العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة في مقال ثلث البشر سيعيشون قريبا في عالم البعد الخامس (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد مقال بوابات الجحيم التي فتحت فوق سيبيريا عام 1908 لغز الانفجار الكبير (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الغرق فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال أمطار غريبة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث النسبية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: حديث عن المخدرات الرقمية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الكايميرا اثنين في واحد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 18-02-2008, 12:21 AM   #1
عبدالله العقيل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2008
المشاركات: 17
إفتراضي الثـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــأر

الثأر







إلتفت إلي صديقي ? وهو يمسك بالمغرفة وينفض ما بها في فم القدر ? ومتذمرا قال:



- لقد بدأت نار الموقد تنقص.



ثم وجه لي أمرا:



- إذهب وغير أنبوبة الغاز.



كنت أرهب مشاوير الليل ? وكانت صنعاء تغفى في السابعة مساءا ? وكانت الشوارع تظلم بشكل مخيف ? ورغم المحاولات لإنارة صنعاء كانت معظم شوارعها معتمة حالكة الظلمة ?وتنبأ بشر عميق داخلها.

***


خرجت أحمل الأنبوبة ? وكان يتوجب علي أن أقطع شارع "الحصبة" بطوله ? وأتجه إلى شارع آخر يتقاطع مع طريق للسفر ? حيث يوجد هناك محل للغاز ? كانت الطريق طويلة ? والظلمة ترمي بثقلها في كل الأرجاء ? كنت مرعوبا من أن يواجهني ذئب أو قاطع طريق?



- ولكن ما العمل ?



زفرت الجملة من صدري ? وأنا أقطع الطريق الرملي الذي يوصلني إلى شارع "الحصبة" ? كنت أتمايل تحت الأنبوبة ? وعلى الطريق الوعرة كنت أتخبط ? رأسي مزحوم بالأفكار والهواجس والمفآجات غير المتوقعة ? كنت في كل مرة أنظر خلفي متخيلا أن أجد أحدا يتبعني ? وأعود أنظر إلى الطريق ألتمس أرضا أطأها بقدمي ? حتى لا أسقط في فتحة من فتحات تصريف المجاري ? التي تقبع في الظلام فاتحة أفواهها كالغيلان.



***



خيل إلي وأنا في خضم التعب شبح يجد السير إلي كانت مشيته أشبه بالطيران ? كان يهرول ولكن بخطا متقاربة ? ورغم الظلمة التي يشقها ضوء خجول لا يكاد يبين تمكنت من رؤية ظله.

كان رأسه كبير ? وكان يصدر صوتا كصوت السلاسل الحديدية ? وحين اقترب مني تمتم بكلمات غير مفهومة ? فتوقفت مجفولا ? وأمامي رجل نصفه الأعلى عار تماما ? وكان رأسه منفوش الشعر مجعدا ? وكان مكبل اليدين والساقين ?وقف أمامي مباشرة ينظر إلي بعينين جاحظتين تصرخان بالجنون.

رفع يديه المصفدتين بالأغلال ? وأشار إلى فمه ? وتمتم ? وكأنه يريد طعام.

لقد عرفت أنه ذلك المجنون الذي أعيا أهل الحي بجنونه وعربدته ? ووصل بهم الحال إلى أن يرفعوا أمره لشيخ الحارة والذي أمر بتكبيله بالحديد ليحد من شره ونزقه.

لم أشأ أن أقف أمامه طويلا أو أقدم على ما يثير جنونه وتحاشيته وكأني لم أره ? ومضيت إلى طريقي التعيسة ? فلعل في الجنون عن تدبر الحال في هذا الليل الموحش خير ? فعقولنا هي من تحملنا على الحذر إلى أن تبلغ بنا حدود الخوف والرهبة ? وعصرت عيني بقوة لعلي أطرد هذه الفكرة التي طرأت ? وأسرعت في خطاي أشق شارع "الحصبة" ? وسرت ولكن ما انفكت أصوات الأصفاد تطاردني ? والتفت خلفي فإذا بهذا المجنون مرة أخرى ? وقد توقف بعيدا في الظلمة ? وأخاله يرفع يديه المكبلتين إلى فمه مرة أخرى ? ويهمهم بصوت عال عن رغبة جامحة للطعام ? أكملت طريقي هاربا منه إلا أن صوت السلاسل يزداد مني قربا حتى أصبح على بعد بضعة أمتار خلفي ? حينها رميت الأنبوبة من على ظهري ? وحملت ما أمكنني حمله من الحجارة ?وحين إلتفت رأيته خلفي مباشرة ? فأمطرته بوابل من الحجارة أصابت كل جزء منه ? هرع هاربا? ولكنني تبعته ما أمكنني ? وجمعت من الحجارة ما أمكنني ? وأخذت أمطره بها حتى غادر منهزما يصرخ ويجعر بكل ما أوتي من صوت ? وعندما اختفى صوت أصفاده ? شعرت بالأمان ? ومضيت إلى الأنبوبة وحملتها على كتفي ? وسرت في طريقي أسعى بها في هذا الليل البهيم.



***



أشفقت على نفسي وأنا أقف أمام محل الغاز وهو مغلق ? فبعد ما عانيته من المغامرة ? وجدت المحل مغلق ? قمت أخبط الباب بقبضتي لعل الغافي يصحو من نومه ?ويفتح الباب.

طرقت وطرقت فلما لم أجد من يجيبني ? وضعت الأنبوبة جانبي ? وجلست خائرا متكئا على الباب ? أزفر من شدة التعب والغيظ ? وأرقب الشارع وكأني الوحيد في هذه المدينة المظلمة ? فالشوارع نائمة تتوسد أرصفتها ? والأضواء خافته تكاد تعمى ? والليل ممتد إلى مالا نهاية يخفي تحت عباءته ما يخفي .

وعدت متحاملا مرة أخرى إلى الباب فلا أجده إلا مغلقا موصدا موحشا ? كما هو وجه صنعاء في الليل ? ومضت فترة من الوقت وأنا أسترد فيها بعض نشاطي ? ثم طرقت الباب ? ولم أكن أعلم حينها هل أنا أطرقه أم ألكمه ? فصحت بأعلى صوتي :



- هل من أحد هنا?



صمت بعدها هينة لعلي اسمع ردا ? أو أبلغ بطرقي الأسماع ? ثم أكملت الطرق ? حتى آتاني صوت ينبض بالحياة من وراء الباب الأصم :



- من الطارق?



- رجاءا افنح الباب!



- من أنت?



- عندي أنبوبة غاز.



- أنبوبة?!! ? من أنت?



- ألست صاحب المحل?



- من أنت?



- زبون!!!!



- وماذا تفعل آخر الليل?!



- ظرف ألم بي ? وأحتاج الغاز.



- غدا ?? غدا



- ويحك ! قد أتيت ? ولولا الحاجة لكان الغد لي أفضل



- تعال بالغد!



- أرجوك افتح.



أحسست لوهلة أنه لن يفتح ? ولكن الباب مال قليلا إلى الداخل ? وأفرج عن ضوء خافت سجين كان يحتبسه وراءه ? وظهرت لي نصف عين من وراء الباب ترقبني في لحظ وتمعن.

دفعت الباب قليلا فهمزه نحوي مجفولا? ولكني أحكمت قبضتي على الباب? وناولته المال الذي معي ?أوصد الباب وكأني به يعد النقود ? ثم عاد وفتح لي الباب ? ومد يده قائلا :



- الأنبوبة?!



انتابتني مشاعر الراحة ? ودفعت إليه الأنبوبة بعد أن وارب الباب لدخولها ? وجلست أنتظر في الخارج ? وبعد هنة ? فتح الباب ? ودفعت أنبوبة أخرى ?وأوصد الباب مرة أخرى.

كانت الأنبوبة ثقيلة ? حملتها على كتفي وعقبت راجعا إلى البيت ? وأبطأت في السير لثقلها ? وبدأت أناوب حملها على كتفي من حين لآخر ? كلما شعرت إحداهما بالخدر.



***



في الطريق سمعت صوت الأصفاد تتعقبني ? أما زال هذا المجنون يطاردني?! ? والتفت فلم أرى أحدا ? فأكملت طريقي ? ولكن صوت الأصفاد لازال يلاحقني ? ونظرت حولي باحثا عن حجارة ? أعدها له ? وامطره بها ? ولكن الطريق خاوية ? إنه لأمر غريب مريب ? أين ذهبت كل الحجارة الملقاة هنا وهناك ? وكأن الطريق قد كنست.

وفي وسط جدي في النظر والتقصي ? ارتطم حجر مقذوف بالأنبوبة فوق رأسي ? وأحدث رنينا شق الهدوء ? فتحفزت وأنا أفكر في المجنون ? وأفكر فيما يمكن أن يفعله ? لابد وأنه الآن يسعى للثأر ككلب عقور ? ولابد أنه شعر بوطأة الأنبوبة علي ? وفي حسابه حانت لحظة الثأر المنتظرة ? ويحك أيها المجنون لم يعد لي في هذا الليل المظلم إلا أنت لأحسبك لك الحساب ? ولكن نفسي هدأت قليلا عندما تذكرت أنه مصفد بالأغلال ? ولا يمكنه أن ينزل معي في عراك ? ومضيت متربصا وبدت الطريق محفوفة بالمخاطر والمخاوف ? وبدأت الأصفاد تتعقبني مرة أخرى ? وتوسوس في أذني كالقدر المشؤوم ? أي مجنون هذا?!! ? وأي أمر يحثه على مطاردتي ? ولكنه هو الثأر بلا ريب.

وبدأت أحاسب نفسي ? ولو أني تركته يلحق بي في السابق لناله اليأس قبل التعب ولانكفأ عني وذهب لشأنه ? ولكن طالما هناك ثأر فسيحدوه الأمل وسيثيره الحقد الذي لا يجد عقلا يكبح جماحه ? وسينال مني في هذه الليلة قبل أن أغادرها بسلام ? ولكن ما ينفع الندم ? وأنا الآن أجني صنيع يدي ? ونزلت بعقلي منزلة الجنون ثم سموت به ? فإن كنت حقا كذلك فكان ينبغي أن أنزل به ولا أسمو ? أو أسمو به ولا أنزل ? لأنه – المجنون - في أسفل درجات الجنون ? وعاش به وعرف طرقاته ? وسن قوانينه ?في غياب عقله الذي إنطفأ في الأدراك السفلى ? وأصبحت تلهمه الغرائز ?وأصبح خلقا لا يخفي ما يبطن من النزق والطيش الذي نخفيه نحن العقلاء ? فلقد كسر سقفه الذي يردعه والأن لا رادع له مهما كانت الروادع ? ومهما كان الرضا الذي سيجنيه فلن يدرك غايته ? وأي سلطة أقوى من سلطة العقل فوق القانون ? فلولا العقل لما سنت القوانين ? فأي قانون بالله سيتبعه مجنون? ? ولكن ماذا أفعل? وكيف أتصرف? ? ومن ورائي مجنون ثائر لا يفتر.



***



وقعت قدماي في ساحة المعركة التي بدأتها أول مرة ? وأحسست بأن كما كبيرا من الحجارة قد رصدت وعدت وصوبت نحوي ? وقد تصيبني بمقتل في رأسي ? فأقع وتهشمني الأنبوبة تهشيما.

آثرت حينها العدو والإسراع ? ولكني تذكرت أفواه فتحات الصرف التي تترقب قدما تزل بها وجسما تبتلعه كالغيلان ? فهدأت على مضض وقلة حيلة ? أتحسس طريقي بخطى حذرة.

وبات عندي شعور بأن المجنون يرصد حركتي ? ويريدني في المكان الذي يرغبه فيمطرني بوابل من الحجارة لا طاقة لي بها ? ومع الأنبوبة التي أتجشمها ? والغيلان التي أحذرها حتما سيجد ضالته المنشودة من أول معركة نشبت بيننا ? والتي ألهمتها له لا عن ذكاء منه ولكن عن سابق عهده بها ? فلقد اعتمر الذكاء الذي ألبسته أياه بغبائي ? وسيظفر بي الليلة لا محالة.



***


صاح المجنون صيحة شقت سكون الليل ? لقد انطلق نفير الحرب كما توقعتها ? وانهمر علي وابل من الحجارة ? تصفعني في كل جهة من جسدي ? وبدأت أصفاده تتراقص وتجلجل بقوة ? ويخال إلي بأنه يقذف بكلتا يديه المكبلتين بكل ما أوتي من قوة وعزم ?وبدأت حرقة الضرب تجتاح كل جهة في ظهري وفخذي ? وألما رهيبا لا يضاهيه ألم ?وهو متمكن في الظلمة يستغل الضوء الذي أبحث عنه حتى لا أقع في أفواه الغيلان ?وصرت أصيح بأعلى صوتي :



- يا كلب ?? سأدبك!



فعلى صياحه في تحدي والحجارة تصيبني ? ولولا أنبوبة الغاز لنال من رأسي ? وشجه إلى شجا ?ومضت فترة من الوقت على هجومه الشرس ? وأنا ما بين مهرول وماشي ?حتى لاح باب البيت أمامي ? فهرعت إليه جاريا غير مبطئ مندفعا داخله بسرعة ? مختبئا خلفه ?وأنا أسمع صوت الحجارة تضرب الباب ضربا.



- هل جلبت الغاز?



كان صديقي ينتظرني في الصالة ومعه سيجارة يشربها بكل هدوء وروية ?أومأت له بالإيجاب وأنا ألتقط أنفاسي ? ووضعت الأنبوبة أرضا ? فقال مستغربا :



- ماهذا الصوت ? من يضرب الباب?



فقلت مشفقا منهكا :



- إنه الثأر



تمت
__________________

أتيت من هنا

آخر تعديل بواسطة السيد عبد الرازق ، 20-02-2008 الساعة 05:40 AM.
عبدالله العقيل غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-02-2008, 12:59 AM   #2
كونزيت
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الحجاز
المشاركات: 3,955
إفتراضي

قصة ولا أحلى

سرد مشوق , وصورة مكتملة عشناها معك .


واصل ونحن ننتظرك
__________________
كونزيت غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-02-2008, 02:13 AM   #3
علي
مشرف الخيمة المفتوحة
 
تاريخ التّسجيل: May 2003
الإقامة: الوطن العربي - ومن القطر الفلسطيني تحديدا !
المشاركات: 4,769
إرسال رسالة عبر MSN إلى علي
إفتراضي

اخي العزيز عبدالله العقيل
ها انت هنا تاتي لنا برائعه من روائع ما تخط يدك
تنقلنا وكاننا مشاهدين للحدث لا قارئين
فكما شاهدنا معك السوق في المرة السابقه
تهنا معك بعتمه صنعاء هذه المره
وصدقني ان قلت لك اني سمعت صوت وقوع اول حجر على الانبوب !!!

اشكر لك ابداع وارجو منك ان تواصل فتمتعنا بما تكتب هنا بالخيام

لك تحياتي
__________________

ان الثورة تولد من رحم الاحزان

لو نستشهد كلنا فيه ..صخر جبالنا راح يحاربهم !

إن حرية الكلمة هي المقدمة الأولى للديمقراطية - جمال عبد الناصر



الاختلاف في الراي لا يفسد للود قضيه
علي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 20-02-2008, 05:39 AM   #4
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

شكرا أخي الفاضل الكريم عبد الله العقيل علي الإقصوصة.
تقبل مروري .
ولكم كامل تحياتي وتقديري
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .