العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة الفـكـــريـة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الميسر والقمار فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال لغز زانا الأم الوحشية لأبخازيا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: Can queen of England? (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: المعية الإلهية فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد رسالة في جواب شريف بن الطاهر عن عصمة المعصوم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: نظرات فى مقال أسرار وخفايا رموز العالم القديم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال آثار غامضة ... هل هي أكاذيب أم بقايا حضارات منسية؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خرافة وهم سبق الرؤية .. ديجا فو (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال هستيريا (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 02-11-2012, 10:18 AM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

لماذا تصاعد التعاطف الجماهيري مع الحركات الإسلامية السياسية؟

قبل أكثر من ربع قرن، كتب محمد أحمد خلف الله أحد مؤسسي حزب التجمع المصري، ونائب رئيسه، وصاحب مجلة اليقظة، أن المستقبل لن يكون في صالح الصحوة الإسلامية، بل سيكون في صالح الصحوة فقط!*1.

كما أصدر عالم السياسة الفرنسي (أوليفيي لوروا سنة 1992) كتابه: (فشل الإسلام السياسي)، وجاء بعده كتاب (أنطوان بسبوس سنة 2000): (الإسلامية.. ثورة مجهضة). وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وانطلاق ما يُسمى الحرب على الإرهاب، توقع الكثيرون من المحللين السياسيين نهاية الحركات الإسلامية السياسية.

بعد ذلك، ثبت أن تلك التوقعات لم تكن في مكانها، فقد صعدت الحركات الإسلامية في إندونيسيا وتركيا من نشاطها السياسي والتفت الجماهير حولها، وربحت حماس في الانتخابات الفلسطينية، وفاز الإسلاميون في انتخابات برلمانية في الأردن ومصر.. كما أن الحركات الإسلامية الشيعية في كل من العراق ولبنان قد تقدمت على الصعيد السياسي، ثم جاء الانفجار الشعبي بعد انتفاضات تونس ومصر، وصعد نجم الإسلاميين، فما وراء ذلك من أسباب؟

أسباب تتعلق بالهوية

أفضل ما يُلخص هذا القول، هو ما أورده الباحث العراقي محمد عبد الجبار قبل عشرين عاماً، فقال: إن أردنا استخدام التحليل الاجتماعي الماركسي للحالة العربية والإسلامية فسننطلق من أن المجتمع ينتج نفسه بالضرورة (فإذا ما تعرض الى عملية تغريب أو انسلاخ، فإنه سرعان ما يرتد الى ذاته، والمجتمعات العربية والإسلامية تعرضت تباعاً لتلك العملية التي استهدفت سلخها عن ذاتها الإسلامية منذ فترة طويلة. ورغم النجاحات التي حققتها عملية التغريب تلك فإنها بقيت على السطح دون أن تنفذ الى المكونات الأساسية والجوهرية لذاتية تلك المجتمعات)*2

معه حق ذلك الباحث، فلم يستطع حكم الشيوعيين للاتحاد السوفييتي مدة تقارب ثلاثة أرباع القرن، أن يطمس الإسلام من نفوس معتنقيه، بل بالعكس فقد زادهم الضغط تمسكاً به، ولم يستطع الكيان الصهيوني بمدة تقارب المدة السابقة من مَحي التعلق بالإسلام من نفوس الفلسطينيين.

ويعزز مسألة الهوية، ما يشهده العالم الإسلامي، من عودة متعددة المظاهر، فبينما كان من النادر أن نجد في الجامعات العربية من تغطي رأسها بحجاب، انعكس الأمر الآن فنادرا من نلقى طالبة تكشف شعر رأسها. والإقبال على شراء الكتب الإسلامية والتراثية يفوق باقي مشتريات الكتب، وحركة بناء المساجد، والطلبات الكثيرة للحج والعمرة الخ.

أسباب تتعلق بالاستفزاز الاستعماري

مهما أرادت القوى الاستعمارية أن تغطي وجهها بما يعرف بحقوق الإنسان والتظاهر بأنها تريد الخير و (الديمقراطية) للشعوب العربية والإسلامية، فإن مواقفها من فلسطين والعراق وأفغانستان والسودان، وتدخلها في شؤون الدول العربية والإسلامية يفضح زيف ادعاءاتها، ويتصادف أن الحركات الإسلامية السياسية يكون موقفها ثابتا في مناوئة الاستعمار، فهذا يعطيها زخماً إضافياً للشد الجماهيري.

أسباب تتعلق بالفاعلية الاجتماعية

لا يتحرج الناس من إدخال أشخاصٍ عرفوا باستقامتهم الدينية والخلقية الى بيوتهم، وفي مساعدتهم في حل مشاكلهم العائلية، والاستماع الى مواعظهم في المآتم والصلوات، ومشاركتهم أفراحهم الخ.. وهذا يزيد من فرص احتكاكهم بالناس، والاستفادة منهم في مؤازرتهم.

أسباب تتعلق بفشل التجارب غير الإسلامية

عند انتهاء الحرب العالمية الثانية، انكفأ الغرب على تضميد جراحه، في حين تصاعد المد القومي لدرجة أنه كان هناك ست دول كأن نظمها تعلمت عند شيخٍ قومي واحد (مصر: عبد الناصر؛ سوريا: أمين الحافظ؛ السودان: إسماعيل الأزهري وإبراهيم عبود؛ اليمن: عبد الله السلال؛ الجزائر: ابن بللا وبو مدين؛ العراق: عبد السلام عارف والبعثيين).

لم تستطع تلك الدول والأنظمة المتشابهة تقريباً، في تحقيق وحدة حقيقية بين أقطارها، ولم تستطع أن تنجز ـ إلا فيما ندر ـ من مشاريع تنمية، ولم تستطع إرساء دساتير وديمقراطيات كما فعلت الهند مثلاً بعد استقلالها، وتوج فشلها ما حدث في عام 1967 من هزيمة نكراء جرت المنطقة الى توابع سيئة جداً.

أسباب تتعلق بمهادنة ومعاونة الأنظمة للحركات الإسلامية

لم تخشَ أنظمة الحكم العربي من الحركات الإسلامية، خشيتها من التنظيمات اليسارية والقومية، فكانت في مصر تتركهم لمقارعة الشيوعيين والملحدين، وكذلك فعلت الحكومة الأردنية..

وقد زاد التنسيق بين الحكومات الغربية والحكومات العربية، بعد (كامب ديفيد) وخروج مصر من دائرة الصراع العربي الصهيوني. والاحتلال السوفييتي لأفغانستان، فتم الترتيب للاستفادة من الأسلحة السوفييتية التي كانت في حوزة مصر بعد طرد الخبراء السوفييت، فأفرغت مستودعات مصر من تلك الأسلحة ووضعت في يد الإسلاميين لمحاربة الشيوعية السوفييتية، بتمويل بالمناصفة بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية*3 فحُشد لذلك كل الإسلاميين التواقين للجهاد من كل الأقطار العربية والإسلامية.

لقد دأبت الأنظمة على نهج بهذا الخصوص، فكانت تنظف ساحاتها من بؤر يُخشى أن تكون مقلقة في المستقبل، فتنظمهم وتزين لهم أعمالهم، لتصدرهم الى ساحات مثل أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا الآن، لتلاحقهم فيما وتُقتلهم شر تقتيل..





هوامش
*1ـ الحركات الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي/ محمد أحمد خلف الله وآخرون/ بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية 1988 صفحة 98.
*2ـ صحيفة الحياة اللندنية العدد الصادر في 31/1/1992// محمد عبد الجبار
*3ـ مجلة وجهات نظر عدد شهر 8/2002 (ذكرها الكاتب محمد حسنين هيكل)
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 07-11-2012, 12:30 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

نظرة سريعة على خريطة القوى الإسلامية

في الحديث عن خريطة القوى الإسلامية السياسية في البلدان العربية، يكون التسرع في وصف قوتها ، كمن يراقب سباق (المراثون) في ربع المسافة الأول، فمن الصعب تحديد الفائز النهائي، ولا يشفع لجماعة الأخوان المسلمين أنها كانت السباقة في انطلاقها وحسن تنظيمها وتقنينها لقوة بدنها لتكمل المشوار لنهايته، حتى وإن كان لهذا الرأي أنصار..

فحركات التغيير في البلدان العربية لم تعد تبحث عن زعيم له (كاريزما) كماو سيتونج أو هتلر أو عبد الناصر، بل تراقب عن كثب من يخلصها من الاستبداد وإرساء العدل، وتحقيق الرفاهية وتحسين الاقتصاد، وهذه مسألة أو مسائل معقدة تحتاج الى دراية في حشد الأنصار المدربين والعالمين بشؤون إدارة الدولة والعلاقات المحلية والإقليمية والدولية، ومعظم من انتموا الى الحركات الإسلامية، كانوا خارج حلقات صنع القرار السياسي والاقتصادي، وهم إما من أصحاب التجارة والعمل الحر، وإما من أساتذة وباحثين مكثوا طويلاً بالعمل كمراقبين للشأن السياسي. وهذا سيجعل لمهمتهم صعوبات إضافية تحتاج التحالف مع كثير من القوى المحلية والإقليمية والدولية، وسيمنعهم من ذلك السيل الجارف من انتقاداتهم للتجربة الناصرية خصوصاً والتجربة القومية عموماً، مما سيحيد تلك الأطراف أو ابتعادها عن معاضدتهم.

الأخوان المسلمون

هم القوة الأقدم والأكثر تنظيماً من القوى الإسلامية في مصر، وقد بادروا الى إنشاء حزب باسم (الحرية والعدالة).

في تونس، هناك حزب (حركة النهضة) وجذور تلك الحركة تعود للأخوان المسلمين، وقد تقاسم السلطة في تونس مع أحزاب علمانية وقومية.

في ليبيا: أسس الأخوان المسلمون حزبا باسم (العدالة والبناء) وهو ذراع الجماعة وأسسه (الأمين بلحاج) أحد كبار أعضاء المجلس الوطني الانتقالي يساعده (عبد الله شامية) أستاذ الاقتصاد في جامعة بنغازي.

في اليمن: كانت جماعة الأخوان ولا تزال حاضرة بقوة عبر التجمع اليمني للإصلاح، وقد شاركت الجماعة غيرها من القوى السياسية فيما يسمى (اللقاء المشترك)، ولم تستطع لا هي ولا القوة التي معها في حسم الثورة في اليمن أو أن تسد الفراغ الذي حدث بعد ابتعاد علي عبد الله صالح، ليكون وصف الثورة اليمنية بأنها (أُجهضت).

وفي سوريا يشارك الأخوان في المجلس الوطني السوري ويدعمون المعارضة ويبرمون صفقات السلاح لها.

وباختصار فإن تواجد الأخوان المسلمين يمتد من أقصى مغارب الوطن العربي الى مشارقه.

السلفيون

كشفت التغييرات التي جرت في المنطقة العربية أن حجم التيار السلفي لا يقل عن حركة الأخوان المسلمين انتشاراً واستعداداً. وقد كان لمبادراتهم السريعة في ترخيص وتكوين أحزاب سياسية تعبر عن هذا التيار الأثر الكبير في الاعتراف بحجم تواجدهم..

في مصر: تشكل حزب (النور) وقد فاز بالمرتبة الثانية حوالي 25% من مقاعد مجلسي النواب (المنحل) ومجلس الشورى، وقد انطلق حزب النور من الإسكندرية الشيخ ياسر برهاني والشيخ سعيد عبد العظيم والشيخ محمد إسماعيل المقدم ترى أن حزب النور هو ذراعها السياسي*1

كما تشكل حزب (الفضيلة) و حزب (الأصالة) وهناك نية لتأسيس حزب (الإصلاح)، وهناك تياران آخران: (سلفيو كوستا) و (التيار الإسلامي الحر).

في تونس: هناك تيار يسمى (السلفية العلمية) وهو يعني بالمسائل الأخلاقية، وقد بينت أحداث جامعة (سوسة) عندما رفضت السلطات دخول المنقبات للحرم الجامعي، وكيف تمت إزاحة العلم التونسي من مبنى الجامعة ووضع علم أسود مكانه.

في ليبيا: يوجد تيار سلفي قاتل ضد القذافي بمدينة (الزنتان) ويهتم بهدم قبور الأولياء، والأضرحة، ويهاجم الأخوان المسلمين وحكومة قطر لدعمها لهم.*2

في اليمن: هناك تيار سلفي تقليدي، مع بزوغ تيار سلفي ذي طابع إصلاحي، مثل (الائتلاف السلفي اليمني) و (رابطة شباب النهضة والتغيير) و (رابطة علماء اليمن) و (رابطة علماء عدن)، وبعد أن قرر السلفيون في اليمن الاشتراك في المعترك السياسي أنشئوا حزب (اتحاد الرشاد اليمني).

في سوريا: وجد التيار السلفي قديماً، وهو يؤيد الآن التحركات للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ويمثل حضوره أشخاص مثل (محمد سرور زين العابدين) و (عدنان العرعور) و (لؤي الزعبي) الأمين العام لحركة (المؤمنون يشاركون) ومن المتوقع أن يكون لهذا التيار دور مهم في تشكيل مستقبل سوريا، لأنهم يمزجون بين الإصلاح والحراك.

قوى إسلامية ثالثة

توجد تنظيمات إسلامية لا تمت بصلة لا للإخوان المسلمين ولا للتيار السلفي، كحزب العدالة والتنمية في المغرب (الذي يحكم اليوم) برئاسة (عبد الله كيران)، وهو مؤتلف مع ثلاثة أحزاب هي (الاستقلال، والحركة الشعبية و التقدم والاشتراكية).

وفي ليبيا: (الحركة الإسلامية للتغيير) التي يقودها أنيس شريف، وهي لا تحبذ القتال، و من قادة هذه الحركة (عبد الحكيم الخويلدي بلحاج) الذي قاد المجلس العسكري في طرابلس وقاد عملية (فجر عروس البحر). وهناك التجمع الإسلامي وهو يسعى للتوفيق بين الدين وقيم المجتمع الليبي.

وفي مصر: هناك حزب الوسط وهو إسلامي وقد فاز بتسعة مقاعد في الانتخابات لمجلس النواب المنحل.

حزب التحرير: حزب أسسه قاضي الاستئناف (تقي الدين النبهاني) في مدينة القدس عام 1953، وقد انطلق يدعو الى إعادة الخلافة الإسلامية، وتجنب الأعمال المسلحة، ودعا للمقارعة الحوارية والتحليل كأسلوب والنشاط الإعلامي والسياسي، فامتد نشاطه حتى أصبح أعضاؤه بما يزيد عن عشرة ملايين ـ حسب تصريحات الحزب نفسه ـ، ولهم فروع قوية في إندونيسيا والسودان والدول الإسلامية التي انفصلت عن الاتحاد السوفييتي. وكذلك في تونس والأردن ومعظم دول العالم. من أبرز قياداته (تقي الدين النبهاني توفي 1977) وعبد القديم زلوم الأمير الثاني، وعطا أبو الرشتة الأمير الحالي.

هناك حركات أخرى لا يتسع المجال لذكرها. كما أننا لم نذكر الأحزاب التي انطلقت من الطائفة الشيعية كالأحزاب السياسية في العراق وحزب الله في لبنان.

وسنتعرض في المرة القادمة لكيفية التعامل مع فكرة الدولة والتعددية والحزبية، عند أبرز التيارات..



هوامش
*1ـ راجع دراسة الدكتور كمال حبيب (السلفيون وآفاق المشاركة السياسية.. حالة مصر) صحيفة البيان الإلكترونية عدد 294 في 23/12/2011.

*2ـ ملحق مجلة السياسة الدولية عدد 188 أبريل/نيسان 2012، صفحة15.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 24-11-2012, 11:56 AM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


إسلامٌ واحد.. وقراءات سياسية متعددة

عندما بعث الله عز وجل نبيه محمد صلوات الله عليه، في مكة وقلب الجزيرة العربية، لم يكن صعباً على أبناء تلك المنطقة أن يفهموا القرآن الكريم والاعتراف ببلاغته وقوة نصه، حتى من لدن المشركين أنفسهم. ولم يكن للمؤمنين الشباب حاجةٌ للتوسع والمجادلة حتى يُنَفّذوا تعليمات الرسول الكريم بما يأمرهم الله تعالى. فهذا النفر القليل المؤمن سرعان ما نشر الإسلام بالربوع العربية المجاورة، وأزاح غطرسة أكبر إمبراطوريات ذلك العهد بقليل من السنوات.

وبعد قرنٍ من الزمان انتقل المؤمنون من بيئة بدوية بسيطة الى مناطق أكثر تمدناً ورقياً، تعتني بالعمارة والفلسفة والطب والفلك والهندسة، وغيرها من العلوم الطبيعية والأدبية. كان لزاماً على القائمين على إدارة الدولة ألا يتماهوا مع تلك الظروف المستجدة فقط، بل ويتفوقوا على من أصبحوا من رعاياهم ومواطنيهم، فلم يشجعوا العلم والتجربة والبحث العقلي فقط، بل ابتكروا أفضل الطرق فكان الخلفاء العباسيون في صدر دولتهم، يقبلوا بدل المال كُتُبَاً قديمة كانت مرمية في سراديب قصور الروم، وكان ملوك الروم ينظرون لتلك الصفقة بالسخرية من خلفاء بني العباس.

وعندما تقدمت حركة الترجمة في كل المجالات، ظهرت نُخبٌ عربية وإسلامية، ترتفع هاماتها على غيرها من غير المسلمين، فازدهرت أعمال الوراقين والكتاب وانتشر مناخ استقطب فيه كل المبدعين من العالم ليجاوروا العواصم والحواضر العربية من قرطبة وأشبيلية غرباً مرورا بمدن المغرب ومصر والعراق وبلاد الشام ووصولاً الى سمرقند وخوارزم وغيرها.

هذا المناخ أوجد بعض القطيعة بين النُخب والوسط الديني (رجال الدين والفقه والمحدثين) وامتدت تلك القطيعة لتصل العامة، ففي حين يشتهر الفارابي وابن رشد وابن طفيل وغيرهم كفلاسفة في كل أنحاء العالم، كان هناك من ينظر لهم نظرة تحقير واستصغار وأحياناً تكفير..

الخلاف حول الدولة والحكم

لم يظهر الخلاف بقراءة موضوع الحكم والدولة، بين رجال الفقه وغيرهم من الناس، بل ظهر في بداياته بين الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً، حتى أولئك المبشرين بالجنة، وهي مسألة لا تستوجب التطير أو الأسف، بل هي مسألة حيوية ومهمة جداً للوصول الى منهج لتداول السلطة أو الحكم..

لكن المسلمون والعرب بالذات لم يقفوا عند نظامٍ ثابت يتفق عليه الجميع. فطريقة اختيار الخليفة الأول اختلفت عن الطريقة في اختيار الثاني والثالث والرابع، حتى أصبح الحكم ملكياً بعده في كل العهود والمناطق.

فالدولة، لغوياً من دال يدول وتداول أي تناقل، والأيام دول، وهكذا ودواليك. فهي عندنا لغويا غيرها في الحضارات الأخرى فهي (State) مأخوذه من الصخرة والجبل الثابتين . والدولة، جغرافياً عندنا أيضاً غير محددة فأحياناً يفتخر ابن تونس بشعراء مصر كأنهم أولاد عمه ويفتخر ابن الشام بشعراء الجاهلية في الجزيرة العربية على أنهم أجداده، ولا زالت مناهج التعليم تعلم التلاميذ تلك المعلومات. وبنفس الوقت فإن الأردن والكويت يطلقون على برلمانهم مجلس (الأمة) أي أمة؟ وبعدها يقولون الأردن أولاً والكويت ومصر أولاً؟ وفي العالم معروفة حدود الدولة في الصين مثلاً (داخل حدود سور الصين).

واسم الدولة عندنا يرتهن باسم عائلة، دولة الأمويين..دولة العباسيين.. الحفصيين .. الأغالبة .. العثمانيين، الخ

إن هذا الارتجاج بالفهم يولد مناخاً قابلاً لتوليد آراء تتطرف وتؤذي الإسلام والمسلمين معاً. فرفض الواقع المليء بالمفاسد وتحميل أنماطٍ فكرية له يقود الى مزيد من التشرذم والفرقة..

نقاط اختلاف في الرؤى السياسية عند الخطاب الإسلامي

عندما نقول الخطاب الإسلامي، فإننا بالتأكيد لا نعني القرآن الكريم ولا السنن النبوية الشريفة المحفوظة في الكتب ويؤمن بها كافة المسلمين، بل نعني المحاججة الإعلامية والفكرية التي تتدافع مع غيرها من التيارات الوطنية التي يعنيها الهم الوطني بكل تفاصيله...

وعلى أي حال ليس هناك خطاب إسلامي سياسي في العصر الحديث بقي على ما هو، شأنه شأن كل الخطابات السياسية فالحزب الشيوعي الصيني الآن ليس هو كما كان في عهد (ماو سي تونغ) والتيار الناصري الآن ليس هو كما كان في عهد عبد الناصر..


فالسلفيون الذين حاربوا الحزبية والتحزب هرعوا لتشكيل أحزاب، والأخوان المسلمون وهم في المعارضة غيرهم في الحكم، وهذا طبيعي ومن حقهم وحق غيرهم أن يتجمعوا وفق أشكال تنظيمية تتلاءم مع الواقع، ومن حقهم وحق غيرهم أن يعمقوا صلاتهم بالجماهير ليحافظوا على صعودهم، ومن حقهم أن يوظفوا كل عناصر السياسة المحلية والإقليمية والدولية ليرسخوا أقدامهم في طريقهم.. لكن ليس من حقهم أن يدعوا أنهم يملكون الحقيقة وحدهم..

لا تخلو النظريات والأدبيات السياسية التي ظهرت خلال قرن ونصف من التطرق الى موضوع الدين، وهي تتقارب في كثير من الأحيان وتتباعد قليلاً في أحيانٍ أُخرى، ولم تقتصر تلك الخطابات على مجموعة محددة، بل كتبها مفكرون من الأخوان المسلمين لهم قدرتهم وباعهم الطويل، وكتبها مفكرون من حزب التحرير لهم نظرتهم التي تُحترم وكتبها سلفيون لهم وجهات نظر تحمل في طياتها كثيراً من الأفكار التي تحمل وجاهتها. وكتبها أزهريون وسطيون تُحترم كتاباتهم، وكتبها مفكرون إسلاميون لا ينتمون الى أي مجموعة كالمفكر محمد عمارة و العالم مصطفى محمود ومحمد عابد الجابري وفهمي هويدي ومئات من المفكرين المحترمين

حتى أن الفكر القومي لم تخلو الكتابات فيه من التطرق الى الدين باهتمامٍ كبير، وأن مجموعة العلمانيين أو الملحدين في المناطق الإسلامية والعربية لم يقللوا من شأن العامل الديني وهم يعرفون جيداً مدى تغلغل هذا العامل في صفوف الجماهير التي يعملون في وسطها.

لقد التقت كل الفصائل الوطنية بمختلف مشاربها العقائدية على جملة أهدافٍ منها:
1ـ التحرر من سيطرة الأجنبي وتدخله في شؤون البلاد..
2ـ تحقيق العدالة والمساواة، وإشاعة روح المواطنة البعيدة عن الطائفية والعرقية والقبلية والجهوية..
3ـ تناقل السلطة ومواقع القيادة الإدارية والسياسية دون تقنين يحرم فئة أو فرد من أخذ فرصته..
4ـ محاربة الفساد واستيلاء مجموعات ضيقة على مقدرات المجتمع..
5ـ تفجير الطاقات الإبداعية لأبناء المجتمع والنهوض بالبلاد من حالة التخلف الى حالة ازدهار واللحاق بركب العالم المتقدم.. والتحرر من رهن الحالة الاقتصادية بالدوائر الإمبريالية..
6ـ رفع حالة الكرامة الوطنية التي تتأثر بما يجري في الشأن المحلي والقومي، فقضية فلسطين والقضايا التي تشابهها وتتولد تباعاً لم تعد شأناً يهم أهلها وحدهم بل يهم أبناء الأمة كلهم..

خلاصة

إن تلك الأهداف التي تلتقي عليها كل الفصائل الوطنية، وكل المواطنين، لا تتحقق بالورع والتدين وحده، بل بالعلم والمعرفة والقبول بوجود الآخر. فالدين والورع يهيئان للمجتمع مناخاً أخلاقياً ونزوعاً لقبول العدل و (القِسط) وهما شرطان أساسيان لتحقيق كل ما سبق..

المواطن الملتزم بصلاته وصيامه وخشيته من الله سواء كان مسلماً أو مسيحياً أو غير ذلك ينتظر من أصحاب الخطابات أن ينتقلوا من المناظرة الى وضع برامج تجمع حولها كل أصحاب الجهد النافع من كل الفصائل، حتى لا تذهب جهود تلك الفصائل في محاربة بعضها البعض وتبقى الأمة تراوح في مكانها..

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 01-12-2012, 01:01 PM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

هل يستوجب على الحركات السياسية العربية دعم الإسلاميين؟

لم يكن في صدر الدولة الإسلامية، حركة صهيونية أو شيوعيين وبعثيين وفلول نظام حتى تعيقها، وقد تم إزاحة إمبراطورية الفرس والروم كأعداء خارجيين، وكان المؤمنون المسلمون أقرب الى منبع الإيمان منهم اليوم، فما الذي جعل الدولة الإسلامية تتهاوى وتضعف شيئاً فشيئا حتى زالت من الوجود؟


تقول الأسطورة العربية أن عبد شمس (جد الأمويين) وهاشم جد الرسول صلوات الله عليه، توأمان عندما وُلدا كان هناك أثران على جبهتيهما من أصابع كلٍ منهما، فتنبأت العرافة أن سيكون التاريخ المقبل بين أولادهما مخضبًا بالدم!*1

وحاول الإخباريون العرب، أن يثبتوا تلك الأسطورة، بتتبع التاريخ ليثبتوا تلك المقولة، فيستشهدوا بأن أبا سفيان (الأموي) كان من ألد أعداء الدعوة التي بَشّر بها الرسول الهاشمي صلوات الله عليه، وأن الفتنة التي حدثت بعد مقتل عثمان (الأموي) كانت بين الأمويين والهاشميين الممثلين بعلي بن أبي طالب رضوان الله عليه، وأن العباسيين (الهاشميين) حاولوا ملاحقة الأمويين حتى في دولتهم البعيدة التي أقاموها في الأندلس بالتحالف مع (شارلمان) ملك فرنسا، وهارون الرشيد، وأن يكرس إبراهيم ابن الأغلب والي إفريقيا (تونس اليوم) الحكم في ذريته مقابل مضايقة الأمويين في الأندلس..

ورغم عدم القناعة بتلك الأسطورة، لكن الخلافات السياسية التي كانت بين الفرق الإسلامية، لو تتبعها المتمعن لوجد أنها أخذت ولا تزال مساحةً في الفكر الإسلامي السياسي، وقد تم استغلالها جيداً من الشعوبيين الذين لم يَعْنِهم الإسلام بالدرجة الأولى بقدر ما يعنيهم زوال سلطانهم (الفرس مثلاً) واليهود، فأي محلل أو متحدث بالسياسة، حتى لو كان علمانياً، لا يتحرج من ذكر تلك الخلافات حتى هذا اليوم، وأي تحليلٍ سياسي يهم المنطقة لا بد فيه من المرور على إيران واليهود (غزة، لبنان، العراق) الخ..

وعندما نريد وننوي ونُزمع أن نرتقي بهذه الأمة الى الأعلى، لا بُد من الترفع عن الدخول بتلك المهاترات، ونفكر بأنفسنا حتى تقوى أمتنا ونلتفت لجيراننا لنقيم معهم علاقات كأقوياء..

لماذا علينا أن ندعم الإسلاميين في صعودهم؟

كما أسلفنا، استطاع الإسلاميون أن يقيموا تنظيمات أكثر ثباتاً من غيرهم للعوامل التي ذكرناها، فإن كنا نهتم بشأن الأمة فلا يضيرنا أن يتبوأ مركز الصدارة فيها من فوضته الجماهير، فإن بنيان تنظيمه هو من ممتلكات الأمة وقد أصبح بمثابة فرض كفاية ليحمل على عاتقه رفعة شأن الأمة، فإن فشل فإنه سيحمل وِزر فشله، وإن نجح فإن نجاحه سيكون لصالح الأمة التي نحن منها..

لكن، وحتى يحمل وِزر فشله، لا نسعى بجهدنا لإفشاله، فتلك الدورة تدور، وسيتربص بك كما تربصت به، وإن كان قد تربص بك سابقاً، فلا تعني مبادلته التربص سترفع من شأن الأمة، بل ستعيد الكَرّة ونبقى في مكاننا، هذا إن لم نتراجع أكثر..

لقد أفلح القوميون واليساريون في مصر، عندما رجحوا كفة مرسي على شفيق، فلو نجح شفيق لأصبحنا أمام جيل من الحكم الفاسد تعرض لهزة الثورة واستفاد من تجربتها وأصبح أقوى من جيل مبارك..

لكن هل أدرك الإسلاميون مقولة المفكرين الثوريين في حشد عوامل القوة لدحر أعداء الثورة؟ أم أنهم استلهموا طرائق من سبقهم في الحكم في الإجهاز على الحليف كونه مفارقاً؟ فالثورة عند جرامشي تتلخص في (إن التمركز الرأسمالي ينتج تمركزاً موازياً للجماهير الإنسانية)*2. فتنقية العناصر الثورية في جبهات محاربة أعداء الثورة لا تقتصر على طيف سياسي دون غيره، والأصعب في عملية التنقية، هو ما كان يختص بالطيف الواحد نفسه.

ولكن لا نبالغ في انتقاد الأطراف التي تتصدر المشهد، ونجعل من حداثتهم في العمل السياسي المتعلق بإدارة الدولة وكأنها خيانة تلتقي مع الدوائر الإمبريالية، فالتطير منهم الذي جاء على لسان سمير أمين إذ قال (أن المواجهة بين الجماعات الإسلامية والأنظمة ليست إلا تنافساً بين قطاعات مختلفة من الطبقة الحاكمة، وهو تنافس وصراع حول السلطة سواء حدث ذلك بشكل مسلح كما حدث في الجزائر أو بشكل سياسي كما حدث في مصر) ويضيف ( أن الإسلام السياسي ليس معادياً للإمبريالية بأي شكل من الأشكال، بل أنه أفضل من يخدم الإمبريالية.. وأن الاستثناءات مثل حماس وحزب الله ليست سوى نتيجة طبيعية للجغرافيا السياسية التي تضع مثل هذه الحركات في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي)*3

فكما يستطيع المتصيدون إيجاد هفوات وأخطاء لطيف ما، فإن القائمين عليه سيجدون ما يرمون به خصمهم، وماذا بعد؟

جدلية دعم الإسلاميين

أن تتكون جبهة وطنية واسعة من مختلف التيارات السياسية العاملة لخلاص الأمة، رغم ما في ذلك من صعوبات، هو أكثر نفعاً من استقواء أحد الفصائل الوطنية بقوىً خارجية سواء كانت من خارج البلاد (أي بلاد)، أو من خارج محور الثورة، فهذا سيجعل من جميع الأطراف تتنازل عن بعض عنادها في مسائل تتسم بالعقائدية، لتصنع مُركَّبًا يؤسس لنهج جدلي تتطور معه فكرة التعاطي السياسي بين أطراف تُمرِّن نفسها على العمل بأجواء التعددية السياسية.

قد يأخذ مشوار التمرين بالتعددية السياسية سنين طويلة قد تصل الى عشرين أو ثلاثين سنة، وسينتج عن ذلك توافق حسب (محمد أسد)، يتم من خلاله عصرنة الدولة العربية والإسلامية*4، وستكون الجماهير حكما عادلا على تزكية من يفلح، ورادعاً قوياً لمن يريد تأخيرها..

وبعكس ذلك، فإن ثمار الحِراك العربي ستذهب سُدىً، وستزيد الفرقة بين القوى السياسية، وستستغل القوى الخارجية هذا الضعف والفرقة، وتربط المنطقة باتفاقيات وديون ثقيلة تزيد من صعوبة من سيكتشف طريق خلاصها السليم مستقبلا.

انتهى

هوامش
*1ـ من كتاب النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم/ تقي الدين المقريزي/ إعداد وتعليق: صالح الورداني/القاهرة: الهدف: للإعلام والنشر/ صفحة 38.

*2ـ جرامشي ضد الإصلاحية/ كريس هارمان/ مركز الدراسات الاشتراكية صفحة 16.

*3ـ الأخوان المسلمون: رؤية اشتراكية/ سامح نجيب/ مركز الدراسات الاشتراكية صفحة 6.

*4ـ انظر كتاب (منهاج الإسلام في الحكم) للباكستاني محمد أسد/ نقله للعربية: منصور محمد ماضي/ الطبعة الخامسة 1978/ بيروت: دار العلم للملايين.. المقدمة وما بعدها..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .