الفصل الثالث
(في عجائب مبعثه وهجرته)
بَعَثَ اللَّهُ عِنْدَ مَبْعَثِهِ الشُّهْـ * ـبَ حِرَاسَاً وَضَاقَ عَنْهَا الْفَضَاءُ
تَطْرُدُ الْجِنَّ عَنْ مَقَاعِدَ لِلسَّمْـ * ـعِ كَمَا تَطْرُدُ الذِّئَابَ الرِّعَاءُ
فَمَحَتْ آيَةَ الْكَهَانَةِ آيَا * تٌ مِنَ الْوَحْيِّ مَا لَهُنَّ انْمِحَاءُ
وَرَأَتْهُ خَدِيجَةٌ وَالْتُّقَى وَالزَّهْـ * ـدُ فِيهِ سَجِيةٌ وَالْحَيَاءُ
وَأَتَاهَا أَنَّ الْغَمَامَةَ وَالسَّرْ * حَ أَظَلَّتْهُ مِنْهُمَا أَوْفْيَاءُ
وَأَحَادِيثُ أَنَّ وَعْدَ رَسُولِ اللَّـ * ـهِ بِالْبَعْثِ حَانَ مِنْهُ الْوَفَاءُ
فَدَعَتْهُ إِلَى الزَّوَاجِ وَمَا أَحْـ * ـسَنَ مَا يَبْلُغُ الْمُنَى الأَذْكِيَاءُ
وَأَتَاهُ فِي بَيْتِهَا جِبْرَئِيلٌ * وَلِذِي اللُّبِّ فِي الأُمُورِ ارْتِيَاءُ
فَأَمَاطَتْ عَنْهَا الْخِمَارَ لِتَدْرِي * أَهُوَ الْوَحْيُ أَمْ هُوَ الإِغْمَاءُ
فَاخْتَفَى عِنْدَ كَشْفِهَا الرَّأْسَ جِبْرَ * يلُ فَمَا عَادَ أَوْ أُعِيدَ الْغِطَاءُ
فَاسْتَبَانَتْ خَدِيجَةٌ أَنَّهُ الْكَنْـ * ـزُ الَّذِي حَاوَلَتْهُ وَالْكِيمِيَاءُ
ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ يَدْعُوا إِلَى اللَّـ * ـهِ وَفِي الْكُفْرِ نَجْدَةٌ وَإِبَاءُ
أُمَمَاً أُشْرِبَتْ قُلُوبُهُمُ الْكُفْـ * ـرَ فَدَاءُ الضَّلاَلِ فِيهِمْ عَيَاءُ
وَرَأَيْنَا آيَاتِهِ فَاهْتَدَيْنَا * وَإِذَا الْحَقُّ جَاءَ زَالَ الْمِرَاءُ
رَبِّ إِنَّ الْهُدَى هُدَاكَ وَآيَا * تُكَ نُورٌ تَهْدِي بِهَا مَنْ تَشَاءُ
كَمْ رَأَيْنَا مَا لَيْسَ يَعْقِلُ قَدْ أُلْـ * ـهِمَ مَا لَيْسَ يُلْهَمُ الْعُقَلاَءُ
إِذْ أَبَى الْفِيلُ مَا أَتَى صَاحِبُ الْفِيـ * ـلِ وَلَمْ يَنْفَعِ الْحِجِا وَالذَّكَاءُ
وَالْجَمَادَاتُ أَفْصَحَتْ بِالَّذِي أُخْـ * ـرِسَ عَنْهُ لأَحْمَدَ الْفُصَحَاءُ
وَيْحَ قَوْمٍ جَفَوْا نَبِيَّاً بِأَرْضٍ * أَلِفَتْهُ ضِبَابُهَا وَالظِّبَاءُ
وَسَلَوْهُ وَحَنَّ جِذْعٌ إِلَيْهِ * وَقَلَوْهُ وَوَدَّهُ الْغُرَبَاءُ
أَخْرَجُوهُ مِنْهَا وَآوَاهُ غَارٌ * وَحَمَتْهُ حَمَامَةٌ وَرْقَاءُ
وَكَفَتْهُ بِنَسْجِهَا عَنْكَبُوتٌ * مَا كَفَتْهُ الْحَمَامَةُ الْحَصْدَاءُ
وَاخْتَفَى مِنْهُمُ عَلَى قُرْبِ مَرْآ * هُ وَمِنْ شِدَّةِ الظُّهُورِ الْخَفَاءُ
وَنَحَا الْمُصْطَفَى الْمَدِينَةَ وَاشْتَا * قَتْ إِلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ الأَنْحَاءُ
وَتَغَنَّتْ بِمَدْحِهِ الْجِنُّ حَتَّى * أَطْرَبَ الإِنْسَ مِنْهُ ذَاكَ الْغِنَاءُ
وَاقْتَفَى إِثْرَهُ سُرَاقَةُ فَاسْتَهْـ * ـوَتْهُ فِي الأَرْضِ صَافِنٌ جَرْدَاءُ
ثُمَّ نَادَاهُ بَعْدَمَا سِيمَتِ الْخَسْـ * ـفَ وَقَدْ يُنْجِدُ الْغَرِيقَ النِّدَاءُ
فَطَوَى الأَرْضَ سَائِرَاً وَالسَّمَوَا * تُ الْعَلاَ فَوْقَهَا لَهُ إِسْرَاءُ