العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > مكتبـة الخيمة العربيـة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: ابونا عميد عباد الرحمن (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: قراءة في مقال مخاطر من الفضاء قد تودي بالحضارة إلى الفناء (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في كتاب من أحسن الحديث خطبة إبليس في النار (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث وعي النبات (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث أهل الحديث (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب إنسانيّة محمد(ص) (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الى هيئة الامم المتحدة للمرأة,اعتداء بالضرب على ماجدات العراق في البصرة (آخر رد :اقبـال)       :: المهندس ابراهيم فؤاد عبداللطيف (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: نظرات في مقال احترس من ذلك الصوت الغامض (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 23-03-2015, 09:41 PM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي قراءة في كتاب طبقات المجتمع

عرض كتاب طبقات المجتمع

الكتاب الذي بين أيدينا (طبقات المجتمع) هو من تأليف العالم الفرنسي (أندريه جوسان)، وقد ألفه في خمسينيات القرن الماضي، وقام بترجمته تلميذه الدكتور محمد سيد بدوي، عام 1956، وقد يكون سبب نشره عام 2011 من قبل الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة، هو نفس السبب الذي نقوم بعرضه الآن.
وهو أن التغيرات التي حدثت على مفهوم الطبقة، من حيث مكوناتها وأسباب تغييرها وقوتها في التأثير بالمجتمع، وبعد تراخي قوة الأيديولوجيات وتأثيرها في المجتمعات، وبعد ظهور أشكال جديدة للكسب المادي وما للمال من دور في تكوين الشكل السياسي للنظم السياسية الراهنة.
يقع الكتاب في 204 صفحات من القطع المتوسط، وفي ستة فصول، إذا اعتبرنا المقدمة (الهامة فصلا)

المقدمة: ما هي الطبقة الاجتماعية؟ عناصرها: الثروة، المهنة، نوع الحياة، التربية والثقافة، التأثير المتبادل بين تلك العناصر، صعوبة تحديد معنى الطبقة، فيمَ تختلف الطبقة عن الطائفة والفئة الاجتماعية؟

الفصل الأول: عوامل الصيت والنفوذ.. الخدمات التي تؤديها المهنة، صيت المهنة عن طريق الثروة التي تجلبها.. صيت المهنة عن طريق الإعجاب بها .. قوة السلاح.. توقف النفوذ على حسن استعمال القوة..
الفصل الثاني: تكوين الطبقات..
علاقات التبعية.. تبعية شعب الى شعب.. نتائج تقسيم العمل.. تأثير النظم العسكرية.. تأثير النظم المدنية.. تأثير الثروة والثقافة..

الفصل الثالث: تطور الطبقات..
تداخل الطبقات أو اندماجها.. رغبة الطبقة الدنيا في الارتقاء.. التجدد الضروري.. أهمية الخدمات التي تؤديها الطبقة.. مثال الطبقة تتدهور: النبلاء.. مثال الطبقة ترتقي: البرجوازية

الفصل الرابع: الطبقات والحياة السياسية..
اعتراف القانون بالتمييز بين الطبقات.. النزعات السياسية للطبقات.. التصارع والنزاع بين الطبقات..

الفصل الخامس: انحيازات الطبقات واتجاهاتها الخُلقية..

الانحيازات.. المظهر وقواعد اللياقة.. الصفات والفضائل.. التأثير الثقافي المتبادل بين الطبقات ..

خاتمة
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 27-03-2015, 11:58 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

ما هي الطبقة الاجتماعية؟

الطبقات حقائق اجتماعية قامت وتقوم في كل مجتمع بالرغم من جميع النظريات وجميع العبارات التي تحاول إنكارها. ويبين لنا التاريخ وجود طبقات مختلفة عند جميع الشعوب. وقد دلت البحوث على وجود طبقات في المجتمعات البدائية، كما أن الديمقراطيات القديمة والحديثة تنتخب من يمثل الطبقة في مصالحها. فما هي الطبقة وما هي محدداتها؟

الثروة:

أول ما يتبادر لذهن المتكلم عن الطبقات هي الثروة، لقد قسم علماء الاجتماع الناس من حيث القدرة المالية الى ثلاثة أقسام: أولاً: من يعيشون على ثرواتهم المنقولة أو أملاكهم العقارية، أي على الأرض ورؤوس الأموال بدون أن يحاولوا زيادة ثروتهم عن طريق العمل. ثانياً: صنف يجتهد في استغلال ثروته وزيادة أملاكه عن طريق العمل. ثالثاً: صنف يعيش من عمله دون أن يكون له أملاك أو رأس مال. ويبقى خارج هذه الطبقات الثلاث المعدمون الذين يعيشون على الصدقات، والدولة التي تُحصّل الضرائب.

المهنة:

ولكن هيهات أن تكفي الثروة لتحديد الطبقة، فللمهنة على الأقل من الأهمية ما للثروة، وتشهد بذلك العبارات التي تسجل تلقائيا ملاحظات الناس. فهم يتحدثون دائماً عن طبقة العمال وطبقة الفلاحين وطبقة التجار والصنّاع وأصحاب المهن الحرة الذين يعتبرون طبقة واحدة. ويميز بعضهم من هذه الناحية بين طبقتين كبيرتين تنقسم كل منهما إلى فئات، فهناك طبقة الرأسماليين وتضم طائفة النشاط الإيجابي أو أصحاب المشروعات التي تدر ربحا، وطائفة السلبيين وهم الملاك الذين يعيشون على دخلهم من عقاراتهم.

وتضم طبقة العمال أشخاصا يعملون لدى آخرين ويأتمرون بأمرهم، وأناسا يعملون بورشاتهم الخاصة كالحداد والصائغ والفلاح الصغير، ولا أحد يأمرهم، وهذا يخلق على الصعيد الاجتماعي وضعاً يجعل من مسألة سلوك أبناء الطبقة الواحدة شيئا لا يبدو متجانسا.

وفي طبقة أصحاب الأعمال الحرة، نجد المحامي والطبيب والأساتذة، وغيرهم وهم مختلفون في حجم دخلهم وثقافتهم وسلوكهم.

وقد يتحتم على الأفراد الذين يولدون في وسط طبقة ما أن يحذوا حذو آبائهم كالصيادين والفلاحين، فيقومون بممارسة ما كان يمارس آبائهم ولكن هذا لا يمنع أن ينتقل أبناء هؤلاء إلى مهنة أخرى بما يحيط بها من طقوس سلوكية، فقد يدرس ابن الفلاح الطب أو العلوم السياسية ويغادر أجواء طبقته نهائيا.

نوع الحياة

لاحظنا أن لا الثروة ولا المهنة كافيتين لتحديد مفهوم الطبقة، فمن الطبيعي أن تتفاوت الدخول من مهنة لها مسمى واحد، فالتاجر الذي ينتمي للطبقة البرجوازية، قد يكون دوره زيارة متجره لإعطاء التوجيهات والأوامر، وقد يكون من يحمل نفس الاسم (التاجر) هو من يقوم بوزن البضاعة واستقبال العملاء، فالحالتان مختلفتان بالتأكيد. وهنا يدخل عامل جديد وهو التصرف بالدخل بالكيفية التي يختلف بها الناس.

قد نجد برجوازيا متلافا يتلف أمواله في صالات القمار والبحث عن الغانيات والجلوس مع مختلف أفراد الطبقات، فيغرق نفسه بالديون، ويعتقد أنه سيسددها قريباً. بالمقابل قد نجد حِرفيا ممن يقومون بأعمال الصيانة للآلات الكهربائية (تكييف تبريد)، وهو يعود إلي البيت لتستقبله زوجة مدبرة، ولهما حديقة صغيرة، و(باربكيو) ويخرجان للتنزه بملابس أنيقة.

وأحياناً، تخرج هزّات كبرى في البلاد رجالا كانوا يتسنمون مواقع عسكرية أو إدارية عالية في الدولة، وبعد حرب (كالحرب العالمية الثانية مثلا)، تجدهم يحملون الخبز وأكياس التسوق الصغيرة عائدين إلى بيوتهم، وقد يقومون بكنس الشارع أمام بيوتهم!

وهكذا، فإن لكل طبقة طرائق في التمتع بالحياة، تبقى ملازمة للطبقة طالما ظروفها ملائمة لتلك الطريقة. والتشابه في المسلك والمأكل والعادات والثقافة، يؤثر في تشابه المواقف والصداقة والمصاهرة وغيره.

التربية والثقافة

لاحظ بعض علماء الاجتماع أن عدم المساواة بالثروة، أقل خطورة من عدم المساواة في التربية، وفي هذا يقول (كارنو) إن الثري الذي ينتمي لطبقة عليا ـ حتى وإن كان جاهلاً ـ يحتفظ من طفولته التي قضاها في وسط مستنير بأفكار عامة أولية وبدرجة من الامتياز باللغة والتعبير، يتعذر إدراكها عن طريق الدرس والتحصيل،

ويضرب علماء الاجتماع الذين هم من أنصار هذا الرأي، نموذج الفلاحين الروس، حتى لو كانت ممتلكاتهم واسعة وثمينة فهم لا يختلفون بتصرفاتهم وثقافتهم عن صغار الفلاحين.


ولهذا فإن هناك طبقات مثقفة وطبقات غير مثقفة، والنوع الأول يقدر العلم والثقافة ويوليها اهتماما خاصا، في حين أن النوع الثاني يراها لا تسمن ولا تغني من جوع وهي أسلوب يعتمد الحذلقة والنفاق.

مع ذلك، ورغم هذا العرض، فإنه توجد صعوبة كبيرة في تحديد مفهوم الطبقة حيث تتداخل العوامل السابقة في تكوين الطبقة.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 06-04-2015, 02:39 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

عوامل الصيت والنفوذ للطبقة


نستطيع أن نميز في كل مجتمع طبقات عليا وطبقات متوسطة وطبقات دنيا، ولكن الدور الاجتماعي الذي تقوم به كل طبقة وأهميتها الاجتماعية يختلف بشكل واضح باختلاف الزمان والمكان.

أحيانا يُعزى تفوق طبقة ما إلى النفوذ والصيت والثراء، كما كانت الحال في طبقة الأشراف في روما، أو كبار أمراء الإقطاع في العصر الوسيط، وأحيانا يرجع التفوق الى الصيت دون اعتبار للقوة أو المال، كما كان يحدث للفنانين الكبار في بداية عصر النهضة، أو ما نشاهده اليوم من انجذاب آلاف الأمريكيين للزواج من بنات بقايا طبقة النبلاء القديمين في أوروبا.

وتكون الثروة أحياناً جالبة للصيت، كما يحدث الآن من تسمية طبقات بملوك البترول أو ملوك الحديد، وما يتكون من وراء ذلك من نفوذ انتخابي أو غيره، وحتى هذه الظاهرة إذا لم يرافقها ثقافة عالية ورقة في التعامل وحب الاندماج بالمجتمع فإنها تلقى سخرية عالية من المجتمع حيث يطلقون على أصحابها (محدثي النعمة) و (تجار الحرب) و(تجار المخدرات) وغيرها..

الخدمات التي تؤديها المهنة

على قدر ما تعرف الطبقة الاجتماعية بوظيفتها يكون الصيت الذي تتمتع به منوطا بصيت المهنة. ويمكن رد صيت المهنة الى مصادر ثلاثة: قيمة الخدمات التي تؤديها، والربح الذي يحصل عليه من يمارسها والمشاعر الجمالية التي تولدها في نفوس من يقدرونها.

ويقدم لنا التاريخ نماذج لا حصر لها من حيث التنوع في المكان والزمان، فقد كانت الزراعة في اليونان القديم تعتلي كل الطبقات وأصحابها معززين مكرمين، في حين كان يُنظر للصناعيين والحرفيين نظرة احتقار واستصغار. وفي الصين ففي لوائحهم ترتيب لطبقات المجتمع من الأعلى الى الأسفل: الزرّاع ومنتجو الحبوب؛ زراع الأشجار والحدائق؛ الحطابون ومستغلو الغابات؛ المشتغلون بتربية المواشي والدواجن؛ التجار؛ الزوجات اللواتي ينسجن من الحرير والقنب والصوف؛ الخدم؛ وفي أسفل السلم المتشردون الذين ليس لهم حرفة ثابتة.

صيت المهنة عن طريق الثروة التي تجلبها

ينشّد الكثير من الناس الى الثروة، فترتفع مكانة الغني على مكانة الفقير، وتكون بنات الأغنياء محط أنظار طالبي الزواج، فالتاجر الغني أرفع مكانة من التاجر البسيط، وصاحب المزارع الكثيرة يتفوق على من له مزرعة بسيطة. وتختلف الحالة من بلد الى بلد، فيكون الثراء في البلاد الصناعية منوطا بحجم الصناعة التي ينتجها المعنيون، وفي البلاد الزراعية تختفي مكانة الصناعيين، وتبرز مكانة كبار الضباط في البلدان النامية والفقيرة والتي يكون فيها الحكم مشكوك في شرعيته.

صيت المهنة عن طريق الإعجاب بها

الشعور بالإعجاب الذي يتولد في نفوس الناس تجاه الذين يمارسون مهناً معينة يكون نتيجة إما نتيجة لما تتسم به من طابع جمالي، أو لما تتطلبه من صفات عقلية وخلقية، فالمهن التي تتسم بالقذارة تثير الاشمئزاز كمهنة عامل المجاري أو جامعي القمامة، فتعد مهنا منحطة إذا ما قيست مع مهن لا تلوث اليدين كمهن المكاتب وغيرها..

كذلك الحال، فإن المهن التي تستوجب الطاعة العمياء ولا يبين فيها العقل والابتكار، كعمال نقل التراب، وصبي عامل البناء وغيرها، بعكس المهن التي تعجب أنظار الآخرين كالحكام المحليين وضباط الجيش والقضاة والسفراء وغيرهم.

وبصرف النظر عن السلطة التي يتمتع بها الممتهن، فإن مهناً ما تحتاج لبعض الضروريات لترفع من شأن أصحابها، فالجندي يحتاج الإقدام والتضحية، والمهندس والطبيب والمحامي يحتاجون العلم والتمرين، والقاضي يحتاج النزاهة والحزم وعدم التردد، فتقاس أهمية كل واحد بقدر اكتمال ضرورياته المرافقة.

في جانب آخر، لا ينظر عموم الناس الى التجار نظرة ارتياح، بل هي نظرات مليئة بالشك والتخمين.

قوة السلاح

عندما يسود الاضطراب في بلد ما، ولا يرتجى من الدولة المركزية أن توقف هذا الاضطراب يتم اللجوء الى التسلح وتكوين (المليشيات) لتحمي مصالح الطبقة، هكذا كان يتم في العهد الروماني المضطرب، وعهد الحكم القاجاري في إيران، وقد تكون أيامنا الحاضرة في البلاد العربية خير شاهد.

قوة المال

تأتي قوة المال بعد قوة السلاح، وقد لوحظت في أيام لويس الرابع عشر عندما ترك حدائق قصر فرساي ليتمتع بها أصحاب المال عندما احتاجه منهم، وكذلك الحال في أواخر العهد العثماني. ومن يتمعن في الوقت الحاضر يرى طبقات تمول برامج انتخابية (في الولايات المتحدة مثلا) لتدفع بأكبر عدد من مرشحيها لصنع القرار الذي يخدم طبقتهم..

قوة العدد

والعدد مصدر ثالث من مصادر القوة، وإن كان العدد وحده غير كاف لإبراز تلك القوة فكم من الجيوش قليلة العدد هزم جيشا يفوقه بالعدد، ولكن في حالات الإضرابات عندما تحسن طبقة تنظيمها فإنها ستقترب من تحقيق أهدافها (العمال، المعلمون، الأطباء الخ)، كما أن العدد يكون حاسما في عمليات الاقتراع والتصويت وغيرها...

قوة الفكر

يشكل الفكر عاملاً هاما من عوامل تكوين النفوذ، وقد لوحظ كيف أن الفلاسفة في كل من ألمانيا وفرنسا قد مهدوا الطريق لتوحيدها وتحديثها، وهذا ما حدث أيضا في كل من روسيا واليابان..

وتشكل الصحف والكتب والمجلات والندوات والمسرحيات والآن وسائل التواصل الحديثة قنوات لنقل المجتمع من حالة إلى حالة..

ولن تحرك الأفكار (جناح بعوضة)، إلا إذا تناغمت مع عواطف الناس ورغباتهم فتسبق الأفكار الناس إذا عبرت عنهم فتقودهم، فأصحابها يكونون كقرون الاستشعار تتحسس ما يريده الناس، فتكون الأفكار كالمهماز تحرك الناس نحو هدفهم...
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 21-04-2015, 09:57 PM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل الثالث: تطور الطبقات..



تهيمن مسألة تنوع الوظائف والنشاطات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وبالذات العسكرية، على تكوين الطبقات، فتقسيم العمل بالمجتمع وتنوعه يؤدي الى تفاوت في إبراز أهمية الطبقة وتموضعها بالتراتب الاجتماعي.

علاقات التبعية

أول مظاهر حالات التبعية، هي تبعية رجل لرجل، ومن ثَمّ تبعية أسرة لأسرة، ونجد في التاريخ أمثلة على ذلك، حيث كان التمييز قائماً في روما بين الأشراف ومواليهم. فقد كان الأشراف يكونون أسراً تتجمع في وحدة اجتماعية تحت زعيم واحد هو (عاهل الأسرة Pater Familias)، وكان يُعد بالنسبة للموالي كما يُعد صاحب العمل اليوم (Le Patron). وفي الواقع كانت تتركز في يده جميع السلطات، فهو الكاهن والقاضي والمشرع والقائد العسكري في وقت الحرب.

كما أن الزعيم، هو من يدير أموال وأراضي الأسرة، وهو الذي يقدم القرابين أمام المذابح، وهو الذي يحكم بنفي أو التضحية بأحد أبناء الأسرة. ومهما يكن فرع الشريف فإنه بالإمكان أن يصبح زعيما..

أما الموالي، فالأمر يختلف كل الاختلاف، فهو مهما صعد فلن يجد في أسلافه إلا الموالي والعبيد، ويمكن أن يزرع الأرض بوصفه وكيلاً، ولكن لن يسمح له بامتلاكها..وعلى المولى والعبد أن يتبعا دين أسيادهم..

تبعية شعب الى شعب

وقد حدث في التاريخ أن تكونت العلاقات بين شعب وشعب، إثر غزو شعب لشعب آخر وتحويله كله أو جزء منه الى أرقاء وعبيد، يزرعوا ويعملوا لحساب الشعب الغازي (المنتصر). والأمثلة على ذلك كثيرة..

نتائج تقسيم العمل

الى جانب الظروف الاستثنائية كالحروب وغيرها، فإن تقسيم العمل سواء إداري أو إنتاجي، ففي جزائر (ساندويتش) مثلاً، وجدت في المجتمع أربع مراتب: الأولى للملك والعائلة المالكة، والثانية حكام الجزر ورؤساء التقسيمات الإدارية الكبرى؛ والثالثة رؤساء القرى والمناطق الذين يدفعون إيجارات ثابتة بدل استغلال الأراضي للطبقة التي هي أعلى منهم؛ أما المرتبة الرابعة، فهي صغار الفلاحين والصناع والموسيقيين وغيرهم.

وفي روسيا القيصرية، كان سكان الأرياف يعتنون بالزراعة، وسكان المدن بالصناعة والتجارة، في حين يكرس عمل الرهبان لخدمة الكنائس، أما الوظائف العامة (الحكومية) فكانت تقتصر على طبقة النبلاء، وكان في هذا التقسيم مرسوم صريح من القيصر.

تأثير النظم العسكرية

في بدء حياة كثير من المجتمعات وعلى الأخص اليونانية والرومانية والهندية، وجدت طبقة من الأرستقراطية العسكرية قوامها النبلاء الذين كانوا مرشحين بفضل مجدهم لتقلد المناصب العسكرية والوظائف الإدارية الكبرى، وهم من سلالات الأسر العريقة في أثينا والأشراف في روما وأمراء الإقطاع في أكثر من دولة.

لم تكن الدولة في العصور اليونانية القديمة أو الرومانية، هي من تسلح الجيش وتزوده بالخيل، بل كان الفرسان هم من يقوم بذلك،[وقد بقيت هذه الظاهرة في إيران لقبل تولي الشاه رضا بهلوي، أي مع انتهاء عصر ناصر شاه القاجاري].

وكانت القوانين في أثينا وروما تحظر على تلك الطبقة بالعمل بالتجارة، وعندما كانت تقوم الحروب، فمن لم يستطع إحضار جواد وسلاح وخوذة كانت تُناط به مهام أدنى كالتجديف بالسفن مثلاً، وكانت الفلسفة العامة لتلك النظرة أن من يملك من العقارات والأراضي والمزارع سيدافع عن ممتلكاته بقوة واندفاع بعكس من لا يملك شيئا ويُجبر على التجنيد.

تأثير النظم المدنية

لم تكن النظم العسكرية وحدها هي التي تصنع الطبقات، بل كانت النظم المدنية تقوم بذلك أيضاً، فظهرت في العصور الوسطى طبقة (القانونيين وموثقي العقود) وطبقة (الماجستيراه، والدكاترة) التي أصبحت بعد قرون درجة للشهادات الجامعية، وهي طبقة المثقفين من غير رجال الدين التي تجتهد في الارتقاء بالدولة علميا وصناعيا وسياسيا وفكريا. وقد تعاظمت تلك الطبقة حتى أحدثت في فرنسا الثورة الفرنسية المعروفة1789.

وقد أثرت تلك الطبقة ولا تزال في مسألة تعقيد التشريع وسن القوانين، تلك المسألة التي كانت قبل ظهور هذه الطبقة تتم ببساطة.

تأثير النظم الدينية

يقول (جيزو) في كتابه: تاريخ الحضارة الأوروبية أن المسيحيون الأوائل كانوا يجتمعون ليذوقوا لذة اتحادهم في العواطف والعقائد الدينية دون أن يكون لهم مجموعة من المذاهب المقررة والقواعد المنظمة أو هيئة من رجال الكهنوت.

لكن، ما لبث أن ظهر بين المسيحيين نوع من التنظيم، فظهر القسس أو القدماء (anciens ) والرعاة (serveillants) وخدام الكنيسة الذين كانوا يجمعون التبرعات ويوزعونها على الفقراء. ومع ذلك ظلت السلطة العليا في يد كتلة المؤمنين الذين يجتمعون في جمعية عامة (ecclesia) لانتخاب القسس والأساقفة، وما أن يأتي القرن الثالث الميلادي حتى كوّن القسس والأساقفة هيئة طائفية أخذت تحتكر كل ما يتصل بالعقيدة والوعظ والتعليم. وشكلت بذلك طبقة كانت منفصلة عن باقي المجتمع.


تأثير الثروة والثقافة

هما عاملان، قد يؤثرا وهما متحدين أو يؤثر كل منهما بتكوين الطبقة، لننظر أولا في أثر الثروة. فقد كان أغلب أمراء الإقطاع ممن كانوا يكونون الأرستقراطية العسكرية في العصور الوسطى ممن كانوا يملكون الأراضي الواسعة وهم بنفس الوقت من يتولى المناصب الإدارية الكبرى، كان لهم الحق بالتمتع بريع المزارع الكبيرة، لذا تكونت لديهم ثروات طائلة مكنتهم من تحصين قصورهم والإنفاق على حامية من الجنود، وإنشاء الاصطبلات للخيول والبغال وغيرها...

وأحيانا تكون الثروة وحدها عاملا في تكوين طبقة، كما كان عند التجار الذين يجوبون البحار ببواخرهم، فإنهم أثروا ثراء فاحشا في البرتغال واليونان وأنشئوا إسطبلات الخيل واشتركوا في المهرجانات وسباقات الخيل وغيرها.

وقد حدث في روسيا السوفيتية، عندما قرر (لينين) العودة للاقتصاد الحر بعد مجاعة عام 1921، بسبب تجميع كل الأراضي بيد الدولة، وعندما تمكن الفلاحون من السيطرة على السوق مرة أخرى عاد الشيوعيون واستولوا على منتجاتهم وشتتوا شملهم، لتعود ملكية الأرض للدولة.

وبالرغم من الزعم القائل عند السوفييت بإنهاء الطبقية، فقد كانت طبقة الكوادر الشيوعية تسكن الفلل الفخمة وتتمتع بالاستجمام وغيره من وسائل الرفاهية، في حين كان أكفأ الحرفيين غير الشيوعيين يعيشون في درجات أقل أهمية بعشرات المرات من كوادر الحزب.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 12-05-2015, 12:28 PM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الطبقات والحياة السياسية

عاب (بيرك Burke) في كتابه (خواطر عن الثورة الفرنسية ) على الدستور الذي أنشأه رجال الثورة عام 1789، أنه نظم العلاقات بين الناس، دون أن يشير الى مسألة الطبقات، وهذه المسألة هي التي ميزت الفكر السياسي الحديث عن الفكر السياسي القديم، فالقديم كان يشير الى الطبقات بوضوح ويضع نصوصه واضحة بما يتلاءم مع كل طبقة، في حين تجاهل الفكر السياسي الحديث موضوع الفواصل الطبقية، بينما يكرسها رجال الحكم بوضوح.

كان اليونانيون القدماء وبعد أن يستثنوا العبيد والأجانب، يقومون بتصنيف المجتمع حسب الدخل، فكان من يملك 500 (مديمنوس)*1 من القمح أو الحبوب، وهو ما يعادل 26 طن وكانوا يُسمون طبقة (أصحاب الخمسمائة مديمنوسLes penetacosiommedines)، يصنف كطبقة عليا يكون منها القادة والنبلاء، ومن يملك 300 (مديمنوس) يخدم في الفرسان وقد أطلق عليها طبقة الفرسان (Les chevaliers)، أما الطبقة الثالثة من الأحرار فهم من كان أحدهم يستطيع إطعام زوج من الماشية! ولذلك أُطلق عليهم اسم (أصحاب الزوج Les Zeugites) وكان هؤلاء يكونون سلاح المشاة، أما الطبقة الرابعة وهم من المعدمين، فهؤلاء كانوا معفيين من دفع الضرائب، ولكن لا يحق لهم الترشيح أو الانتخاب، وكانوا يستخدموا في تجذيف السفن في القتال..

أما في روما، فكان التقسيم يتم الى قسمين الأول من يتمتعون بالحقوق الكاملة (Cives Optimo jure) كالتملك والزواج ممن يريدون والترشيح والانتخاب، والحصول على الألقاب والمهام السياسية والإدارية والعسكرية العليا؛ والقسم الثاني ينقسم الى طائفتين، الأولى: أصحاب الحقوق المحدودة (Cives minuto ) الذين كانوا يتمتعون بحقوق الملكية، ولا يتمتعون بحق الزواج ممن هم في الطبقة الأولى، ويكون لهم حق التصويت دون حق الترشيح، ولم يكن لهم الحق في تسلم مناصب عالية في الدولة كالقضاء، أو مناصب دينية. أما الطائفة الثانية: فكانت تشمل المواطنين الذين لهم حقوق المواطنة لكن دون الحقوق السياسية (Cives Sine suffragio) .

يعني، قبل الثورة الفرنسية، كانت الدساتير والأعراف السياسية تراعي وضع الطبقات ليس في فرنسا وحدها بل في معظم دول أوروبا الكبرى والتي كانت تخطو خطوات واسعة لتحديث بناء الدولة. فكان لفئة النبلاء قانونها الخاص، فإذا مات الرجل النبيل، خلفه بالاسم ابنه الأكبر وحصل على ثلثي التركة، وإشارة النبيل والأوسمة وقصر الوالد، دون أخوته الصغار أو أخواته، ويتقسم ثلث التركة بين أفراد الورثة بالتساوي.

وكان النبلاء يعفون من بعض الضرائب، عدا ضريبة الحرب، وبالمقابل فكان بإمكانهم جباية الضرائب ممن حولهم من الرعايا. ولم يكن النبيل ليعاقب بالضرب بالسوط، في المخالفات العادية، كبقية أبناء المجتمع، وإذا حكم عليه بالإعدام نتيجة خيانة عظمى، فلا يموت بالشنق كبقية أبناء المجتمع المخالفين، بل بالمقصلة (قطع الرأس).

ورغم ندرة عقوبات النبلاء بالتاريخ الأوروبي، سواء بالإعدام أو بالغرامة، فكانت العقوبات التي توضع عليهم مضاعفة جداً، فغرامة النبيل 60 جنيها ذهبياً في حين غرامة المخالف العادي 60(صولدي: وهو 5% من الجنيه) أي أن عقوبة النبيل عشرون ضعف عقوبة المخالف العادي.

كان النبيل يفقد مكانته كرجل نبيل وإشارته وحقوقه، إذا عمل في التجارة أو الحرف اليدوية (عدا صناعة الزجاج)، وإذا قبل العمل عند أحد أو أراد التطوع في سلك الشرطة، فإنه يفقدها أيضاً.

النزعات السياسية للطبقات

مهما كانت درجة التنظيم السياسي للطبقات، وحتى لو كانت تلك الطبقات غير مُنَظمة سياسياً، فإنه لا يمنع من أن تكون لها أنواع من الطموح السياسي والاجتماعي.

وهذا ما يُستخلص من ملاحظة الحركات الدينية الكبرى، فالمسيحية التي بشّر بها القديس بولس في حوض البحر الأبيض المتوسط (جهة أوروبا) انتشرت بين أوساط العبيد والفقراء والمعدمين، في حين لم يرتح لها كبار الملاك والإقطاعيين ولا حتى سادة المجتمع من مختلف الأصناف.. وبعد أن اعتنق سادة المجتمع الديانة المسيحية حولوها لخدمتهم في البداية، وما أن انتشرت البروتستانتية حتى اعتنقها الفقراء دون الأغنياء مما جعل (باكل Buckle) يكتب أن الكاثوليكية هي دين الأغنياء والبروتستانتية دين الفقراء.

ولا تختلف العقائد السياسية عن الدينية، فالمحافظون يكرهون الأفكار الثورية والشيوعية ويكرهون الانقلابات، لأنها تهدد مصالحهم، والأقليات الدينية والعرقية تنضوي وتؤيد العقائد التي تدعو للأممية وترتفع عن الحواجز الضيقة كالعرق والطائفة، حيث لا يكون لهم نصيب فيها.

التصارع والنزاع بين الطبقات

إذا كانت الطبقات وليدة تقسيم العمل الاجتماعي الى حد كبير، فإن المنطق يفرض أن تتعايش تلك الطبقات فيما بينها بسلام وهدوء، ولكن الواقع يقول غير ذلك، فالطبقات تتصارع فيما بينها، ووراء ذلك الصراع الاختلاف بالعقائد أو أرضية التفكير والحكم المُسبق الذي تكون تجاه الطبقة الأخرى في مراحل سابقة.

فسكان القرى والأرياف، يكرهون سكان المدن وينظرون تجاههم بشك وعدم ارتياح، وطبعاً هذا له جذوره في أوروبا، فقادة البلاد يعيشون في المدن، وفي حالات الحرب يحشدون أبناء الريف للدفاع عن العرش والنظام السياسي، دون اعتبار لتعطيل مصالح أبناء الريف عندما يذهبون للجبهات..

ولم يكن الصراع في المدن بين النبلاء وبقية أبناء الشعب أقل وطأة، ففي فرنسا وقبيل الثورة الفرنسية ارتفعت الضرائب على الشعب من 1.2 مليون جنيه الى 80 مليون جنيه، لم يتحمل النبلاء جنيه واحد منها، إذ صدر مرسوم بإعفائهم.

وعموما، فإن الصراع بين الطبقات وراءه عاملين: الأول الظلم والضغط من قبل طبقة ضد أخرى، والثاني تيقظ شعور الطبقة المظلومة..

ويصف في حالة أخرى (فوستيل دي كولانج Fustel de coulanges ):
(حيثما وجدت التجارة فإن أرباحها تعود على الأغنياء بسبب المغالاة الفادحة في الأثمان، أما حيثما وجدت الصناعة فإن الصناع غالبيتهم من المسحوقين). وهذه المقولة تفسر لنا كيف تم رصف الناس في أوروبا منذ قرنين حول العقائد الماركسية وغيرها من العقائد التي قسمت المجتمعات طبقياً، ولا زالت آثارها حتى اليوم.

وقد مرت الصراعات بمحطات كُبرى رسمت في النهاية شكل الدولة، ففي بريطانيا بدأ الصراع من أجل إنهاء الملكية منذ 1640 وانتهى عام 1649 ليكون الملك يملك ولا يحكم، وسميت تلك الفترة بالنضال البرلماني..

وفي القرن العشرين انتشرت الخطابات السياسية التي أدخلت في نصوصها مسألة صراع الطبقات، ففي الصين وروسيا ظهر اسم العمال والفلاحين، [وفي منطقتنا العربية ظهرت الجماهير الكادحة تدليلا على العمال والفلاحين وهناك من ضم إليهم الجنود والطلبة].
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 31-05-2015, 02:14 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل الخامس: انحيازات الطبقات واتجاهاتها الخُلقية..

تقوم وراء الاتجاهات الخُلُقية العامة المشتركة بين جميع الطبقات اتجاهات خُلُقية تتميز بها كُلّ طبقة. فليست الواجبات الواحدة تتساوى في أهميتها بالنسبة لجميع الطبقات، كما أنها ليست على درجة واحدة من حيث طابع الإلزام. ولا تتمتع فضائل بعينها بقدرٍ واحدٍ من التقدير والاحترام لدى جميع الطبقات، وقُلْ مثل ذلك في الأحكام التي تصدرها الطبقات المختلفة على الأخطاء الخُلُقية فهي تتفاوت في درجة تسامحها أو قسوتها. وبهذا المعنى يمكن القول أن لكل طبقة طابعها الخُلُقي أو اتجاهها الخُلقي المميز لها.

الانحيازات

لاحظ علماء الاجتماع أن مُلاّك الأراضي، إذا ما حاولوا الدخول الى معترك التجارة فإنهم سيفلسون أو على الأقل سيصابون بخيبة كبيرة، فهم لم يتعودوا على تجميع الأرباح الصغيرة لينموا ثروتهم، فلذلك لا ينظر أبناء تلك الطبقة للتجارة نظرة ارتياح.

يغالي أبناء الطبقات بالتباهي بمهنهم أو خطوط اهتمامهم ويحاولون الحّط والاستخفاف من أبناء الطبقات الأخرى، ففي أحاديث الناس عن مهنة الطب أو الهندسة يكون فيها تفاخر واضح، فالفلاح بنظر أبناء هؤلاء جلف متخلف لا ذوق رفيع له. في حين ينظر أبناء الأرياف الى أبناء المدن على أنهم فاسدين ومنحلين خلقيا، ولا تدخل الثروة المالية هنا في الاعتبار.

وتمتد نظرة أبناء الأرستقراطيين الى مسألة الولاء للوطن، في أنهم هم أول من يحضر مراسم الاحتفالات وآخر من يسهم في عمل جاد كتنظيف الأحياء أو تزيين الساحات للاحتفال، فيعتبرون ذلك من الأعمال الدنية التي لا تتناسب مع ملابسهم وأناقتهم، فهي لأبناء الطبقات الدنيا وليس لهم.
وفي حين تستخدم سيدات البيوت الكثير من الخادمات في الأعمال الصغيرة، لكنهن لا يتأخرن عن القيام بأعمال الحياكة والتبرع بها للفقراء! وهكذا يعمل سادة البيوت من الأرستقراطيين عندما يقومون بأعمال غريبة، فلويس السادس عشر كان لا يتورع عن التباهي بصناعة الأقفال بنفسه.

ومن خلال تلك النظرة، فإن الاتجاه لتزويج بنات الأرستقراطيين وكبار البرجوازيين قد يكون من موظف بسيط أنيق من عائلة معروفة، ولكن لن يكون من حِرفي ناجح بالصناعة ويكسب أضعاف ذلك الموظف.

وتذهب النزعة الأخلاقية عند الفرسان وكبار الإقطاعيين رفضهم التقاضي أمام المحاكم مع أناسٍ عاديين، حتى لو كان الحق لجانبهم، بل يقولون: سنأخذ حقنا بأيدينا [ هذه النزعة لا تزال ماثلة في منطقتنا العربية].

المظهر وقواعد اللياقة

سادت في القرن الثامن عشر قواعد (الإتيكيت) كتقبيل يد السيدة أو الفتاة والانحناءة والتكلم بصوت منخفض، والظهور بملبس متميز من ربطة عنق وفراشة وغيرها من الإضافات التي توضع في الجيبة العليا أو على الصدر، والريش وغيرها التي كانت توضع على القبعات،وعادات رصف المادة وأساليب تناول الطعام، هذا في الطبقات العليا في أوروبا، في حين كانت الطبقات الدنيا تنظر لأولئك بنظرة احتقار واعتبار ذلك حذلقة لا طائل منها.

عندما جاءت الثورة الفرنسية، واستبدلت الألقاب بين الناس فلا نبيل ولا فارس ولا غيره، وكان كل إنسان يُسمى (مواطن)، زرعت غصة كبيرة في نفوس أبناء الطبقات العليا... ولكن حلت محلها عادات تعبر عن تلك الطبقات بشيء واضح من الرذيلة في بعض الأحيان، فالحديث عن خليلة وعشيقة كان يُعد من صفات التمجيد والتباهي، فكلما زادت عشيقات الفرد كلما زادت (نياشينه!).

كان يلاحظ أن ركاب الدرجة الثالثة في القطارات بالغرب يتقاسمون اللقمة في رحلتهم، ويضحكون بصوت عالٍ، في حين كان ركاب الدرجة الأولى ينظرون الى هؤلاء وكأنهم رعاع همج.

الصفات والفضائل

عادة ما تكون صفة مقاومة المرء لما يُعرض عليه من بوادر أنانية، ويهيمن على نفسه، ويبذل جهداً كبيراً لكي يرضي الآخرين ويتجنب مضايقتهم. وبهذا المعنى يكون التأدب فضيلة الى حدٍ ما.

وتذهب الطبقات العليا الى اعتبار الحفاظ على أمن الدولة من اختصاصها، وتزعم بأنها تسعى لتخفيف البؤس عن طبقات الشعب الدنيا، وتعتبر دورها في تنوير بصائر الأفراد من أجل إعدادهم لخدمة الدولة. وصفات الولاء للدولة وحب الخير للجميع تتوزع بين الطبقات بدرجات متفاوتة.

فالتجار ورجال الصناعة، لا يتوانوا قط عن انتهاز فرص الكوارث والقلاقل في استغلال طالبين سلعهم، فهي فرصتهم. كما أن عدم الاهتمام بمصالح الوطن العليا والاهتمام بمصالح الفئة والطبقة نجدها عند الطبقة العاملة. أما الرغبة في العيش عالة على الآخرين والسعي الى كسب المال دون عمل، والاعتماد على الدسائس والمحسوبية والاتصالات السياسية من أجل الوصول الى الغرض، فنجدها عند حثالة البرجوازية أو حثالة الشعب.

التأثير الثقافي المتبادل بين الطبقات

إن التأثير المتبادل بين الطبقات ليس محض خيال، فلوحظ أن الطبقات التي تقدمت صفوف الشعب لقرون طويلة، حافظت على تقاليدها، وتركت في الأجيال التي تلتها رموزا بقيت ماثلة في الكتب والروايات والشعر وغيرها، وكانت مثل تلك الرموز مصدر فخر واعتزاز لمن يتصل بها في القربى، وأصبحت نماذج يُحتذى بها من قبل الطامحين لاعتلاء مواقع التقدم، ولا يقتصر هذا الشعور على أبناء طبقة بعينها، بل يتسلل الى باقي طبقات الشعب، من خلال المدرسين والرواة وغيرهم.

انتهى عرض الكتاب
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .