العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة القصـة والقصيـدة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية على المريخ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث العقد النفسية ورعب الحياة الواقعية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خوارزمية القرآن وخوارزمية النبوة يكشفان كذب القرآنيين (آيتان من القرآن وحديث للنبي ص (آخر رد :محمد محمد البقاش)       :: نظرات في مقال السؤال الملغوم .. أشهر المغالطات المنطقيّة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال البشر والحضارة ... كيف وصلنا إلى هنا؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال التسونامي والبراكين والزلازل أسلحة الطبيعة المدمرة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال الساعة ونهاية العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: نظرات في مقال معلومات قد لا تعرفها عن الموت (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 26-11-2011, 02:31 PM   #11
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(31)

لم يبقَ على علوان إلا أن يعلن عن نظريةٍ ظن أنه هو أول من اكتشفها، نظرية تتعلق بالغربة والألفة، فمدة مكوثه في بلده كانت وكأنها فترة لكسر رقم قياسي في البقاء في مكان لا يرتاح فيه، كالغوص تحت الماء، أو التهام كمية من طعام رديء المذاق، أو مجالسة سفهاء، أو المراهنة على عد أكبر كمية من رمال الصحراء..

كان تواقاً للعودة الى المدينة التي فيها جامعته، وقد قرر في سره أن لن يغادرها بعد تلك المرة، فالمجالسة فيها أكثر متعة والوقت فيها لا يتشابه مع سابقه، فالنمو فيها أكثر اتزاناً وأكثر فائدة...

أما الهواء الذي يتنفسه، فكان عنده ليس تلك الغازات المنتشرة في الفضاء وليس نقائها وجودتها بزيادة نسبة الأكسجين بها، بل كان عنده مختلفاً باختلاف من يخالطهم، فهذا ابن تونس وينتهي اسمه ب (اللومي) وهذا ابن اليمن الجنوبي و ينتهي اسمه ب (با مدهاف) وهذا ابن البحرين وينتهي اسمه ب (الزياني) وهذا ابن سوريا وينتهي ب (الدقاق)، وهذا ابن العراق وينتهي ب (الجبوري) وأسماء كثيرة من كل بلدٍ ومدينة، كانت رئتاه تتمدد الى لا حد، لتستوعب كل ما يصادفها..

هناك فرقٌ أن يعيش الشخص بوسطٍ مكون من عشرة آلاف نسمة، قد يكونوا أبناء جِدٍ واحد أو أبناء خمسة جدود، تناقلوا خبراتهم وثقافاتهم فيما بينهم، فأصبح الأمر محكوما عليه بمساره، وبين عشرة آلاف أتوا من عشرة آلاف جدٍ جاوروا أجداداً غيرهم، فكما أن كل أمة تجر وراءها آلاف السنين المليئة بالخبرات والمعارف غير المدونة في كتب، فهؤلاء الخلطاء الجدد يعتبروا منجماً لتعزيز الثقافة المطلوبة لتكوين الشخصية التي كان يتوق لها علوان.

وحتى لا يكون مملاً وغير مقبولاً عند مقابلة أمثال هؤلاء، كان يجدد في مطالعاته وقراءاته ليحملها (زوَّادة) للتفاعل مع هؤلاء، وهذا سيكون رافداً عظيما آخر لحقن ذاته.

(32)

لاحظ مسئولوه همته وحبه لأدائه في مهامه التنظيمية، فأوصوا بإدخاله دورة للقيادات الوسطى، فبعد أن كان يمارس مسئولية تسع حلقات في الأسبوع الواحد، أضيفت عليه مهمة جديدة وهي الخضوع لدورة مكثفة، حاضر فيها أساتذة جامعات ممن آمنوا بفكر الحزب، ومفكرون كِبار، وتناولت مواضيعها شؤونا مختلفة بين السلوك اليومي والانضباط والاحتراف وكتلة عدم الانحياز والاشتراكية والنهوض وحيوية الفكر الخ.

وفي مساء ذات يوم، جاءه أحدهم يحمل حقيبة مملوءة بأشياء، وأخبره بأن عليه حمل تلك الحقيبة الى خارج الحدود، ودونما أن يعبر بتأشيرة جواز سفر، وأعطاه كلمة سر، سيقابله أحدهم خارج الحدود، ليستلم الحقيبة منه، وحذره من عدم محاولة فتح الحقيبة، وأن الانطلاق سيكون من موقف السيارات في الساعة كذا ...

ذهب في اليوم المحدد، والساعة المحددة الى موقف السيارات حاملاً الحقيبة معه، وما أن حَكَم الوقت، حتى أقبل من أعطاه الحقيبة مبتسماً، وقال له: هاتِ الحقيبة، لقد أُلغيت المهمة، تهانينا: لقد نجحت في الاختبار!

لكنه غافل صاحبه ولاذ، ثم استقل سيارة الى منطقة الحدود وعبر الحدود دون تأشيرة، ودون الحقيبة، وبات ليلة رأس السنة في المدينة الحدودية ثم عاد في اليوم التالي، وعندما فاتحه المسئول بذلك، أجاب: كنت بحاجة الى ذلك الاختبار من تلقاء ذاتي..


(33)

تم تبليغ علوان بموعد ومكان حفل ترديد قَسم المرحلة الجديدة ، وذلك بعد أن أكمل خمس سنوات في مراحل ما قبل ذلك، وتم تبليغه بأنه سيحضر الحفل مسئول حزبي كبير.

كان هناك نقاطٌ للتفتيش، مُقامة على كل تقاطع من شوارع فرعية خلت من الباعة والأطفال وحتى الناس، وحُرَّاس يلبسون ملابس تختلف عن ملابس الجيش والشرطة، ومعهم أجهزة اتصالات كالتي مع عمال تفجير الصخور في الجبال. لم يفتشوا أحداً، ولكن يبدو أنهم تعرفوا على المدعوين قبل وصولهم لنقاط التفتيش.

عند مدخل البهو كان هناك شبان سمر يقفون على جهتي المدخل الواسع، يلبسون بدلات رمادية، ويشبكون أزرار ستراتها الوسطى، ويقفون بوقفة استعداد فارجي سيقانهم قليلاً، كانوا يبدون كأنهم فريق كرة قدم أستدعي لتكريمه.

سار بجانب علوان شابٌ من طاقم الاحتفال مبتسماً ابتسامة رسمية، وأعلمه مكان جلوسه، جلس بجانب شابٍ آخر لا يعرف اسمه ولا من أي منطقة جاء.

تأمل المكان الهادئ، فالمنصة لا زالت خالية من رعاة الاحتفال، والكل في حالة سكون وترقب. أشغل نفسه بتخمين ارتفاع البهو، عشرة أمتار، أكثر قليلاً، ثم بعرضه وطوله، وقراءة الشعارات المكتوبة (فلسطين طريق الوحدة.. والوحدة طريق فلسطين)، (نفط العرب للعرب)، (لا حرية بلا تحرر)، (الشهداء أكرم منا جميعاً)، (الزراعة بديل النفط)..

دخل رعاة الحفل القاعة، فنهض الجميع، وكان نهوضهم كقرقعة سلاحٍ تهيأ للرماية، كان الجو مهيباً، وكان الحضور يجلسون برضا واستعداد وكأنهم نُذروا لتخليص الأمة من ويلاتها...

لم يشاهد الكثيرين ممن حضروا الدورة المكثفة، هل لأنهم خافوا أن يعبروا الحدود، أم أن مهامهم كانت مختلفة؟ ومن يدري هل أفشى بعض المسئولين سر الاختبار بأنه وهمي لبعض من جرى عليهم الاختبار؟

حلَّ عليه شعورٌ غريب وهو يستمع لكلمات (كرنفالية)، هل هيبة الجالسين على المنصة قد استمدت من الحراس والشوارع الملتوية، وغرابة المكان؟ أم أنها استمدت من خضوع هؤلاء الأتباع ومظاهر استعدادهم للولاء والدفاع عن المبادئ؟ ماذا لو كان مثل هذا الاجتماع لم ترعاه دولة قائمة؟ ماذا لو كان الدخول للبهو قد جاء بدون حرَّاس وبدون اختبارات وهمية؟ هل ستبقى درجة ولاء هؤلاء الجالسين كما هي؟
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 11-12-2011, 10:40 AM   #12
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(34)

طلب علوان من سائق (تكسي ) أن يوصله الى أطراف الغابة، سأله السائق: الى أين بالضبط؟ لم يجبه، ظن السائق أن صاحبه سيتجه لاحتساء الخمر في كازينو قريب من الغابة، لكن هيئته ووقت العصر لا يرجحان ذلك الاحتمال، لم يتكلم معه كثيراً، رغم أنه أعدَّ سلسلة من الأسئلة، كانت تغور في بلعومه قبل أن تتحول لكلامٍ منطوق، كما أنه قد تجاوز مكان الكازينو، دون أن يبطئ من سرعته، بعد عدة كيلومترات... طلب منه التوقف، وناوله أجرته...

لم يكن باستطاعة أي فريقٍ من المختصين أن يتعرفوا على مسحة الوجوم والحيرة التي وسمت وجه علوان، وهو يرمي بقطع من الحصى في مياه النهر الجاري تحت الصخرة التي جلس فوقها... كان الطقس أكثر ميلاً للبرودة قبل حلول الربيع بقليل..

جلس فوق صخرة تعتلي النهر قليلاً وأخذ يراقب الموجات المتتابعة التي كانت تشتت أثر الدوائر الناتجة من سقوط الحصى التي يرميها، وأشعة الشمس تلعق بسطح الماء فتزيل النتوءات البسيطة المتلاحقة من الماء والحصى.. هل تعطش أشعة الشمس لتلعق وجه (روجات) النهر؟ هل تخزنها في معدة السماء لتعود بنثرها كأمطار في موسم آخر؟ هل تنزل نفس القطرات في نفس المكان، هل تتعرف تلك القطرات على ما كان يحاذيها من قطرات أخرى؟ هل للماء مجتمع كمجتمعاتنا يحن الأفراد فيه الى بعض، ويتخاصمون كما يتخاصم أفراد مجتمعاتنا؟ هل تتكلم قطرات الماء أو حتى النهر؟ أصاخ سمعه.. نعم إنها تتكلم! فالهسيس الذي تحدثه ثم تكسره أصواتٌ أعلى بين حين وآخر لا بُد أن يكون كلاماً أو غناءً، ولماذا لا تتكلم وهي أم لكل أشكال الحياة؟

كانت ذكريات عشر سنوات تتشابك مع تأملاته في الماء، فكان خلالها أحداثٌ كثيرة، استقلال كثير من دول الخليج، تأميم النفط العراقي، اغتيال ثلاثة من قادة منظمة التحرير الفلسطينية، (كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار) وانقلاب على (سلفادور الليندي) في تشيلي، وحرب تشرين، وزواجه من فتحية ابنة عمه قدري، وولادة ابنته وابنه، واتفاقية كامب ديفيد، وبدايات الحرب العراقية الإيرانية...

كانت نصف المدة التي قضاها في حالة صعود، ليس عنده بل عند كل من كان يعرفهم، فقد كان الجميع يشعر أنه قد اقترب من تحقيق أهدافه، كثيرٌ ممن كان يعرفهم تطوع الى ساحات القتال في لبنان وفلسطين، وبعضهم استشهد هناك أو في زنازين دولهم... لم تكن تنقصهم الروح الوثَّابة، كانوا سعداء فيما يقومون به. أما نصف المدة الأخرى، فكانت تنبئ بأشياء لم يرتح لها كثيراً، بل كان يتمنى العمل على تصويبها، وإن كانت لم تؤثر على قناعاته، لكنها كانت تخيفه في بعض الأحيان...

عاد معظم الطلبة العرب الى بلدانهم بعد تخرجهم، وكان كلما يبتعد أحدهم يقل رصيده من مخزون الذكريات، ويتساءل هل ممكن له أن يتواصل معهم؟ أم أن احتمالية ذلك لا تزيد على احتمالية التقاء قطرات مياه النهر في دورتها الأزلية؟ وآن له أن يعود...

(35)

تناقل أبناء البلدة خبر اعتقال علوان...
وأخذوا يتساءلون: كيف عاد؟ ولماذا عاد؟ وأين ذهبت زوجته؟ ألم يقل أهله أنه تزوج من ابنة عمه قدري (فتحية)، متى كان ذلك؟ لم نحضر الزفاف، ألم يقل أهله أنه رُزق ببنت وولد؟ أين ذهبا؟

وتأتي اجتهادات البعض بالإجابة.. إنه وقبل أن يسافر المرة الأخيرة قبل ست سنوات، أتاه عمه قدري، وأخبره أن هناك من تقدم لخطبة فتحية، فبادر وقال له أنا سأتزوجها يا عم.. فعقد قرانه عليها، وبعد أن عُلم أنه مطلوب للمخابرات، تم إرسال فتحية إليه مع والدته، بعد أن أقاموا له عرساً دون أن يحضره.. ويضيف البعض أنه سمع أنه قد ذهب بها الى بريطانيا لعلاجها، عندما اكتشفوا أنها تعاني من مرضٍ خطير، وقد صرفت لهما الدولة التي كان يقيم بها جوازان للسفر، وذهبت والدته لإحضار الطفلين قبل سفره لبريطانيا...

وكعادة أهل الأرياف، كان كل واحد يهتم بمعرفة التفاصيل الدقيقة، وإن لم تكن تلك التفاصيل مهمة وتجعل من يستمع إليها مشدوداً، فإن من يروي يتطوع لإضافة ما يجعل قصته مهمة وأن لديه سبقاً صحفياً يمتاز به على غيره... كانوا يقومون بذلك حتى عند روايات الموت، حيث يصبح الميت أشهر من روَّاد الفضاء، ولكن لمدة يومين أو ثلاثة، ثم يُركن في زوايا النسيان...

(36)

دائرة المخابرات تأخذ شكلاً من أشكال قوتها مما يُحاك حولها من قصص، ربما تخترعها هي، فالرعب يملأ نفوس من يودعوا فيها أو يُطلبوا لها طائعين أو مكرهين، يبقى كذلك، حتى يؤول مصيرهم داخلها، فإما أن ينهاروا منذ اللحظة الأولى، وإما أن يتكيفوا كتكيف امرأة ريفية وشمت وجهها..

كانت الممرات المؤدية إليها قد صممها مهندسون خصوصيون لتكون كاختبارات متصاعدة في صعوبتها، لتزلزل تماسك من يدخلها، وكان في داخل تلك المحطات المرحلية الصغيرة مَن يرصد ردة فعل المطلوب الجديد، لتعين المُحققين على اختيار منفذ لسبر أغوار (زبونهم) الجديد..

بعد أن اقتيد علوان وُضع في قاعة انتظار أو اختبار أولي، يزيد عرضها عن عشرة أمتار، أما طولها فكان خمسة أمتار!. جلس مع المطلوبين المنتظرين على مقاعد خشبية أمام (كاونتر) طويل يتكون من مستويين من السطوح، السطح المنخفض يضع عليه الموظفون المستقبلون أوراقاً لا يراها من يجلس أمامهم، وسطح مرتفع لا يسمح للمنتظرين برؤية أشكال الموظفين الذين أمامهم، فإن أخفض الموظف بصره، فإن المنتظرين يرون قمة رأسه من الخلف، وإن رفع بصره، فإنهم سيرون عينين تلمعان، ومنتصف الأنف من الأعلى...

كان الجلوس في قاعة الانتظار هو لمعرفة تماسك الزبون في ظاهرة التَبَوُّل وشرود الذهن، فإن نقل ساقيه شمالاً ويميناً، فإن رغبته بالتبول تفضح تماسكه، وإن طلب الذهاب الى الحمام، فهو إشارة على أنه سيوقع على أي وثيقة يريدها المحقق منه...

كان موظفو الاستقبال يحترفون قنص مثل تلك الإشارات، وأحياناً يكتفون بها دون جولات التحقيق، فالمطلوب الذي يبقونه من الصباح الى الثانية ظهراً، يأمرونه بالانصراف والعودة في اليوم التالي، ويتركونه لتفاعلاته الداخلية، عدة أيام متكررة، حتى يطالبهم (هو) بالتطوع للعمل معهم أو الاعتراف بأي تهمة حتى لو كان يعلم براءته منها...

كان علوان، يعلم تلك التصرفات من خلال التدرب عليها، ليس هو فقط بل كل من كان بمستواه حزبياً، ويتعاملون معها بشكل طبيعي... وقد اكتشف موظفو الاستقبال تلك الحالة، عندما دخل مطلوبٌ آخر من رفاقه، لم يره منذ مدة طويلة، فقام وصافحه وعانقه، وسأل أحدهما الآخر عن أحواله. تدخل أحد الموظفين ناهراً لهما وطالبهما بالصمت، فبادر رفيقه بالرد على الموظف: وهل نحن بقاعة امتحانات حتى نصمت؟ هنا، أمر الموظف بتحويلهما الى الداخل، حتى لا يخدشا هيبة المكان...
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 20-12-2011, 11:20 PM   #13
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(37)

أمره أن يُخرج يديه من جيبي معطفه، بصوتٍ مليء بالشوائب، لم يكن بعيداً منه أكثر من خطوة واحدة من الخلف. سار أمام من ينهره في ممرٍ مُضاء كهربائياً،لا نوافذ ولا أبواب تُفضي إليه، وبانحدارٍ مسحور لم يلحظ أنه انحداراً، حتى وصل الى غرفة تبدو وكأنها مخزناً للأمانات، يجلس عند بابها ثلاثة أفراد، خصص واحدٌ منهم لتلك المهمة.

طلب منه الموظف المختص، تسليم ملابسه، وحزامه والنقود التي في جيوبه، وعلبة لفائف التبغ والمقدحة، وساعة اليد، والتوقيع على تسليمها، وارتدى الملابس التي تعطى للنزلاء الجدد، واقتاده من أحضره الى زنزانة طولها أكثر من ثلاثة أمتار بقليل وعرضها يكاد أن يصل الى مترين، ولها بابٌ صُنع من القضبان الحديدية الثخينة، احتل واجهتها الأمامية بشكل كامل، فيها سريران ثُبِّت أحدهما فوق الآخر. فتح قفلها حارس يرتدي ملابس عسكرية، وأشار إليه أن يدخل..

كان كل سرير مُغطى ببطانية من القطن القاتم، وتتقدم طرفه مخدة، وطُويت بطانية أخرى من نفس النوع لتُشعر النزيل أنها للغطاء إذا ما أراد النوم.

تمر لحظات التكيف ببطءٍ شديد، بينما تتزاحم الأفكار والصور والذكريات بسرعة البرق، فتتداخل لتشكل صوراً كأنها رسمت بألوان متضادة، على صفائح من مادة بلاستيكية شفافة، وعندما توضع فوق بعض لا يكاد يميز أي صورة منها، وإن أزاح صفيحة الى جنب لن تقل ضبابية الصور المعكرة ولكنها ستزداد تشويشاً..

انتبه في لحظة استراحة من التشويش، فلمح نسختين من القرآن الكريم وضعتا في زاوية الزنزانة... تناول واحدة، وفتح الكتاب لا على التعيين، وبقي كذلك دون أن يقرأ كلمة واحدة، كان الهدوء والصمت مبالغ فيهما، ولو أراد التنصت على صوت جريان الدم في عروقه، لسمعه بكل وضوح...

كسرت حاجز الصمت أصواتٌ لولولات ورجاء تصدر من مكانٍ لم يعرف بعده عنه، يتخللها وقع أصوات عصي على جسم المولول.

جاء الحارس مع المرافق المخصص لاقتياد النزلاء ومعهما نزيل آخر، أدخلاه الى نفس الزنزانة، كان شاباً منعماً حسن الوجه مبتسماً، عرف بنفسه مهندس إلكترونيات (هُمام) خِريج كندا. لكنه شارك علوان الهواجس، فعندما رأى كلٌ منهما الآخر ظن به ظناً غريباً، فقد يكون أحدهما متعاوناً مع المخابرات جيء به ليساعد في سبر أغوار الآخر.

(38)

طرق الجندي باب غرفة التحقيق، وأدى التحية وانصرف..
لم يطرح علوان التحية على محقق ضئيل الحجم، قَلَّم شاربه وتدرب على نفخ شفته العُليا، وكأنه يتقمص شخصية نَذَر نفسه لخدمتها. وكان بجانبه مساعدٌ بدا وكأنه في أول محاولة من محاولات القيام بمثل تلك المهمة، كان المحقق يتعامل معه كطقم أسنان ركبه صاحبه لأول مرة، فلم يكن متيقناً من أن هذا الطقم سيقضم الطعام ويقطعه كما في حالة الأسنان الطبيعية...

لم يرتح علوان للمُحقق كما لم يرتح المحقق له، فقد دبَّت الكراهية فيما بينهما منذ اللحظة الأولى... كان في الغرفة منضدة يتوسطها كرسي يجلس عليه المحقق وكرسي بجانبه اليمين يجلس عليه المساعد (طقم الأسنان)، وكرسي يبعد عنهما بالمقابل بحوالي خطوتين..

أشار المحقق لعلوان أن يجلس على الكرسي، فجلس، فبادر بنهره بصوت عالٍ: اقعد (مليح)..

نهض علوان عن الكرسي وقال: أرني كيف أجلس حتى لا تصبح تلك قضية تشغل نفسك بها...

تدخل المساعد: هل ترى سيدي مدى وقاحته؟
رمقه علوان بنظرة استمرت للحظات قال فيها الكثير دون أن يتكلم..
المحقق: وجهك مبين وجه واحد يبحث عن (الرزالة)..
علوان: ليس بيني وبينك قضية شخصية، لا على طلاق أخت، ولا على إفراز أرض، وأنا أبعد عنك خطوتين وسمعي جيد، فلا تراهن على تعميم أساليبك على الجميع، قم بمسئوليتك بمنتهى المهنية سأتعامل معك بما هو داخل نطاق القانون.
المحقق: يشتم قيادات الحزب فرداً فردا، ويهدد! في مكانك هذا جلس فلان، هل تعرفه؟ وفلان وعدد مجموعة أسماء...
ابتسم علوان دون أن يعلق..
ـ لماذا تبتسم؟
ـ أبتسم لأنني غبت عن هذه البلاد أكثر من عشر سنين، دون أن أشتم أحداً..
ـ طبعاً، لأنه بلدك، وقيادته، قيادتك
ـ القضية مختلفة!
غير المحقق لهجته: ماذا عملت لكم الدولة آل (علوان): أليس سليمان بك قرابتك؟ و أليس فلان وفلان من أقاربك؟
ـ وما علاقة ذلك بما نحن فيه؟
ـ شكلك تعبان والسهر مؤثر عليك، (انقلع) لزنزانتك وسنكمل فيما بعد..

(39)

سأله همام: كيف كانت جلسة التحقيق؟
ـ عادية.. في بلدٍ مثل بلدنا، ورغم أن الجندي يتلذذ في اقتياد المثقفين، والمحقق يتلذذ في التأسد عليهم، حتى الحلاق والحارس، أراه يتمتع وهو يجبر النزلاء على تنظيف قضبان بوابة الزنزانة بالديزل، ومسح الممرات، فإن في داخل كل واحدٍ منهم رجل مهزوم مسكون في مخاوف لا أعلمها... أنظر: أنا وأنت وكل نزيل له اسم ثلاثي وربما رباعي، واسم والدته وزوجته وأمه... أما هؤلاء، فإنهم ينادونهم (حجي) ( بيك) الخ... ربما يخافون من أن أهل النزيل سيبعثون له بأزعر للاقتصاص منه...

همام: لا أظن ذلك، بالتأكيد، فأنا هنا منذ ثلاثة أشهر، هم يخشون من الصليب الأحمر، فزيارات أفراده تتم كل شهرٍ مرة، قبل أن تأتي أنت بيوم تمت زيارة الصليب الأحمر، ولكنهم لا يعرضون كل النزلاء على المفتشين، فمن أرادوا أن يفرجوا عنه يتركون له فرصة لمقابلة المفتشين، وكما هو معروف التوقيف دون محاكمة مسموح به دولياً شهراً واحداً، وبعده عليهم إما الإفراج عنه وإما تحويله للمحكمة...

علوان: ألم ترَ مفتشي الصليب الأحمر؟
همام: كلا، فهناك طابق تحت هذا الطابق، يُرحل إليه الذين لا تريد المخابرات عرضهم على الصليب الأحمر، وأنا منهم.

كان علوان أقرب للقبول بتصديق ما قاله شريكه في الزنزانة..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 27-12-2011, 11:29 AM   #14
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(40)

مَثُل علوان أمام المحقق الأول، ولكن لم يكن مُساعده (طقم الأسنان) موجوداً، بل كان هناك شخص ضخم حليق الشوارب، وجهه يبعث على عدم النفور..

المحقق الأول: نحن يا علوان، لا نضغط على أحد، ولا نجبره على قول ما لا يريد، ويبدو أنك لم ترتح خلال أسبوع لأسلوبي، فسيكون معك أحد أفضل شبابنا ونتمنى أن تكون متعاوناً، حتى تغادر الى أهلك... ثم نهض المحقق الأول مغادراً..

المحقق الثاني بصوتٍ ودود منخفض رغم ضخامة صاحبه: أهلاً وسهلاً.. كما أنك يا علوان تعمل مهندساً، فأنا أعمل ضابطاً في المخابرات، ليس بيني وبينك قضية شخصية، فأرجو أن تكون متعاوناً، هل تدخن؟
ـ نعم..
ـ ناوله سيجارة، وسأله عن كيفية قهوته، فأجاب..
ـ هناك من يأخذ زينته وهيبته من كرسيه، وهناك من يعطي كرسيه الزينة والهيبة، فحضرتكم تعطي للكرسي هيبة مهنية، في حين صاحبكم كان يلتمس تلك الهيبة من كرسيه..
ـ دعنا من موضوع الكراسي، نحن نعلم أن عملك الحزبي كان مع منظمات عربية، لا تهمنا الأسماء فيها، لأننا لو سألناك عن تلك الأسماء لغيرت وبدلت فيها، وعندها يصعب علينا متابعة تدقيق مثل تلك الأسماء، ولكن ماذا عن رئاسة اتحاد الطلبة لسنتين، وماذا عن إخراجك مسرحية (من هو العبد؟)..
ـ كل ما وردكم صحيح..
ـ ماذا عن استنكارك للانتساب للحزب؟
ـ لن أستنكر، وإذا خرجت من هنا، وتم الاتصال بي، لَلَبَيْتُّ النداء..
ـ هذا سيعرضك، لاعتقال آخر، فأنت تعلم أن حزبكم ممنوع في البلاد..
ـ امسك (الجمل) وخذ (باجه)
طلب المحقق الثاني من المرافق أن يودعه زنزانته..

(41)

لم تكن الثقة قد حلت بين هُمام وعلوان، فكانا يمضيان وقتهما بهمسٍ عندما يجلسان على أرض الزنزانة، فوق أحد البطانيات، يلعبان لعبة الأحرف كل يوم: أسماء دول تبدأ بحرف الكاف، أسماء عواصم تبدأ بحرف الباء، أسماء رؤساء جمهورية لبنان منذ تأسيسها، أسماء أنهر، أنواع ساعات، الخ. كان صوت كل منهما بالكاد يصل الى أذني جليسه، ولكنهما كان يستعملان أصابعهما في عد المطلوب بالسؤال..

كان أحد الحراس يتلصص عليهما، علَّه يستمع لشيء مفيد يرقي رتبته، فأحياناً يلمحا طرف رأسه على ارتفاع شبر من جانب بوابة الزنزانة، وأحياناً في منتصف ارتفاعها، فتزيد متعتهما بذلك..

الحارس: ماذا تعد أنت وهو؟
ـ لا شأن لك بذلك، وهل يمنع استعمال الأصابع في الحديث..
كان يغضب، فيخرجهما لمسح أرضية الحمامات، أو الممرات بين الزنزانات، أو غسل أواني المساجين، كانا يتمتعان في تلك العقوبة لتحريك أرجلهما، فالمسافة بين السريرين والحائط المقابل لا تكفي لتنشيط الدورة الدموية..

لم يكن بإمكانهما معرفة الوقت على وجه التعيين، إلا إذا صاح أحد الحراس أن وقت الصلاة قد دخل، فلا الشمس تصل الى الطابق السفلي، ولا ساعة مع النزيل لمعرفة الوقت، حتى الأيام كانا يعرفانها بواسطة برنامج العشاء (كوسى مع بيض: الأربعاء. زيت وزعتر: الثلاثاء، حمص بطحينة الخميس وهكذا). أما الأشهر، فكانت تُعرف من خلال زيارة (الصليب الأحمر أو حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة)...

(42)

في الصباح الباكر، أخرج الحُرَّاس همام، فظن علوان أن وفد حقوق الإنسان قد يأتي اليوم...

تم تنظيف الممرات، وقضبان الزنزانات، وبدا الحراس الخمسة الذين يحرسون الزنزانات بكامل لياقتهم، ذقون محلوقة وناعمة، ملابس مكوية جداً...

ـ اسمك..
ـ كذا..
ـ أين تسكن؟
ـ في طلعة السوق، بجانب محطة المحروقات، قرب فرن أبو شمسية..
ـ صحتك؟
ـ أعاني من تلبك في المعدة، وقد طلبت إحالتي على طبيب، ولم يتم ذلك..
ـ كيف نوع الأكل الذي يقدمونه لك؟
ـ لماذا أنت موقوف؟
ـ لا أعلم، فلم توجه لي تهمة حتى اليوم!
ـ رقم تلفونك؟
ـ كذا..
تساءل علوان: لماذا تلك الأسئلة التي وصلت الى مسامعه من زنزانة قريبة؟ وهل هم فعلاً حريصون على حقوق الإنسان؟ أم أنهم يتصيدون عملاء وجواسيس بحجة حقوق الإنسان..

وصل السائل الى علوان، فكان رجلاً أشقرا له شوارب شقراء طرفاها مدببان ومعقوفان الى الأعلى، كانت هيئته كهيئة جنرالٍ إنجليزي من الحرب العالمية الأولى حضر حفلاً بملابسه المدنية، ومعه مترجم عربي بشرته مائلة الى السواد.

ـ اسمك؟
ـ علوان..
ـ كيف صحتك؟
ـ الحمد لله، لا أشكو من أي شيء..
ـ كيف الطعام الذي يُقدم لك؟
ـ تعجز زوجتي أن تصنع مثله، فهو طعام متكامل وصحي..
ـ لماذا أنت موقوف؟
ـ هذه قضية بيني وبين حكومة بلادنا، لن أجاوب!
رمقه الأشقر بنظرة غريبة ثم انصرف الى الزنزانة التي بعد زنزانته..
أخرج علوان لفافة تبغ، وتقدم الى شبك البوابة، وهي طريقة لإشعال سجائر المدخنين من النزلاء، كونه لا يسمح لهم بالاحتفاظ بالمقادح، فتفاجأ بصوت مدير المعتقل الذي كان يسير خلف المفتشين بخطوات لا يراها النزلاء الذين توجه لهم الأسئلة، يأمر الحارس: ولع سيجارة الأستاذ..
ـ مرحبا أستاذ!

بعد ساعة تقريباً، أو بعد أن تيقن مدير المعتقل، أن اللجنة قد غادرت، أمر الحراس أن يخرجوا النزيل الذي أعطى التفاصيل..
ـ أخرجوا بارد الوجه... امسحوا فيه الأرض... فرموه أرضاً، وهو من فوقه، مريض؟ الأكل لا يعجبك؟ وأخذوا يسحلوه من مكان لمكان، وهو يولول ويترجى..


__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 10-01-2012, 12:30 PM   #15
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(43)

تسعٌ وخمسون يوماً مضت، وهو لم يرَ ضوء الشمس، كانت اللقاءات مع المحققين خلالها قليلة جداً، أربعة لقاءات فقط، لم تكن الأسئلة والمطالب من المحققين تتلاءم مع تلك المدة. وفي اليوم الأخير تم اللقاء ثلاث مرات، كل مرة لا تزيد عن بضعة دقائق، طلب فيها المحققون توقيعاً بالتعهد بعدم دخول أي انتخابات بلدية، نقابية، برلمانية بصفة حزبية...

بعد أقل من ساعة، وبعد أن تم سحب همام من الزنزانة، كان علوان يقف أمام غرفة تسليم الأمانات، وبعد أن استلم أماناته، كان في شارعٍ مشمسٍ، تسير فيه المركبات، والسابلة. أراد أن يسير أطول مسافة ممكنة، لكن حنينه لذويه برز فجأة ليوقفه عن السير، فالتفت وجد صالون لحلاقة الرجال، فدخله على الفور.

لم يكن في الصالون زبائن، بل كان الحلاق يقتل وقته في التمعن بتسريحة شعره، أو التفكير بابتكار تسريحات، وكان على يمينه قرب الباب قفصٌ به أحد الطيور ضئيلة الحجم المغردة..

أجلسه الحلاق حيث كان يجلس، فواجهته صورته بالمرآة وكأنه يقدمه للتعارف مع شخص تهيأ له أن الحلاق ظنه لا يعرف من في المرآة. تأمل في هيئته، وعدم انتظام حلاقاته السابقة ووجهه الذي كان يبدو شاحباً كشمراخ عود ذرة نما في الظل، وكاد أن يعتذر من الحلاق، ويقول له أين كان ولماذا غدت هيئته كذلك، ولكنه لم يفعل، فقد أوقف تهيئه للاعتذار صوت العصفور المُغرِّد داخل القفص.

يا لهذا العصفور، إنه يغرد وهو موضوع في قفص لا يعادل حجم فراغه جزءاً يسيراً من المتر المكعب، ومع ذلك يغرد، ويقفز من عودٍ ثُّبت بهذا الطرف الى عودٍ ثُّبت في طرف آخر، إنه لا يمل ولا يتذمر، ولا يفكر بالتكاثر أو الثورة الى الخروج للحرية، ومن يدري فلعل خبراته التي اكتسبها تُشعره أنه في القفص أكثر أمناً من خارجه، أو أنه وضع لنفسه هدفاً من الحياة في أن يغرد فقط، وما دام لا أحد يمنعه من تحقيق هدفه، فلماذا يتذمر؟

(44)

امتلأت الدار بزوارٍ كُثُر، وتغيرت معها نكهة الدار، فالأمكنة تأخذ نكهتها ممن يشغلون حيزها، فنكهة (ستاد) رياضي تكون وقت مباراة نهائية بين فريقين مشهورين، غيرها عندما لا يكون فيه أحد، والأسواق في أواخر شهر رمضان، غيرها في ظهيرة يومٍ مشمس من أيام الصيف...

نساءٌ في عمر والدته أو أقل تحمل بعضهن عُلب من الحلوى بعضها استلمته بعضهن في مناسبات مختلفة، شيوخٌ يعرف ملامح وجوههم قبل عدة سنوات، شبابٌ يحاولون التشبث في مرحلة الشباب، أطفال مع ذويهم أحضروهم حتى لا يعبثوا في ترتيب أثاث منازلهم...

من المؤكد أن أهداف تواجدهم في هذا المكان لم تكن كلها تعاطف مع إطلاق سراح مُعتقل، فكثيرٌ منهم لا يعرف عن الاعتقال السياسي شيئاً، وبعضهم لم يعرف أين كان علوان أصلاً...

كانت الأحاديث تتم مثل البرقيات، كيف حالك؟ إن شاء الله ما ضايقوك؟ من حقق معك؟ هل رأيت فلان؟ هل بقي جواز سفرك المنتهي لديهم؟ بماذا تفكر الآن؟ وماذا ستختار من الأعمال؟ وكيف ستقضي وقتك؟ والغريب أنه في بعض الإجابات يستخلص السائل صوراً وتفاصيل لم يستطع علوان استخلاصها طيلة مدة اعتقاله، فمجرد أن يعطي وصفاً تقريبياً لأحد المحققين، حتى ينطق السائل أو من يجاوره في اسم المحقق ومتى انتسب للمخابرات وأين كان! وقد قيل عن المحقق الأول أنه من قرية قريبة من بلدة علوان، وأن زوجته بنت فلان، وعندما يوصف المحقق الثاني يبادر أحدهم بالكشف عن اسمه، إنه عماد ابن مسعود الطويل من قرية دير القمح، شقيق مدير الأراضي في المحافظة، كان رئيساً لاتحاد الطلبة في دمشق وقد كان مجنداً أصلاً في المخابرات!

تأمل علوان في أحاديث زوَّاره وتعليقاتهم، وحاول ربطها بما رآه في المعتقل، فكان كل محقق يساوره الشك أنه معروف، حتى لو لم يعلن عن اسمه، وهذا ما كان يجعله يتحسب للقاء منتظر مع من يحقق معه!

(45)

ذهب الجميع، وبقي علوان بين أفراد أسرته، كان يحس أنهم لم يحسموا تصنيف مشاعرهم تجاهه، هل هو مشروع مُناضل؟ أم مشروع عابث؟ كما تهيأ له أنه هو نفسه في حالة من عدم الحسم تجاه ما هو فيه... كان يسمع أصوات وأسئلة معظمها لم يُخطط لصياغتها بشكل يتطلب إجابات فورية، وكان يتعامل معها بإجابات أو تعقيبات تتناسب مع عدم دقتها...

وجه والده خلا من أي علامة تفشي ما يُفكر به، ووجه والدته طغى عليه الرضا بأن ابنها لا يزال على قيد الحياة، ووجه زوجته الشاحب أعاد إليه رجوع زوجها محفزات الشروع بالأمل، أما وجه طفلته التي لم تبلغ الأربع سنوات بعد، فكأنه كان يتشكك من صلة هذا الرجل بها، ووجه طفله الذي لم يبلغ الثلاث سنوات كان في عالمٍ آخر لا يعنيه ما دار ويدور حوله..

في لحظات الصمت القصيرة، كانت تقفز لذهنه تساؤلات كثيرة ومتشابكة، هل السببية تسكن فينا، أم تجاورنا؟ وهل نون الجماعة تقتصر على أفراد تلك الأسرة الجالسين حوله أم تتعداها الى ما خارج المنزل؟ وإن تعدتها أين حدودها النهائية؟ هل هي في الحي أم في البلدة أم في الوطن أم تمتد الى ضفاف الأطلسي وبحر العرب؟

أحس أنه على محكٍ أكثر جدية من كل ما مر به سابقاً، فليس لديه الخيار، لأن ما سيُفرض عليه ليس جزءاً من شيء يمكن أن يختاره عند اللزوم، أو بعض من كلٍ يمكن أن يختار أفضل ما يناسبه منه، بل ما يُعرض عليه هو بُنية متكاملة من كُلٍ متمفصل، لا يُسمح بأي اختيار. وليس للأجزاء وجود خارج الكل، ولهذا (الكُل) منطقه وقوانينه ومقولاته، لم يتدرب عليها جيداً وحتى لم يعهدها، فسيصغي لمن تدرب على تلك المشاهد ممن يقدمون أنفسهم كأصدقاء أو بقايا رفاق، ويقيم ما سيُطرح عليه..

أن يصل الى الخلاص مما هو فيه دون ألم، فهذا من المستحيلات، فكل خطوة يتقدم بها نحو الراحة تتفوق على ما فيه من آلام، مشاكله مثل قِطَعٍ من الكُركُم تحتاج الى دقٍ شديد في (الهاون) وبيدينٍ قويتين، كل طرقة من الهاون تهز كيانه الداخلي وتخلق عنده رغبةً في التخلي عن إكمال مشوار (السحن).
__________________
ابن حوران

آخر تعديل بواسطة ابن حوران ، 10-01-2012 الساعة 01:11 PM.
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 17-01-2012, 01:08 PM   #16
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(46)

أخذ علوان يفكر بجدولة أعماله المقبلة، وعلاقاته الاجتماعية الجديدة، وبرامج نومه وزياراته، والتوافق بين أن يعيش في كنف أسرته المكونة من أبيه وأمه اللذان يفوقان عمره بعشرات السنين، وكذلك زوجته وطفليه، وبين تحقيق آمالهم في جعل حياتهم مريحة بعض الشيء...

تذكر أن صديقاً قديماً كان من أترابه، وطلاب صفوفه الدراسية اسمه (خليل)، وهو شقيق إبراهيم خريج يوغسلافيا والذي أراد أن يتشارك مع علوان في مزرعة أبقار. كان أرعناً كثير الحركة والمغامرات، صاحب نكتة يخترعها بإضافاتٍ كاذبة من طرفه، بلغه أنه وهو خارج البلاد أنه تعرض لحادث سير، أنقذته بعد أن انقلبت سيارته دورية من الشرطة العسكرية، ولكن من أنقذه لم يراع طريقة حمله على كتفه، فأثر ذلك على النخاع الشوكي، فبدا مشلولاً لا يستطيع النهوض... وصف له أحدهم الذهاب الى تشيكوسلوفاكيا للعلاج الطبيعي، غاب أكثر من سنة، وقد عاد قبل يومين، فقرر علوان زيارته..

انحنى علوان ليعانق صديقه الممدد على سرير أُعِّد له، وحوله عدة مقاعد لمن يحضر لتسليته والسلام عليه، فبعد معانقته عضَّه خليل في ذراعه عضة مؤلمة، لكنه تحملها وضحك مع الضاحكين...

عرف معظم الحاضرين الذين التقى بهم ذلك المساء، والأمسيات التي تلت ذلك اليوم. لم يكونوا أبناء مدرسة واحدة ولا جامعة واحدة ولا حزب واحد ولا تربطهم قرابة، كانوا قد تجمعوا حول خليل كتجمع أغراضٍ يخطفها خطافٌ أُنزِل في بئر لانتشال دلو ساقط، وقد يخرج الخطاف دلواً غير الدلو المنشود، ومن ثم يخرج فردة حذاء ومن ثم دلوا آخر، ولكن من أخرج تلك الأشياء لم يعيدها الى البئر، بل احتفظ بها جميعا...

كان منهم ثلاثة على الأقل ينتسبون لرابطة الأدباء، أحدهم يكتب القصة القصيرة، والثاني يكتب مقالات أسبوعية في جريدة يومية، والثالث مهندساً لكنهم كانوا يعودون له في تصحيح الأخطاء اللغوية في أعمالهم الأدبية...

كانوا يحضرون زوجاتهم وأطفالهم معهم، فتدخل النساء والأطفال الى غرفة واسعة، يتحدثن أحاديث متنوعة، وكانت معظم تلك النسوة من خريجات الجامعات، ويُحَضرْن بعض المأكولات الخفيفة والحلويات والعصائر وغيرها...


لم يعلم علوان سر ظهور هؤلاء بنشوة شبه دائمة. مُعظم أحاديثهم كانت تدور حول التندر بالعادات والتقاليد المحلية والألفاظ القديمة التي يتلفظ بها المجتمع الريفي، وكذلك يتناولون شخصيات المجتمع العام، فهذا لص وهذا متعاون مع المخابرات، وذاك آفاق محظوظ...

كان الرجال يحاذون نسائهم محاذاة، دون انصهار وجداني عميق، وكانت علاقاتهم بهن كعلاقة أسلاك الكهرباء الموجبة بالسالبة تتحاذى مع بعض دون تماس، وكان أطفالهم يشبهون السلك الثالث (المتعادل). كانت الأطراف الثلاثة لكل أسرة تعيش في مهادنة مديدة. وقد يكون سر نشوتهم في ذلك.. فالرجال ليس بهم خشونة سكان الريف الأصليين فلا يضايقون نسائهم، والنساء تشبع رضا الرجال بما يتلاءم مع طموحاتهم غير الواضحة، فهي تجتهد بابتكار بعض الأطعمة وتبدو بمظاهر متقدمة أمام أصدقاء الرجال، والأطفال لا يتعرضون للزجر والحرمان، ويُقدمون أحياناً (نُمراً) ترضي ذويهم... كانت برجوازية تلك الأسر الناشئة، (سرخسية) الطابع، لا جذور عميقة لها..

كانت المجموعة تشبه (ضُمَّة) من نبات (الحمص) الأخضر، تبدو عن بُعدٍ يانعة عفية، لكن ذلك لا يمنع من اكتشاف (أجراس) فارغة لا تحتوي شيئاً.

كان على كل واحد منهم أن يحضر بيده شيئاً، حتى يضمن أنه لا يوضع داخل دائرة البخلاء أو الزوار ثقيلي الظل، وقد كان بعضهم قد اغترب وأتى ببعض المال، وبعضهم يزاول مهنة الهندسة في مكتبٍ خاص، كانت أعمارهم تتراوح بين الخمس والثلاثين والسبعة والأربعين عاماً، وأعدادهم تصل الى خمسة عشر شخصاً، يتواجد منهم في كل أمسية حوالي خمسة أو ستة أشخاص..

(47)

فكر علوان بزيارة خليل عصراً، حتى يتسنى له الحديث معه بشكل رئيسي، فقد كان يعلم كيف أن خليل ينتظر قدوم المساء حتى يتجمع حوله المتسامرون، لكنه كان يلمح في كل مرة إحساساً في عينيه، بأن تلك الشفقة التي تأتي من هؤلاء ليس وفاءً له، أو لخدمته، بل وجدوا في تلك المناسبة محطة استراحة تجعلهم في حالة أشبه ما تكون ب(المساج) الاجتماعي لإزالة ما عانوا في نهارهم، هذا إذا كانوا قد عانوا..

فرح خليل بتلك الزيارة، وأعاد قصة الحادث وكيف أنه سقط من أعلى جسر بالسيارة بعد منتصف الليل، وبقيت أضواء السيارة المقلوبة شغالة، حتى لمحته دورية شرطة عسكرية، وتطوع أحدهم أن يحمله على كتفه...

سأله علوان عن مدى تحسنه بعد العلاج الطبيعي في تشيكوسلوفاكيا، حاول النهوض، ووقف على ساقيه بعد معاناة، وهو يرتجف، فأشار إليه علوان راجياً أن يجلس، وأخذ يفكر ويستمع في آن واحد لخليل، كانت لهجة خليل مروعة، كيف كان كثير الحركة، يسهر في بيروت أو دمشق ويعود، وكيف سيصبح بعد هذه الحال؟ وكيف أنه رفض الزواج من أجمل فتيات الحي عندما تم الاتفاق مع والدها ووالده دون أن يعلم؟ ومن التي ستقبل به بعد هذا المصير؟

دخل إبراهيم، وحيا علوان، وسأله ماذا عنك الآن؟ هل لا زلت تفكر في مزرعة الأبقار، وكيف ستتصرف وجواز سفرك المحجوز فلا سفر ولا وظيفة حكومية؟

ـ لدي مجموعة من الأفكار، ولكني أدقق في دراسة كل منها، كما أن هناك مشكلة التمويل، فهي عائق كبير، ولا أريد أن أثقل على والدي، وهناك من نصحني بالتوجه الى بنك التسليف الزراعي، وسأقوم بزيارة الفرع في البلدة..

ـ مدير الفرع (أبو جهاد) أحد رفاقنا القدماء، وسيتعاون معك، سأرافقك لزيارته غداً إن شئت...

ـ حسناً، وإن لم تفلح تلك الزيارة، سأقوم بفتح مكتب للاستشارات الزراعية وبيع الأسمدة والبذور وغيرها...

حدثه إبراهيم عن لقاءاتهم اليومية، ووصف هؤلاء الزوار بأنهم (مِلح المجتمع) فهم على درجة كبيرة من الثقافة والوطنية والعفة والذوق الرفيع، وطلب منه عدم الانقطاع عن مثل تلك السهرات... وحدثه عن عمله، حيث يدير مجمع النقابات المهنية في المحافظة، الخاصة بالمهندسين والمحامين والمهندسين الزراعيين، وهناك نية لانضمام باقي النقابات للمجمع، ودعاه للانتساب السريع للنقابة وزيارته..

(48)

(أهلاً عمي علوان)، كيف أنت؟ أنا آسف، كان لازم أزورك وأهنئك بالسلامة، واليوم كُنَّا بسيرتك، أنا وأبو المعتصم، لا أدري هل تعرفه؟

كان أبو جهاد في الثانية والخمسين من عمره، ويعلم علوان عمره بالدقة، لأنه سمعهم يقولون أنه قد ولد يوم ولد سليمان بك قريبه، ويعلم أنهما قضيا بداية حياتهما في حزب الشعب وسكنا في بيت واحد..

كان شعره غزيراً ولكنه ذا لونٍ أزرق تقريباً لاختلاط البياض بالسواد، لم يره أخرج مقدحة أو علبة ثقاب لإشعال سيجارته، بل يشعل كل واحدة من أختها، وأحياناً يلاحظ أنه أشعل اثنتين في آن واحد، رغم ندرة تلك الحالة عند من يدخنون بمثل ذلك الأسلوب...

بعد أن أخبره إبراهيم عن غرض الزيارة لهما لفرع بنك التسليف الزراعي، عَدَّل أبو جهاد جلسته وأشعل سيجارة أخرى وسيجارته لا زالت أطول من نصفها، وناول علوان ورقة وقلم، وأملاه الأوراق المطلوبة، وابتسم ابتسامة عن أسنان بيضاء قوية لا تتناسب مع لون شعره أو بشرته النحاسية.. وقال: نحن في خدمة الطيبين..
__________________
ابن حوران

آخر تعديل بواسطة ابن حوران ، 17-01-2012 الساعة 01:20 PM.
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 28-01-2012, 02:01 PM   #17
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(49)

بينما هو يفكر بوصف صاحبه إبراهيم على أن مجموعتهم هي (ملح المجتمع)، ذهب فكره الى أبعد من ذلك، كيف يكون للملح أهمية إذا كان في منأى عن الطعام؟ فاتصالات حبيبات ملحهم لا تفارق بعضها البعض، فإن زرت أحدهم في مكتبه الهندسي صباحاً ستجد ثلاثة ممن يسهرون في المساء في ذلك المكتب، وإن زرت مجمع النقابات ستجد خمسة يسهرون منذ الساعات الأولى للنهار في ذلك المكتب، أحاديثهم هي نفسها أحاديث المساء، انتقاد للحكومة والشعب والعادات والتقاليد واستعراض لمقولات لروائيين عالميين وتبادل للكتب التي يشترونها... حتى أولادهم الناشئة لا يطلعون على تلك المواضيع، كيف سيملحون طعام المجتمع؟ ومتى وأين؟ ومن ثَمَّ كيف لمجموعة تريد أن يستنتج مَن يصاحبها أنهم حريصون على رفع شأن الشعب، وهم في نفس الوقت يتهكمون على عاداته وتقاليده ويسخرون من واقعه؟

بينما هو في تلك المراجعة، إذ برجلٍ خمسيني يتهدل جفناه الأسفلين من عينيه، يطرح التحية، ويتبعها ب (أبو المعتصم يسلم)... بادره علوان: وصلت..

تبادل الرجلان أطراف الحديث، ثم اتفقا على موعد لاجتماع مُقبل..

ما الذي يمكن أن يفعله فردٌٍ يعتقد أنه يمتلك مهاراتٍ معينة، لم ينتظرها منه أحد، أو لم يعترف بها أحد، وحتى إن اعترف بها أحد، ولم يسأله إياها، ما الفائدة؟ ثم من قال أن لديه مهارات أصلاً؟ فمعظم ما يعتقد أنها مهارات قد تكون مفيدة، كانت قد تكونت في بيئة مختلفة وعوامل تنمية لتلك المهارات أيضاً مختلفة! فهل يجوز أن تفيد مهارات رجلٍ بارع في التزلج على الجليد مجتمعاً صحراوياً لا يشبع الماء؟ وهل سيختار مدرب لكرة القدم، لاعباً احترف (تنس الطاولة) ليضمه الى فريقه؟

كلا، إن تلك الأمثلة لا تُطابق المشهد الذي عاينه علوان، فقضايا الإنسانية متشابهة في الجبال والصحارى والمدن والقرى، كل ما هنالك أنها تحتاج لقليل من التكييف ومواضعة عوامل القوة في البيئة الجديدة.

(50)

في بيت لائذٍ في زقاقٍ، وفي أمسيةٍ ماطرة، اجتمع ستة رجال، كانت ابتساماتهم حذرة ومتوجسة ووثابة في نفس الوقت، ترأس اجتماعهم أبو المعتصم..

نحن في صدد إعادة ترميم التنظيم في البلد، وقد وقع اختيار القيادة العليا على أسمائكم للقيام بتلك المهمة في هذه المحافظة والذي قُدِّر عدد الحزبيين الذين يجب إعادة ربطهم بعشرة آلاف على الأقل، لم يبين أبو المعتصم للجالسين أن هذا هو الاجتماع الأول لتلك المجموعة، ولم يسأله أحد عن ذلك ولا عن من تكون القيادة العليا..

خَمَّن علوان أنه هو الوحيد الذي لا يعرف إن كان هذا هو الاجتماع الأول أم لا، كما خمَّن أنه الوحيد الذي لا يعرف أسماء القيادة العليا، وبقية الرفاق يعرفونهم، ويفترضون بنفس الوقت أنه يعرفهم، فلذلك لم يذكر رئيس الجلسة تلك المعلومات.. وقد يكون الكل لا يعرف ويخمِّن الأمور كما خمنها علوان...

ناول أبو المعتصم علوان قائمة من مائتين وسبعين اسماً، وقال له تتعاون مع الرفيق وهيب على إعادة ربطهم بالتنظيم...
لاحظ علوان وهو يتصفح القائمة، اسم شقيقه الأكبر نجيب، واسم صديقه إبراهيم، ولم يلاحظ أسماء مثل سيف أبو معجونة وأكرم شلال عبد الفتاح وخيرو فارع شحاته، وعندما سأل عنهم، أجابه المسئول أن أكرم الذي كان رئيساً لاتحاد الطلبة هو الآن النائب الأول لرئيس ديوان الخدمة المدنية، وخيرو فارع (أول من فاتحه للانضمام للحزب) هو الآن مساعد رئيس قسم الأحزاب في المخابرات، وسيف أبو معجونة استهوى السلوك البرجوازي وقيل أنه انضم لأحد نوادي الروتاري، وقد تم فصل هؤلاء جميعاً من الحزب..

(51)

لم تكن مهمة علوان ورفيقه وهيب سهلة، فكان عليهما التحرك في ربوع حوالي مائة قرية وبلدة، لإنجاز الاتصال بمن كُلفوا بهم..

كان بعض من تم الاتصال بهم، طلبوا وقتاً للتفكير، وعند مراجعتهم، كانوا يبلغون أهاليهم أن يخبروهما أن من تبحثان عنه غير موجود، سافر.. خرج، غَيَّر عنوانه..

كان البعض الآخر، يُجاهر بعدم الرغبة في هذا النوع من العمل، لاهتزاز قناعته، أو لحساسية موقعه الوظيفي، أو يُسفه أحياناً ذلك النمط من العمل قائلاً: (ألم تكفوا عن تلك العبثية؟). وكان منهم من يهدد: إن عدتما للاتصال بي فإني سأعلم المخابرات بذلك..

وفي ذات مرة، عندما طرق وهيب الباب، خرجت طفلة، فأجابت أن أخاها موجود وستذهب لكي تطلب منه الخروج، لمح علوان أخاها قد قفز من على جدار جانبي للبيت وركض باتجاه بعيد، فخرجت الطفلة تقول أنها لم تجده!

همس علوان بأذن وهيب: يكفينا بضعة وعشرون شخصاً وافقوا على الاتصال، ومن الأفضل أن نكف عن الإلحاح في الاتصال بغيرهم، فليس جميلاً أن نصنع ذاكرة مخزية عن هؤلاء... ومن يدري، فقد تتغير الظروف، أو قد نحتاجهم في مواقف انتخابات نقابية أو برلمانية، فيكونوا أقل حرجاً وأكثر فائدة...
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-02-2012, 11:09 PM   #18
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(52)

من بين أربعة أعضاء لحلقة، كان اثنان أحدهما مهندس والآخر يحمل ماجستير في العلوم السياسية، كان مشهوداً لهما بالاستقامة والزهد والثقافة العالية. ذهب المهندس الى دولة خليجية وعاد منهياً عقده (بنفسه) بعد ثلاث سنوات، لما رأى في شركة أمريكية كانت تُشرف على تأهيل جيش ذلك البلد، فكانت تقيم الأبنية والمسابح والمطاعم لتهيئة مستلزمات الإشراف على تدريب الجيش، وفي كل مرة تبتكر طرح عطاءات، مثلاً لتدريب الحلاقين للجنود، وهذا يتطلب دورات باللغة فتطرح عطاء لمدرسة اللغة، وإقامة المتدربين والمدربين.. اكتشف من خلال ذلك المسلك كيف يتم اقتطاع العمولات من مُشرفٍ محلي صاحب نفوذ، لتصل الكلفة الى عشرة أضعاف الكلفة الحقيقية، فاستهوى المشهد المهندس لتتبع تلك الابتكارات في تضييع الأموال، ليطلب لقاءاً مع مسئول كبير، ليفضح تلك المظاهر من الفساد، وتبين له فيما بعد أن المسئول الذي طلب لقاءه يعرف التفاصيل! عندما عاد اشترى قطعة من الأرض وبنا بيتين أهدى أحدهما لصديقه، وافتتح مكتباً هندسياً، لم يحقق له سوى العيش بحياة أقل من المتوسطة.

أما حامل الماجستير في العلوم السياسية، فقد رفض العمل بعدة مواقع كانت من الممكن أن تجعل منه رجل دولة ذو مكانة ما.

كانا لا يتوانيان عن قول ما يحسان به في الندوات، أو اللقاءات العامة والخاصة، وكانا يُستدعيان للأجهزة الأمنية باستمرار، ويخرجان لقوة حجتهما دونما أن يتعرضا لعقوبة السجن.

في الجلسة الأولى لهما مع علوان، والذي تربطهما معه علاقة ودودة، كان يحس علوان بوعورة العلاقة الحزبية التي سيمضيانها معه. عندما ذكر علوان في مُستهل حديثه عن صعوبة الاتصال بالحزبيين المُراد إعادة ربطهم، وكيف أن نسبة ضئيلة استجابت لذلك، بادر صاحب العلوم السياسية بالسؤال: وكيف تفسر ما جرى رفيقنا؟

ـ قد تكون صعوبة الحياة، والخوف من الأجهزة الأمنية، وراء ذلك!
ـ لا أظن ذلك، فأمة قدمت خلال نصف قرن ما يقارب عشرة ملايين شهيد، لا تحسب ذلك الحساب، وأمة يتنزه كثيرٌ من شبابها عن مغريات الحياة، لا تزال المراهنة على نهوضها قائمة..
ـ كأني أستشعر أن لديك تفسيراً آخرا؟
ـ نعم، ليس هناك عيبٌ في المبادئ، وهذا واضحٌ، فلا أحد يكره الوحدة ولا أحد يكره الحرية، ولا أحد ينكر العدالة الاجتماعية... بل العيب يظهر في التطابق بين النظرية والسلوك... لا يشفع لك أن ترفع شعاراً بالوحدة وأنت على خلاف مع أخيك على فتح شباك بين بيتك وبيته، ولا تشفع لك رفع شعار الحرية وأنت تقمع أقرب الناس لك، ولا يشفع لك أن تطالب بالعدالة الاجتماعية والذين يحيطون بك وأنت على رأس الحكم، هم من أقاربك، هذا يخلق ارتكاس ونكوص لدى أتباعك أو من هم مُعجبون بفكرك...

ـ هل تعلم رفيق؟ أحياناً أشعر أن الثقافة الزائدة تكون عدوة للانضباط، وعلى مر التاريخ، إن من آمن بفكرة واحدة أو حتى عنوانها كانوا أكثر صرامة وانتشاراً من المثقفين، انظر قبائل المغول، والعثمانيين كونت إمبراطوريات، لم تقم على المناقشة والفكر، بل الانصياع وراء عنوان فكرة فقط...

تدخل المهندس وقال: لكن تلك فترات زمنية لم تخلق وراءها حضارة قابلة للاستمرار، بل كانت حقبة تنقضي...

شعر علوان، أن رفيقيه كان كمدعوين لوليمة، لم يتناولا منها لقمة واحدة، وتركا كوبا (الشاي) دون أن يشربا منه شيئاً...

(53)

في جلسات اللجنة التنظيمية العليا للإقليم، لم تأخذ المناقشات طابعاً فكرياً قوياً، ولا حتى إبداعياً في مجال الربط بين الدعاية الفكرية وأذرعها الإدارية كالنقابات والبلديات ومواطن تخزين الرأي العام...

كان أعضاء المجموعة القيادية يحملون معهم دفاتر دونوا عليها الحضور والاشتراكات المالية لتنظيماتهم وبعض الأشياء الأخرى، وما أكثرها..

كان من بين تلك الأشياء الأخرى، طرح تَغَيُب أحد المعلمين الذين يُشهد لهم بصلابتهم وحضورهم الاجتماعي القوي، وقد تغيب أكثر من ستة أشهر، وعند مناقشة وضعه تبين أنه (زعلان) لأن الحزب لم يؤمن لابنه البكر مقعداً في كلية الطب، ولم يستوعب أن ابنه لم يحصل على ستين درجة من مائة، وأن أقل معدل يحتاج الى ثمانين لكي يتنافس بين أبناء الحزبيين على مقاعد الطب الخمسة..

أخرج أحدهم مجموعة من الطلبات، كان من بينها رفض أحدهم لمبلغ خمسة عشر ألف دولار، لكي يفتح لنفسه مصلحة، لأن الأجهزة الأمنية، لم توافق على تعيينه في أي وظيفة حكومية، ولأن جواز سفره لا يزال محجوزاً منذ خمس سنوات، ولأن المبلغ لا يكفي (لفروغ يد: أي أخذ محل تجاري من مستأجره)..

اعترض وهيب على هذا الحجم من الطلبات التي أسماها سخيفة، وقال: علينا أن نطرد كل حزبيي (الفُم الواحد)، وعندما استفسر المسئول عن ذلك المصطلح، ابتسم وهيب ابتسامة قوية وشرح: النساء يغسلن غسيلهن ويقلن: غسلته (فُمين ولم ينظف)، فهؤلاء الحزبيون يحتاجون لأكثر من فم لتطهيرهم...

لم يرتح أي من الأعضاء لطرح وهيب، وبرروا أن الحياة قاسية، وما دام الحزب قادراً على مساعدتهم، لماذا نُصعب عليهم الأمور؟

رد وهيب: إن أي شخص لا يستطيع أن يحل قضاياه الشخصية، لا يستطيع الادعاء بأنه سيحل مشاكل الأمة، وأن هذا النمط من المساعدات سيفسد الحزب ويجعل أعضاءه مشاريع لبؤر فساد في المستقبل... وأضاف: خذوا مثال رفيقنا علوان جواز سفره محجوز منذ سبع سنوات، وقد عمل مزرعة وافتتح مكتباً للاستشارات والخدمات الزراعية، والآن يعمل لديه حوالي أربعين معظمهم من رفاقنا...

(54)

جاء وهيب بعد آخر اجتماع الى بيت علوان، وشاوره في مسألة خروجهم من التنظيم لعدم فائدته... لم يفاجأ علوان بتلك النزعة من طرف وهيب، وقد فكر بها هو سابقاً، لكنه سأله: أليس ذلك انشقاقاً؟

ـ قد يسمونه (هم) انشقاقاً، ولكن بنظري (أنا) هم المنشقون، فمن يحرف مبادئ الحزب ونظرياته، ليجعلها جامدة وراكدة ويقتات على هامش مستنقعها، لا يستحق أن يوصف بأنه رائد عمل ثوري..

ساد صمتٌ قليل بينهما...

سأل وهيب: هل سمعت بحياتك يا علوان أن حزباً يوعد الجماهير بقطع الكهرباء عنهم وانتشار البطالة وحفر الشوارع؟
ـ كلا..
ـ نعم، إن كل الأحزاب تعد بجعل (البحار والصحارى بساتين)، ولكن الفيصل في إنجاز ما تعد تلك الأحزاب، لا فيما تقول..

سننتشر بين صفوف الشعب، ونلتقط من آمنوا بما نؤمن، وسنجلس بين الفقراء والعمال والفلاحين، ونحاول الدخول للبلديات والنقابات، وسنبقى نحمل اسم الحزب نفسه، وإن سألنا أحدٌ عن بقية الحزب لا نجاوب، رغم أننا نعرف أن من بقي يتاجر بحزبيي (الفُم الواحد) سيصفوننا بأسوأ الأوصاف: منشقين، عملاء للمخابرات الخ..

ابتسم علوان، ففهم وهيب أنه وافقه..



__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-02-2012, 12:40 PM   #19
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(55)

عاد وهيب بعد أن أدى فريضة الحج، وزاره الكثير من المعارف القدماء والجدد الذين استطاع أن يزور بيوتهم مع علوان في مناسبات مختلفة، (انتخابات برلمانية، انتخابات بلدية، مناسبات اجتماعية مختلفة، مشاكل حياتية من قتل وطلاق وغيرها)، وكان المدى الواسع من أطياف الزائرين يؤكد صحة نهجه، في أن العمل الجماهيري يحتاج تواصل وتدرب على تكييف اللغة والأفكار ليستوعبها كل مواطن...

خلال عشر سنوات أو أكثر قليلاً من ابتعادهما عن جسم التنظيم الحزبي الأصلي، استطاعا جمع عشراتٍ بل مئات حولهما، ممن يؤمنوا بأفكارهما. كانت بصماتهما واضحة في سبع عشر منظمة اجتماعية ونقابية في البلدة، فقد استطاعا إيصال اثنين من رفاقهما للمجلس البلدي، واستطاعا تأسيس جمعيتين خيريتين، وترأس كل النقابات المهنية (أطباء، مهندسين، محامين، أطباء أسنان الخ) كما أسسا نقابة لعمال البناء كان كل قيادتها من رفاقهما العمال الذين تم كسبهم من الشارع. كما استطاعا أن يفشلا وصول أي شخص للبرلمان مشهوداً له بالفساد، ولكنهما لم يستطيعا إيصال أي من رفاقهم للبرلمان..

احتار الكثير بمعرفة حجم تنظيمهما، فمن الناس من قدر عدده بالآلاف ومنهم، من قال أنهما لم يفصلا من التنظيم الأصلي، وأن ممارستهما تندرج تحت العمل الواجهي أو تمويه الاسم للابتعاد عن الملاحقات الأمنية..

والغريب أن أجهزة الدولة، كانت تستدعي أحدهما للتنسيق في حل مشاكل اجتماعية، ففي حادثة قتل قام بها ابن عم علوان، لم تستدع الدولة سليمان بك ولا كبار السن من أقارب علوان، بل استدعت علوان والذي استمر في متابعة الأمر لمدة ستة سنين حتى نجح في حلها...

كما أن الحزب الذي انشقوا عنه، لم يذكرهما بأي سوء، بل كان يقدم انجازاتهما على أنها تعود لنشاطاته، خصوصاً تلك المتعلقة بتأسيس اتحاد الشباب على مستوى البلاد..

(56)

قبل وفاته بسنتين، اتصل الحزب بوهيب وعلوان من أجل ضم تنظيمهما للحزب خصوصاً أن تنظيمهما لم يغير اسمه، رفض وهيب ذلك رفضاً قاطعاً، وقبله علوان شريطة أن يخضع ذلك لاستفتاءٍ داخل تنظيمهما..

كان وهيب يحلم بأن يكون الحزب بوصفه منظمة دعائية تتصل بأذرع إدارية، باستطاعتها الضغط على الدولة لتغيير مسار سلوكها، فإن رفضت يتم الإيعاز للنقابات العمالية بوقف عملها والإضراب (فتنقطع الكهرباء، وتتوقف أعمال تصفية النفط، ويختفي عمال التنظيف من الشوارع، ويتوقف الأطباء والممرضين عن أداء عملهم)، وفي تلك الحالة فقط، سينصاع النظام لتغيير قوانين اللعبة. وكان يسخر من النضال النقابي الذي تقسم به البلاد الى لونين: قائمة بيضاء وأخرى خضراء، والمتنافسون على رأسيهما هم وكلاء وزارات في الدولة أو مدراء عامون!


جرى الاستفتاء، وكانت النتيجة تميل ميلاً بسيطاً لصالح الانضمام للحزب الرئيسي، وكان على رأس هذا المجموعة علوان، فتم الانضمام..

أما وهيب ومجموعته فقد اعتزلوا العمل العام، أو أن المرض الخبيث أجبر وهيب أن يعتزل، ولم يمهله حتى توفاه الله...

(57)

جلس علوان يتأمل المشهد، فقد مات وهيب عن عمر ستين عاماً، وبقيت الجماعات الأخرى التي كانت تستنكف عن العمل العام بحجة عبثيته وعدم جدواه، تسهر وتلتقي في نفس الأمكنة التي اعتادت أن تلتقي فيها، وتنتقد وتتهكم وتضع الفهارس للأخطاء والتجاوزات، وتقترح اقتراحات للخلاص مما المجتمع فيه، وتحيل كل ذلك ل(نائب فاعل) غير معروف...

أما أبناؤهم والذين بلغت أعمارهم حوالي الأربعين أو أقل، فقد ورثوا فقط الابتسامة الساخرة من الوضع، ولكنهم ـ حتى أبناء علوان ووهيب ـ لم يهتموا بما كان يهتم به آباؤهم ..

يترك القوم أرضهم لجفاف أو قحط ألَّم بها، ويهاجرون الى أرض الله، ومنهم من يعود الى مسقط رأسه بعد وقت أو تعود روحه.. وقد لا تكون الهجرة بسبب الجفاف والقحط، فلماذا هاجر سكان البلاد القديمة الى أمريكا وكانت أعدادهم من القلة بمكان بحيث أن موارد الرزق تكفيهم فيها.

تغادر مجموعة أفكار (العقل: كوعاء)، وتتجه الى شكلٍ آخر من التفكير، وتسفه ما كانت تعتقد به، ثم تعود تلك المنظومة لتحط في مسقط رأسها الأول، هكذا فعل الملحدان مصطفى محمود و (روجيه غارودي).

وتغادر الطيور مواقعها ومواطنها لتهيم على وجهها الى حيث لا تعرف، ولكنها في كل المرات تختار مسارات يتحاذى فيها نسيم البحر مع نسيم البر، لتصرف أقل قدرٍ من الطاقة، فتحملها تلك المسارات لنفس الاتجاه، ويدرس العلماء تلك الظاهرة ويضعون لها تفاسير قد تكون بعيدة جداً عن حقيقة الأمر..

ومن الغريب أن آبائها يلحقون بها، وكأنهم شككوا في تجاربهم، أو أنهم راهنوا على تجربة كُررت عدة مرات. وهناك من يقول أن لِحاق آبائها بها لكي يكونوا قريبين من إدراكها بعبثية رحلتها، فيعيشون لحظاتهم الأخيرة يشعرون ببعض الزهو لأن أبنائهم عادوا الى حيث كانوا!

انتهى
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .