نقد كتاب الأخذ بالأسباب كقيمة إسلامية في القرآن وتطبيقاتها التربوية
نقد كتاب الأخذ بالأسباب كقيمة إسلامية في القرآن وتطبيقاتها التربوية
المؤلف محمد علي عزب والبحث يدور حول ما اسمته البحوث التربوية الحديثة القيم وهى كلمة تعنى الصفات الخلقية الحميدة بينما في القرآن تعنى الكلمة المأخوذة من الجذر قيم العادل أى العظيم أو العدالة وفى مقدمته قال :
"مقدمة:
يعد موضوع القيم من الموضوعات البحثية القديمة الجديدة التي أثارت اهتمام الباحثين في مختلف حقول العلم وخاصة التربوية منها لما للأحداث الاجتماعية والثورات الإسلامية من آثار اجتماعية وفردية كبيرة في فكر الإنسان وسلوكه علي مر العصور ولما أحدثته الثورة العلمية والتكنولوجية من مشاكل أخلاقية هزت القيم وأحدثت خللا بها في العصر الراهن مما أدي إلي المناداة بضرورة العودة إليها - أي القيم الخلقية - والتمسك بها.
والقيم مجموعة من الاهتمامات التي تنمو لدي الفرد من خلال التربية، وتتمثل نظرة الدين الإسلامي الحنيف إلي القيم بأنها الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات الإنسانية من خلال مكونات عدة يحددها البعض بالمكون العقلي والمعرفي والنفسي والأدائي والوجداني "
ومن ثم فلا علاقة بين ما يقصده الله في القرآن بالدين القيم ودين القيمة وبين القيم التى هى مدار البحوث التربوية
وقد تحدث عزب عن المعنى اللغوى والفلسفى للكلمة فقال :
"1 - المعني اللغوي والفلسفي للقيمة:
للحديث عن الأخذ بالأسباب كواحدة من القيم نستعرض المعني اللغوي والفلسفي والتربوي للقيم:
• المعنى اللغوى:
القيم مفردها قيمة وقوم الشيء تقييما أي حدد السعر الذي يقابله وقوم الشيء تقويما فهو قويم أي مستقيم والاستقامة الاعتدال.
والقوام بالفتح العدل، ...وإذا أردنا أن نقيس كل ذلك على الأخذ بالأسباب فنجد أنها مسألة تندرج تحت القيم وخاصة قويم أي مستقيم ومعتدل حيث تستقيم به الأمور وتعتدل.
والقيم تعني الأشياء التي تقدر وتعني الاستقامة والاعتدال وتعني العدل وتعني الحسن وتعني عماد الأمر وقوامه وهذه كلها تنطبق علي الأخذ بالأسباب.
• المعني الفلسفي للقيم:
القدر والمنزلة وما في الأشياء من خير وجمال وصواب. وهي مجموعة من الخصائص الثابتة للشيء الذي يقدر بها ويرغب فيه من أجلها لأنها تحقق فائدة ما مادية أو معنوية وهي تساعد علي الاستقامة والصلاح لحياة الكائن البشري وهذه المعاني تنطبق علي الأخذ بأسباب الحياة لأنه يحقق فوائد معنوية ومادية ويساعد علي الاستقامة والصلاح كما سيتضح من عرض الآيات القرآنية التي تدعو إلى ذلك."
ومن ثم لا علاقة بين ما جاء في البحوث التربوية وبين كلمة القيم أو القيمة التى هى أجزاء أى صفات متعددة أى أفعال كثيرة بينما القيم هو العدل والقيمة تعنى العدالة وهى صفة شاملة لكل الصفات الأخرى لأنها تعنى طاعة دين الله العادل
واختار عزب واحدة من أحكام الله والتى يسميها الأخذ بالأسباب فقال :
"2 - قيمة الأخذ بالأسباب مصدرها القرآن الكريم:
تعني القيم في القرآن مجموعة من الأخلاق العملية التي تصنع نسيج الشخصية وتجعلها متكاملة وقادرة علي التفاعل مع المجتمع والتوافق مع أعضائه والعمل من أجل النفس والأسرة والعقيدة
وتعني: أحكام ومبادئ سليمة ومرشدة وهادئة في الحياة وهذه المعاني أيضا تنطبق علي الأخذ بالأسباب في الحياة حيث أنه نوع من الأخلاق العملية وفي الأحكام والمبادئ السليمة والمرشدة والهادئة في الحياة.
وتجدر الإشارة أن القيم الوضعية مصدرها إما الطبيعة وإما المثال. فالطبيعة هي التي تحدد كون السلوك قيمة من عدمه عند كل من التجريبيين والوضعيين والحسيين، وعندهم أن القيمة واقعية أي يحددها الواقع، وجزئية أي ترتبط بموقف حياتي محدد زمانيا ومكانيا وشموليا، متفاعلة مع الواقع، والقيم تتغير وفقا للواقع وغايتها تحقيق اللذة أو المنفعة الواقعية.
وبالنسبة للمثال كمصدر للقيم فيعني أن القيم سماوية عليا أو قبلية في العقل ...والقيم في القرآن مصدرها القرآن نفسه من خلال تقديمه لفكرة الواجب أو ما ينبغي بحيث يتحقق التوازن الفردي والاجتماعي والحياتي بأسره بحيث يتحقق الاستقرار في الأرض والسماء وهذه الدراسة سوف تثبت أن الأخذ بالأسباب قيمة مشتقة من القرآن الكريم غايتها تحقيق النفع للإنسان.
ويمكن القول أنه بالإطلاع علي الدراسات التي أجريت عن القيم في القرآن الكريم نجد أنها قد اتبعت التصنيفات الوضعية للقيم، وهذه التصنيفات جاءت طبقا لجوانب الإنسان أحيانا، والإنسان عبارة عن عقل ونفس ووجدان وجسم، وعليه صنفت القيم إلي قيم عقلية، وقيم نفسية، وقيم وجدانية، وقيم جسمية.
وأحيانا أخري تجيء تصنيفات القيم وفقا للمجالات الحياتية مثل القيم الاجتماعية، والقيم السياسية، والقيم الاقتصادية، والقيم الخلقية، والقيم التربوية
وبالنسبة للأخذ بالأسباب كقيمة إسلامية فهو عبارة عن سلوك يتخلل كافة المناشط الحياتية أيضا ويمكن القول أن القيم في القرآن عبارة عن سلوك وعمل وواقع حياة لتكوين الإنسان الصالح والمجتمع السليم، والإنسان يتزود من هذه القيم بالطاقات التي تمكنه من أداء رسالته في المجتمع بحيث يتحقق الانسجام والتوازن الحياتي الذي هو غاية من غايات القيم في القرآن."
وكل هذه التقسيمات تقسيمات فلسفية والكلام عنها باطل فعندما مثلا نذكر كلمة الاعجاب كقيمة نجد بعضها ليس قيمة وبعضها ظلم فمثلا الاعجاب نجد فيه المحرم وهو الظلم الذى نهى الله عنه فقال :
" فلا تعجبك أجسامهم ولا أموالهم"
ونجد التعجب المباح كما في قوله :
" وإن تعجل فعجب قولهم"
ومثلا قيمة الهجر نجدها بعضها محرم كما في هجر القرآن :
"إن قومى اتخذوا القرآن مهجورا"
وبعضها حلال كقوله :
" فاهجروهن في المضاجع"
إذا فالقيم المزعومة ليست قيمة لأن نفس القيمة قد نجدها حسنة وقد نجدها سيئة
ومثلا تحدث عن قيمة سماها العمل فقال :
"والقيم في القرآن تشتق من مبادئه الأخلاقية المشار إليها صراحة أو المتضمنة فيه:
مثال العمل:
{وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} ومثال آخر للعلم والحث عليه: {اقرأ باسم ربك الذي خلق}
وبالطبع فإن هذه المبادئ الأخلاقية التي تنعكس أو تترجم إلي قيم إسلامية تشمل كافة جوانب حياة الإنسان ومناشطه الحياتية في تفاعلها مع بعضها البعض ومع الكون ومع الله عز وجل لتحقيق غاية الحياة وتكوين الإنسان الصالح، بالإضافة إلي كون الإنسان يستمد طاقته من خلال الاتصاف بتلك القيم"
والعمل ليس قيمة لأنه يشمل كل أقوال وأفعال الإنسان ومن ثم لا يمكن أن نصف عام بخاص
وحدثنا عن الأسباب بالقدر والأخذ بالأسباب فقال :
"والأخذ بالأسباب من القيم التي تضمنها القرآن الكريم ولها تطبيقات تربوية عده سنحاول إبرازها في هذه الدراسة.
3 - هل الإيمان بالقدر يتنافى مع الأخذ بالأسباب كقيمة إسلامية:
يقول الإمام النووي في شرح صحيح مسلم عن القدر " أعلم أن مذهب أهل الحق إثبات القدر ومعناه أن الله تبارك وتعالي قدر الأشياء في القدم وعلم سبحانه وتعالى أنها ستقع في أوقات معلومة عنده "
ويقول الخطابي: " وليس الأمر كما يتوهمونه وإنما معناه الأخبار عن تقدم علم الله سبحانه وتعالي بما يكون من اكتساب العبد "
وفي هاتين المقولتين للنووي والخطابي كفاية لإثبات أن الإيمان بالقدر لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب، فالإنسان يختار بحريته وإرادته ويأخذ بالأسباب وقد لا يأخذ وكل هذا مقدر ليس بإكراه الإنسان وكونه سيأخذ بالأسباب أم لا، وإنما بعلم الله المسبق به، وهذا لا يتنافى بالقطع مع دعوة القرآن إلي الأخذ بالأسباب ودعوة القرآن إلي الرضا بقضاء الله وقدره حين يأخذ الإنسان بالأسباب ويفشل أو ينجح."
وبالطبع العملية كلها تخيل خاطىء للموضوع لأن القدر وهو القضاء غيب لا يعلمه أحد فكيف يؤثر مجهول هو القدر على معلوم وهو الأسباب ؟
لا توجد المشكلة إلا في نفوس المجانين فقط
وذكر عزب بعض الآيات الدالة على ألأخذ بالأسباب فقال :
4 - الآيات الدالة علي الأخذ بالأسباب كقيمة تربوية في القرآن الكريم:
1 - {وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم}
الله عز وجل جعل الماء سببا لإخراج النبات المثمر، والثمرات تعني الشجرات ومسألة جعل الماء سببا من أسباب الحياة من الأمور التي ارتبطت بنشأة الخلق " وجعلنا من الماء كل شئ حي "."
هنا الماء ليس سبب يأخذ به وإنما المأخوذ به في تلك الآية وهو غير مذكور هو بذر الفلاح للحبوب وغرسه للفسائل
|