يوم في حياتي . العجوز وأنا . قصة قصيرة.

[السيد عبد الرازق]

خرج بسيارته مسرعا بعد أن أعدّها وقام بمسحها عامل الجراج وبعد أن مضت به السيارة خطوات قليلة وإذا سيّدة عجوز هدّتها الأيام تشاور له ليحملها ويحمل عنها آلامها وأحمالها .
وقد ظن أولا أنها تريد صدقة أو مثل ذلك فسألها ماذا تريدين ياخالة قالت ياولدي احملني معك لأول الشارع
فأخذها وركبت معه وانطلق بها ناسيا كلّ الشرفات المفتوحة والتي غالبا ما تكون بابه في التدقيق والنظر ولم يرد أن يفتح كلاما مع السيّدة العجوز الراكبة معه حتي لايحمل أعباءا أو أثقالا ويضيق صدره ويقفل وحينها لايستطيع التحدث مع أحد بطلاقة في اللسان لأنه إذا ضاق الصدر لاينطلق اللسان معبّرا .
وعند قارعة الطريق غادرت العجوز السيارة مودعة وداعية لصاحبها بالخير والبركة وطول العمر فودّعها وانطلق .
وقال في نفسه آه من الدنيا وهكذا حالها بعد الصبا والشباب يأتي الهرم وكبر السنّ وقال في نفسه أيضا إن هذه السيدة قد ذكرتني بحقيقة الدنيا وهي العجوز الشمطاء وبدأ يقرأ سورة يس سبع مرات ورده اليومي قبل أن يصل إلي العمل تقربا إلي الله وحتي يفتح له الأبواب المغلقة والنوافذ الموصودة .
أبواب القلوب ونوافذ النفوس التي احتار في أمرها جميعا مابين منكر وحاقد وحسود ومنافق وأغلب الناس في هذا الزمان ظواهرهم غير بواطنهم .
ودخل باب الوزارة التي يعمل بها وألقي السلام علي الحارس وعمال الأمن الواقفين علي البوابة الرئيسية للوزارة
وصعد مع عامل الأسانسير ( المصعد ) إلي الأدوار العليا حيث مكتبه ودخل علي الموظفين الذين يعملون معه فوجدهم مختلفين مابين يائس ومهموم ومشرق وكئيب واختلف أيضا الوجوه مابين أسود وأصفر وأبيص وناصع البياض واختلفت أيضا المسحة الإيمانية مابين عاص ومعرض ومقبل وشقي وسعيد .
فحيّاهم . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فردّا عليه التحيّة .
وجاءوا إليه واحد تلو الآخر الذي يشكو من غلاء الأسعار وقلّة الدخل وزيادة الأعباء ويقول له كلّم لنا معالي الوزير حتي يعتمد لنا مكافأة فأجاب بالموافقة .
وآخر أخذ يتحدث عن الشقة الذي كان يعيش فيها مع والدته رحمها الله والتي توفيّت من عشرين عاما وأراد المالك أن يحصل علي الشقة ويثبت أنه كان غير مقيم مع والدته ورفع دعوي قضائية أمام القضاء واستعان بشهود الزور وقام بمساومة محامي الخصم مستأجر الشقة وتجاوب معه المحامي .
وحكمت المحكمة في الدرجة الإبتدائية بإعادة الشقة إلي مالكها الأصلي وإلغاء عقد الإيجار وعدم امتداده لإبنها .
وقام الزملاء بنصيحته بتغيير المحامي وتجهيز المستندات القوية لإثبات حقه .
وأخري جاءت تحكي عن زواجها لابنها وجمال عروسه وكمال الأثاث الراقي الذي قامت بشرائه .
وآخر يتحدث عن مشروع محلّ الملابس الذي يديره لحسابه وجمال الملابس التي يبيعها حتي يجد مشتريا من بين زملائه .
وآخري تشتكي وفاة زوجها وتحمّلها الأعباء العائلية وخمس بنات تريد تربيتهم وتعليمهم وزواجهن .
ودخلت عليه عاملة البوفية وقالت له هل تريد كوبا ساخنا من الشاي فأجابها بالموافقة .
وانفض من أعباء الحياة مع زملائه في العمل وبدأ العمل اليومي والتكليفات المطلوبة.
وقام بإعداد الإنجازات المطلوبة وعمل مذكرة للعرض علي معالي الوزير ليعتمد للعاملين مكافأة .
وتمّ إرسالها للوزير ولكن معالي الوزير لم يعتمدها وقال هذا هو عملهم الذي يحصلون فيه علي المرتب والحوافز
بينما تفضل معالي الوزير بإعتماد مكافأة كبيرة لعاملين آخرين يبذلون القليل من الجهد فتسلل الإحباط واليأس في قلوب العاملين .
وقالوا الله هو الرزاق ذو القوة المتين وقالوا الأفضل أن نطلب من المولي تبارك وتعالي ولعلّ ذلك خير.
وانتهي يوم العمل وعادوا علي أمل جديد وغد جديد واشراقة جديدة.