العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > مكتبـة الخيمة العربيـة > دواوين الشعر

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى توهم فريجولي .. الواحد يساوي الجميع (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال ثقافة العين عين الثقافة تحويل العقل إلى ريسيفر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات بمقال هل تعلم أن مكالمات الفيديو(السكايب) كانت موجودة قبل 140 عام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى بحث مطر حسب الطلب (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مثال متلازمة ستوكهولم حينما تعشق الضحية جلادها (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال مستعمرات في الفضاء (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال كيفية رؤية المخلوقات للعالم من حولها؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال حوار مع شيخ العرفاء الأكبر (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 24-08-2008, 01:16 AM   #1
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي القافية وأثرها في الشعر العربي . د ثائر الع







د.ثائر العذاري
--------------------------------------------------------------------------------



إن الهوس التجريبي الذي يسود المشهد الشعري العربي اليوم، يضع في أعناق الدارسين مسؤولية مراجعة نظرية الشعر العربية ومحاولة فهمها فهما يتناسب مع ما لدينا من إمكانات العصر وروحه، مع النظر إلى خصوصية اللغة العربية شأنها في ذلك شأن أية لغة أخرى. ومن هذا المنطلق نكتب هذه السلسلة من المقالات، آملين أن تكون ذات نفع على المستوى النظري.

ليست دراسة القافية مهمة يسيرة كما قد تبدو للوهلة الأولى؛ ذلك لأن الدارس سيجد نفسه في مآزق نظرية متعددة، يتصدرها انعدام وجود تعريف جامع مانع لها.

إن دارس القافية يشبه دارس البكتريا قبل اختراع المجهر، فكلاهما يدرس ظاهرة يعرف كل الآثار والظواهر الناتجة عن وجودها والمحيطة بها، إلا انه لا يعرف كنهها ـ ولئن كانت إثارة السؤال هي الخطوة الأولى نحو الحقيقة، فلنبدأ هذا المبحث بالسؤال: كيف تعمل القافية وكيف تحدد؟، وإجابة السؤال تبدو معقدة بعيدة المنال بقدر ما يبدو السؤال ساذجا بسيطا.

إن ابسط صورة واقعية ممكنة للطريقة التي تتم بها استجابة المتلقي لبيت من الشعر هي أن نتصور البيت مكونا من ثلاثة مستويات متوازية: الصوت والوزن والدلالة.

ولعل الشكل الآتي يوضح هذا التصور:


على الرغم من أن مستوى الصوت هو المستوى الوحيد الذي يتمتع بوجود حقيقي في امثل حالات التلقي (وهي الحالة التي نستمع فيها إلى القصيدة من الشاعر مباشرة) فإن للمستويين الآخرين المفترضين من الدلائل ما يجعل وجودهما أمرا مفروغا منه. فمستويا الوزن والدلالة لا يوجدان في الصوت نفسه، أي أنهما ليسا من مكوناته، بل هما يتولدان في نفس المتلقي. فلو استمع شخص ما إلى بيت من الشعر بلغة أجنبية يجهلها، فإن ما سيصل إليه من ذلك البيت، في الغالب، لن يكون سوى المستوى الصوتي. ولأن الدلالة والوزن ليس لهما وجود حقيقي في جسد البيت الشعري المتمثل بالصوت، فإن من غير الممكن إقامة تصور عملي يعزل هذه المستويات عن بعضها، بل أن ما نفعله ليس إلا افتراضا نظريا يهدف إلى الوصول إلى فهم أفضل لعملية التلقي التي تزداد تعقدا عندما تتم بوساطة القراءة لا السمع؛ ذلك لأن إدراك المستوى الصوتي سيتم هو الآخر بعد عدد من التحولات الذهنية المعقدة (1) وعلى الرغم من أن المستويات الثلاثة التي حددناها متوازية مع بعضها، كما هي ممثلة في الرسم التوضيحي (على أساس أن كلا منها يمتد على طول البيت من بدايته إلى نهايته)، فإن سرعة وطريقة الاستجابة لكل منها ليست متزامنة. وقد حاولنا أن نبين هذا في المخطط، فرأس السهم يشير دائما إلى اتجاه الاستجابة، أما موقعه على الخط فيشير إلى تقدير تقريبي للحظة التي سيتم عندها إدراك المستوى المعين.

ويدرك المتلقي المستوى الصوتي بطريقة موازية لنطق المرسل بالأصوات المكونة للبيت الشعري، فأي صوت ينطق به الثاني يدركه الأول حالا. ولا يستطيع المتلقي أن يتقدم على المرسل فيستمع إلى أصوات لم ينطق بها بعد، ولا بد هنا من التفريق بين صوت الكلمة ودلالتها، لأن إدراك بقية الكلمة بعد الاستماع إلى جزء منها ليس إدراكا لصوتها، بل إدراك لدلالتها. ولهذا جعلنا رأس السهم في مكانه المعتاد في نهاية الخط.

أما مستوى الوزن فإن إدراك المتلقي له سيتقدم على المرسل فور معرفة الأول بالتشكل الوزني للبيت؛ ذلك لأن هناك صورة ذهنية كلية مفترضة للتشكل متفق عليها. ولذا وضع رأس السهم وسط الخط.

أما المستوى الدلالي فيتم إدراكه على وفق قانون التراكم الكمي المعروف، فكل كلمة في البيت ستعطي دلالة توضع فوق سابقتها في الذهن، إلا أن دلالة البيت الكلية لن تدرك إلا بعد تمامه وتوقف المرسل عن الكلام، وهذا الإدراك لا يتم بشكل متسلسل متصاعد، بل يتم بشكل مفاجئ حين يصل التراكم الكمي للدلالات الحد الذي يمكنه من إيجاد كيان نوعي جديد. ولهذا وضعنا رأس السهم الخاص بالمستوى الدلالي متأخرا عن خطه إشارة إلى أن التلقي لا يتم هنا بشكل مضطرد التصاعد.

ولنعد الآن إلى النقطة التي انطلقنا منها: كيف تعمل القافية؟.

مما لا خلاف فيه أن القافية تقع في آخر البيت الشعري أو إنها خاتمته، ولعل هذه الحقيقة ادني ما يمكن الاتفاق عليه. ويعني هذا أن القافية ستكون في ختام كل من المستويات الثلاثة التي حددت لعمل البيت. ولكن على أي المستويات تفعل فعلها؟ وكيف؟.

يقصر اغلب دارسي القافية اهتمامهم على المستوى الصوتي سواء كانوا من أنصار القافية أو ممن ينبذونها. فهم يرون أنها تقوم بكل وظائفها على هذا المستوى، فصموئيل دانيال يرى أن الشعر لن يرقى "إلى مراتب الجودة والكمال، ولن يرضي أو يغذي فينا ذلك الإحساس بالبهجة ما لم يلتئم ويترابط بتلك النقرة الصوتية المتكررة التي تبدو وكأنها زمام لولاه لظل الشعر مسيبا لا يستطيع أن يتماسك، بل لظل مندفعا بلا نظام كوهم رتيب لا نهاية له"(2) فالقافية، عند دانيال، ليست إلا ذلك الصوت الذي يجعل نهاية البيت حتمية.

ولا يبعد د. عز الدين إسماعيل عن هذا الاعتقاد حين يعرف القافية بأنها "نهاية موسيقية للسطر الشعري هي انسب نهاية لهذا السطر من الناحية الإيقاعية"(3) وحصر التعريف بين كلمتي (موسيقي ـ إيقاعية) يدل على اعتقاد صاحبه بضم القافية تحت المستوى الصوتي دون غيره.

ويدعو جبرا إبراهيم جبرا إلى نبذ القافية من الشعر الحديث منطلقا من المنطلق نفسه، فشاعر اليوم يعتمد، في رأيه، "الابتعاد عن الرنين والضخامة، لأنه يرى فيهما وقفة جوفاء مضحكة"(4)وليست هذه الوقفة الجوفاء المضحكة إلا العناصر الصوتية للقافية بدليل "الرنين والضخامة"، بينما دفع هذا الرنين نازك الملائكة إلى أن تعتقد "أن القافية ركن مهم في موسيقية الشعر لأنها تحدث رنينا وتثير في النفس أنغاما أو أصداء، وهي، فوق ذلك فاصلة قوية واضحة بين الشطر والشطر"(5)ونجد من الشعراء أنفسهم من يرى في القافية هذا الرأي، وتندرج أبيات الشاعر الانجليزي بوب الآتية تحت هذا الباب:

Wher 'er You find the cooling English breez

In the next Iine whispers through the trees

If crystal streams with pleasing murmurs creep

The reader's threatened (not in vain) with sleep (6

وهذا الهجاء الساخر للقافية ، الذي أراد بوب أن تكون كلمة (sleep) بمثابة الضربة القاضية فيه، لم يُبيّن إلا على أساس أن القافية جزء من المستوى الصوتي بدليل استخدام بوب كلمة (murmurs) التي مهد لها قبل ذلك بكلمة (whisper) . وللقارئ أن ينظر إلى المفارقة التي تكمن في البناء الصوتي المحكم لأبيات بوب هذه.

ولم يخرج اليوت عن هذا المبدأ في تقديره أهمية القافية، إذ يرى أن غيابها يؤدي إلى أن يفلت الكثير من الموسيقى الرقيقة من الألفاظ، تلك الموسيقى التي لم تسمع سقسقتها حتى اليوم في فُسحة النثر(7)ويبدو من النادر أن نجد موقفا شبيها بموقف بيرتون الذي يرى أن الاستخدام الأمثل للقافية يتوقف على غرض الشاعر، فلا بد لها من أن تكون منسجمة مع النظم ككل، وعليها أن تغني وتقوي الثيمة والخيال(8) على أن يكون لدينا تفريق دقيق بين القافية بوصفها جزءا من البيت الشعري وبين وظائفها التي تنتج عن ذلك.


--------------------------------------------------------------------------------

(1) ناقش ريتشاردز هذه التحولات المعقدة باسهاب: ينظر مبادئ النقد الادبي: ص ص 166ـ 187.

(2) الشعر كيف نفهمه ونتذوقه، اليزابت درو، ترجمة د. محمد ابراهيم الشوش، ص 45.

(3) الشعر العربي المعاصر : ص67.

(4) الرحلة الثامنة: ص 14.

(5) قضايا الشعر المعاصر: ص 192.

6.How to Read a Poem, Roy THOMAS: University of London Press, London, 1967, P. 40.
7.To Criticize the Critic: P. 187.

8.The criticism of Poetry: P. 52


--------------------------------------------------------------------------------


لو تأملنا هذا المخطط (في المقالة السابقة) الذي يبين مستويات عمل البيت الشعري مرة أخرى للاحظنا أن الخط الرأسي الفاصل بين حشو البيت وقافيته يضع حدودا مكانية بين هذين الجزأين، بينما لا يشير إلى ما سيحدث في البعد الزماني؛ فالقافية آخر البيت وجزء من كل من مستوياته، لن يحس بها المتلقي الا على مراحل متتابعة.

فبعد أن ينشد المرسل البيت الأول من القصيدة، يكون المستمع عارفا بالضرب الذي يختتم به التشكل الوزني، وبهذا فإن جزء من القافية في مستوى الوزن سيكون معروفا مسبقا، ومثله جزؤها في المستوى الصوتي ما دامت كل أبيات القصيدة ستنتهي بالمجموعة الصوتية نفسها. أما الجزء الواقع في مستوى الدلالة فهو الوحيد الذي سيؤجل حتى تمام إنشاد البيت.

لنفرض أن أحدا يستمع إلى إنشاد قصيدة المتنبي التي مطلعها:

وا حرَّ قلباه ممن قلبه شبم ومن بجسمي وحالي عنده سقم

فهو يستمع إلى أي بيت آخر بعد المطلع، وليكن:

ما لي اكتم حبا قد برى جسدي وتدعي.................

فإنه سيهيئ نفسه عند هذا الحد لاستقبال القافية التي يعرف أنها ستكون على وزن (+ + + ـ، فعلن) وإنها منتهية بالحرفين (مو) و إنها تشبه (دَدَمُو) ، ويبقى في حالة ترقب لمعرفة الدلالة التي ستتمها الأحرف الباقية.

وقد كان النقاد القدامى يشترطون في القافية أن تكون لازمة، أو أن يشهد بها أول البيت، وحددوا لهذا الغرض أساليب عدة اصطلحوا عليها مصطلحات كثيرة منها التوشيح ورد الأعجاز على الصدور والموازنة والمساواة وغيرها(1) فما سبب تلك النشوة التي تفجأ المتلقي حين يحزر قافية البيت قبل أن يتفوه بها المنشد؟ كما في هذين البيتين:

ليالي بعد الظاعنين شكول طوال وليل العاشقين طويل

يُبِنَّ لي البدر الذي لا أريده ويخفين بدرا ما إليه سبيل

وبإمكان المنشد أن يزيد من (تطريب) أو تفاعل المتلقي معه لو أنه توقف قليلا قبل أن ينطق بكلمة القافية، عندها سيسارع المتلقي إلى أن يملأ الفراغ الذي أحدثه صمته بتلك الكلمة التي حزرها.

ويمكن أن يبين المخطط الآتي ما حدث في أبيات مثل هذه:


السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 24-08-2008, 01:18 AM   #2
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي


فما يحدث في هذه الحالة يختلف عما يحدث في الحالة القياسية التي سبق الحديث عنها، إن الدلالة تتم هنا قبل أن ينتهي المنشد من قراءة البيت، مصحوبة بشعور المتلقي بالزهو باكتشافه، وبما انه يدرك المستوى الوزني، فإن ما يبقى للمنشد ليس إلا ترديد أصوات متوقعة، أو بمعنى آخر، خلعت قيمة الإنشاد الفنية للإيقاع على المستوى الصوتي دون غيره من المستويات. وبما أن هذه السلسلة من الأصوات منتظمة رتيبة، فسيكون لها اثر عظيم في المتلقي، فمن الثابت أن الصوت الرتيب يدفع المستمع إلى حالة من التفريغ الذهني ذات مظهر تنويمي(2).. ويمكن أن نشبه تلقي القافية في حالة كهذه بتلقي الرضيع ترنيمة الأم.

إن الفرضية المتقدمة لا تطبق، في الواقع إلا على الشكل التقليدي. أما الموقف في الشكل الحديث فإنه يختلف اختلافا تاما، فإذا قرأنا هذه الأسطر:

وتلتف حولي دروب المدينة

حبالا من الطين يمضغن قلبي

ويعطين، عن جمرة فيه، طينة

حبالا من النار يجلدن عُريَ الحقول الحزينة

ويحرقن جيكور في قاع روحي(3)

فسنلاحظ غياب المثال الأول الذي يتم عليه القياس (المطلع). وإدراك التشكل الوزني، وتوقع شكل القافية في القصيدة التقليدية يقوم على هذا الأساس الغائب. لقد اختلف نوع الاستجابة في الشكل الحديث. فتلقي كل سطر من الأسطر المتقدمة يمكن أن يمثل بالمخطط الآتي:

إن عمل السطر يقوم هنا على تزامن المستويات الثلاثة، لان صورة أي منها لا يمكن أن تدرك إلا بعد تمام السطر، فنحن لا نعرف عن التشكل الوزني سوى التتابع الذي يمثل الوحدة الوزنية الصغرى التي تتكرر عددا من المرات نجهله. وكذلك لا نعرف الصوت الذي سيختتم به السطر لأن الشاعر سيعلق رغبتنا بمجموعة من التوقعات التي قد تشبع أو لا تشبع. فالسطر (5) مثلا يمكن أن ينتهي بالصوت (نة) أو الصوت (بي) بناء على ما تقدمه، لكن الشاعر ينهيه بالصوت (حي) ليعلق رغبتنا بتوقع جديد يضم إلى التوقعين السابقين، وهكذا نرى أن أساس عمل القافية يختلف تماما بين الشكلين التقليدي والحديث، وبالتالي فإن اثر القافية في المتلقي سيختلف أيضا، ويمكن أن نستنتج، بشكل عام، من هذا التصور، أن القافية في الشكل التقليدي تؤدي إلى تحديد حقل انتباه المتلقي وتضييقه بما يشبه بعض أعراض التنويم المغناطيسي، فالمستمع إلى الشعر التقليدي يشعر بطرب ونشوة تدفعه إلى إغلاق منافذ الاستجابة بوجه المنبهات الخارجية الأخرى كما يوجه الواقع تحت تأثير النوم المغناطيسي حقل انتباهه إلى صوت المنوم دون غيره(4)أما من يستمع إلى قصيدة من الشكل الحديث فإنه سيكون في حالة يقظة وتحفز مهيئا لاستقبال كثير من المنبهات غير المتوقعة، مع رغبة موزعة على مجموعة من الحاجات التي تنتظر الإشباع أو الخيبة.


--------------------------------------------------------------------------------

(1) الكافي: ص ص 170ـ 207.

2.Speeking of Sleeping Problems, Dietrich Langin: Consolidated Book, New York, 1978, P, 52.

(3) ديوان بدر شاكر السياب : 1/ 414.

(4) ينظر موسوعة علم المتنبي: ص37.

الناقد د.ثائر العذاري

alethary@yahoo.com

من منشوراته في النخلة والجيران

العودة الى صفحة مقالات
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 24-08-2008, 01:23 AM   #3
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

د.ثائر العذاري
--------------------------------------------------------------------------------



المهمة العسيرة التي أمامنا ولا نرى أننا سنستطيع الوصول بها إلى نتيجة حاسمة هي مهمة تعريف القافية، فعلى الرغم من أن الضوابط الدقيقة التي وضعها الأقدمون من ملاحظتهم للموروث الشعري تمثل العمود الفقري لما يمكن أن يقال اليوم عن القافية، فإن هذه الضوابط تثير مجموعة من المشاكل التي تعيق طريق الوصول إلى تعريف جامع مانع للقافية، وبخاصة حين يرمي هذا التعريف الذي تراد صياغته إلى تحديد القافية في الشكل الحديث.

وأول المشاكل التي تجابه تعريف القافية حتمية وصفها بأنها تماثل صوتي بين تشكلات صوتية محددة في أواخر الأسطر؛ ذلك لأن نعت أية مجموعة صوتية بتسمية (القافية) ستكون عبثا لا جدوى منه في حالة انعدام التماثل بينها وبين مجموعة صوتية في سطر آخر، وتكمن صعوبة هذا الاتجاه في التعريف في انه يجب أن يحدد القوانين التي يخضع لها تماثل القوافي.

وهناك عدد من الظواهر التي تُعقّد صياغة قوانين كهذه، ومن هذه الظواهر ما نلاحظه من تمييز البيت العربي بين أشكال صوت المد الذي يسبق (الروي) فهو حين يكون صوت مد طويل (ردفا) يكون واجب الالتزام وبخاصة حين يكون ألفا، فإن لم يكن جاز التناوب بين الواو والياء(1) أما حين يكون حركة (توجيها) فإن الشاعر يفك نفسه من إساره. ففي مطولة عنترة بن شداد يجمع الشاعر بين الكسرة والفتحة مرة في:

وخلا الذباب بها فليس ببارح غردا كفعل الشارب المترنِّمِ

هزجا يحك ذراعه بذراعـه فعل المكب على الزناد الأجذم(2)

إذ جمع بين حركة النون في (المترنم) وحركة الذال في (الأجذم) في (توجيه) قافيته.

ويجمع بين الفتحة والضمة مرة أخرى في:

وإذا شربت فإنني مستهلك مالي وعرضي وافر لم يكلَمِ

وإذا صحوت ما أقصّر عن ندى وكما علمت شمائلي وتكرُّمي(3)

وفي الشعر العراقي الحديث نقرأ للسياب قوله:

قدم تعدو، قدم، قدَم

القبر يكاد يوقع خطاها ينهدِم

أترى جاؤوا؟ من غيرهُم(4)

الذي جمع في (توجيهاته) بين الحركات الثلاث جميعا.

وقد ذهب العروضيون إلى أن حركة (التوجيه) لا تلتزم إلا في القوافي المقيدة فهي فيها واجبة الالتزام (كالردف)، أما القوافي المطلقة فليس لها (توجيه) ملتزم(5) فلماذا وجب التزام صوت المد في مثل (سحيق، عميق) ولم يجب في (قمر، سهر)؟

ثمة مشكلة تعترض وضع قوانين التماثل الصوتي بين القوافي، وهي مشكلة (التأسيس). فحين تتضمن القافية ألفا يتوسط بينه وبين (الروي) حرف وحركة يكون هذا الألف واجب الالتزام ويسمى (تأسيسا) كما في كلمة (ذاهب) التي يمكن أن تقفى بكلمات مثل (راغب، مراقب، قوارب). ويغلب أن تكون حركة الحرف الذي يتوسط بين (التأسيس) و (الروي) الذي يعرف بتسمية (الدخيل) كسرة؛ ذلك لأن لزوم ألف (التأسيس) أدى إلى قصر القافية على صيغ صرفية محدودة مثل (فاعل، مفاعل، فعائل) التي تجمعها كسرة (الدخيل).

وأول مشكلة تتأتى من لزوم ألف (التأسيس) هذه أن المجموعة الصوتية المتماثلة ستشطر شطرين يتمثل أولهما بالألف، ويمثل ثانيهما (بالروي) وما بعده. أما الحرف المتوسط بينهما فهو غير ملتزم لسبب لا نعرفه.

والمشكلة الثانية تبرز عند التساؤل عن السبب الذي أدى إلى التزام الألف في هذا الموضع دون غيرها من أصوات المد. فلماذا لم يلتزم الشاعر الياء التي في موضع ألف (التأسيس) في قوله:

بللت بها ردني والغيم مُسـعدِي وعبرته صرف وفي عبرتي دمُ

ولو لم يكن ما انهل في الخد من دمي لما كان مُحمرا يسـيل فأسقم(6)

ولم تنته مشاكل (التأسيس) إلى هذا الحد، فهناك مشكلة ثالثة تثير الحيرة، فالألف لا تكون لازمة إلا عندما تكون جزءا من الكلمة التي يقع فيها (الروي) وإلا فليس (تأسيسا)(7) ففي هذين البيتين:

إلى أي حين أنت في زي محـرم وحتى متى في شقوة وإلى كمِ

وإن لا تمت تحت السيوف مكرما تمت وتقاسي الذل غير مكـرّم(8)

لم يلتزم الشاعر الألف في مجموعة (إلى كم) (تأسيسا) بدليل القافية الثانية (مكرم) ولا يمكن إيجاد مسوغ صوتي لهذه الظاهرة على ما نرى.

وأخيرا هنالك مشكلة تحديد القافية المثلى أو القافية التامة، فليس لدينا أي تصور لما يمكن أن نسميه قافية تامة، وليس لدينا أي تحديد لأطول مجموعة صوتية يمكن التزامها قافية، إذا ما أخذنا بالحسبان (لزوم ما لا يلزم).


--------------------------------------------------------------------------------

1. ينظر الكافي في العروض والقوافي: ص 153.

2. شرح القصائد العشر: الخطيب التبريزي: د. فخر الدين قباوة، المكتبة العربية، حلب، الطبعة الأولى، 1969، ص 274.

3. نفسه: ص 289.

4. ديوان السياب: 1/ 460.

5. ينظر الكافي : ص 158.

6. ديوان ابي الطيب المتنبي: 4/ 83.

7. ينظر الكافي : ص 154.

8. ديوان المتنبي: 4/ 34.


--------------------------------------------------------------------------------


بعد تحديد المشاكل في الحلقة السابقة يمكننا أن نقدم تصورنا لتعريف القافية، الذي أردناه مراعيا واقعها بما يخدم الدراسة التطبيقية. فالقافية ـ كما نراها ـ تماثل صوتي بين مجاميع صوتية تقع في خواتيم الأسطر الشعرية، ولا نرى أية جدوى في الحديث عن القافية في سطر منفرد، بل لا بد من دراستها وهي داخل نظام إيقاعي في قصيدة أو مقطع من قصيدة مؤلفة من عدد من المقاطع. أما ضوابط هذا التماثل الصوتي فتتحدد وفق ما يأتي :

على عكس القافية في عدد من اللغات ، كالانجليزية ، التي تتخذ من أصوات المد أساسا لها(1) تقوم القافية العربية على تماثل الأصوات الصحيحة في المقام الأول. فنحن نختلف مع د. شكري عياد الذي يرى أن القافية العربية تقوم على التماثل بين أصوات المد، وان دور الحروف الصحيحة لا يتعدى إعطاء لون معين لأصوات المد تلك(2) وهناك أكثر من دليل على بطلان هذا المذهب، ويمكن إجمال الأدلة فيما يأتي:

إن أصوات المد لا تكون (رويا) إلا بشروط محددة(3) ولو كانت أساس القافية لكان حظها في أن تكون (رويا) أكبر من حظ غيرها.

يمكن أن تتناوب الياء والواو حين يكون أحدهما (ردفا) بينما يعد أيسر تغيير في (الروي) الذي هو حرف صحيح في الغالب، عيبا في القافية يطلق عليه تسمية (الاتقاء)(4)

يمكن أن تكون القافية مقيدة (ساكنة الروي)، إذ يستغنى عن صوت المد الذي يأتي بعد (الروي) ولكن لا يمكن أن تكون خالية من (الروي).

عدم التزام حركة (التوجيه) في الغالب.

وهكذا يكون أهم صوت في مجموعة الأصوات التي يجب التزامها في القافية هو (الروي).

كل الأصوات التي تأتي بعد (الروي) واجبة الالتزام دون احتمال أدنى تغيير، وهذه الأصوات لا تعدو أربعة هي (الوصل) و (الخروج) و (المجرى) و (النفاذ).

تلتزم الحركة التي تسبق الروي المقيد التي تعرف (بالتوجيه) وتجوز المناوبة بين الكسرة والضمة، بينما لا تجوز المناوبة بين احدهما والفتحة.

يلتزم صوت المد الطويل السابق على (الروي) سواء أكان (الروي) مطلقا أم مقيدا، ويمكن المناوبة بين الواو والياء، بينما لا تجوز المناوبة بين احدهما والألف.

لا يعد ألف (التأسيس) جزءا من القافية، بل يمكن أن تَضمَّ دراسته إلى دراسة (الضروب) في الوزن.

إن أتم قافية يمكن أن ترد في الشعر العربي ـ بغض النظر عن لزوم ما لا يلزم بوصفه تقنية اختيارية غير لازمة ـ هي القافية المؤلفة من (ردف) و (روي) و (مجرى) و (وصل) و (نفاذ) و (خروج)، ولا يوجد تماثل صوتي لازم أطول من هذا.

يهدف هذا المبحث والمبحث التالي، في المقام الأول، إلى دراسة القافية في الشعر العراقي الحديث، بوصفها احد عناصر التشكيل الإيقاعي فيه. فعلى الرغم من أن القافية وصفت منذ انطلاقة الشعر الحديث بأنها "ذلك الحجر الذي تلقمه الطريقة القديمة كل بيت"(5)فلقد ظلت، كما وصفها سانت بوف، "إبزيما من الذهب يعقد حول خصر فينوس الوشاح الإلهي الذي يوشك أن يقع دائما ويمسك به الإبزيم(6)

ويبين الجدول (8) الذي أحصيت فيه القصائد التي خلت من أي نظام للتقفية في عينة تتألف من (482) قصيدة من الشعر العراقي الحديث، أن هذه القصائد لا تمثل سوى نسبة 18% من مجموع قصائد العينة. وهي نسبة تدعو إلى التوقف عند التقارير التي ترى أن الشكل الحديث لم يعد بحاجة إلى القافية(7) أو أنها ما عادت همّا من همومه(8)

لم يعد الشاعر، في الحقيقة، ملزما بنمط معين من التقفية، لأن القافية تحولت من كونها ختما يمهر به كل بيت دلالة على ضمه إلى غيره إلى أداة تقنية فاعلة سوف يبين ما يأتي من البحث خدماتها التي اسدتها للشكل الحديث. ولعل إشارة السياب في واحدة من رسائله تحمل قدرا كبيرا من الحقيقة، فقد كتب عام 1961 يقول: "أنا من أعداء التفلت من القافية، ..، وكان في الإمكان أن يتضاعف اثر صورك وأفكارك وعواطفك على النفس لو كانت قصائد مقفاة".(9)فهو يرى أن القافية تعمل في كل تقنيات الشاعر ابتداء بالخيال وانتهاء بفضاء القصيدة النفسي مرورا بالنتيجة التي تقدمها.

وفي قصيدة (استراحة) التي كتبها رشدي العامل عام 1976، يرسم الشاعر صورة حالة بائسة، يشكل "بيت الشعر بلا قافية" احد أركان بؤسها:

في الليالي أجوس حقول الصبا إذ بلتها يداك فترنو لي الساقية.

في الليالي أفتش وحدي عن الحرف، عن بيت شعر بلا قافية.

في الليالي أشم الوسادة، هل غادرتها الضفائر.

وهل نمت وحدي.

وجاء الصباح، ومرَّ الصباح، وأيقظني الليل في الأربعين.( 10)

فالبيت (غير المقفى) يبدو في السطر (2) يتيما وحيدا ينذر بالشيخوخة والنهاية.



المجموعة الشعرية
الشاعر
القصائد

غير المقفاة
مجموع

القصائد

ازهار واساطير
بدر شاكر السياب
0
12

المعبد الغريق
بدر شاكر السياب
0
23

منزل الاقنان
بدر شاكر السياب
0
25

انشودة المطر
بدر شاكر السياب
0
30

شناشيل ابنة الجلبي
بدر شاكر السياب
0
35

كلمات لا تموت
عبد الوهاب البيأتي
0
25

الكتابة على الطين
عبد الوهاب البيأتي
0
16

الموت في الحياة
عبد الوهاب البيأتي
0
15

سيرة ذاتية لسارق النار
عبد الوهاب البيأتي
7
7

قمر شيراز
عبد الوهاب البيأتي
4
7

شظايا ورماد
نازك الملائكة
0
10

قرارة الموجة
نازك الملائكة
0
5

شجرة القمر
نازك الملائكة
0
7

شواطئ لم تعرف الدفء
حميد سعيد
1
20

لغة الابراج الطينية
حميد سعيد
4
9

قراءة ثامنة
حميد سعيد
7
9

الاغاني الغجرية
حميد سعيد
6
11

حرائق الحضور
حميد سعيد
6
10

نخلة الله
حسب الشيخ جعفر
0
22

الطائر الخشبي
حسب الشيخ جعفر
0
13

زيارة السيدة السومرية
حسب الشيخ جعفر
10
11

عبر الحائط .. في المرآة
حسب الشيخ جعفر
9
12

هجرة الالوان
رشدي العامل
6
30

للكلمات ابواب واشرعة
رشدي العامل
0
55

الاسئلة
سامي مهدي
13
48

فصول من رحلة طائر الجنوب
عيسى حسن الياسري
14
15


المجموع
87
482

النسب المئوية
18%
82%




See An Inyroduction to Poetry, Jacob Korg: Holt, Rineh art, and Winston, New York, 1965, P. 29.
موسيقى الشعر العربي: ص ص 109ـ 116.
ينظر الكافي: ص 150.
نفسه: ص 161.
شظايا ورماد: ص 12.
مسائل فلسفة الفن المعاصرة: ص 200.
دير الملاك: ص 339.
موسيقى الشعر العربي: ص 104.
رسائل السياب: ص 108.
هجرة الالوان: ص 220.




الناقد د.ثائر العذاري

alethary@yahoo.com

من منشوراته في النخلة والجيران

العودة الى صفحة مقالات


السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 29-08-2008, 05:27 PM   #4
alimetlak
شاعر وأديب
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2007
الإقامة: الأردن
المشاركات: 147
إفتراضي

سيدي عبد الرازق:

اثريت معلوماتنا بما تقدم لنا من مواضيع غنية ممتعة لا غنى لأي شاعر عنها فلك جزيل الشكر وبعد :

فان لي رأي في المقارنة بين الشعر بجميع انواعه وفنونه( عموده,حره قافيته رويه

...الخ) وبين لغات البرمجة المختلفة للحواسيب , اذ انه كلما زادت صعوبة لغة

البرمجة من وجهة نظر المبرمج كلما مكنته من تحقيق هدفه بأقصر الطرق وانجعها

والذي يقابلها في ذلك الشعر الموزون ببحوره وقافيته ورويه ...الخ من تحديدات

يعجز الضعيف عن استخدامها فتصبح له عوائق وموانع تمنعه من الوصول الى هدفه

من المعاني المنشودة التي يبغي ان يقدمها , وفي المقابل تكون هذه الموانع

بمثابة ادوات او اسلحة تساعد الشاعر المتمكن القوي من بلوغ اهدافه من المعنى

المنشود والموسيقى الموزونة واللفظ او الشكل الذي يجعل القصيدة ترتفع لتصبح

شمسا للناظرين ودرة للباحثين وكنز اسرار للدارسين لا طلاسم تسمى شعرا لان

الناظم ضعيف يلتف حول السلالم التي يسميها معوقات وهي للقوي مرقـّيات يحلق

بواسطتها في سماء الشعر ليقبس ما شاء من نجومها وطيوفها فيبقى الضعيف هو

وطلاسمه في الحضيض لا موسيقى ولا اوزان ولا معنى ويذم ادوات الشعر ويحاربها

وينطبق عليه المثل القائل ( ما طال العنب فقال عنه حصرم) والسلام .
alimetlak غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .