمرة للعدو، وكان من شأنها أن تقلب الهزيمة نصرا، بل وكان من الممكن أن تضع حدا للوجود الصهيوني في الأراضي العربية.
وبالإمعان أكثر في تفاصيل هذه الخطة، نجد أن الرئيس الجزائري لم يطلب من الطيران الحربي السوري مجابهة المقاتلات السورية والالتحام معها في معارك جوية من باب أن المعركة ستكون غير متكافئة، وإنما طالب بتدمير الممرات والمطارات مما يجعل هبوط ورجوع هذه المقاتلات إلى قواعدها أو على الأقل التزود بالوقود والذخيرة متعذرا، فتبقى عالقة في السماء حتى تسقط بمفردها مشلولة عن الحركة، أو على الأقل يتحيد دورها في المعركة، ليتاح المجال للقتال البري، وبذلك يعود جانب هام من جوانب توازن القوى بعد أن ينكشف الغطاء الجوي للجيش الصهيوني، مثلما حدث للجيش المصري".
المقاتلات الجزائرية تأهبت لتدمير القوة الجوية الصهيونية
ويواصل الفريق الحديدي: "ذهبت الخطة الجزائرية إلى أبعد من ذلك، حينما طمأن الرئيس بومدين الرئيس الأتاسي، بأن المقاتلات الجزائرية تستعد لدخول المعركة بشكل مباشر، وأن هناك عملية جوية كبيرة تنوي الجزائر من خلالها الاشتباك مع المقاتلات الصهيونية، وتدميرها في معركة عبّر عنها الرئيس الجزائري بـ "السهلة" إذا لم تتح فرصة عودة تلك المقاتلات إلى قواعدها، وأخبر بومدين الأتاسي أن هناك عقبة وحيدة وهامة تعترض هذه العملية وهي مكان الهبوط والتزود، خاصة وأن المسافة من الجزائر إلى الأراضي الفلسطينية لن تمكن المقاتلات الجزائرية التحليق في الجو أكثر من 25 دقيقة إضافية.
ولأن المطارات المصرية دمرت بأكملها، فكان منطقيا -يقول الحديدي- أن يطلب بومدين من سوريا استخدام المطارات السورية لتكون قواعد انطلاق وهبوط للمقاتلات الجزائرية، وأكد الرئيس الجزائري لنظيره السوري أن الأسطول الجوي الجزائري بأكمله سيشارك في تنفيذ هذه العملية، وأن نسبة نجاحها تفوق الـ 90 في المئة، وقال حرفيا : آن الأوان للقضاء على هذا الطاعون.. مد يدك في يدي سيادة الرئيس ليس فقط من أجل إنقاذ مصر، ولكن من أجل أمتنا وشرفنا".
أما عن الرد السوري، والذي حرصت على معرفته، فالفريق الحديدي يقول: "لم يكن هناك مبرر واحد لرفض هذه العملية، اللهم إذا كانت هناك رغبة من بعض الساسة العرب الخلاص من عبد الناصر وترك مصر تواجه مصيرها، ففي تلك الأثناء واجه ناصر عديد المؤامرات من الداخل والمحيط العربي والدولي، وكان هناك شبه إجماع من هذه الأطراف على ضرورة استئصال الرجل، لذلك تلحظ -يقول الحديدي- أنني ركزت في شهادتي إليك على مواقف الرئيس الجزائري هواري بومدين الذي سار في الاتجاه الآخر، وشذّ عن هذه المؤامرة، لينفرد بهذا الموقف عن بقية القادة الذين حكموا العالم آنذاك، ولعل هذا أحد أهم الأسباب الرئيسية التي دفعت الكتاب والمؤرخين إلى طمس كل المعلومات المتعلقة بالدور الجزائري، وهو الدور الذي يتناقض في حجمه وتفاعله مع كل الأحاديث المتعلقة بهذا العدوان أو حتى حرب 73".
ويضيف الحديدي: "أبلغتني عديد الشخصيات السورية في حكومة الأتاسي أن الرجل لم يكن متحمسا للعرض الجزائري، وكان جل همه أن يبعد العدوان عن الأراضي السورية، وأنه أخبر الراحل بومدين أن العملية تحتاج لتخطيط ووقت، لكن الوقت كان أسرع مما توقع الرئيس السوري، ولم يكن أمامه سوى قبول الهزيمة بصدر رحب بعد أن أمر قواته بالانسحاب من الجولان قبل أن تصل إليها القوات الصهيونية".
مذكرات وزير الخارجية المصري
وبالعودة مرة أخرى إلى أرشيف الزيارات بوزارة الخارجية المصرية، وتحديدا في النصف الأول من شهر جوان 1967 ، نجد زيارة قام بها الرئيس الراحل هواري بومدين، مرفوقة ببعض قصاصات الصحف العائدة لتلك الفترة، ومنها صحيفة الأخبار المصرية التي نشرت على صدر صفحتها الأولى صورة بومدين وسط جموع جماهيرية غفيرة بساحة الشهداء بالعاصمة الجزائرية، وتحت مانشيت عريض عنوانه: »الرئيس الجزائري يعلن الحرب على إسرائيل«، تحدثت الصحيفة عن خطبة نارية ألقاها الرئيس الراحل بومدين في ساحة الشهداء التي أمّها آلاف الجزائريين الغاضبين مما وقع على جبهات القتال في مصر وسوريا، وقالت الصحيفة إن الحكومة الجزائرية تتعرض لضغط شعبي كبير يطالبها بالتدخل لإنقاذ البلدان العربية من العدوان الصهيوني، ونقلت الصحيفة مقتطفات من خطبة الراحل بومدين التي قال قيها إن الجزائر ستقف شعبا وجيشا وحكومة مع مصر وسوريا حتى النهاية.
تصريحات بومدين لم تكن مجرد شعارات لامتصاص غضب الشارع الجزائري، والدليل أن الرجل تحرك على عجل إلى القاهرة، ليكون أول رئيس عربي ومسؤول كبير يزور مصر عقب العدوان، وأذكر في هذا السياق واقعة شخصية ذات صلة بالموضوع، فحينما هممت لزيارة الجزائر للمرة الأولى، وكنت أشاور العائلة في الأمر، فاجأني عمي الكبير بالقول، الجزائر دي كان فيها راجل ما جبتهوش ولادة ـ يقصد فريد وأصيل من نوعه ـ، جاء مصر بعد النكسة، وركب مع عبد الناصر سيارة مكشوفة وسار في شوارع القاهرة لتهتف الجماهير باسمه وحياته لأنه الزعيم العربي الوحيد الذي لا يبيع كلاما... فقد كان رجلا في أفعاله وأقواله، سخر جيش وموارد بلاده رهن القضية العربية، واسأل أي مصري عنه هيقولك أبو مدين ـ بقصد بومدين ـ.
خطة بومدين لتحرير سيناء والجولان
لم تتحدث الوثائق عن تفاصيل الاجتماعات التي تمت بين الرئيسين عبد الناصر وبومدين في تلك الزيارة، لكن مذكرات محمود رياض الثرية تعود لتكشف بعض أسرار تلك اللقاءات السرية، فجاء فيها: »عرض الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين خطة لشن هجوم معاكس على القوات الصهيونية في سيناء والجولان، ترتكن إلى هجوم بري كبير تقوم به القوات المصرية والسورية مدعومة بقوات جزائرية كبيرة وتحت غطاء جوي تكفله المقاتلات الجزائرية.
وتحمس الرئيس عبد الناصر لخطة الرئيس الجزائري، وبدأ التنسيق بالفعل لاعتماد هذه الخطة، لكن الطرف السوري لم يؤيدها لفقدانه معظم قواته في الحرب، واضطر الرئيس ناصر للتراجع، لاعتقاده بأن نجاح العملية محكوم عليه بالفشل بدون مشاركة سوريا، فحاول الرئيس بومدين إقناع الرئيس عبد الناصر بأن القتال على الجبهة المصرية وحده كافيا، فعاد ناصر ليشرح لبومدين أن الجيش المصري فقد كل آليته في سيناء، وأن الأمر يحتاج لفترة حتى يتمكن الجيش المصري من استكمال عملية التجهيز، فتم استبدال خطة الهجوم الكاسح بخطة أخرى حملت اسم "بدر".
وهي ذات الخطة التي سماها السادات بعد وفاة ناصر بالخطة "بدر 2" بعد إدخال تعديلات عليها، وهي الخطة التي مهدت بنجاح لحرب أكتوبر عام 1973، وكانت خطة »بدر« تقضي بجر العدو لحرب استنزاف طويلة تنهك قواه وتفكك تماسكه تمهيدا لهجوم كاسح لا يتوقف بتحرير الأراضي العربية المغتصبة في عدوان 1967 ولا ينتهي إلا بتحرير القدس والقضاء على الجرثومة الصهيونية للأبد«.
ويضيف رياض: »تدفق السلاح والجنود الجزائريين على خط المواجهة غرب القناة، واستشعر العدو أن مصر تلقى دعما عربيا وبالأخص جزائريا للقيام بعملية معاكسة، ودب الخوف في الكيان الصهيوني، فبدأ سلاح المهندسين في الجيش الصهيوني بتشييد أكبر خط دفاعي في التاريخ وهو خط بارليف،