تخيلية ما قبل الميلاد وإسقاطاتها السياسية(قصيدة جبهة الصوت النذير للمطيعي)

[المشرقي الإسلامي]

بسم الله الرحمن الرحيم
إذا كان الإنسان مشدودًا إلى ما قبل الميلاد وما وراء هذا العالم الذي لم يشهده وهو ميلاده ، فإن
التحدث بلسان الغيب ومحاولة استبطان هذه المرحلة يعد من الأعمال التي تحتاج إلى جهد ذهني
وتخيلي مضن ، وهذا ما نجده في العمل الذي بين يدينا ، وهو عمل يعمد على تخيل ما قبل الحياة
في إطار من التفكير المعتمد على الذكاء التصوري ليخلط بين الولادة بمعناها الحقيقي والولادة بمعناها
المجازي وهي بزوغ نور الفجر والأمل في مستقبل أفضل وأكثر إشراقًا ، وهذه القصيدة فريدة من نوعها
تكمن بعض نقاط قوتها في قدرة الشاعر على تطويع الوزن والقافية في إطار الشعر العمودي لمثل
هذا المجهود الشاق على صعيد التفكير . إن هذه الطاقة والقدر ة على تطويع أسلوب ولغة الشعر
للخروج بها إلى أفق أرحب وهو الأمل في فجر جديد من الجوانب التي تميز مبدعًا عن الآخر ،وقليل
ما هـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــم

والآن إلى القصيدة ..

جبهة الصوت النذير

سـأزفُ حرفاً مؤلم الإحســـــاسِ
بهزيج أغنية الهزيع القاســـــــي

كولادةٍ نزفَّ المخاضُ بها دمـــــاً
والقابلاتُ يدٌ من الأرمـــــــاسِ !

كان الجنين يحول دون خروجـــــهِ
متحملاً سلخ القوى ويقــاســــــي

وكأن خزن علومه الأولى التـــــي
أوحتْ إليهِ الرفض علم حواســـــي

وأنا جنين النور محور نفســـــــهِ
متقوقعٌ حولي أهابُ سياســـــــي

في سرة الغيب العقيم تكــــــورتْ
رحمُ الحياة وصادرتْ أنفاســــــاسي !

وتكلفتْ إيفاء حاجة جثتـــــــــي
حتى تلقنني مدى إفلاســـــــــي !

وأنا وقد لُقنتُ أني نفخـــــــــةٌ
لا شيء يطفىء هانئاً أقباســـــــي

لا هم للماضين غيرُ تفرســــــــي
والذاهبين إلى الفضاء مساســــــــي

من قبل خلف عيون أعمى أوجســــــتْ
عينايَ خوفاً في رؤى إيجــاســــــي !

والآن خلف عيون قلبي موقــــــــنٌ
أني هناك بهيبتي ولباســـــــــي

لا ترتكبْ أحداً وألف هيكــــــــلاً
من خامِ ظلك وانتسب للنــــــــاسِ

أدري بأن عليك حملُ عصيـــــــةٍ
أوزانها كالطود غير رواســـــــي !!

أدري بأن الشعر بدعةُ غافــــــــلٍ
شرب الحروف وغصَّ بالقرطـــــــاسِ

أدري بأن يديك نضو قصـــــــــيدةٍ
والحبرُ نزفك والقصيد مــآ ســـــــي !

أنتَ المُعنى بالذي سرق الهــــــــوى
من حضنهِ وأتى ذويهِ يواســـــــــي !!

بالجالسين على الرؤوس نكايــــــــةً
بذوي الرؤوس كأنهن كراســـــــــي !

بالمتخمين من الخواء خلائــــــــــقٌ
لا فرق بين نسيهم والناســـــــــي !!

يستوحشون الليل دون حرائــــــــقٍ
وينظرون وساوس الخنــــــــاسِ !

يا وجه صوتي كيف أعرف وجهتـــي
والدربُ مُدمىً والجهاتُ سواســـــــي !

والناس غير الناس بوحُ وجوههـــــم
من غير وجهٍ والغموضُ قياســـــــي !

انظر ترى وطراً بغير هويــــــــةٍ
من حولهِ زخمٌ من البُخــــــــــاس ِ!!

[المشرقي الإسلامي]

سـأزفُ حرفاً مؤلم الإحســـــاسِ
بهزيج أغنية الهزيع القاســـــــي


كولادةٍ نزفَّ المخاضُ بها دمـــــاً
والقابلاتُ يدٌ من الأرمـــــــاسِ !

كان الجنين يحول دون خروجـــــهِ
متحملاً سلخ القوى ويقــاســــــي

وكأن خزن علومه الأولى التـــــي
أوحتْ إليهِ الرفض علم حواســـــي

الاعتماد على فكرة الولادة والتي تحتمل معنى ولادة الإحساس والأمل في مقابلة المولد الحقيقي للبشر كان عنصرًا جيدًا في صنع مايسمى بمراعاة النظير في النص وهذا يحسب للشاعر الكبير كجنين النور ، رحم ا لحياة ،سرة الغيب ...إلخ وجملة متقوقع حولي عندا اقترانها بالنور أعطت الحالة الإنسانية شكلاً أكثر إيلامًا وحزنًا..
وأنا جنين النور محور نفســـــــهِ
متقوقعٌ حولي أهابُ سياســـــــي

في سرة الغيب العقيم تكــــــورتْ
رحمُ الحياة وصادرتْ أنفاســــــاسي !

وتكلفتْ إيفاء حاجة جثتـــــــــي
حتى تلقنني مدى إفلاســـــــــي !

وأنا وقد لُقنتُ أني نفخـــــــــةٌ
لا شيء يطفىء هانئاً أقباســـــــي

لا هم للماضين غيرُ تفرســــــــي
والذاهبين إلى الفضاء مساســــــــي

من قبل خلف عيون أعمى أوجســــــتْ
عينايَ خوفاً في رؤى إيجــاســــــي !

والآن خلف عيون قلبي موقــــــــنٌ
أني هناك بهيبتي ولباســـــــــي

التعبيرات مثل أني هناك وخلف عيون قلبي وعيون أعمى أعطت صورة متقنة للغاية عن معنى مشابه لما يقال لا أسمع لا أرى لا أتكلم وفكرة المتحدث على لسان اللاشيء أو الغيب فكرة قليل التداول ويحسب للشاعر بشدة استعمالها في إطار الشعر العمودي والذي يعد لدى البعض أداة تقييد ، فكون الشاعر قدم هذه اللوحة الرائعة في شعر عمودي فهذا يدل على تمكنه من اجتياز قيود الوزن (المفتعلة) والقدرة على مزج الأصالة بالمعاصرة وتطويع العناصر الإبداعية الشكلية لصالح النص .
لا ترتكبْ أحداً وألف هيكــــــــلاً
من خامِ ظلك وانتسب للنــــــــاسِ

لفظة أحدًا كمقابل لكلمة جرم أو خطأ جاءت معبرة عن فداحة القهر والذي هو في الرحم والرحم كما يرى بعض علماء النفس (الحياة المثاليةللطفل يويتوبيا) لذلك يرى البعض منهم أن صرخة الطفل للبكاء عند الميلاد تعبر عن خروجه من هذا العالم حيث الطعام والشراب والنفس من الحبل السري . وباستخدام هذه الفكرةنجد أن الدلالة تكون في شدة الألم بكون الفرد في عالمه المثالي الأول محاصرًا ممنوع عليه القيام بما يريد وفلسفة الظلال (من خام ظلك ) كانت رائعة لاسيما وهي مختلطة بكلمة ألف هيكلاً إذ أن الاستحالة تبلغ درجات متراكبة متراكمة من خلال التعجيز الذي تطالب به السلطات الإنسان ، حتى وهو في رحم أمه !

أدري بأن عليك حملُ عصيـــــــةٍ
أوزانها كالطود غير رواســـــــي !!

أدري بأن الشعر بدعةُ غافــــــــلٍ
شرب الحروف وغصَّ بالقرطـــــــاسِ

أدري بأن يديك نضو قصـــــــــيدةٍ
والحبرُ نزفك والقصيد مــآ ســـــــي !

تأخذ القصيدة بعدًا آخر وهو مصادرة رحم العقل وهو الفكر والكتابة وهذه المتوازية الجميلة تؤكد
على فكرة محورية مردها إلى أن الفكر والقلم هو الحياة ولا تختلف مصادرته عن مصادرة حياة البشر.
وهذاما يميز القصيدة تجاور الرمزية مع المباشرة .

أنتَ المُعنى بالذي سرق الهــــــــوى
من حضنهِ وأتى ذويهِ يواســـــــــي !!
كلمة ذويه هل هي مفعول به للفعل يواسي أم هي فاعل ؟ الفاعل يكون ذووه

بالجالسين على الرؤوس نكايــــــــةً
بذوي الرؤوس كأنهن كراســـــــــي !

تلعب السخرية دورًا كبيرًا وعلامات التعجب في إعطاء مفارقة نفسية للموضع الذي يستهزئ فيه الشاعر مع أن الواقع مر للغاية وكانت الصورة الكاريكاتورية ذوي الرءوس كأنه كراسي والمقابلة بين الجالسين على الرءوس مقابل الرءوس الكراسي معبرة عن تناقض الوضع الاجتماعي والإبداعي مع الواقع السياسي ومكانة المبدع والمثقف الذي يغدو كرسيًا .بالمتخمين من الخواء خلائــــــــــقٌ
لا فرق بين نسيهم والناســـــــــي !!

يستوحشون الليل دون حرائــــــــقٍ
وينظرون وساوس الخنــــــــاسِ !

يا وجه صوتي كيف أعرف وجهتـــي
والدربُ مُدمىً والجهاتُ سواســـــــي !
البيت يستوحشون .....وفيه سخرية دلت على معنى غير مباشر وهو فوائد الليل ، فبينما الليل مجمع المحبين والعشاق هو لهم بهجة بالحريق والذي يحل عندهم محل ضوء القمر وكأنهم في شذوذ نفوسهم لا يرون الضوء إلا نارًا لذلك يكرهون الليل دون البدر (والبدر لديهم هو النار !!),
والناس غير الناس بوحُ وجوههـــــم
من غير وجهٍ والغموضُ قياســـــــي !
واستكمالاً لعملية الميلاد ومجيءالطفل أول ميلاده كفيفًا ، فقد جاء هذا البيت ليعبر عن مكانة المبدع
والمثقف بين الناس والتي هي الغموض ، وهذا يحمل رؤية فريدة تجعل المبدع دائمًا هو كبش الفداء في كل مكان وزمان .

انظر ترى وطراً بغير هويــــــــةٍ
من حولهِ زخمٌ من البُخــــــــــاس ِ!!

القصيدة من أجمل ما قرأت لاسيما وأنها تنحو منحى ابتكاريًا غير متكرر عادة وهو التحدث على لسان ما قبل الميلاد ، وكأن الأم قد سكتت (بدلالات الأم المتعددة الوطن النفس ....)ليتكلم القلم ذلك المولود الذي ليس لميلاده بدء ولا نهاية ، وسيظل ينزف ويجرَح ويُجرح رغم كل ما حوله .
قصيدة عبقرية لاسيما في تعانق الأصالة والمعاصرة والمضمون الاجتماعي .