العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الغرق فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال أمطار غريبة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث النسبية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: حديث عن المخدرات الرقمية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الكايميرا اثنين في واحد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى توهم فريجولي .. الواحد يساوي الجميع (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال ثقافة العين عين الثقافة تحويل العقل إلى ريسيفر (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 22-05-2010, 08:04 AM   #1
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي الاتجاه الواقعي في قصيدة وكما يموت الناس مات -للشاعر عبد المنعم عواد يوسف

بسم الله الرحمن الرحيم
الاتجاه الواقعي في قصيدة وكما يموت الناس مات -للشاعر عبد المنعم عواد يوسف
مقال للكاتب الدكتور حسن فتح الباب -من كتاب سمات الحداثة في الشعر العربي
واكب مرحلة الإرهاص بالتحول الكبير في العالم العربي في أواخر الأربعينيات ، من جراء اغتصاب فلسطين في أعقاب الحرب العاملية الثانية ، وما دل عليه من تهرؤ الأنظمة الحاكمة المرتمية في أحضان الاستعمار ثم بزوغ فجر ثورة 1952 ومعقباتها من الثورا تالعربية الأخرى التي اندلعت لإسقاط النظام الاستعماري القديم المتمثل في بريطانا وفرنسا اللتين كانتا تكتمان أنفاس الشعوب العربية ، في الكثرة الغالبة من أجراء بلادنا من المحيط إلى الخليج ،وزلزلة أركان الحكام الموالين للاستعمار ، أو المتواطئين معه ، والتابعين له حفاظًا على طبقتهم ونشأة أنظمة حكم جمهورية على أنقاض الأنظمة البائدة.
واكب هذه المرحلة بالضرورة تغير بلغ حد الثورة في الشعر العربي ، نظرًا للعلاقة الجدلية بين المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفنون التي يشغل الشعر منها مكان الصدارة ،باعتباره ديوان العرب وفن العربية الأول .
وتمثلت هذه الثورة في تجديد البنية شكلاً وإطارًا ومضمونًا ، بالخروج على العمود التقليدي القائم على نظام الشطرينر ، وتساوى عدد التفعيلات في كل بيت والتسمك بالقافية .
وكانت بدايات الشعر الحر أو المنطلق أو المسترسل –وكلها تسميات لمسمى واحد أصبح يطلق عليه الآن قصيدة أو شعر التفعيلة إذ أصبحت التفعيلة لا البيت هي وحدة القصيدة – على يد محمد فريد أبو حديد ، إذ ترجم لشكسبير بعض إثارة ترجمة على نسق الشعر الحر ، من حيث عدم التقيد بالأزوان الخليلية –نسبة إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي قنن نظام البحور والأوزان –وقد مارس هذا التجديد بما آلت إليه القصيدة الجديدة ،فالثورة في هذه القصيدة قد جاوزت حد الإطار أو الشكل الخارجي ،لتناول البنية التشكيلية نفسها لغة وإيقاعاً ورؤية.
ويعد بدر شاكر السياب ونازك الملائكة –كما هو معروف – أول من قدموا قصيدة متكاملة ناضجة من الشعر الحر ، الأول في قصيدته (هل كان حبًا ؟) والثانية في قصيدتها (الكوليرا) وقد نشرت كلتاهما سنة 1947 وتعاقبت من بعد هذين الشاعرين الرائدين كوكبة ضمت عبد الوهاب البياتي ، وخليل حاوي ، ثم نزار قباني وسعدي يوسف وغيرهما.
أما في مصر ،فقد درج الباحثون والنقاد على أن ينسبوا ريادة الشعر الحر تاريخيًا إلى صلاح عبد الصبور وأن يقرنوا به أحمد عبد المعطي حجازي بالنظر إلى الشهرة الصحفية والأدبية التي اكتسبها دون أن يتحرّ أحد من الباحثين والنقاد مدى صحة هذه المقولة ، ولا سيما أن ثمة شعراء آخرين معاصرين لهذين الشاعرين قد أبدعوا قبلهما قصيدة الشعر الحر ، ولم يحقق التأريخ الشعري موضوع السبق في هذا المضمار وعقد مقارنات تقويمية .
غير أن هنالك شاعرًا كبيرًا قد سبق هؤلاء جميعًا في كتابة القصيدة المتحرر وهو عبد الرحمن الشرقاوي في قصيدته (من أب مصري إلى الرئيس ترومان).ولكن هذه الحقيقة قد غابت عن الذاكرة ،لغلبة إنتاج الشرقاوي من الشعر المسرحي والمؤلفات النثرية على تلك القصيدة ، ولانقطاعه بعدها عن إبداع مثيلاتها من قصار القصائد أو مطولاتها .ولئن كان قد ثار خلاف طويل في شأن أسبقية السياب أو نازك في كتابة أول قصيدة حرة ، فإن مثثل هذا الخلاف لم يثر بمصر عمن هو الأسبق بسبب المسلمة المشار إليها آنفًا ، والحقيقة التي لا يشار إلها أن الشاعر عبد المنعم عواد يوسف هو الأسبق تاريخًا من عبد الصبور وسائر من أبدعوا تلك القصيد ة في الخمسينيات من الشعراء المصريين باستثناء الشرقاوي.
يتبين ذلك إذا رجعنا إلى الأعمال الكاملة لصلاح عبد الصبور ،إذ نجد أنه ظل يكتب القصيدة التقليدية حتى سنة 1954 وقد كان يصعب الجزن بهذه الحقيقة لو لم يتضمن ديوان (الناس في بلادي )،وهو أول أعماله وقد صدر سنة 1947 قصيدة بعنوان (عيد الميلاد لسنة 1954) ما يستدل منه على تاريخها .فقد نشرت جميع القصائد دون تذييلها ببيان تاريخ كتابتها .كما أنه يتأكد هذا التوثيق بمراجعة المجلات الأدبية الت كان الشاعر ينشر قصائده على صفحاتها حتى العام المذكور ، إذ كانت كلها عمودية ، ومنها القصائد الآتية التي وردت في ديوانه الأول ،بالإضافة إلى قصيدة (عيد الميلاد) المنوه عنها :سوناتا –الرحلة –الوفد الجديد –ذكريات
أما الشاعر عبد المنعم عواد يوسف فقد نشر قصيدة من الشعر الحر بعنوان (وكما يموت الناس مات) بمجلة الرسالة الجديدة في أبريل سنة 1955 وقد حدثني أنه ألقاها بالجمعية الأدبية بكلةي الآداب جامعة القاهرة 1953 واسترعت حينئذ نظر الراحل الدكتور عبد المحسن طه بدر، وأنه كتبها سنة 1952 وأرسلها للنشر بمجلة الآداب في بيروت،ولما تأخر نشرها عدة شهور نشرها بمجلة الرسالة الجديدة ويضيف الشاعر قائلاً : إنه نشر بصحيفة الزمان سينة 1950قصيدة لا تلتزم بالنظام العمودي ،كان طالبًا بالمرحلة الثانوية ثم نشر سنة 1952 قصيدة بعنوان (الكادحون ) بمجلة الثقافة إبان تولي أعضاء الجمعية الأدبية المصرية تحريرها.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 22-05-2010, 08:07 AM   #2
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

ومن ثم ،تعد قصيدة (وكما يموت الناس مات) للشاعر عبد المنعم عواد يوسف أول قصيدة يكتبها شاعر مصري على نسق الشعر الحر بعد قصيدة الشرقاوي الآنفة الذكر ، وهو يسبق بها قصائد هذا الشعر لصلاح عبد الصبور .ومن المفارقات أن أحد كتابن االروائيين –فيما حدثني – كان يظن أن عبد الصبور هومبدع هذه القصيدة ، وأن الشاعر أمل دنقل قد ضمن مطلعها وهو عنوانها أيضًا إحدى قصائده دون أن يشير إلى الأصل.
والقصيدة مطولة فهي تبلغ 43 سطرًا وتدل على خوهبة وتمكن لغوي وإيقاعي ولا تشوب بينها شائبة من تهافت في الصياغة أو اشطراب في الرؤية الشعرية .ويلمس المتلقي منذ بدايتها حرار التجربة ،تلك الحرارة التي نحس بها حتى اليوم ، وقد مضى على نشرها أكثر من 35 عامًا .وصورها تنبض بالحياة ، وهي نموذج لشعر الواقعية التي سادت في الخمسينيات والتي ما زالت مثيرة للإأيحاء وقادرة على التعبير الفني عن التجارب الإنسانية لأ،ها تصدر عن حقائق بشرية ولا تفصل الفن ورسالته عن الواقع تالاجتماعي والتطور التاريخي بما يكتف مسيرته الطويلة المتشعبة من صراعات في كل الميادين.
وإذا كانت بعض قصائد الشعر الحر في الخمسينيات مشوبة بالشعارات السياسيةوالصخب الذي يقترب بها أحيانًا من دائرة الأعالم والترويج للمذهب الأيديولوجي السائد ، بالنظر إلى أنها ولدت في رحم الأحداث الثورية في العالم العربي في تلك المرحلة ، فإن قصيدة عبد المنعم عواد يوسف تكاد أن تخلو من آفة المباشرة والتقريرية وقد امتدت عميقًا في جذور العالم الشعري ، فعبرت عن حس إنساني شفيف ، وتجربة حية تنضح شعرً امن الوجدان والوعي الكامن ، ولا تقوم على الزخرف الخارجي المموه أو على تراكمات لفظية في الذاكرة ، أو محصول ذهني منفصل عن الإحساس بإيقاع الحدث الذي تدور حوله القصيدة وارتباطه بالسياق الاجتماعي والإنساني العام.
وتبدأ القصيدة بعبارة نثرية لكنها شديدة الوقع بما تكتنزه من شحنة يتحول فيها الانفعال المتأجج إلى رماد . وعلى الرغم من عدم ارتكاز بنيتها على الصورة المركبة فإنها تكسب فاعليتها الحية من استحضار كوامن الشعور بالمأساة في تارخي الشعب المصري ، ومن إثارة ما قر في نفس الفرد والجماعة منذ الأزل من العجز عن منع أو مواجهة الموت ، ذلك الشبح المجهول الذي يترصد الإنسان حيثما أقام أو رحل .وبذلك تتخطى القصيدة المستوى المحلي إلى مستوى الوجود الإنساني . ومن ثم وردت في صيغة التعميم أسماء الكائنات الطبيعية من حي أو حماد (الناس –الأرض – الطيور – الجبال بوصفها لا باسمها) ، دون وصفها بما ينم عن البيئة المصرية أو ذكر أنواع تلك الكائنات المعروفة في تلك البيئة ،والتي تمتاز بها عن غيرها من البيئات . ويضفي الشاعر بتكرار أدايت النفي (لا ) و(لم) جوًا من الفراغ الموحش الذي يؤطر المكان للدلالة على الموت دون أن تنفي ذلك بل تؤكده دلالة الطيور النادبات لتعميق الشعور بالفقد والعدم .فكأننا نحس بأصداء مناحة من أعماق الأرص المصرية في القديم والحديث :
وكما يموت الناس مات
لا ، لم تنح أرض علهي ولا تهاوت شامخات
لا، لم تشيعه الطيور إلى القبور ..مولولات
وكما يموت الناس مات
وتلعب التقفية باستعمال حرف التاء دورًا إيقاعيًا مؤثرًا من خلال تصدية هذا الحرف الدالة بالمد ، ثم التسكين (حركة السكون ) على الفعل الصارخ القاطع ،كما يدل انسياب الأصوات على انتشار أصدائها عبر الفضاء كله أرضًا وسماء.
وفي المقطع الثاني تدخل ساحة المشهد الرمزي الوجودي فتاة باسم نجلاء فنلتقي لأول مرة بشخصية معينة هي ابنة الفقيد على حين لا يسميه الشارع طوال القصيدة لأنه وحدة إنسانية متكررة ملايين المرات ، فهو مجرد فلاح من غمار الكادحين المجهولين ، وإن كان لولاهم لما عرفت أرض مصر ولا جر النيل ، وذلك هو مغزى التجريد في النص بإغفال الاسم والصفات في حين يعمد الشاعر إلى تصوير المكان .
وللدلالة على أن القروي الميت فرد في جماعة تحيي بعذ زواله ممثلة لبقاء الشعب وتوالده عبر الأجيال وإن كانت تعول نائحةكلما انفرط عقدها بفقد واحد منها ، ثم لا يلبث أن ينتظم لتستمر الحياة ولو في حدها الأدنى الذي تشارك به الحيوان والنبات –للدلالة على هذا المعنى- يستعمل الشاعر لفظ الرجال دون تخصيص بالتسمية أو بغيرها أيضًا لأنهم يشكلون بجموعهم الشعب والشعب لا اسم له لانه الحياة نفسها والوجود ذاته ونما لا يحتاجان إلى تعريف :
وتقول نجلاء .... "وكان
يضفي على الدار الحنان "
وتروح تنظر والرجال
عبراتهم متحدارت ..والمكان
والنعش يخترق المكان
يجتاحة يأس ..وكان
ويختار الشارع في المقطع الثاني بعض المفردات المشخصة لحدث الموت ومكانه وهو القرية الصغيرة وسكانها المعدمون والمعمقة للشعور بالوحشة والبؤس.ويظل استعماهل للأفعال مقصورًا على المضارع باستثناء الفعل الماضي (تهاوت)في السطر الثاني من المطلع و(كان)مرتين في المقطع الثاني ،وذلك بقصد إضفاء الحياة على المشهد ،و التعبير عن التفاعل بين الشخوص والأحداث .
ومثل استخدام حرف التاء في المقطع الأول للدلالة على صوت النشيج المتقطع أحيانًا ،والقاطع الباتر أحيانًا أخرى يجيء استخدام حرف النون في المقطع الثاني رمزًا للحنان الذي يلف المكان بالسكون الحزين .وثمة مشهد يقتحم هذا المكان فثيزلزل ذلك السكون وهو جنازة الفقيد ولذلك استعمل الشاعر لفظة يخترق لتصويرها .
وتتلاقي أو تتقطاع المرئيات والمسموعات والحركات والسكتات في المقطع الثالث ويهوم النعش فوقها جميعًا باعتابره الفلك المغلف بالأسرار والذي تدور حوله في شبه غيبوبة.ويستمر استخدام الأفعال الممدودة من أسماء وأفعال في نهاية كل سطر ، تعبيرٍا عن الصمت الكظيم الممتد امتداد المجهول ، كما يلاحظ ذلك في الإشارة إلى المكان (من بعيد-هناك) في المقطع الثالث :
وتروح تبرق من بعيد
عينان والهم الشديد
ونعيب غربان هناك
والنعش في خطو وئيد
عبر الأزقة والدروب
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 22-05-2010, 08:09 AM   #3
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

ولا يعيب هذا المقطع إلا استعمال العبارة الإنشائية غير الموحية (الهم الشديد)ولا سيما الوصف الذي أقحمته القافية وتكرار عبارة (تروح تنظر)بمرادافة لها وهي (تروح تبرق).
وخشية من الرتابة وللتنويع على الوتر المأساوى يلجأ عبد المنعت عواد إلى أسلوب التداعي أو الارتداد إلى الخلف إذ ينثير موكب الحنازة الوئيد الحزين في ذاكرة (نجلاء)ذلك الحدث القريب البعيد وهو وطء شرطي تحت حذائه الغليط سلال القرويات من أخواتها وأمهاتها في السوق ، وانتزاعة مثل قاطع الطريق – وهو الحارس الموكل بأمن البلاد والعباد –مصدر رزقهن الضئيل الوحيد ، قربانًا يقتسمه مع المأمور رئيس الشرطة العتيد وقد وصفه الشاعر بعبارة شعبية لم تثر النص بل أطفأ تمن وهجه الشاعري وإن كان القصد منها هوالسخرية :
وتذكرت عهدًا بعيد
وحذاء شرطي عنيد
وجحافل المتسكعين هناك في السوق البعيد
الزبد يأخذها بأسعار تراب
للسيد المأمور (للبيه المجيد)
.. .. ..
وتروح (نجلاء) تعد دريهمات
وتظل تحسب والدموع
لو لم أبع في السوق بالثمن الزهيد
لو لم يكن في الأرض أذناب الطغاه
لشريت ما يبغي (سعيد)
وتروح تبكي والهموم محدقات

ويتقاطر النفس القصصي للنص من خلال تداعي الذكريات فتمتد أبعاد المأساة بتفاصيلها الصغيرة لتشمل رحلة الغروب العانية للفلاح المجهول الذي لم ينقصه حتى وهو لم يجد بعد بأنفاسه الأخيرة من العذابات إلا الكفن ، وهي ليست مأساة فرد ولكنها – كما قلنا آنفًا –مأساة شعب موسوم بالشقاء بين أيدي المستغلين من الأجانب ومن عتاة من ينتسبون إليه بالميلاد . ويتحول النص من مرثية لميت إلى مرثية لحي وهي نجلاء بل لأحياء هم كل أهل القرية .
فمن أزقة القرية حيث يسير موكب الموت وإلى الخطر إلى السوق التي يعبث فيها رجل الشرطة عربدة ونهبًا كما احتفظت بصورتها ذاكرة الصبية ومن هذه السوق إلى المصحة التي أولى إليها الريفي التماسًا للبرء واعتادت ابنته أن تتردد عليها حاملة في سلتها –في رحلتها الأسبوعية بالقطار- بضع ثمرات من البرتقال وقليلاً من الأرغفة وأملاً مرتجى تنتقل ريشة الشاعر لترسم لوحات حية من صميم الواقع وإن لم يسلم السطران الثاني والرابع من المقطع الآتي من النثرية الباهتة :
وتذكرت عهد المصحة والقطار
وذهابها في كل أسبوع هناك
السلة العجفاء في يدها تنوح
البرتقال بها وأرغفة الصغار
يحيي ..وليل اليأس يعقبه نهار
وتتعدد الوسائل الفنية في النص ، ولا سيما تواتر العل المضارع يؤازره مرات قليلة الفعل الماضي ،وإضفاء صفات الحي على الجماد والمراوحة بين المكان والزمان والاغتراف في كل الأحوال من معين الواقع الذي لا ينفد دون تهويم مما نعرفه عند الرومانسيين والميتافيزيقيين .، مع الاتكاء غير المصطنع في أغلب الأبيات على التقفية والانسياب النغمي ،واستعمال التراكيب والألفاظ السهلة المتضافرة فلا تقعر ولا إغراب أو تعتيم .ويظل القصيد متصاعدًا في تموج هادئ في البدايات ثم متوتر حتى ينتهي إلى استرخاء صمت الموت عودًا على بدء فكيون يبت الختام هو بيت المطلع تعبيرًا عن مأساوية المصير :
وتظل تنحدر السنون ولا شفاء
والحقل يشمله اصفرار
والنعجة البلهاء تزعق في الفضاء
والفاس ترقد في انكسار
وبهيمة شوهاء يعلوها ارتخاء
وتظل تنحدر السنون ..ولا شفاء
.. .. ..
لا ..لم يلح فجر .. ومات
ومضى كما ذهب الرفاق
عبر الطريق بلا حياة
لا ..لم تنح أرض عليه ولا تهاوت شامخات
وكما يموت الناس .. مات
وقد استعمل الشاعر أسلوب التكرار للدلالة على سكون القرية القابعة في ظلمة التخلف دون تطور أو تقدم ،فهي رهن الثباتب الدائم ، وعلى دوران الحياة الاجتماعية حول نفسها دون تجديد وعلى صمت الموت الذي يرين على الغائبين،و الحاضرين كما يشي التكرار بالأصداء المتناوحة في القرية بعد الحدث.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .