مداخيل الخزينة فاقت 100 مليار دولار
الفئران تأكل عبد الوهاب حيا في ''جزائر العزة والكرامة''
سمعنا عن جثة شخص مختل عقليا ملقاة في مدخل حي بن شرفي بقسنطينة دون دفنها· اتجهنا إلى الحي حاملين آلة تصوير لنفاجأ أن ما تحدّث عنه بعض المواطنين إنسان حي بين العقد الرابع والخامس من العمر ملقى على بعد أمتار من الطريق الرئيسية المؤدية إلى وسط قسنطينة يحيط به الذباب بعد أن تحوّل إلى وجبة للفئران·
صعقنا ونحن نتطلع إلى عبد الوهاب المرمي على الأرض على مقربة من قنوات توصيل المياه وبعض الحجارة التي أشبه ما تكون بكوخ قصديري لم يتم بناؤه· وجدناه مغطى بغطاء رث متسخ غير بعيد عن صحن به أكل قديم يبدو أنه موجود هناك منذ عدة أشهر·· أول ما تبادر إلينا ونحن ننظر إلى العار الإنساني الذي لطّخ كل المسؤولين عن حماية ''عزة وكرامة الجزائري'' هو التساؤل: هل في المدينة أحد؟ أم ترى عبد الوهاب ليس جزائريا، أم ليس إنسانا أصلا؟ وإلا كيف يمكن تفسير أن يبقى حيا تحت عضات الفئران وحتى الكلاب الضالة والذباب الذي يتجمع حوله كما يتجمع حول جثة متعفنة منذ ثمانية أشهر دون أن يحرك ذلك ضمير أحد؟
قال لنا بعض السكان الذين تجمعوا حولنا، وهم يطلبون منا أن ننقل الصورة اللاإنسانية التي أصبح عبد الوهاب رمزا لها، إنه شخص دون مأوى وإنه يعاني من بعض الاختلال الذهني· عدا ذلك فقد كان عاديا يقيم في كوخ وسط مساحة ترابية محاذية للطريق الرئيسي الذي يصل حي بن الشرفي بوسط قسنطينة إلى أن دهسته منذ حوالي 8 أشهر سيارة ونقل إلى المستشفى ثم عاد غير قادر على المشي، وتدريجيا بدأ يفقد قدراته الأخرى إلى أن فقد قدرته على الكلام حديثا، حيث حاولنا أن نحدثه لكنه بدا في عالم آخر لا شغل له إلا مقاومة الذباب بتحريك رأسه·
لاحظنا أن نصف ذراع عبد الوهاب مبتور، ولم يعد يقوى على الحركة ولا حتى أن يغير استلقاءه إلى الجانب الآخر· ويبدو أن أجزاء من جسده تموت ويفقد السيطرة عليها إلا عينيه اللتين لا تزالان مفتوحتين· وقد علق أحد المواطنين أنه إذا ظل عبد الوهاب على هذه الحالة فسوف تنهش الكلاب الضالة جسده ويؤكل حيا دون أن يستطيع منعها·
منذ ثمانية أشهر لم يتدخل الموت لإنهاء المعاناة كما لم يتدخل أحد من المسؤولين أو الجمعيات لكسب ''حسنة''، يعلق أحد الشباب الذي كان أمام المشهد·· ثمانية أشهر لم يتدخل أحد من المسؤولين للقيام بعمله الذي تدفع له عليه الدولة أجرا، ولا أن يدافعوا ببساطة على تمسك الدولة بحقوق الإنسان وحمايته ولو من عضات الفئران· لن نتحدث عن حقوق عبد الوهاب الإنسان في متابعة صاحب السيارة الذي دهسه والحصول على تعويض من القضاء الذي يفترض أن تباشره مثلا مديرية النشاط الاجتماعي، لأن ذلك يحدث في دول بعيدة عنا وليس عندنا· ولن نتحدث عن روح التضامن وشغف المواطنين بزيادة رصيد حسناتهم في الشهر الفضيل وعبد الوهاب ينام على مرأى منهم منذ ثمانية أشهر وعلى بعد أمتار من مقر قطاع حي البير ومقر الشرطة والحماية المدنية، لن نتحدث إلا عن الذي سيسعى إلى إنقاذ ما بقي من عبد الوهاب الإنسان الجزائري الذي لم يعد له لسان ليستنجد بأحد، وما على الإنسان الذي يراه صدفة إلا أن يتصور بأنه يعاني كثيرا، وأن عضات الفئران والكلاب الضالة موجعة كثيرا·
المصدر :قسنطينة: ب· كراشة
2007-10-15
الخبر