العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السيـاسية

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نقد مقال بوابات الجحيم التي فتحت فوق سيبيريا عام 1908 لغز الانفجار الكبير (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الغرق فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال أمطار غريبة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث النسبية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: حديث عن المخدرات الرقمية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الكايميرا اثنين في واحد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى توهم فريجولي .. الواحد يساوي الجميع (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 17-02-2009, 02:08 PM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي الانضباط والالتزام وأثرهما في التحول السياسي

الانضباط والالتزام وأثرهما في التحول السياسي

عندما تتم مناقشة أوضاع الأمة من قبل أبنائها، يلاحظ من يراقب أقوال المواطنين وآراءهم من خلال الاستبيانات أو من خلال المقابلات الصحفية أو الإذاعية أو التلفزيونية، أن آراء المواطنين متشابهة تجاه الكثير من القضايا، حتى وإن كان هؤلاء المواطنين لم يلتقوا في السابق، ولم يتم التنسيق فيما بينهم حول ما سيقولون تجاه قضية ما.

وأحياناً، تعتمد بعض القنوات التلفزيونية نهجا يعرض بين حين وآخر عينات من آراء المواطنين، وتكون النسبة تقارب أو تفوق التسعين بالمائة، ويعلق الضيف الذي يتبنى وجهة نظر مخالفة أن تلك الاستبيانات لا أهمية لها، وتراود الضيف نفسه أن يصف هؤلاء المصوتين بالجهل أو التخلف، ولكنه لا يود أن يفتح على نفسه بوابة واسعة من الانتقاد تكون سلاحا تجاه مخالفيه سواء من كان في الأستوديو أو ممن يرصدون ما سيقول هذا الضيف لاستعمال أقواله ضده في مناسبة أخرى.

لن نخوض في صحة أقوال المعارضين لتلك الاستبيانات. ولكن سنقف عند تلك الظاهرة التي تؤشر باستمرار على أن هناك إجماع عام في تصنيف ما يجري بأنه سيء وأن حالة عدم الرضا هي السائدة، وأن الحقائق ظاهرة ولا تحتاج إلى إثبات، ولكن لماذا هذا الاستمرار بحالة التردي، طالما أن الأغلبية العظمى من أبناء الأمة تتفق على وجوب تغييرها والخلاص من آثارها؟

بين الالتزام والانضباط

الالتزام هو حالة استعداد الفرد لأن يبقى على ما يؤمن به من عقيدة أو نهج، دون تحريض من خارج ذاته، كالالتزام بالشعائر الدينية أو الالتزام برعاية أبناء الفرد أو أسرته، أو الالتزام بالسير على قواعد أخلاقية آمن بها الفرد وآل على نفسه أن يسير عليها دون أن ينتظر من أحد أن ينتقده أو يراجعه بشأنها. ويصنف الفعل الحاصل من الفرد إزاء تلك القواعد في باب (الفعل المسئول).

أما الانضباط، فهو حالة استعداد الفرد أن يقوم بأفعاله ويعبر عنها بما تمليه ظروف الجماعة (أسرة، مجتمع، حزب، جيش الخ) بغض النظر إن كان يقرها إقرارا مقتنعا ومؤمنا بها أم لا. ويصنف الفعل الحاصل من الفرد إزاء تلك القواعد في باب (الفعل الواجب).

ومن الأمثلة على (الفعل الواجب) الذي تحكمه قواعد (الانضباط) هو انقياد أفراد الجيش لخطة القيادة العسكرية، دون تحريف أو تحويل أو رغبة في النقاش. ويمكن أن تكثر نماذج الانضباط في أي خطة يسير عليها فريق ما، (فريق طبي يجري عملية جراحية)، (فريق كرة قدم يخوض مباراة)، (أفراد الأحزاب في الحملات الانتخابية) الخ.

التهويش خروج على الانضباط

التهويش، هو التبرم من تنفيذ تعليمات القيادة، والثرثرة فيما بين أعضاء الفريق أو الجماعة فتحدث الاتصالات الجانبية منتقدة القيادة في نهجها أو برنامجها، أو في ترشيح بعض الأسماء غير المقنعة، فتكون النتيجة هي أن يتخاذل الفريق في أداء مهمته بنجاح، وسيكون الفشل حليفهم في تحقيق ذلك النجاح.

من جانب آخر، سيكون هناك من يترصد مثل تلك الهفوات التي يتسلل العدو من خلالها لإبطال فاعلية التحرك العام للجماعة. هذا الجانب من خلخلة أداء الجماعة يبدأ من أبسط الوحدات الجماعية، ففي حالة أن يتقدم أحد الأفراد لخطبة فتاة من أسرة ويصدف أن كان الأب معارضا، فإنه سيبحث عن ثغرة في الأسرة تقبل به (خطيبا) كالأم أو الابن الأكبر، ويأخذ باستثمار مثل هذا الدور لتغيير موقف الأب.

وقد يحدث في حالات القتل، فتجد أهل القاتل يبحثون بين أقارب المقتول ليجدوا شخصا مؤثرا يقبل بفكرة التصالح ويبدون نشاطا واسعا في التأثير عليه من أطراف عدة.

وفي حالة الأعداء الخارجيين، تلعب المخابرات دورا في رصد بؤر لاختراق المجتمع السياسي (الدولة بجانبها السياسي الحاكم)، أو منظمات المجتمع المدني (الدولة بجانبها الشعبي المحكوم). وتبدأ فعلها بترغيب أنصارها وتحريضهم على تهيئة الأجواء للتغيير الذي سيكون في صالح الدولة المعتدية.

الأسباب المهيئة للتهويش

إن قاعدة (نفذ ثم ناقش) التي تعتمدها التنظيمات الصارمة في الجماعات والتي هي أساس الانضباط، ترتخي هيبتها وتتفكك لتسمح لبذور التهويش أن تنمو فيما بين طبقاتها المتصدعة إذا مرت بهذه الظروف:

1ـ عندما يكون أفراد القيادة على قدر ضئيل من الإبداع والفهم في قيادة مجموعاتهم، كحالة مدرب في فريق رياضي فشل في أكثر مبارياته، قائد سياسي اعتلى سدة الحكم أو سدة قيادة جماعة معارضة ردحا من الزمن دون أن يسجل انتصارتٍ تذكر، يجعل القيادات المفصلية تنقل رغبات ذلك القائد دون حماس يذكر، فيكثر التهويش.

2ـ عندما تكتفي قيادة المجموعة ب (نفذ) مع تأجيل ( ثم ناقش)، أو إلغاؤها نهائياً، تصبح المناقشة حينها خارج جسم الجماعة ويحدث التهويش.

3ـ عندما تكون مواسم المناقشة موظفة لتبرير أوامر (نفذ) وعدم الاستماع لمن سيناقش خلاف ما كانت عليه طبيعة الأوامر، أو أن من يناقش سيُرمى به خارج الجسم العام، وبهذه الحالة تصبح ظاهرة التهويش والتكتلات داخل الجسم تأخذ مسحة تآمرية.

4ـ في حالات الهيئات التمثيلية العامة، التي تعتمد الانتماء للجماعة من أجل هدف قد يتحقق فجأة أو يتحقق في تاريخ الجماعة، فإن الخطاب التثقيفي سيصبح باهتا وغير مؤثر في صنع حتى حالة الالتزام الأولية، مثال ذلك حركات التحرر الوطني التي يكون هدفها طرد المحتل، فما أن يخرج المحتل حتى تظهر خلافات قد تكون سببا في صراع مسلح بين مكونات تلك الجماعة الواسعة (مثال ذلك، الهند، الجزائر، فلسطين، جنوب أفريقيا، زمبابوي).

5ـ في حالة الهيئات التكاملية العامة، أي التي تعتمد الخماسية في تسيير شؤون حزبها (أيديولوجيا، نظرية تنظيمية، طليعة، احتراف سياسي، انضباط)، قد يحافظ النضال من أجل وصولها للحكم، ولكنها ما أن تصل حتى يدب الوهن في أحد عناصر خماسيتها مثال ذلك (الأحزاب الشيوعية التي وصلت للحكم في شرق أوروبا، حزب البعث في سوريا والعراق) ويمكن إضافة حالات (الاتحاد الاشتراكي في مصر ناصر، وجبهة التحرير الوطني الجزائري، وحركة الإنقاذ في السودان).

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 17-02-2009, 09:59 PM   #2
البدوي الشارد
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2009
الإقامة: حزيرة العرب
المشاركات: 760
إفتراضي

..........
البدوي الشارد غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 17-02-2009, 09:59 PM   #3
البدوي الشارد
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2009
الإقامة: حزيرة العرب
المشاركات: 760
إفتراضي

الانضباط في اعتقادي يمكن أن يجيء بطريقتين: الطريقة الأولى طريقة التخويف، فينضبط العضو في جماعة (قسرية أي لم يدخلها الفرد طوعا عادة مثلا شركة يعمل فيها أو جيش إلى آخره..) خوفا من العقوبة.
الطريقة الثانية هي طريقة الاقتناع، وهي المألوفة في حالات الالتزام الطوعي-مثلا جمعية ذات نفع عام، حزب..إلى آخره..
من أهم معوقات الانضباط في مجتمعنا النزعة الفردية وعدم المقدرة على التنسيق والعمل الجماعي.
وثمة علاقة وطيدة بين القناعة والالتزام ومرافقه الانضباط، ولكن في مجتمعنا ثمة بعد مفقود هو بعد "الإخلاص" وهو موجود بصورة مثالية في الإسلام، لكنه من الفضائل المغيبة في مجتمعنا مع كثرة مزاودتنا الدينية في هذه العقود الأخيرة. "الإخلاص" في الإسلام يعني قناعة الفرد الراسخة بأن الآخرة هي الشيء المهم والحساب الإلهي فيها هو الوحيد الذي يحسب له الفرد حساباً، وقد يرتقي المؤمن إلى درجة يطلب فيها رضا الله حتى لو أمن عقابه كما نقل عن عمر رضي الله عنه أنه لو أمن العقاب لم يعص ربه (فهو يحب الله فيطيعه والمحب يطيع المحبوب). وعلى جميع الأحوال يعني الإخلاص أن الفرد لا يهمه رد فعل الناس على أعماله، ومن هنا لا يعود يهتم بإظهار نفسه وإثبات تفوقه على غيره، فيختفي عندها الحسد الذي هو سبب جوهري في انحطاط مجتمعنا لأنه يدفعنا للعمل على تقويض جهود بعضنا فتتنافى قوانا وتصبح صفرية الفاعلية. ويظهر عند الإخلاص ظاهرة ضمور الأنا وهذا الضمور المحمود هو أساس فعالية العمل الجماعي وأساس الالتزام والانضباط معا.
وأحيي مرة أخرى حوران وابنها على مواده القيمة.

آخر تعديل بواسطة البدوي الشارد ، 17-02-2009 الساعة 10:06 PM.
البدوي الشارد غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 20-02-2009, 11:31 AM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أشكركم أخي الفاضل على المرور والإضافة القيمة

احترامي وتقديري
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 20-02-2009, 11:31 AM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أثر الفكر على الانضباط

الفكر، الأيديولوجية، مخزون معرفي يوظف في قياس طبيعة حركة الأفراد أو الجماعات في أداءها لأعمالها أو في اتخاذها موقفا مما يدور حولها، هناك من يذهب الى أن اكتناه وتقييم الأمور يعود لفرع من العلوم الفلسفية أُطلق عليه اسم الإبستومولوجيا.

حتى يبقى موضوعنا يراوح مكانه في حيز الفهم المتاح لأكبر شريحة من المهتمين، سنبتعد قليلا عن التعقيد في تناولنا للموضوع، وسنعود لأثر الأفكار ودورها في زيادة همة العاملين أو المتوجهين لعمل ما.

معلوم، أن المقتنع بفكرة والمؤمن بها تكون سرعة تحركه وهمته في إنجاز ما أوكله غيره إليه لإنجازه، أو ما تطوع هو في عمله، أسرع من ذلك الذي يفقد قناعته أو أن تكون قناعته مهزوزة في أداء عمله، هذا المشهد نراه في المواظبين على شعائرهم الدينية الذين يقومون لأداء صلواتهم بالمساجد بانتظام، أو أولئك الذين ينفذون عمليات تفجير أنفسهم من أجل هدف يقتنعون فيه قناعة تامة، (اليابان في الحرب العالمية الثانية) (فلسطين والعراق).

في حين تكون همة ذوي القناعة المهزوزة، واضحة في ارتخاء همتهم، فإن طالب تنظيم أفراده في الخروج الى مظاهرة لنصرة ثوار التاميل (مثلا) وكان هذا التنظيم يتواجد في بلد مثل مصر مثلا، فإن الحضور سيكون قليلا، لا شك.

التعقيد في الأفكار يسبب خللا في الانضباط

تتفاوت درجات الفهم والمقدرة الفكرية من شخص لشخص، وتتفاوت اهتمامات الناس حسب أهمية الموضوع المطروح عليهم، وليس مطلوبا من كل الناس أن تكون مستويات فهمهم للأمور متساوية.

الفكرة غير الواضحة، تكون ك (القارمة) غير الواضحة، ففي الطرقات السريعة، تضع بعض مكاتب الإعلان إعلانات يستطيع من يركب السيارة رؤيتها وقراءتها وفهمها بسرعة فائقة، ولو أكثر واضع الإعلانات من الكلمات الموجودة على اللوحة، وكان حجم الحروف صغيرا لكي تستوعب اللوحة ما يريده من الإعلان لتعذر على من يركب السيارة قراءة كل تلك التفاصيل في الوقت القليل الذي يتزامن مع وقوع تلك اللوحة في مجال بصره.

هذا حال عموم المواطنين في فهم الموضوعات السياسية التي تُطرح عليهم. عندما كانت الدعوة الإسلامية في بداية عهدها، لم يكن المقاتلون قد اطلعوا على ما كتب ابن حنبل أو ابن تيمية، بل كانوا بالكاد يحفظون القليل من آيات القرآن الكريم، فكانت إنجازاتهم بالقرن الأول الهجري تفوق كل إنجازاتهم فيما بعد. وعندما كثر شرح العقيدة، وكثرت الاجتهادات هبط مستوى الانضباط، وظهرت التكتلات وظهر التهويش، وظهرت الطوائف والفرق.

كما أنه في العصور الحديثة عندما كان القائد السياسي يختصر الأيديولوجية في قرارات صارمة استطاعت بعض الدول أن تخطو خطوات سريعة (ألمانيا، اليابان، الاتحاد السوفييتي/عهد ستالين).

مواكبة الفكر للتطور الحضاري وأثرها على الانضباط

في بداية القرن العشرين، وحتى بعد منتصف القرن العشرين، حفظ الجمهور هدفا أساسيا من الخطابات الفكرية الموجهة إليهم، وهو هدف التحرر من الأجنبي، ثم رافق هذه الخطابات ما كان يتعلق بالتطلع للتقدم والوحدة.

تحقق التحرر، أو هكذا بدا للجمهور، وكثرت الخطابات الداعية للتقدم والوحدة وقد صادف أن كان بين عامي 1960 و1970 ستة أنظمة عربية تتشابه في خطابها تقريبا (مصر، الجزائر، السودان، العراق، سوريا، اليمن) وهي أنظمة تشكل أغلبية سكان الوطن العربي من حيث المساحة والسكان، وكلها تدعو للوحدة والتقدم والرفاهية ومقارعة الاستعمار الكيان الصهيوني الخ

تفاجأ المواطن أن تلك الأنظمة لم تستطع الارتقاء بواقع أقطارها نحو التوجه لصيغ تنسيقية فيما بينها، رغم أن العالم المتقدم (الذي نرجع كل أسباب تخلفنا إليه) كان منشغلا في ترميم دماره الذي حدث في الحرب العالمية الثانية. بل بالعكس انكفأت تلك النظم الى حالة قطرية وانكفأت الحالة القطرية لتحصين أنفسها من هواجس داخلية فتكونت أنظمة حديدية تحترف الوقاية من شعوبها أكثر من احترافها النهوض بواقع تلك الشعوب، وبالطبع لم يكن حال الأنظمة التي خارج تلك النوعية من الأنظمة، أفضل حالا.

لم يعد للفكر، ذلك الدور في خلق حالة التراص بين صفوف الشعب، كما لم تنتبه تلك الأنظمة لتفجير طاقات شعوبها ـ كما يجب ـ في تحقيق إنجازات على الصعيد العلمي والاقتصادي.

التطابق بين الفكر والسلوك وأثره على الانضباط

قد يُصاغ الفكر بكلمات مكتوبة، أو بكلمات مسموعة، والأخيرة أكثر قوة من الأولى حيث يتاح للسامع أن يتيقن من نبرة المتكلم ومدى تطابقها مع مضمون الكلام، كما يُتاح للمتكلم أن يدافع عن أفكاره إذا ما فاجأه أحد المستمعين بسؤال أو انتقاد معين.

لكن، في حالة أن يخشى من يستمع للخطاب على نفسه من عواقب الانتقاد، فإنه يفضل السكوت مع الاحتفاظ بعدم قناعاته الداخلية لنفسه. وهو بذلك يتشابه مع من قرأ خطابا بشكل تعليمات أو أوامر أو شرحا لتلك التعليمات والأوامر، يعلم علم اليقين أن من أصدر تلك التعليمات والأوامر لا يلتزم بها، كموظف الجمارك الذي اطلع على حالات رؤساءه في تعاطي الرشاوى وقبول الهدايا على غير وجه حق، فإنه والحالة هذه سيبحث عن طرق ومنافذ تجعله يتهرب من الانضباط في تطبيق تلك التعليمات.

أو ذلك الكاتب الذي ينتقد حالات الفساد في بلد ما، في إحدى مقالاته أو أعماله الفكرية، ويشاهد في مؤتمر عام أو لقاء جماهيري وهو يكيل المديح لأركان النظام الحاكم. ففي تلك الحالة سيتعامل القراء مع شخصية ذلك الكاتب باستخفاف كامل، ولا تشكل كتاباته المحفزة لنمو مشاعر التغيير في المجتمع أي أثر للدعوة للانضباط العام في التوجه لذلك التغيير.

خلاصة القول في هذا المجال، أنه لم تظهر كتابات تتبنى الدعوة للجهل والظلام والفساد و المحسوبية، بل كلها كتابات تدعو للفضائل، ولكن ما يميز أثر تلك الكتابات هو سلوك أصحابها، وتطابق أفعالهم مع ما يعلنون أنهم يؤمنون به.

عدم فهم المُخَاطَبين يؤدي لفتور الانضباط

عندما يمتلئ الخطاب الفكري بدعوات التسامح والصبر والمضي قدما في العمل على صيانة أركان المصلحة العامة، مع إغفال حالة من يوجه لهم هذا الخطاب، فإن هذا الخطاب يصبح وكأنه (زنين) لا يجعل المستمعون يتوقفون عند تفاصيله.

هذه الحالة، نشاهدها في الانتخابات البرلمانية، عندما يمتلئ خطاب المرشح بالدعوة للعدالة والعمل من أجل تحقيق الوحدة العربية، فإن الناخب الذي يوجد في بيته أربعة من الشباب العاطلين عن العمل، سينظر لذلك الخطاب نظرة استغراب، وسيعطي صوته لمن يحل مشكلة البطالة لأحد أفراد أسرته حتى لو كان لصا. وهنا حدث عدم انضباط عند الناخب لانتخاب من يستحقون الصوت على مقياس المُثُل العليا.

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 21-02-2009, 02:51 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

التنظيم والانضباط


يقاس حُسن الانضباط، بمقدار سرعة الاستجابة، وجودة تنفيذها. فإن صدرت إشارة عصبية من الجهاز العصبي المركزي في جسم الإنسان للقدم اليسرى، مثلا، وطالبتها الإشارة بالابتعاد عن شوكة أو ركل كرة ولم تستجب تلك القدم، فإنها ببساطة تكون في حالة شلل أو أن الجهاز العصبي يعاني من خلل ما.

في الآلات كالسيارة مثلا، تختلف المهام التي تؤديها أجهزة السيارة، فهذه للحركة وهذه لفتح النوافذ وهذه للفرامل وهذه للإضاءة وهذه التدفئة الخ، قد تتحرك السيارة، وتنتقل من مكانها، لكن الفرامل لا تعمل جيدا، أو أن جهاز مسح الزجاج قد يتوقف فجأة، وإن خللا مثل ذلك قد يسبب حادثا خطيرا، لعدم ضبط الأجهزة وإعدادها بشكل دوري، لذلك تجري للطائرات والمصانع صيانة دورية تجعل من أجهزة المصنع أو الطائرة والسيارة في حالة من انضباطها.

في الحالة الإنسانية، يقاس تقدم الأمم على ضوء تقسيم العمل والمهام بين أفراد المجموعة (أسرة، نقابة، حزب، دولة الخ) وتضبط الحركة بين أقسام المجموعة وفق لوائح تحدد واجبات كل قسم وتوزيع المهام بين مسئولي ذلك القسم. فتكون مراتب الجيش بين (ضباط) لهم مهامهم المختلفة، من بينها الإشراف على رسم الخطط العسكرية، وتأمين التعبئة العامة والتوجيه المعنوي، والإمدادات والعلاجات الخ، وينضبط كل ضابط بما لديه من أفراد في إنجاز ما أوكل إليهم من مهام.

كما أن الدولة (بجانبها الحكومي) تقسم قطاعات العمل العام بسميات مختلفة، وزارات، مديريات، أقسام وشعب في المديريات، الخ.

من يُقسم المجتمع ويوزع المهام فيما بين أفراده؟

يكون الفرد في المجتمع مادة من مواد عدة اختصاصات، فهو فرد واجب الدفاع عنه عند الجيش والأمن العام، ويكون الفرد (نفر) عند وزارة التموين، يجب مراعاة تأمينه بالغذاء، ويكون الفرد مصدرا للقلق عند بعض الدوائر الأمنية فهو قد يكون ضحية لجريمة معينة وقد يكون صانعا للجريمة. لذلك تكون اللوائح التي تناقش الفرد كثيرة ومتنوعة، يحفظ أفراد الدائرة المعنية جانبا منها دون التدخل بما يحفظه غيرهم من أفراد الدوائر الأخرى. وحتى أفراد الصنف الواحد من دوائر الدولة يحفظون تعليمات محددة لا يحفظها أبناء الصنف نفسه الآخرون، فشرطي المرور يحفظ لوائح محددة غيرها عند شرطي الجوازات.

لكن هل على المواطن أن يحفظ كل القوانين التي سُنت من أجل تنظيم حركته؟ وكيف يكون ذلك والمشرعون أنفسهم ورجال الدولة (بوجهها الحكومي) تسهل مهمة الحفظ على أفرادها بتجزئة تلك القوانين وتوزيعها فيما بينهم؟

ممثليات الشعب وتنظيمها

لو كان لدينا دولة سكانها أربعون مليونا، وأردنا تشبيهها بشركة مساهمة عامة أسهمها أربعون مليون سهم. إنه يُستهجن على صاحب السهم الواحد (المواطن) أن يرفض السياسة القائمة عليها الشركة (الدولة) ويبرر عدم انضباطه بعدم الرضا عن تلك السياسة، إنه والحالة تلك سيجيز لغيره من مالكي الأسهم أن يكون لكل واحد منهم مبررا يجعله يتملص من الانضباط العام لأنه لم يقبل بسياسة الشركة (الدولة)، وعندها تعم الفوضى، أو أن تكون حالة القبول بفرض العقوبات تجاه غير المنضبطين.

حسنا، حتى لا يصبح التعامل مع المواطن كرقم من بين 40 مليون رقم، وصل العالم لما يسمى بالممثليات، فقد يكون أحد البنوك مساهما ب 5 مليون سهم، وعدم رضاه عن سياسة الشركة (الدولة) غيره عند المساهم بسهم واحد، فلذلك ستسترضي إدارة الشركة (البنك) صاحب الخمسة ملايين سهما، وتجعل له ممثلا أو أكثر في إدارة الشركة (الدولة) وستعيد صياغة لوائح الشركة وفقا لمطالبات البنك (الكتلة الاجتماعية أو السياسية).

سيقول أحدٌ: ولكن الأفراد فتحوا عيونهم ووجدوا قسيمة اشتراكهم بسهم كل واحد فيهم بين أيديهم، فلم يستشاروا في إنشاء تلك الشركة ولم يشتركوا في صياغة لوائحها الداخلية، هل أصبح قدرهم أن يتعايشوا مع تلك الشركة (الدولة) كما هي دون تغيير؟

استحداث الممثليات

كل مواطن له أكثر من تعريف فيما يخص هويته بأقسامها المختلفة، فهو عضو في أسرة وهو عضو في عشيرة وهو عضو في حي وهو عضو في مدينة وهو عضو في مهنة وهو عضو في جماعة دينية أو عرقية أو سياسية، فليختر أي موقع من مواقع عضويته، تكون إبداعاته فيها أكثر.

تكره الكثير من الحكومات في دول العالم الثالث أن تتواجد في ساحات عملها ممثليات ترصد أخطاءها وتتعبها في بث خطابها (الأيديولوجي : الدعائي) والتي تنظر له الدولة على أساس أنه خطر يهدد وجود النظام، لذلك تباشر منذ البداية بمنع تأسيس مثل تلك التنظيمات، وتعد خطابا دعائيا مضادا تتهم فيه المطالبين بتأسيس مثل تلك التنظيمات بأنهم يرتبطون خارجيا بأعداء الدولة، أو أن ذلك التنظيم مخالف للشريعة أو مخالف للأخلاق الخ. وتدخل في قوانينها ولوائحها فقرات تجيز لها أن تزج بهؤلاء المطالبين بالسجون.

وأحيانا، تقبل الدولة (بوجهها الحكومي) تأسيس مثل تلك التنظيمات، إما استجابة لدعوات في الخارج، أو تحايلا منها لكسر حدة الحراك الداخلي، ولكنها تكبل حركة تلك التنظيمات باشتراط موافقة الحاكم الإداري، أو ملاحقة المتجاوبين من المبتدئين في الانخراط بتلك المنظمات، وتربط إعطاءها شهادات (حسن سلوك) لمواطنيها بعلاقاتهم بتلك المنظمات، فيفضل المواطن الابتعاد عن تلك التنظيمات ليبتعد عن (وجع الرأس).

في حين، تسعى الدول المتقدمة لتشجيع مثل تلك التنظيمات، وتدعمها ماليا، وتسمح لها بالتعبير عن آراءها، لأنها تساعدها في كشف حالات الفساد التي تأكل اقتصاد البلاد، وتشحذ همم القائمين على الدولة (بوجهها الحكومي) على أن يتحروا الدقة لأنهم سيكونون عرضة لانتقاد تلك الجيوش من الأفراد المنخرطة في تلك التنظيمات والتي تتنوع مهامها بين مراقبة البيئة والصحة والعلاقات الخارجية وحقوق الإنسان الخ.

يتبع في هذا الباب
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 24-02-2009, 08:55 AM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

التنظيم في مؤسسات المجتمع المدني وأثرها على الانضباط

من يستقري واقع التنظيمات الشعبية في الوطن العربي، سيراها لا تختلف كثيرا عن التنظيمات الحكومية، وإن أردنا الإنصاف أكثر، وجدنا أن التنظيمات الحكومية تفوقت بأشواط على التنظيمات الشعبية، كون التنظيمات الحكومية نالت من تراكم الخبرة وتواصلها، ما لم تنله التنظيمات الشعبية، إضافة الى وظيفة التنظيمات الحكومية، فإن ضرورتها الأمنية تفرض شكلا من الانضباط تفتقده التنظيمات الشعبية، علاوة على ربط حسن الانضباط في التنظيمات الحكومية بالارتقاء والحصول على مكاسب ملموسة عكسها في التنظيمات الشعبية.

ظرفية تشكيل المنظمات الشعبية والانتماء لها

يزعم كل منتسب لجماعة أنه يخلص بالولاء لها وأنه يتكلم باسمها، وقد تظهر تلك الحالة بالمفاخرة بين المهن، فابن مهنة الطب يتفاخر على غيره، ويقول: نحن الأطباء كذا! وابن العشيرة الفلانية يتباهى بانتمائه لعشيرته وفي مواسم الانتخابات يتفاخر بالعدد والعدة، وابن القرية أو المدينة يعدد مناقب قريته أو مدينته، حتى تصل الأمور أن هناك من يدعي أنه يتكلم باسم الكويتيين أو العراقيين أو المصريين، وقد تتوسع الأمور فهذا يتكلم باسم طائفة السنة وهذا باسم الشيعة، أو هذا يتكلم باسم الأكراد وهذا يتكلم باسم العرب الخ. وكل أنواع هذا الكلام من باب الهذر والإسفاف.

ولكن، هناك تشكيلات اجتماعية أو سياسية تشكلت وتتشكل، وظرفية تشكيلها تؤثر في مسألة الانضباط التي نحن بصددها، والتشكيلات ثلاثة أنواع:

تشكيلات جبرية: وهي التشكيلات المكونة طبيعيا وما يترتب عليها من تنظيمات مرافقة، كأن يتم تشكيل تنظيم لعشيرة من أجل إنقاذ المعوزين من أبناء العشيرة، أو من أجل إنشاء ديوان لأفراحهم وأتراحهم ومن يشذ عن الانضباط يُحرم من التمتع من مزايا تلك التنظيمات، وقد تتطور تلك التنظيمات لتشمل تنظيم الانتخابات وترشيح أحد أبناء العشيرة للبرلمان أو للبلدية الخ. وقد تعرفت على نماذج من العلمانيين الذين لا يؤمنون بالدين ولا بالقومية ولا بالتنظيم العشائري، اضطروا الى الانخراط باللعبة العشائرية، وأخذوا يداومون على صلاة الجماعة بين أقاربهم ليكونوا مرشحين لعشيرتهم، وقد نجح أكثر من واحد من هؤلاء في التماهي بتلك اللعبة ووصل للبرلمان!

من جانب آخر، هناك القوانين المهنية التي تلزم الطبيب أو المحامي بالانتماء الى نقابة حتى يُجاز في مهنته ويزاولها دون ملاحقة قانونية، وهذا أيضا من باب الانتماء الجبري للتنظيمات الشعبية.

تشكيلات انتهازية: في الدول التي يكون بها نظام الحزب الحاكم، يجد الفرد أنه من الأفضل له الانضواء تحت عباءة ذلك الحزب، ليستفيد من بعثة دراسية أو ترقية وظيفية أو ليتجنب ملاحقة القانون له في حالات مخالفاته!

تشكيلات طوعية: تلك التشكيلات، تكون على هامش فكري (عقائدي) في ظاهرها، كالانتماء للأحزاب الإسلامية أو الشيوعية أو القومية. ولو تم التدقيق في شكل تلك الالتزامات لوجد الكثير من حالاتها ينبع من إرهاصات اجتماعية لها علاقة بالسياسة، لكنها ليست سياسية جدا. فأبناء قرية مجموع أصواتها لا يزيد عن ألف صوت، لا أمل لهم في مزاحمة مرشحي الدائرة الانتخابية التي يحتاج من ينجح فيها الى عشرة آلاف صوت، فينضوي أشخاصها الطامحون في الموقع السياسي الى جماعة إسلامية ليقدموا أنفسهم كأشخاص اعتباريين لأبناء الدائرة الانتخابية، لا لكونهم يمثلون تلك القرية الصغيرة.

أو نجد أن أبناء طائفة دينية صغيرة أو قومية صغيرة لا أمل لهم في مطاولة محيطهم، فيختارون الانضواء تحت الحزب الشيوعي (بأمميته) التي تغطي على قصور أحلامهم في التعبير عن ذاتهم.

كما أن هناك عدد من التنظيمات الطوعية، يكون الصدق فيه أقرب الى الهواية منه الى العقيدة، وقد يلعب الجانب الأخلاقي دوره في هذا الجانب، كالجمعيات الخيرية التي تعني برعاية (ذوي الاحتياجات الخاصة) أو أنصار البيئة، أو جمعيات الهلال أو الصليب الأحمر الخ.

الهياكل القيادية في التنظيمات الشعبية

غالبا، ما تبقى القيادة في تلك التنظيمات، ملتصقة بمن سبق في تأسيس مثل تلك التنظيمات، إلا إذا منع القانون ذلك، كحالات النقابات التي لا تسمح لمجالسها القيادية أن تبقى أكثر من دورتين، أو تعتبر النقابي محتفظا بوضعه حتى عمر محدد.

أما في الأحزاب والجمعيات الخيرية، فقد تجد رؤساء أو أمناء سر يمكثون في قياداتهم أكثر ما يمكث أكثر الملوك أو الرؤساء العرب، وإن ابتعدوا ـ طوعا ـ فإن من يخلفهم يكون قريب الصلة بهم أو من صنعهم.

هشاشة الاتصال بين القيادات والقواعد والانضباط

في بلد ما عندما يكون هناك 100ألف مهندس، علينا تصور الآلية التي تجعل من هؤلاء المهندسين جماعة يمكن أن تكون منضبطة، فقد تجد نصف هؤلاء مستخدمين لدى الدولة وقد يكون من بينهم وزير أو أكثر، وستجد ولاءات الأعضاء موزعة بين الدولة والنقابة، وبالتالي فإن الانضباط يكون موضع خلاف كبير بين الأعضاء.

إضافة الى ذلك، ستجد من بين هذا العدد الضخم، قلة تتابع ما يجري في النقابة قد يصل عددها في أحسن الأحوال الى بضع مئات، ومع ذلك تحس أن نبرة المسئولين في تلك النقابات عالية علوا غير حقيقي، وتدرك الحكومات هشاشة الارتباط بين القيادات والأعضاء، كما يدرك الأعضاء ـ أنفسهم ـ ذلك، وكل ذلك سيؤدي الى انخفاض مستوى الانضباط.

هذا الكلام، ينسحب على المحامين (كون القضاة جزء من منتسبي نقابة المحامين في بعض الدول العربية) وينسحب على الأطباء والممرضين وباقي المهن المختلفة.

الانضباط في الأحزاب

تتستر كثير من الأحزاب على هياكلها وأعدادها، وقد يكون بعض الأحزاب، كما وصفها (موريس ديفريجيه) بأنه إذا أردت تكوين حزب، عليك أن يكون لك رئيس و مقر وأمين سر وختم، وأحيانا يُكتفى بالختم.

قد يُصرح أمين عام لحزب، بأنه غير راض عن سياسة الدولة في مسألة ما، وتتناقل وسائل الإعلام تصريحاته، فيفرح وتفرح القلة التي حوله، ويتمنى وتتمنى القلة التي حوله أن يتعرض للاعتقال من قبل أجهزة الأمن لتقتات تلك القلة على هذا الحدث، وتبقى تلوكه لزمن.

لو أحصينا خلال قرن من الزمان، كم حزب تأسس في البلاد العربية، وكم حزب انفرط عقده لوجدناها عدة آلاف من الأحزاب التي لم يبق منها إلا القليل والذي يعاني من شيخوخة.

الانضباط في تنظيمات المؤسسات المدنية الأخرى

هناك من المؤسسات الخيرية التي تعمل بشكل طبيعي، ولكن انضباط أعضاءها لا يقل سوءا عن غيره، وما يبقيها على قيد الحياة، هو التبرعات المحلية أو الخارجية، والأخيرة لها دور كبير في خلق حالة من (مناغاة الأنتلجنسيا) لأغراض غير شريفة بشكل مطلق، وعلينا أن لا نستهين بالمبالغ المبذولة في هذا المجال، فألمانيا وحدها تخصص 0.03% من ميزانيتها دعما لتلك المنظمات وبعلم حكوماتها. ولا تهتم قيادات تلك المنظمات في انضباط أعضائها، بل أحيانا ترغب بعدم انضباطهم، لتبقى متفردة في نعيمها المتمثل بحضور اجتماعات دولية قد تصل الى عشرة اجتماعات سنوية في مختلف أنحاء العالم على نفقة الدول الداعمة، فتكتفي بتقديم كشوف وهمية لأعضاء وهميين.

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 05-03-2009, 10:40 AM   #8
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أثر الاحتراف السياسي على الانضباط

أن يتابع أحدنا نشرات الأخبار ويطلع على التقارير والتحليلات السياسية في المجلات والكتب والصحف ووسائل الإعلام المختلفة، قد ينقله الى مرتبة متابع للشؤون السياسية. وأن يشارك في كتابة التقارير والتحليلات السياسية، قد ينقله الى مرتبة محلل سياسي، أن ينضوي تحت حزب أو حركة سياسية قد تنقله الى مرتبة أبناء حركة سياسية، لكن هل ينقله كل ذلك الى مرتبة الاحتراف السياسي؟

ما هو الاحتراف السياسي؟

عندما تستعين إدارة أحد الأندية الرياضية ببعض اللاعبين المحترفين، هل استعانت بهم لثقافتهم الرياضية ومعرفتهم بتاريخ إنشاء الأندية و حفظهم لنتائج المباريات وأخطاء التحكيم في تلك المباريات؟ أم أنها استعانت بهم لقدراتهم الفائقة في الإنتاج الذي هو في لعبة كرة القدم استثمار لمهارات الشركاء في الفريق وكيفية التعامل مع مهارات الفريق الخصم من أجل إحراز أهداف تحسم المباراة؟

كذلك تفعل الدول في شؤون تلوث مياه البحار أو الأنهر عندما تستقدم خبراء للتعامل مع بقعة نفط ضخمة. وكذلك تفعل جهات أمنية عندما تحضر خبيرا في تفكيك قنبلة لم تنفجر. لم يستقدموا محاضرين في الجامعات أو الكليات الأمنية، بل استقدموا محترفين سبق لهم التعامل مع تلك الحالات وشهد لهم الآخرون بقدرتهم على النجاح بمهامهم.

في كل الحالات السابقة والحالات المماثلة، هناك هدف أو أهداف، وهناك ساحات للعمل لتحقيق تلك الأهداف، وهناك وسائل ومستلزمات للمساعدة في إنجاز تلك الأعمال ضمن زمن أو فترات تحددها طبيعة الهدف، فالتعامل مع باخرة تغرق على متنها مئات الركاب لا توضع له خطة تستلزم وقتا طويلا كالوقت الذي يتطلبه إنقاذ اقتصاد بلد ما.

حسنا، في الحركات والأحزاب السياسية كيف تظهر حالات الاحتراف وكيف تؤثر على الانضباط؟

ضياع في رسم الأهداف

تغرق كثير من الحركات السياسية في المبالغة بالتثقيف الأيديولوجي، وتركز على هذا الجانب، ليخرج من بين كوادرها من تظهر عليهم علامات الإحاطة بأنماط فكرية معمقة، فهذا قرأ التاريخ الإسلامي وهذا قرأ كتاب رأس المال لماركس وهذا تعمق في الجانب الفلسفي، ولا تكتفي تلك الحركات والأحزاب بافتخارها بوجود مثل هؤلاء الكوادر، بل تكلفهم في مهام قيادية احترافية، فيفشلون وينعكس فشلهم على حركاتهم وعلى المجتمع الذي يعملون في داخله.

إذا كان الجانب الدعائي أو الفكري هو لتحويل تلك الأفكار الى إجراء من خلال برامج عملية في كل مناحي الحياة العامة المحيطة بمن يحمل تلك الأفكار، فإن هناك جانب مهم يحفظ ديمومة تلك الأفكار وبقاء وهجها ظاهرا أمام الجمهور المطالب بالالتفاف حول تلك الجماعات.

لن تُحسب الحركة على أنها سياسية، إلا إذا تطلعت نحو الوصول الى الحكم، فإن بقيت تشرح وتنظر وتنتقد وتبشر بمستقبل لم يتعرف عليه الجمهور بعد، ستتحول الى جمعية ثقافية أو رابطة للنشاط الفكري، وستتجمد أفكارها نتيجة عدم امتحان جدواها أمام الجمهور.

كيف يمكن الارتفاع بمستوى الاحتراف؟

لا يمكن أن يشهد الجمهور لأحد المهتمين سياسيا بالاحتراف، إلا إذا لمسوا من ذلك المنتمي سياسيا جانبا احترافيا مكشوفا للجمهور. فإن كانت التنظيمات السياسية تلف نفسها بغلاف لتتوارى أمام الأجهزة الأمنية، فإن ذلك لا يشفع لها لتكون مقبولة بأنها أسست من أجل خدمة الجمهور.

لكن هناك مجالات تسمح فيها القوانين الحكومية، بالعمل ضمن شكل مرخص، كالأندية والجمعيات والنقابات وغيرها (التي حسبناها على التجمعات الإدارية). ففي مثل تلك التجمعات تبرز كفاءة الفرد وإبداعه، ويتعرف على ما يرضي الجمهور، ويتعرف الجمهور على صدق نوايا ذلك الفرد (بغض النظر عن انتماءه السياسي).

في اليابان، لا يسمح لأحد أن يتقدم للترشيح بالبرلمان إلا إذا مارس عضويته في قيادة خمس تشكيلات مدنية (إدارية) مثل (نقابة، جمعية خيرية، بلدية، الخ) حتى لو كان مسجلا في حزب سياسي، وبالطبع فإن الأحزاب السياسية نفسها، تلتزم بتلك المنهجية لمعرفتها بأن فرص نجاح مرشحيها لا تكون عالية إلا إذا كان ذلك المرشح معروفا جماهيريا من خلال مزاولته لنشاطات خدمت الجماهير وكان على صلة قريبة منهم.

كذلك نرى ذلك في مرشحي الأحزاب في الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا، فلن يتقدم أحدهم للترشح للانتخابات ما لم يكن تاريخه حافلا بنشاطات مثل تلك التي في اليابان.

سيقول قائل: نعم هذا يصلح للأحزاب (التمثيلية) التي لا تعتمد نظرية تنظيمية والتزام أيديولوجي كما في الأحزاب (التكاملية). ونقول ما فائدة تزكية ثلة من القيادة الملتزمة والمختفية عن الجمهور بصلاحية فرد لا يعرفه الجمهور؟ هذا إذا اعترفت تلك القيادات بنهج الانتخابات والرجوع لصناديق الاقتراع.

أنا لا أنضبط لعدم قناعتي باحتراف الآخرين

في بعض الدول العربية، وفي مواسم الانتخابات البرلمانية، تخرج قوائم مرشحي الحزب (الفلاني) للانتخابات، ويفاجأ الجمهور بأن هناك من أعضاء هذا الحزب قد رشحوا أنفسهم خارج تلك القوائم. ينشغل المحللون أن هذا (تكتيك) من الحزب لترشيح هؤلاء لحصد أصوات مؤيديهم الذين لا يرغبون بإعطائهم أصواتهم إذا حُسِبوا على الحزب نفسه!

طبعا، قد يكون هذا الاحتمال واردا، لكننا نفاجئ بعد فترة، أن هذا الخارج عن طاعة حزبه قد فاز بالانتخابات، وبعد مدة تتغير قيادة الحزب، أو قد يفصل ذلك النائب الفائز من الحزب.

خلاصة:

إن ضعف الاحتراف السياسي، لدى القيادات الرأسية، أو القيادات الفرعية، يجعل من التمرد على التعليمات وظهور حالات عدم الانضباط مسألة واردة جدا. وقد يحدث أن تقبل قيادات الأحزاب بالتمرد وتجعله هيكلا تنظيميا كما في حالة الحزب الليبرالي الديمقراطي الإيطالي، الذي تحول الى ستة (زمر) لها مؤتمراتها الخاصة بها ولها قوائم مرشحين خاصين بها، ولكن تبقى كل تلك الزمر تحت لواء الحزب مركزيا، ومواقف مرشحيها متناسقة في البرلمان ويعاملون ككتلة واحدة.

انتهى

المراجع:
1ـ موريس ديفرجيه/ الأحزاب السياسية/بيروت: دار النهار للنشر/ طبعة رابعة منقحة 1983
2ـ عبد الرضا حسين الطعان/ البعد الاجتماعي للأحزاب السياسية: دراسة في علم الاجتماع السياسي /بغداد: جامعة بغداد 1990
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .