العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة في مقال ثلث البشر سيعيشون قريبا في عالم البعد الخامس (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد مقال بوابات الجحيم التي فتحت فوق سيبيريا عام 1908 لغز الانفجار الكبير (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الغرق فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال أمطار غريبة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث النسبية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: حديث عن المخدرات الرقمية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الكايميرا اثنين في واحد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 22-04-2010, 08:30 AM   #1
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي شوارع سالم- قصة قصيرة(محمد إبراهيم محروس)

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه القصة علقت عليها في موقع آخر باسم مستعار آخر ..
***
لا أعرف لماذا اختار شوارع سالم لتكون بداية لقصتي هذه ، ولكنها هي من بدأت من عندها الحكاية ، شوارع سالم منطقة أعرفها وأحفظها كظهر يدي ، عشت فيها مجمل حياتي متنقلا من مكانا للآخر بانسيابية ثعبان حاذق ، طفلا مشاكسا كنت ، طفت شوارع سالم كما يطوف النسر حول فريسته ، اقتنصت منها لحظات حياتي تقريبا ، هبطت إليها من أعلى ، من منطقة شرقية في حضن الجبل حيث الهدوء الذي تتنفسه كل صباح ، كانت شوارع سالم مكتظة بمئات من الأشكال والبشر ، في تلك المنطقة من شوارع سالم وفي بلوكات قديمة انتشرت حياة جديدة عليّ ، وبالنسبة ليّ كانت جديدة كل حياة ، في وقت تمردتُ فيه على حبسي في البيت تهربا من اللعب مع العيال؛ لأنني كنتُ أبدو أمامهم ضعيف الحيلة ، وكنتُ معرضا دوما لعلقة من أي أحد في معاركي التي أدمنتها ، وكانت أمي شديدة الفزع عندما تراني مصابا بجروح جديدة ، ولكنني غلبت أن أفهمها أنها ضريبة التواجد في شارع سالم .

في تلك البلوكات نبض داخلي نبض جديد في الحياة، كنت في العاشرة وقتها من العمر، أطوف الشوارع كالمجذوب يبحث عن شيء ما ، لا أخفي عليك أنني كنت أعبث في القمامة وأستخرج من وسطها ألعابا عديدة، أخرها كان سيارة "أتومبيل " نحاسي كدت أن أموت وأنا أوصل له سلك كهربائي، وأوصله " ببرايزة" الكهرباء، لينتفض جسدي بشدة مرتطما بحائط غرفتي ، وقتها منعتني أمي عن النزول للشارع لمدة بدت لي أطول مما ينبغي ،ولكن المدهش حدث ليّ بعدها، بعد أن تسربت الكهرباء إلى جسدي ، فجأة أصبحت أمسك أسلاك الكهرباء بيدي دون خوف ودون مبرر ، وكأن جسدي تحول إلى شيء خاص آخر ، كل هذا ليس بمهم قدر أهمية شوارع سالم ليّ ، وحي الأفرنج ، حيث يقبع في نهايته بلوكات القوات الدولية التي كانت ما تزال مرابطة في بلدتنا بعد الحرب ، يومها وفي أحد المعارك مع أحد أبناء عثمان بائع الذرة ،والذي كان معاق ذهنيا ،وبعد أن أمتعني بعلقة خاصة وجدتها أمامي وأنا مطروح على الأرض ،طفلة مثلي، تكبرني بشهور قليلة أتت مع أبيها وأمها ، الذين كانوا ضمن قوات حفظ السلام الدولية ، لم أشعر بكم الألفة التي شعرت بها يومها مع أي كائن آخر في الحياة ، كانت بيضاء ، بياض لم أره ولن أراه في حياتي بعد هذا ،عينان زرقاوان واسعتان ، قامة مشدودة في قوة واعتداد ، دفعت هي ابن عثمان عنيّ ، وضربته وهي تشتمه بألفاظ لم أفهم معظمها ، حينذاك بدوت أمامها كشيء آخر لا أعرفه ، فقدتُ كل الشقاوة المحبوسة في دمائي وأنا أهمس لها شاكرا ، بينما تهزّ هي رأسها وترحل ، أصيبتُ بعدها بمرض غريب؛ كنت أشاكس الأطفال بعنف وشدة وأسحبهم إلى أسفل بيتها؛ كي يضربونني ، بينما أحدق أنا إليها مستغيثا بها ، تهبط بعد تؤدة ، وقد سحبت في يدها كلب أبيض " لولو" اسمه شاكي ، تنهر العيال وبطريقتها الغريبة، يخشونها ويهربون ، وأظل أنا أحدق في وجهها في وله ،يوما بعد يوم عرفتْ دائي وعرفتْ دوائي ، بينما كان أبوها يتركنا أحيانا نلعب ضاحكا ، وكأنه يشعر بحاجتها إلى دمية خاصة ، بعد فترة كففتُ عن هذه اللعبة المميتة والتي كادت أن تهلكني .. أصبحت شوارع سالم بكافة ناسها مجرد ذكريات ، بينما ظل حي الأفرنج مساري الدائم إلى بيتها ، خطواتي التي أعرفها وأحسها جيدا ، جسكا ، كان اسمها ، تعلمتْ بعض العربية هنا ، تهمس أحيانا ليّ : أنت جبان ؟!

