العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى مقال حديقة الديناصورات بين الحقيقة والخيال (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في مقال ثلث البشر سيعيشون قريبا في عالم البعد الخامس (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد مقال بوابات الجحيم التي فتحت فوق سيبيريا عام 1908 لغز الانفجار الكبير (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الغرق فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال أمطار غريبة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث النسبية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: حديث عن المخدرات الرقمية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الكايميرا اثنين في واحد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 12-12-2007, 12:44 AM   #11
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(7)

كانت نظراته كدوامة في نهر عميق تلف بسرعة وتعود الى مركزها لتغوص فيه، كان يتساءل هل تحزن الأرض كما أحزن، أم أنها جماد لا يبالي بما يصيبه، كان يهمس بأذن الأرض كشهيد أو مشروع شهيد، فليس كل الشهداء يُتفق على أنهم كذلك، فمنهم من يُخطِئه الآخرون ومنهم من يُكفِره ومنهم من لا يُخلد ذكره،
وإن أرادوا أن يخلدوا ذكره، كانوا ينصبون له صرحا لمجهول ..

كان محكوما عليه بالإعدام ـ مع وقف التنفيذ ـ ولكنه لم يتذكر شيئا يطلبه كآخر طلب عندما خيروه .. فكل ما يحبه زال. عاود محاولته للتمعن في الأرض عسى أن يسمع لها اعترافا قبل أن تضمه الى عمقها ..

إنها تحزن، هكذا بدا له أنها قالت، كيف لا تحزن وقد أزيل وجهها أو شوه أو تم تزيينه على رأي البعض؟ وهل إذا تغيرت وجوهنا سنبقى نحتفظ بهويتنا؟ فأجسامنا لها وجوه وعشائرنا لها وجوه وأقطارنا لها وجوه، وهناك وجوه مشرقة تأخذ إشراقها من سعة دائرة إشعاعها، وهناك وجوه لا يذكرها أحد لو غابت العمر كله .. ووجه كريم كوجه حاتم الطائي خُلِد حتى لو مات، ولن يستطيع أحد أن يتذكر ابنا لحاتم، حتى لو حاول تقليد والده ..

ووجه الأرض كريم، وكرمه آت من حسن علاقته بالسماء والشمس، ومن علاقته بهما، يبذل عطاءه، فإن كشط شبر من وجه الأرض، لا ينمو فيها عود أخضر، وإن نما فسيكون رفيعا وخبيثا وبلا طعم وبلا ثمر ..

فالأرض تحزن، لكنها لا تتخلى عن أبناءها وستعترف بهم، حتى لو كانوا ثمارا لاغتصابها، لكنها لا تتشرف بهم، فهم أولاد حرام .. ليست وجوههم كوجهها زال الطين من الوجوه وأضيفت مسحات قيرية و بلاستيكية ومعدنية، لكن كل ذلك من بطنها، وهو خلط لم تشأه ..

عاوده الصمت، لكنه لم ينبس ببنت شفة. نادته الأرض، وقد استجاب لها، فسمعت أصوات الناس: مات مخلف .. الله يرحمه .. ارتاح .. كان يحمل السلم بالعرض .. احملوه .. أغسلوه .. كفنوه .. أدفنوه ..

اعترض واحد على الحفر، لا تحفروا هنا فالبلدية لا توافق على الدفن في هذه الأرض، ستنشئ حديقة للأطفال .. تعالى اللغط .. بل ادفنوه هنا، قريبا من فلان وفلانة .. كفوا عن الهراء وهل سيقومون للتسامر في المقابر .. حملوه لأرض كانت مسجلة باسمه فحفروا له قبرا وضيقوا سعة اللحد وأدخلوه فيه ووضعوا على اللحد حجارة مسطحة، وأبَنَه شيخٌ يقل عمره قليلا عن عمر مخلف، ودعا الله أن يغفر له، وكان في دعاءه وصلة استوقفت الحفيد حيث قال الشيخ اللهم جافي الأرض عن جنبيه! ألم يكن هؤلاء الدافنون هم من جعلوها ضيقة، أم أنه طقس يتناسب مع استغفار المذنب الذي يطلب الغفران من ربه لذنب اقترفه لتوه! صارت مقبرة جديدة اسمها (مقبرة مخلف) .

ضمته الأرض بقوة بين (جنبيها) وكأن صدق الضم لا يكون إلا بقوته، وهكذا يفعل العشاق أو حراس المرمى عندما يتلقفون كرة القدم!

أمطرت السماء بغزارة، فسالت مياه الأمطار حتى وصلت أطراف قبر (مخلف) كانت تحمل معها بعض الأواني العتيقة المثقبة، وطيور دجاج ميتة رماها أصحاب مزرعة دجاج في أعلى (التلة ) التي تعلو مقبرة مخلف ..

جاء الحيوان الأسطوري، الذي كان أهل العتيقة يتكلمون عنه في بعض المواسم التي ينتشر بها داء الكلب، ويقتل بعض المواطنين، كانوا يسمونه (سلعوة) ويلصقون به أوصافا غريبة، أنه يستطيع أن يحفر بالأرض ويأكل الموتى المدفونين حديثا، وأنه يستطيع أن (يمط) جسمه الضئيل ليصبح أطول من رجل عادي .. وكانوا ينسبون عنه أنه يقفز ثلاثة أمتار، فيمسك برقبة من يسير ليلا، فيمتص دمه، ويسبب له مرض (السعار) .. لم يره أحد، لكن لم يمتنع أحد عن التصديق بوجوده ..

حاولت السلعوة أن تحدث ثقبا في القبر لتنال من مخلف، لكن الأرض والريح صفعتها على مؤخرتها بصفيحة معدنية قديمة، فولت هاربة، واكتفت بأخذ دجاجة ميتة في طريقها، ولم تعاود المحاولة..

واظب خالد على زيارة قبر جده.. وكان لا يتكلم معه بل يصغي لترجمة الأرض لما يقول الجد في قبره .. كان خالد حزينا، لكن قويا وذا شكيمة عالية، كان يدرك أن أمامه الكثير حتى يلحم ما انقطع بما هو آت، وكان يعلم أن ربط الأشياء بغيرها يحتاج شروطا ذات طبيعة تقنية خاصة، فربط ما هو أوسع بما هو أضيق يحتاج ل (نقاصة) كما في الأنابيب، ووصل طرفي النهر يحتاج لجسر لا يجيد بناؤه إلا من يفهم طبيعة قاع النهر وكيفية التحايل على تنفيذ البناء.. وربط أنبوب لنقل الدم يحتاج فحوصات مسبقة كنوع الدم وزمرته ومدى تقبل الجسم للدم الجديد ..

كان قبر جد خالد، يشكل له نقطة انطلاق، ولكنه خشي أن يكون معقلا ومربطا لانطلاقه في بعض الأحيان .. فكان يترحم عليه، ويهاجم من يمس طرفه بسوء أثناء حديث الناس عنه، لكن ذلك لم يمنعه أن يحاول إيصال رسالته بتسارع متزايد الى غير أبناء جيل جده ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 30-12-2007, 07:34 PM   #12
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(8)

سمع الشباب بإغلاق مضائق ثيران، من قبل مصر، فأخذوا يناقشون احتمالات ما بعد تلك الخطوة، كان في الأصوات نبرة زهو واضحة، فهذا يضع احتمالية النصر بين يديه، وذاك يلوم العرب لِمَ تأخروا كل تلك المدة لتحرير فلسطين وطرد هؤلاء المغتصبين ـ شذاذ الآفاق ـ وذاك يحلم بوحدة سريعة تتحقق على الفور بعد التخلص من هذا الجسم الغريب البغيض، وآخر يتطاول في أحلامه ليعلن أن هناك إمكانية لاسترجاع الأندلس!

بالمقابل، كان ضباط وقادة العدو يفكرون بالانتحار، وهذا تبين فيما بعد من مذكرات (اسحق رابين) فحجم تهويل الاستعداد العربي لخوض المعركة الفاصلة قد وصل الى عقر دار العدو، فكيف لذئب مسعور أن يستطيع شق بطون كل خراف الحي، وهدير الرجال يصدع أذنيه؟

كان خالد صامتا، يتمنى أن تحدث المعجزة، وتتخلص المنطقة من تلك الجرثومة. لكنه كان يتذكر سلوك جده، فتنقبض نفسه ولا يحس بارتياح، كان جده يعيب على من يدعو الرجال للذهاب في حل مشكلة (عشائرية) دون أن يبلغهم بتفاصيل المشكلة، وتوزيع الأدوار ومن سيتقدم من الرجال ويستلم (فنجال القهوة) لتبدأ مراسم اللقاء .. ومن سيعاون من تناول الفنجال في الحديث. يحاول خالد إسقاط تلك المهارات البدائية على ما يجري على الساحة السياسية (الحربية) فيجد أن تلك البدائية تفوق في إدارة شؤونها، ما هو ماثل من حدث جلل ..

اصبغوا نوافذكم باللون الأزرق.. يمنع التجول في الشوارع أثناء الغارات .. يمنع الاقتراب من كذا .. كانت هذه صيحات شباب تطوعوا للمشاركة في تنظيم الجبهة الداخلية ..

هنا لندن .. نشب قتال بين القوات الإسرائيلية والقوات المصرية و الأردنية و السورية .. وقد صدرت بيانات متضاربة عن حقيقة ما أسفرت عنه تلك المعارك .. سنوافيكم بالجديد من الأخبار حال ورودها ..

صوت العرب من القاهرة .. تعرضت بعض مطاراتنا لغارات جبانة من الجيش الصهيوني .. وقد تصدت لها مقاوماتنا الأرضية وطائراتنا وأجبرتها على الفرار بعد إسقاط العشرات من تلك الطائرات المعادية ..

إذاعة الجمهورية العربية السورية .. يا جماهير أمتنا الباسلة .. إنها ساعات الحسم، سيلقى العدو الغاصب مصير كل من حاول المساس بعروبة تلك المنطقة الطاهرة موئل الحضارات ومهد الديانات السماوية وسيذكر أبناء أمتنا المجيدة بطولات جيشنا الباسل و سيسجل التاريخ سفر بطولاتهم ..

هنا عمان .. لا زال النشامى من جنود جيشنا العربي يذودون عن شرف الأمة وعن تراب الأجداد .. ولا زالت قواتنا ترفع علم الثورة العربية فوق جبل المكبر ..

هنا بغداد .. لا زالت القوات العربية المشتركة تخوض معارك الشرف والتحرير .. ولا زالت إذاعات القاهرة ودمشق وعمان تذيع الأغاني الحماسية ومن بينها الأغاني العراقية ..

وإنني إذ أعلن أمامكم استقالتي من منصب رئيس الجمهورية، مقرا ومعترفا بتحملي مسئولية الهزيمة كاملة ..

لا حول ولا قوة إلا بالله .. صاح الشباب والشيوخ .. وكان الناس واقفين حيارى بمصير مزروعاتهم التي لم تجد من يحصدها في ذلك الصيف البائس .. (يلعن أبو العدس على أبو القمح عمر لا حد حصد) .. كانت تخرج الأصوات من أمكنة مختلفة .. إنها الهزيمة ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .