شكرا لأخي الفاضل الكريم محمد عاشق القمر.
كيف حالك ؟؟؟ والأسرة الطيبة الكريمة ؟؟؟
كل عام وأنتم بخير.
شكرا علي سؤالك الغالي الذي أعتز به .
تحياتي وتقديري والمودة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبد الله بن المبارك
في مدينة (مرو) سنة 118هـ ولد (عبد الله بن المبارك) ونشأ بين العلماء نشأة صالحة، فحفظ القرآن الكريم، وتعلم اللغة العربية، وحفظ أحاديث كثيرة من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودرس الفقه، وأنعم الله عليه بذاكرة قوية منذ صغره، فقد كان سريع الحفظ، لا ينسى ما يحفظه أبدًا، يحكي أحد أقربائه واسمه (صخر بن المبارك) عن ذلك فيقول: كنا غلمانًا في الكتاب، فمررت أنا وابن المبارك ورجل يخطب، فأطال خطبته، فلما انتهى قال لي ابن المبارك: قد حفظتها، فسمعه رجل من القوم، فقال: هاتها، أسمعنا إن كنت حفظتها كما تدَّعي، فأعادها عليه
ابن المبارك وقد حفظها ولم يخطئ في لفظ منها.
وفي الثالثة والعشرين من عمره رحل عبد الله إلى بلاد الإسلام الواسعة طلبًا
للعلم، فسافر إلى العراق والحجاز.. وغيرهما، والتقى بعدد كبير من علماء عصره فأخذ عنهم الحديث والفقه، فالتقى بالإمام مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأبي حنيفة النعمان، وكان عبد الله كلما ازداد علمًا، ازداد خوفًا من الله وزهدًا في
الدنيا، وكان إذا قرأ كتابًا من كتب الوعظ يذكره بالآخرة وبالجنة والنار، وبالوقوف بين يدي الله للحساب، بكى بكاء شديدًا، واقشعر جسمه، وارتعدت فرائصه، ولا يكاد يتكلم أحد معه.
وكان عبد الله يكسب من تجارته مالا كثيرًا، وها هو ذا يعطينا درسًا بليغًا في السلوك الصحيح للمسلم، وذلك حين أتاه أحد أصدقائه واسمه (أبو علي) وهو يظن أن الزهد والتجارة لا يجتمعان قائلاً لعبد الله: أنت تأمرنا بالزهد، ونراك تأتي بالبضائع من بلاد (خراسان) إلى (البلد الحرام) كيف ذا ؟! فقال له عبد الله بن المبارك: يا أبا علي، إنما أفعل ذا لأصون وجهي، وأُكْرِم عرضي، وأستعين به على طاعة ربي، لا أرى لله حقًّا إلا سارعت إليه حتى أقوم به، وكان عبد الله بن المبارك لا يبخل على أحد بماله، بل كان كريمًا سخيًّا، ينفق على الفقراء والمساكين في كل سنة مائة ألف درهم.
وكان ينفق على طلاب العلم بسخاء وجود، حتى عوتب في ذلك فقال: إني أعرف مكان قوم لهم فضل وصدق، طلبوا الحديث، فأحسنوا طلبه لحاجة الناس
إليهم، احتاجوا فإن تركناهم ضاع علمهم، وإن أعناهم بثوا العلم لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- لا أعلم بعد النبوة أفضل من بثِّ العلم.
وكان ابن المبارك يحبُّ مكة، ويكثر من الخروج إليها للحج والزيارة، وكان كلما خرج من مكة قال:
بُغْضُ الحياةِ وخوْفُ اللَّهِ أخرجنَـِـي
وَبيعُ نَفْسي بما لَيسَتْ لَهُ ثمَنَـــــا
إنــي وزنْتُ الَّذي يبْقَـــي لِيعْدلَــه
ما ليس يبْقي فَلا واللَّهِ مـا اتَّزَنَـــا
وكان عبد الله بن المبارك يجاهد في سبيل الله بسيفه، حتى إن كثيرًا ممن أتوا ليستمعوا إلى علمه، كانوا يذهبون إليه فيجدونه في الغزو، وكان يرى أن الجهاد فريضة يجب أن يؤديها المسلمون كما أداها الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويروى عنه أنه أرسل إلى صاحبه الفضيل بن عياض يحثُّه على قتال الأعداء، ويدعوه إلى ترك البكاء عند البيت الحرام قائلاً له:
يــا عابِدَ الحرَميْن لـو أبْصَــرْتَنا
لَــعلِمْتَ أنَّكَ في العبَادةِ تَلْعَبُ
من كان يَخْضِبُ خـدَّه بدُمُـــوعِه
فنحوُرنـــا بدمائِنا تتخضَّب
أوْ كــان يُتْعب خيلَه فــي باطل
فخيولُنا يوم الصبيحــة تَتْعبُ
ريح العبير لكـم، ونحن عبيرُنا
رَهَجُ السَّنَابك والغبارُ الأطيبُ
وأحبَّ عبد الله بن المبارك أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-حبًّا عظيمًا وكان لا يجيب أحدًا يسأله عن حديث منها وهو يمشي، ويقول للسائل: (ليس هذا من توقير العلم) وكان حفَّاظ الحديث في الكوفة إذا اختلفوا حول حديث قالوا:
مروا بنا إلى هذا الطبيب نسأله (يقصدون عبد الله بن المبارك).
ولقد اجتمع نفر من أصحابه يومًا وقالوا: تعالوا نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير، فقالوا: جمع العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والشعر، والفصاحة والزهد، والورع، والإنصاف، وقيام الليل، والعبادة، والفروسية، والشجاعة، والشدة في بدنه، وترك الكلام في ما لا يعنيه.. حتى أجهدهم العدُّ.
ولقد قدر الناس عبد الله بن المبارك وزادت مهابته لديهم على مهابة
هارون الرشيد.. رُوي أن هارون الرشيد قدم ذات يوم إلى (الرقَّة) فوجد الناس يجرون خلف عبد الله بن المبارك لينظروا إليه، ويسلموا عليه، فنظرت زوجة
هارون الرشيد من شباك قصرها، فلما رأت الناس قالت: ما هذا ؟! قالوا: عالم من خراسان قدم (الرقَّة) يقال له (عبد الله بن المبارك) فقالت: هذا والله الملك، لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بالشرطة والأعوان.
وفي يوم من أيام شهر رمضان سنة 181هـ توفي عبد الله بن المبارك وهو راجع من الغزو، وكان عمره ثلاثة وستين عامًا، ويقال: إن الرشيد لما بلغه موت عبدالله، قال: مات اليوم سيد العلماء.
[/FRAME]
[FRAME="11 70"]وفاة عبد الله بن المبارك ( 181 هـ )
أبو عبد الرحمن المروزي، كان أبوه تركياً مولى لرجل من التجار من بني حنظلة من أهل همذان، وكان ابن المبارك إذا قدمها أحسن إلى ولد مولاهم، وكانت أمه خوارزمية.
ولد لثمان عشرة ومائة.
وسمع: إسماعيل بن خالد، والأعمش، وهشام بن عروة، وحميد الطويل، وغيرهم من أئمة التابعين.
وحدث عنه خلائق من الناس.
وكان موصوفاً بالحفظ والفقه والعربية والزهد والكرم والشجاعة والشعر، له التصانيف الحسان، والشعر الحسن المتضمن حكماً جمة، وكان كثير الغزو والحج، وكان له رأس مال نحو أربعمائة ألف يدور يتجر به في البلدان، فحيث اجتمع بعالم أحسن إليه، وكان يربو كسبه في كل سنة على مائة ألف ينفقها كلها في أهل العبادة والزهد والعلم، وربما أنفق من رأس ماله.
قال سفيان بن عيينة: نظرت في أمره وأمر الصحابة فما رأيتهم يفضلون عليه إلا في صحبتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال إسماعيل بن عياش: ما على وجه الأرض مثله، وما أعلم خصلة من الخير إلا وقد جعلها الله في ابن المبارك، ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة فكان يطعمهم الخبيص وهو الدهر صائم.
وقدم مرة الرقة وبها هارون الرشيد، فلما دخلها احتفل الناس به وازدحم الناس حوله، فأشرفت أم ولد للرشيد من قصر هناك فقالت: ما للناس ؟
فقيل لها: قدم رجل من علماء خراسان يقال له: عبد الله بن المبارك فانجفل الناس إليه.
فقالت المرأة: هذا هو الملك، لا ملك هارون الرشيد الذي يجمع الناس عليه بالسوط والعصا والرغبة والرهبة.
وخرج مرة إلى الحج فاجتاز ببعض البلاد فمات طائر معهم فأمر بإلقائه على مزبلة هناك، وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم، فلما مر بالمزبلة إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها فأخذت ذلك الطائر الميت ثم لفته ثم أسرعت به إلى الدار، فجاء فسألها عن أمرها وأخذها الميتة، فقالت: أنا وأخي هنا ليس لنا شيء إلا هذا الإزار، وليس لنا قوت إلا ما يلقى على هذه المزبلة، وقد حلت لنا الميتة منذ أيام، وكان أبونا له مال فظلم وأخذ ماله وقتل.
فأمر ابن المبارك برد الأحمال وقال لوكيله: كم معك من النفقة ؟
قال: ألف دينار.
فقال: عدَّ منها عشرين ديناراً تكفينا إلى مرو وأعطها الباقي، فهذا أفضل من حجنا في هذا العام، ثم رجع. (ج/ص: 10/192)
وكان إذا عزم على الحج يقول لأصحابه: من عزم منكم في هذا العام على الحج فليأتني بنفقته حتى أكون أنا أنفق عليه، فكان يأخذ منهم نفقاتهم ويكتب على كل صرة اسم صاحبها ويجمها في صندوق.
ثم يخرج بهم في أوسع ما يكون من النفقات والركوب، وحسن الخلق والتيسير عليهم، فإذا قضوا حجتهم فيقول لهم: هل أوصاكم أهلوكم بهدية ؟
فيشتري لكل واحد منهم ما وصاه أهله من الهدايا المكية واليمنية وغيرها، فاذا جاؤوا إلى المدينة اشترى لهم منها الهدايا المدنية.
فإذا رجعوا إلى بلادهم بعث من أثناء الطريق إلى بيوتهم فأصلحت وبيضت أبوابها ورمم شعثها، فإذا وصلوا إلى البلد عمل وليمة بعد قدومهم ودعاهم فأكلوا وكساهم، ثم دعا بذلك الصندوق ففتحه وأخرج منه تلك الصرر ثم يقسم عليهم أن يأخذ كل واحد نفقته التي عليها اسمه، فيأخذونها وينصرفون إلى منازلهم وهم شاكرون ناشرون لواء الثناء الجميل.
وكانت سفرته تحمل على بعير وحدها، وفيها من أنواع المأكول من اللحم والدجاج والحلوى وغير ذلك، ثم يطعم الناس وهو الدهر صائم في الحر الشديد.
وسأله مرة سائل فأعطاه درهماً، فقال له بعض أصحابه: إن هؤلاء يأكلون الشواء والفالودج، وقد كان يكفيه قطعة.
فقال: والله ما ظننت أنه يأكل إلا البقل والخبز، فأما إذا كان يأكل الفالوذج والشواء فإنه لا يكفيه درهم.
ثم أمر بعض غلمانه فقال: رده وادفع إليه عشرة دراهم.