أخاف أن أجيبها، انسحب من أمامها فزعا من تصوري نفسي جبانا، أخاف علي نفسي من الخوف، أرى في عينيها أحيانا تساؤلات عديدة.

أسحبها إلى غابة البوص لنسلخ أعوادا منه ونهبط إلى الحلقة لنصطاد سمك،تتحرك حولي ولا أشعر أنها تتحرك ، تتأمل السمك الذي نصطاده ، وتعيده لمياه الحلقة بعد فترة ، ضاحكة ،أدمنت اللعب معي وأدمنتها ، كنتُ أحاول كل يوم اختراع لعبة جديدة؛ لتشدها نحوي ..ولكنها هي هذه المرة من اختارت اللعبة .

وبدأت لعبة أخرى تظهر في حياتي بغتة ، كانتْ تملك قفازين ملاكمة ، وكانت تدعوني دوما إلى أن أرتدي أحدهما ، وأدخل معها في شوط طويل أخرج منه وقد أحمرت عيناي ، وارتج مخي في رأسي ، كانت تضحك وهي تقول كلماتها العربية القليلة وتصبها في أذني : أنت جبان ؟!

لم أعرف للحياة وقتها طعما سوى نظرات عينيها الخائفة أحيانا ، والمرتعشة أحيانا ، والولعة أحيانا عليّ ، أتذكر أصابتها المباشرة في رأسي في أحد الجولات ، وأتذكر وقوعي على الأرض الآن وكأنه كان بالأمس ، وأتذكر شفتيها وهما يقتربان من وجنتي لتطبع قبلة سريعة معتذرة ..

أتذكر دبيب العشق في روح طفل صغير كانت تحمله شوارع سالم إلى فوق وفوق..

وجاء اليوم الذي لم أكن أحسبه ضمن الأيام ، كنت ارتدي قفازي الملاكمة ، وأحاول أن أحافظ على وجودي واقفا أمامها ، تلقيت عدة ضربات ،ولكنني قاومت الوقوع ، الذي لم أتصوره أن يقتحم ابن عثمان السور ويهبط بيني وبينها ، ثم يضربها بيده؛ لتقع أمامي على الأرض وهي تصرخ ، وأقف أنا أمام ابن عثمان موقف الخائف لأول مرة أتذكر كل "علقاته" ليّ .. أضربه في وجه بعنف بقفازي الملاكمة ، يشتد الجنون أمامه ويجز على أسنانه قبل أن يهبط علي كالطوفان ، انهالت ضرباته علي بجنون لم أتصوره قط ، وانهارت مقاومتي بعد لأي ،آنذاك كانت "جسكا" تحاول الوقوف ، ولكنها تعرضت لضربة قوية من ابن عثمان الذي فر بعدها هاربا ، تاركا أثار على وجهينا وجراحا للزمن .. يومها نظرتْ ليّ جسكا نظرة غريبة ..

وهي تقول : أنت جبان ..

بعد فترة حاولت الرجوع إلى بيتها، حاولت أن أسلم على أبيها، والذي لم يعطّ لي أدنى اهتمام، وكأنه عرف أن ابنته ملت لعبتها..وكأنه هو الآخر متفهما لطبيعة علاقة ابنته بي وانتهائها .. وأخذت الأيام تدور؛ لتختفي جسكا من حياتي ..وتختفي بلوكات قوات حفظ السلام ، وتتغير شوارع سالم بأهلها وسكانها ، وتختلف الوجوه ، ولكن دوما أتذكرها وأنا أقطع شوارع سالم عندما تصطدم عيناي بابن عثمان واقفا أمام عربة خشبية يهز منشة خاصة أمام وجهه ، وتلتمع جمرات الفحم ، وتطقطق حبات الذرة ، وأميل عليه هامسا :فاكر جسكا ..

يأتي صوته فرحا وسط جنونه: ضربتها صح، ضربتها صح وضربتك، أنا بطل ضربت الانجليز..أنت جبان تلعب مع الانجليز .

أناوله جنيها وآخذ كوز الذرة ، وأنا انسحب ضاحكا بالمثل ، ووجه جسكا وعينيها الزرقاوين يلمعان وسط شوارع سالم لمعان طيف ..وأنا أهمس لنفسي : صح ..أنا جبان ..
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 22-04-2010, 08:35 AM   #2
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
Red face

القصة تبدو متماسكة وجيدة وسردك للأحداث كان متقنًا ، فلم أشعر بالتململ من القراءة ، وهذه
إحدى مزاياك أعمالك الأدبية
أنا لا أعرف ما هي شوارع سالم وأين تقع ، لكن من خلال سردك شعرت أنها أي مكان نحتت جدرات الحارة أصالته،
أشعر به حيًا من أحياء الأرمن في الإسكندرية أشعر به أحد أحياء الموسكي والأزبكية القديمة ..
لقد قرأت تعليقًا على روايتك أحلام نارية وأعجبني نقد أحد الأشخاص لها في منتدى لا أذكر اسمه لما تنبه إلى رمزية معنى المترو في عملك ..

من هذا المدخل أحاول النظر إلى رمزية هذه العبارة :
تسربت الكهرباء إلى جسدي ، فجأة أصبحت أمسك أسلاك الكهرباء بيدي دون خوف ودون مبرر ، وكأن جسدي تحول إلى شيء خاص آخر
لهذه الجملة -في ظني المتواضع والله أعلم- دلالة معينة ، فهي تأتي بمعنى التجربة والخبرة الحياتية.

القضية المحورية التي تدور حولها وترتكز عليها القصة هي الثقة بالنفس والشعور بالنقص الدائم والخوف . هناك ظاهرة نفسية مرضية مؤاداها أن بعض
الأفراد يتلذذ من خلال الاعتداء عليه ويكتسب بذلك تعزيزًا لسلوك يجعله يشعر بأنه محط انتباه الآخرين . وهذا ما شعرت به من خلال هذه الجزئية :
كنت أشاكس الأطفال بعنف وشدة وأسحبهم إلى أسفل بيتها؛ كي يضربونني ، بينما أحدق أنا إليها مستغيثا بها ، تهبط بعد تؤدة ، وقد سحبت في يدها كلب أبيض " لولو" اسمه شاكي ، تنهر العيال وبطريقتها الغريبة، يخشونها ويهربون
خاصة وأنك ذكرت قبلها أصبتُ بمرض غريب .
الشعور بالجبن اتخذ أشكالاً مختلفة ، فهو مرة من الأنثى ومرة من أبناء الشارع ومرة من ابن عثمان ، مما يجعل العقدة ذاتها محور العمل وهي -فيما يبدو- لم تنته بعد .
الذي كنت أستغربه شيء لا أعرف سببه ، وهو تعلمها الملاكمة وممارستها هذه اللعبة مع الشخص الذي تتحدث على لسانه في القصة .. ثم إنها طفلة فلا أفهم دلالة أن تطبع قبلة على هذا البطل . من الخطأ أن نعزو ذلك لثقافتها الغربية إذ أن هذا السلوك يغلب على الكبار ، كذلك قامتها المشدودة وهي طفلة أمر لا أستوعب دلالته .
كان الاستخدام للتعبيرات ذات الدلالة العكسية رائعًا ومعطيًا تأكيدًا على عدمية هذا البطل من خلال الجزئية الآتية :
وكأنه يشعر بحاجتها إلى دمية خاصة
فالبطل يصبح (دمية) لطفلة تكبره بشهور قليلة ، لعلها من الأمور التي تحفظ ماء الوجه فلو كانت أصغر منه لكانت أكثر إيلامًا .
هنا يكون التعبير عن الشخصية العدمية المتعبة التي هي كالدمية لا حراك لها ولا غاية لها سوى أن تكون أداة تسلية للآخرين .
إلى ذلك كان في القصة أمر أستغربة أن يكون المعوق ذهنيًا قادرًا على الضرب والهروب ، فأنا أدرس جزءًا من خصائص هؤلاء الأفراد ، الغريب أنه معوق
ذهنيًا فكيف يمكن له وهو بائع ذرة أن يحسب ويقوم بالعمليات الخاصة من جمع وضرب وطرح وقسمة ؟!!
لكن ألمح في القصة ملمحًا جيدًا هو التوحد في الآخر والأزمة الأنكى أنه رغم ذلك فشل أيضًا في إثبات ذاته ، فالجبن يتخذ علامة مأساوية من خلال عجزه أمام نفسه ثم عجزه أمامها ، ولعل في ذلك إلماح إلى مشكلة التعامل مع الـ(مستعمر). فهذا البطل لم يكن لدى هذا الأجنبي إلا دمية وحتى ابنته تستهزئ وتقول له أنت جبان . . هنا قد نكون بإزاء إشكالية فكرية كبيرة للغاية لو ثبت فعلاً اتكائك على هذا الجانب كمحور أساسي للعمل .
والذي يعزز من استغرابي من المعوق ذهنيًا هذا الحوار بينهما :

ضربتها صح، ضربتها صح وضربتك، أنا بطل ضربت الانجليز..أنت جبان تلعب مع الانجليز
فهذا يدل على أننا أمام شخصية ذات طابع تحليلي . كيف يكون المعوق ذهنيًا كذلك ؟ إلا لو كان المعوق ذهنيًا هو عثمان نفسه .

ربما ألمح في " جمرة الفحم" وهي تلتمع دلالة رمزية للألم الباقي في أعماقه من جراء ذلك الموقف لكن هذا يتعلق بكيفية تركيزك على هذه الجزئية .

ولعل دلالة الكهرباء تنسحب إلى معنى آخر وهو أنها لم تعد لديه بعد ذلك قابلية الشعور بالإحساس بالحزن من ضعفه فكأنما استمرأ أي اعتاد هذا الضعف فلم يعد يضايقه أن يتذكره .
القصة جيدة جدًا وهي في ضوء خبرتي المحدودة للغاية كانت موفقة في التعبير عما بداخلك .. وفقك الله .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .